
04-12-2024, 12:37 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ التَّوْبَةِ
المجلد التاسع
الحلقة( 339)
من صــ 281 الى صـ 295
وقال: " «إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، وإني أتيتك، فقال: " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فلم يجده، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، وغضب حتى أشفق أبو بكر، وقال: أنا كنت أظلم يا رسول الله، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها». قال البخاري: سبق بالخير.
وقد تقدم ما في الصحيحين أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ; لعلمه وعلم سائر الناس أن هؤلاء هم رءوس الإسلام، وأن قيامه بهم.
ولهذا لما سأل الرشيد مالك بن أنس عن منزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه في مماته ".
فقال: " شفيتني يا مالك شفيتني يا مالك ".
وكثرة الاختصاص والصحبة، مع كمال المودة والائتلاف والمحبة، والمشاركة في العلم والدين تقتضي أنهما أحق بذلك من غيرهما، وهذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم.
أما الصديق فإنه مع قيامه بأمور من العلم والفقه عجز عنهما غيره حتى بينها لهم، لم يحفظ له قول يخالف فيه نصا، وهذا يدل على غاية البراعة والعلم، وأما غيره فحفظت له أقوال كثيرة خالفت النصوص لكون النصوص لم تبلغه.
والذي وجد لعمر من موافقته النصوص أكثر من موافقة علي، يعرف هذا من عرف مسائل العلم، وأقوال العلماء فيها، والأدلة الشرعية، ومراتبها، وذلك مثل عدة المتوفى عنها زوجها، فإن قول عمر فيها هو الذي وافق النص دون القول الآخر، وكذلك مسألة الحرام: قول عمر وغيره فيها هو الأشبه بالنصوص من القول الآخر الذي هو قول علي، وكذلك المخيرة التي خيرها زوجها، والمفوضة للمهر، ومسألة الخلية، والبرية، والبائن، والبتة، وكثير من مسائل الفقه.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» " ..
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظافري، ثم ناولت فضلي عمر "، قالوا: ما أولته يا رسول الله؟ قال: " العلم» ".
وفي الترمذي وغيره عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» " ولفظ الترمذي: " «لو كان بعدي نبي لكان عمر» " قال الترمذي: " حديث حسن ".
وأيضا فإن الصديق استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة، التي هي عمود الإسلام، وعلى إقامة المناسك قبل أن يحج النبي صلى الله عليه وسلم، فنادى: " «أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» ".
«وأردفه بعلي، فقال: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور»، فأمر أبا بكر على علي، فكان ممن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع ويطيع لأبي بكر.
وهذا بعد غزوة تبوك التي استخلف فيها عليا على المدينة.
وكتاب أبي بكر في الصدقات أصح الكتب وآخرها، ولهذا عمل به عامة الفقهاء، وغيره في كتابه ما هو متقدم منسوخ، فدل على أنه أعلم بالسنة الناسخة.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد، قال: كان أبو بكر أعلمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فالصحابة لم يتنازعوا في زمن أبي بكر في مسألة إلا فصلها، وارتفع النزاع، فلا يعلم بينهم في زمانه مسألة تنازعوا فيها إلا ارتفع النزاع بينهم بسببه، كتنازعهم في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنه، وميراثه، وتجهيزه جيش أسامة، وقتال مانعي الزكاة، وغير ذلك من المسائل الكبار.
بل كان رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حقا، يعلمهم، ويقومهم، ويشجعهم، ويبين لهم من الأدلة ما تزول معه الشبهة، فلم يكونوا معه يختلفون.
وبعده فلم يبلغ علم أحد وكماله علم أبي بكر وكماله، فصاروا يتنازعون في بعض المسائل، كما تنازعوا في الجد والإخوة، وفي الحرام، والطلاق الثلاث، وفي متعة الحج، ونفقة المبتوتة وسكناها، وغير ذلك من المسائل المعروفة مما لم يكونوا يتنازعون فيه على عهد أبي بكر.
وكانوا يخالفون عمر وعثمان وعليا في كثير من أقوالهم، ولم يعرف أنهم خالفوا الصديق في شيء مما كان يفتي به ويقضي، وهذا يدل على غاية العلم،وقام رضي الله عنه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام الإسلام فلم يخل بشيء، بل أدخل الناس من الباب الذي خرجوا منه، مع كثرة المخالفين من المرتدين وغيرهم، وكثرة الخاذلين فكمل به من علمهم ودينهم ما لا يقاومه فيه أحد.
وكانوا يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع هذا الاتصال اللفظي بموته.
قال أبو القاسم السهيلي: ظهر سر قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} (سورة التوبة: 40) في اللفظ والمعنى، فإنهم قالوا: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع هذا بموته.
وأيضا فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة، وأبو بكر لم يتعلم من علي شيئا، ومما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعليا، كعلقمة والأسود وشريح وغيرهم، كانوا يرجحون قول عمر على قول علي، وأما تابعو المدينة ومكة والبصرة فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يذكر، وإنما ظهر علم علي وفقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته، وكل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر لا في فقه ولا علم ولا دين، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر، إلا من كان ينكر عليه ويذمه، مع قلتهم وحقارتهم وخمولهم.
وهم ثلاث طوائف: طائفة غلت فيه، وادعت فيه الإلهية، وهؤلاء حرقهم بالنار.
وطائفة سبت أبا بكر رأسهم عبد الله بن سبأ، فطلب علي قتله حتى هرب منه إلى المدائن.
وطائفة كانت تفضله حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنه فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفتري.
وقد روي عن علي من نحو ثمانين وجها أنه قال على منبر الكوفة: " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".
وفي صحيح البخاري وغيره من رواية رجال همدان خاصته التي يقول فيهم:
ولو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام أنه قال وقد سأله ابنه محمد ابن الحنفية: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قال: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال: ثم أنت؟ قال: إنما أبوك رجل من المسلمين.
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان الثوري،
حدثنا جامع بن شداد، حدثنا أبو يعلى منذر الثوري، عن محمد ابن الحنفية، قال: قلت لأبي: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بني، أوما تعرف؟ فقلت: لا، فقال أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر ".
وهذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه، ولخاصته، ويتقدم بعقوبة من يفضله عليهما، ويراه مفتريا. والمتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما، يقول الحق، ولا يسميه مفتريا.
وكل من كان أفضل من غيره من الأنبياء والصحابة وغيرهم فإنه أعلم، ورأس الفضائل العلم، قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [سورة الزمر: 9]، والدلائل على ذلك كثيرة، وكلام العلماء كثير في ذلك.
[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]
فصل.
قال الرافضي: " الثالث ما ورد فيه من الفضائل كآية
الغار وقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى} [سورة الليل: 17]، وقوله: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [سورة الفتح: 16] والداعي هو أبو بكر: وكان أنيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش يوم بدر، وأنفق على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقدم في الصلاة ".
قال: " والجواب أنه لا فضيلة له في الغار لجواز أن يستصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره.
وأيضا فإن الآية تدل على نقيضه لقوله: {لا تحزن} فإنه يدل على خوره وقلة صبره، وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضا بمساواته النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقضاء الله وقدره ; ولأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان معصية كان ما ادعوه من الفضيلة رذيلة.
وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله
شرك معه المؤمنين إلا في هذا الموضع ولا نقص أعظم منه.
وأما: {وسيجنبها الأتقى}، فإن المراد "أبو الدحداح، حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره، وقد عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صاحب النخلة نخلة في الجنة، فأبى فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عوضها له بستانا في الجنة".
وأما قوله تعالى: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [سورة الفتح: 16]، [يريد سندعوكم إلى قوم]، فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية. والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله:
{قل لن تتبعونا} [سورة الفتح: 15] لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، ثم قال: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون} [سورة الفتح: 16] يريد سندعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد، وقد دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوات كثيرة: كمؤتة وحنين، وتبوك، وغيرهما؛ فكان الداعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأيضا جاز أن يكون [علي] هو الداعي، حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وكان رجوعهم إلى طاعته [إسلاما] لقوله عليه الصلاة والسلام: "يا علي حربك حربي"، وحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر.
وأما كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس؛ لكن لما عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمره
لأبي بكر بالقتال يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرات في غزواته. وأيما أفضل: القاعد عن القتال، أو المجاهد بنفسه في سبيل الله؟.
وأما إنفاقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكذب ; لأنه لم يكن ذا مال، فإن أباه كان فقيرا في الغاية، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمد كل يوم يقتات به؛ فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه. وكان أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كان خياطا، ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال: إني محتاج إلى القوت فجعلوا له كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة، ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش. وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر البتة شيء، ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن، كما نزل في علي: {هل أتى} [سورة الإنسان: 1].
ومن المعلوم أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أشرف من الذين تصدق عليهم أمير المؤمنين، والمال الذي يدعون إنفاقه أكثر، فحيث لم ينزل فيه قرآن؛ دل على كذب النقل.
وأما تقديمه في الصلاة فخطأ؛ لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر، ولما أفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع التكبير فقال: من يصلي بالناس؟ فقالوا: أبو بكر،
فقال: أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه عن القبلة وعزله عن الصلاة وتولى هو الصلاة ".
قال الرافضي: " فهذه حال أدلة القوم، فلينظر العاقل بعين الإنصاف وليقصد اتباع الحق دون اتباع الهوى، ويترك تقليد الآباء والأجداد؛ فقد نهى الله تعالى [في كتابه] عن ذلك ولا تلهيه الدنيا عن إيصال الحق [إلى] مستحقه، ولا
يمنع المستحق عن حقه، فهذا آخر ما أردنا إثباته في هذه المقدمة.
والجواب أن يقال: في هذا الكلام من الأكاذيب والبهت والفرية ما لا يعرف مثله لطائفة من طوائف المسلمين، ولا ريب أن الرافضة فيهم شبه قوي من اليهود؛ فإنهم قوم بهت يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وظهور فضائل شيخي الإسلام: أبي بكر وعمر أظهر بكثير عند كل عاقل من فضل غيرهما؛ فيريد هؤلاء الرافضة قلب الحقائق، ولهم نصيب من قوله تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه} [سورة الزمر: 32]، {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون} [سورة يونس: 17] ونحو هذه الآيات.
فإن القوم من أعظم الفرق تكذيبا بالحق وتصديقا بالكذب؛ وليس في الأمة من يماثلهم في ذلك.
أما قوله: " لا فضيلة في الغار ".
فالجواب: أن الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن لقوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] فأخبر الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] أن الله معه ومع صاحبه كما قال لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى} [سورة طه: 46].
وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، قال "نظرت إلى إقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" ".
وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق فلم يختلف في ذلك اثنان منهم، فهو مما دل القرآن على معناه يقول: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40].
والمعية في كتاب الله على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة كقوله تعالى:
{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم} الآية [سورة الحديد: 4].
وقوله: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [سورة المجادلة: 7].
فهذه المعية عامة لكل متناجين، وكذلك الأولى عامة لجميع الخلق.
ولما أخبر سبحانه في المعية أنه رابع الثلاثة وسادس الخمسة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" "، فإنه لما كان معهما كان ثالثهما كما دل القرآن على معنى الحديث الصحيح. وإن كان هذه معية خاصة وتلك عامة.
وأما المعية الخاصة فكقوله تعالى لما قال لموسى وهارون: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [سورة طه: 46]، فهذا تخصيص لهما دون فرعون وقومه فهو مع موسى وهارون دون فرعون.
وكذلك لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: " {لا تحزن إن الله معنا} " كان معناه: إن الله معنا دون المشركين الذين يعادونهما
ويطلبونهما كالذين كانوا فوق الغار ولو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصر ما تحت قدميه.
وكذلك قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [سورة النحل: 128]، فهذا تخصيص لهم دون الفجار والظالمين وكذلك قوله تعالى: {إن الله مع الصابرين} [سورة البقرة: 153] تخصيص لهم دون الجازعين.
وكذلك قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي} الآية [سورة المائدة: 12]، وقال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} [سورة الأنفال: 12].
وفي ذكره سبحانه للمعية عامة تارة وخاصة أخرى: ما يدل على أنه ليس المراد بذلك أنه بذاته في كل مكان، أو أن وجوده عين وجود المخلوقات، ونحو ذلك من مقالات الجهمية الذين يقولون بالحلول العام والاتحاد العام أو الوحدة العامة ; لأنه على هذا القول لا يختص بقوم دون قوم ولا مكان دون مكان، بل هو في الحشوش على هذا القول [وأجواف البهائم]، كما هو فوق العرش [فإذا أخبر أنه مع قوم دون قوم كان هذا مناقضا لهذا المعنى ; لأنه على هذا القول لا يختص
بقوم دون قوم، ولا مكان دون مكان، بل هو في الحشوش على هذا القول كما هو فوق العرش].
والقرآن يدل على اختصاص المعية تارة وعمومها أخرى؛ فعلم أنه ليس المراد بلفظ " المعية " اختلاطه.
وفي هذا أيضا رد على من يدعي أن ظاهر القرآن هو الحلول؛ لكن يتعين تأويله على خلاف ظاهره، ويجعل ذلك أصلا يقيس عليه ما يتأوله من النصوص.
فيقال له: قولك إن القرآن يدل على ذلك خطأ كما أن قول قرينك الذي اعتقد هذا المدلول خطأ، وذلك لوجوه.
أحدها: أن لفظ (مع) في لغة العرب إنما تدل على المصاحبة والموافقة والاقتران، ولا تدل على أن الأول مختلط بالثاني في عامة موارد الاستعمال.
كقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه} [سورة الفتح: 29] لم يرد أن ذواتهم مختلطة بذاته.
وقوله: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [سورة التوبة: 119].
وكذلك قوله: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [سورة الأنفال: 75].
وكذلك قوله عن نوح: {وما آمن معه إلا قليل} [سورة هود: 40].
وقوله عن نوح أيضا: {فأنجيناه والذين معه في الفلك} الآية [سورة الأعراف: 64].
وقوله عن هود: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا} [سورة الأعراف: 72].
وقول قوم شعيب: {لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا} [سورة الأعراف: 88].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|