عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-12-2024, 01:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ التَّوْبَةِ
المجلد التاسع
الحلقة( 338)

من صــ 266 الى صـ 280






والمقصود هنا أن الصحبة المذكورة في قوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] صحبة موالاة للمصحوب ومتابعة له لا صحبة نفاق كصحبة المسافر للمسافر، وهي من الصحبة التي يقصدها الصاحب لمحبة المصحوب كما هو معلوم عند جماهير الخلائق علما ضروريا بما تواتر عندهم من الأمور الكثيرة أن أبا بكر كان في الغاية من محبة النبي صلى الله عليه وسلم وموالاته والإيمان به أعظم مما يعلمون أن عليا كان مسلما، وأنه كان ابن عمه.
وقوله: " {إن الله معنا} " لم يكن لمجرد الصحبة الظاهرة التي ليس فيها
متابعة، فإن هذه تحصل للكافر إذا صحب المؤمن ليس الله معه، بل إنما كانت المعية للموافقة الباطنية والموالاة له والمتابعة.
ولهذا كل من كان متبعا للرسول كان الله معه بحسب هذا الاتباع، قال الله تعالى: {ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64] أي: حسبك وحسب من اتبعك، فكل من اتبع الرسول من جميع المؤمنين فالله حسبه، وهذا معنى كون الله معه.
والكفاية المطلقة مع الاتباع المطلق، والناقصة مع الناقص، وإذا كان بعض المؤمنين به المتبعين له قد حصل له من يعاديه على ذلك فالله حسبه، وهو معه وله نصيب من معنى قوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}، فإن هذا قلبه موافق للرسول، وإن لم يكن صحبه ببدنه، والأصل في هذا القلب.
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم " قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: " وهم بالمدينة حبسهم العذر» ".

فهؤلاء بقلوبهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغزاة، فلهم معنى صحبته في الغزاة، فالله معهم بحسب تلك الصحبة المعنوية.
ولو انفرد الرجل [في] بعض الأمصار والأعصار بحق جاء به الرسول ولم تنصره الناس عليه، فإن الله معه، وله نصيب من قوله: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40]، فإن نصر الرسول هو نصر دينه الذي جاء به حيث كان، ومتى كان، ومن وافقه فهو صاحبه عليه في المعنى، فإذا قام به ذلك الصاحب كما أمر الله، فإن الله مع ما جاء به الرسول، ومع ذلك القائم به.
وهذا المتبع له حسبه الله، وهو حسب الرسول كما قال تعالى: {حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64].
[فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه]
فصل.
وأما قول الرافضي: " إن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم شرك معه المؤمنين إلا هذا الموضع، ولا نقص أعظم منه ".
فالجواب: أولا: أن هذا يوهم أنه ذكر ذلك في مواضع متعددة وليس كذلك، بل لم يذكر ذلك إلا في قصة حنين.
كما قال تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين - ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها} [سورة التوبة: 25، 26] فذكر إنزال السكينة على الرسول والمؤمنين بعد أن ذكر توليتهم مدبرين.
وقد ذكر إنزال السكينة على المؤمنين وليس معهم الرسول في قوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [سورة الفتح: 1] إلى قوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [سورة الفتح: 4] الآية، وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم} [سورة الفتح: 18].
ويقال: ثانيا: الناس قد تنازعوا في عود الضمير في قوله تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه} [سورة التوبة: 40] فمنهم من قال: إنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال: إنه عائد إلى أبي بكر لأنه أقرب المذكورين ولأنه كان محتاجا إلى إنزال السكينة، فأنزل السكينة عليه كما أنزلها على المؤمنين الذين بايعوه تحت الشجرة.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان مستغنيا عنها في هذه الحال لكمال طمأنينته بخلاف إنزالها يوم حنين، فإنه كان محتاجا إليها لانهزام جمهور أصحابه وإقبال العدو نحوه وسوقه ببغلته إلى العدو.

وعلى القول الأول يكون الضمير عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما عاد الضمير إليه في قوله: {وأيده بجنود لم تروها} [سورة التوبة: 40] ; ولأن سياق الكلام كان في ذكره، وإنما ذكر صاحبه ضمنا وتبعا.
لكن يقال: على هذا لما قال لصاحبه: {إن الله معنا} والنبي صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع، وأبو بكر تابع مطيع، وهو صاحبه والله معهما، فإذا حصل للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم الحال فإنه صاحب تابع لازم، ولم يحتج أن يذكر هنا أبو بكر لكمال الملازمة والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في التأييد.
بخلاف حال المنهزمين يوم حنين، فإنه لو قال: فأنزل الله سكينته على رسوله وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم فارقوا الرسول، ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال الملازمة ما ثبت لأبي بكر.
وأبو بكر لما وصفه بالصحبه المطلقة الكاملة، ووصفها في أحق الأحوال أن يفارق الصاحب فيها صاحبه، وهو حال شدة الخوف، كان هذا دليلا بطريق الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد، فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد، فلأن يكون صاحبه في حال حصول النصر والتأييد أولى وأحرى فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها.
وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه.
وهذا كما في قوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [سورة التوبة: 62]، فإن الضمير [في قوله: (أحق أن يرضوه)] إن عاد إلى الله، فإرضاؤه لا يكون إلا بإرضاء الرسول، وإن عاد إلى الرسول فإنه لا يكون (* إرضاؤه إلا بإرضاء الله، فلما كان إرضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر، وهما يحصلان بشيء *) واحد، والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع، وحد الضمير في قوله: {أحق أن يرضوه}، وكذلك وحد الضمير في قوله: {فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها} ; لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له، إذ محال
أن ينزل ذلك على الصاحب دون المصحوب، أو على المصحوب دون الصاحب الملازم، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحد الضمير، وأعاده إلى الرسول فإنه هو المقصود والصاحب تابع له.
ولو قيل: فأنزل السكينة عليهما وأيدهما، لأوهم أن أبا بكر شريك في النبوة، كهارون مع موسى حيث قال: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا} الآية [سورة القصص: 35]، وقال: {ولقد مننا على موسى وهارون - ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم - ونصرناهم فكانوا هم الغالبين - وآتيناهما الكتاب المستبين - وهديناهما الصراط المستقيم} [سورة الصافات: 114 - 118]، فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما فيه.
كما قال: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [سورة الفتح: 26] إذ ليس في الكلام ما يقتضي حصول النجاة والنصر لقومهما إذا نصرا ونجيا، ثم فيما يختص بهما ذكرهما بلفظ التثنية إذا كانا شريكين في النبوة لم يفرد موسى كما أفرد الرب نفسه بقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [سورة التوبة: 62]، وقوله: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} [سورة التوبة: 24].
فلو قيل: أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما لأوهم الشركة، بل عاد الضمير إلى الرسول المتبوع، وتأييده تأييد لصاحبه التابع له الملازم بطريق الضرورة.
ولهذا لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم قط في موطن إلا كان أبو بكر رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده، ولم يكن أحد من الصحابة أعظم يقينا وثباتا في المخاوف منه، ولهذا قيل: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح.
كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء» ".
وقال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه.
[فصل في مناقشة ابن المطهر على كلامه عن مثالب أبي بكر في زعمه]
قال الرافضي " وقد ذكر غيره منها أشياء كثيرة، ونحن نذكر منها شيئا يسيرا. منها ما رووه عن أبي بكر أنه قال على المنبر: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتصم بالوحي، وإن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني»، وكيف يجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية تحتاج إليه؟ ".
والجواب: أن يقال: هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق - رضي الله عنه - وأدلها على أنه لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا، فلم يكن طالب رياسة، ولا كان ظالما، وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال لهم: إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها، وإن زغت عنها فقوموني، كما قال أيضا: أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

والشيطان الذي يعتريه يعتري جميع بني آدم، فإنه ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن.
والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن " قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: " وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ".
وفي الصحيح عنه قال: «لما مر به بعض الأنصار وهو يتحدث مع صفية ليلا، قال: " على رسلكما، إنها صفية بنت حيي " ثم قال: " إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» ".
ومقصود الصديق بذلك: إني لست معصوما كالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا حق.
وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية؟ كلام جاهل بحقيقة الإمامة، فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم، ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله. وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا، فلا بد له من إعانتهم، ولا بد لهم من إعانته، كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق: إن سلك بهم الطريق اتبعوه، وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه، وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه، لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم.
وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته، وإن سها سبحوا به فقوموه إذا زاغ.
وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه، وإن غلط قوموه.
والناس بعد الرسول لا يتعلمون الدين من الإمام، بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة.
ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة، بل قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية [سورة النساء: 59]، فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول لا إلى الأئمة وولاة الأمور، وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنما الطاعة في المعروف» "، وقال: " «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» "، وقال: " «من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه» ".
وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية تحتاج إليه؟
وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الآخر، حتى الشركاء في التجارات والصناعات، وإمام الصلاة هو بهذه المنزلة، فإن المأمومين يحتاجون إليه، وهو يحمل عنهم السهو وكذلك القراءة عند الجمهور، وهو يستعين بهم إذا سها فينبهونه على سهوه ويقومونه، ولو زاغ في الصلاة فخرج عن الصلاة الشرعية لم يتبعوه فيها، ونظائره متعددة.
ثم يقال: استعانة علي برعيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر، وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له، فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه، كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك.
وكانوا إذا أمرهم أطاعوه. وعلي - رضي الله عنه - لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن، ثم رأى أن يبعن، فقال له قاضيه عبيدة السلماني: رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة.
وكان يقول: اقضوا كما كنتم تقضون ; فإني أكره الخلاف، حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي.
وكانت رعيته كثيرة المعصية له، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه، ثم يتبين له أن الصواب كان معهم، كما أشار عليه الحسن بأمور، مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة، وأن لا يخرج إلى الكوفة، وأن لا يقاتل بصفين، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية، وغير ذلك من الأمور.
وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنتظم لعلي - رضي الله عنهم -، فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية، كانوا هم ورعيتهم أفضل. وإن كان لكمال المتولي وحده، فهو أبلغ في فضلهم، وإن كان ذلك لفرط نقص رعية علي، كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر - رضي الله عنه - وعمر وعثمان.
ورعيته هم الذين قاتلوا معه، وأقروا بإمامته. ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم. فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي، لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه.

وأيضا فقد انتظمت السياسة لمعاوية ما لم تنتظم لعلي، فيلزم أن تكون رعية معاوية خيرا من رعية علي، ورعية معاوية شيعة عثمان، وفيهم النواصب المبغضون لعلي، فتكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي، فيلزم على كل تقدير: إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي، وإما أن تكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي والروافض.
وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة ; فإنهم يدعون أن عليا أكمل من الثلاثة، وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة، فضلا عن أصحاب معاوية.
والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي، فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة - على رأيهم - أعظم اضطرابا وأقل انتظاما من الإمام الناقص والرعية الناقصة؟ بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم؟
ولم يكن في أصحاب علي من العلم والدين والشجاعة والكرم، إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة. فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين.
ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي، فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع من هو دونه أولى وأحرى، فعلم أنهم شر وأنقص من غيرهم.
وهم يقولون: المعصوم إنما وجبت عصمته لما في ذلك من اللطف بالمكلفين والمصلحة لهم. فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة الشيعة، واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة، علم أن ما ذكروه من إثبات العصمة باطل.
وتبين حينئذ حاجة الأئمة إلى الأمة، وأن الصديق هو الذي قال الحق وأقام العدل أكثر من غيره.
(فصل آخر في فضائل الصديق - رضي الله عنه -)
قال شيخ الإسلام:
وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: " «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس وسادس، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا بعد ما مضى من الليل ما شاء. قالت امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أوما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء: عرضوا عليهم العشاء فغلبوهم»، وذكر الحديث.
وفي رواية قال: " «كان أبي يتحدث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، وفي سفر الهجرة لم يصحب غير أبي، ويوم بدر لم يبق معه في العريش غيره» ".
وقال: " «إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» ".
وهذا من أصح الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة.
وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: " «كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى من ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما صاحبكم فقد غامر فسلم» ".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]