عرض مشاركة واحدة
  #336  
قديم 04-12-2024, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ التَّوْبَةِ
المجلد التاسع
الحلقة( 336)

من صــ 236 الى صـ 250




وهذا واجب على كل مؤمن والصديق أقوم المؤمنين بذلك قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [سورة الأحزاب: 6] وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ".
وحزنه على النبي صلى الله عليه وسلم يدل على كمال موالاته ومحبته، ونصحه له واحتراسه عليه وذبه عنه ودفع الأذى عنه، وهذا من أعظم الإيمان وإن كان مع ذلك يحصل له بالحزن نوع ضعف، فهذا يدل على أن الاتصاف بهذه الصفات مع عدم الحزن هو المأمور به، فإن مجرد الحزن لا فائدة فيه ولا يدل ذلك على أن هذا ذنب يذم به، فإن من المعلوم أن الحزن على الرسول أعظم من حزن الإنسان على ابنه، فإن محبة الرسول أوجب من محبة الإنسان لابنه.
ومع هذا فقد أخبر الله عن يعقوب أنه حزن على ابنه يوسف وقال: {ياأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} الآية [سورة يوسف: 84 - 86]، فهذا إسرائيل نبي كريم قد حزن على ابنه هذا الحزن، ولم يكن هذا مما يسب عليه، فكيف يسب أبو بكر إذا حزن على النبي صلى الله عليه وسلم خوفا أن يقتل، وهو الذي علقت به سعادة الدنيا والآخرة؟!.
ثم إن هؤلاء الشيعة - وغيرهم - يحكون عن فاطمة من حزنها على النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يوصف، وأنها بنت بيت الأحزان، ولا يجعلون ذلك ذما لها مع أنه حزن على أمر فائت لا يعود وأبو بكر إنما حزن عليه في حياته خوف أن يقتل وهو حزن يتضمن الاحتراس، ولهذا لما مات لم يحزن هذا الحزن لأنه لا فائدة فيه فحزن أبي بكر بلا ريب أكمل من حزن فاطمة، فإن كان مذموما على حزنه، ففاطمة أولى بذلك وإلا فأبو بكر أحق بأن لا يذم على حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم من حزن غيره عليه بعد موته.
وإن قيل: أبو بكر إنما حزن على نفسه لا يقتله الكفار.
قيل: فهذا يناقض قولكم إنه كان عدوه، وكان استصحبه لئلا يظهر أمره.
وقيل: هذا باطل بما علم بالتواتر من حال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبما أوجبه الله على المؤمنين.
ثم يقال هب أن حزنه كان عليه، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أفيستحق أن يشتم على ذلك، ولو قدر أنه حزن خوفا أن يقتله عدوه لم يكن هذا مما يستحق به هذا السب.
ثم إن قدر أن ذلك ذنب فلم يصبر عنه، بل لما نهاه عنه انتهى فقد نهى الله تعالى الأنبياء عن أمور كثيرة انتهوا عنها، ولم يكونوا مذمومين بما فعلوه قبل النهي.
وأيضا فهؤلاء ينقلون عن علي وفاطمة من الجزع والحزن على فوت مال فدك وغيرها من الميراث ما يقتضي أن صاحبه إنما يحزن على فوت الدنيا وقد قال تعالى: {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [سورة الحديد: 23] فقد دعا الناس إلى أن لا يأسوا على ما فاتهم من الدنيا، ومعلوم أن الحزن على الدنيا أولى بأن ينهى عنه من الحزن على الدين.
وإن قدر أنه حزن على الدنيا، فحزن الإنسان على نفسه خوفا أن يقتل أولى أن يعذر به من حزنه على مال لم يحصل له.
وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس يذكرون فيمن يوالونه من أخبار المدح، وفيمن يعادونه من أخبار الذم ما هو بالعكس أولى فلا تجدهم يذمون أبا بكر وأمثاله بأمر إلا ولو كان ذلك الأمر ذما لكان علي أولى بذلك، ولا يمدحون عليا بمدح يستحق أن يكون مدحا إلا وأبو بكر أولى بذلك فإنه أكمل في الممادح كلها، وأبرأ من المذام كلها: حقيقيها وخياليها.
[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه]
فصل.
وأما قوله: " إنه يدل على قلة صبره ".
فباطل، بل ولا يدل على انعدام شيء من الصبر المأمور به، فإن الصبر على المصائب واجب بالكتاب والسنة، ومع هذا فحزن القلب لا ينافي ذلك.

كما قال صلى الله عليه وسلم: " «إن الله لا يؤاخذ على دمع العين، ولا على حزن القلب، ولكن يؤاخذ على هذا - يعني اللسان - أو
يرحم» ".
وقوله: " إنه يدل على عدم يقينه بالله ".
كذب وبهت، فإن الأنبياء قد حزنوا، ولم يكن ذلك دليلا على عدم يقينهم بالله، كما ذكر الله عن يعقوب، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال: " «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» ".
وقد نهى الله عن الحزن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {ولا تحزن عليهم} [سورة النحل: 127].
وكذلك قوله: " يدل على الخور وعدم الرضا بقضاء الله وقدره ".
هو باطل، كما تقدم نظائره.
[كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]
فصل.
وقوله: " وإن كان الحزن طاعة استحال نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وإن كان معصية كان ما ادعوه فضيلة رذيلة ".
والجواب أولا: أنه لم يدع أحد أن مجرد الحزن كان هو الفضيلة، بل الفضيلة ما دل عليه قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} الآية [سورة التوبة: 40].
فالفضيلة كونه هو الذي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال واختص بصحبته، وكان له كمال الصحبة مطلقا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: " {إن الله معنا} "، وما يتضمنه ذلك من كمال موافقته للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وطمأنينته، وكمال معونته للنبي صلى الله عليه وسلم وموالاته ففي هذه الحال من كمال إيمانه، وتقواه ما هو الفضيلة.
وكمال محبته ونصره للنبي صلى الله عليه وسلم هو الموجب لحزنه إن كان حزن مع أن القرآن لم يدل على أنه حزن كما تقدم.

ويقال: ثانيا: هذا بعينه موجود في قوله عز وجل لنبيه: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127]، وقوله: {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} [سورة الحجر: 88] ونحو ذلك، بل في قوله تعالى لموسى: {خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} [سورة طه: 21].
فيقال: إن كان الخوف طاعة فقد نهى عنه، وإن كان معصية فقد عصى.
ويقال: إنه أمر أن يطمئن ويثبت، لأن الخوف يحصل بغير اختيار العبد إذا لم يكن له ما يوجب الأمن فإذا حصل ما يوجب الأمن زال الخوف.
فقوله لموسى {ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} [سورة طه: 21] هو أمر مقرون بخبره بما يزيل الخوف.
وكذلك قوله: {فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [سورة طه: 67، 68] هو نهي عن الخوف مقرون بما يوجب زواله.
* وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه: " {لا تحزن إن الله معنا} نهي عن الحزن مقرون بما يوجب زواله * وهو قوله.
إن الله معنا وإذا حصل الخبر بما يوجب زوال الحزن والخوف زال وإلا فهو تهجم على الإنسان بغير اختياره.
وهكذا قول صاحب مدين لموسى لما قص عليه القصص: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} [سورة القصص: 25] وكذلك قوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [سورة آل عمران: 139] قرن النهي عن ذلك بما يزيله من إخباره أنهم هم الأعلون إن كانوا مؤمنين. وكذلك قوله: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127] مقرون بقوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [سورة النحل: 128] وإخبارهم بأن الله معهم يوجب زوال الضيق من مكر عدوهم.
وقد قال لما أنزل الله الملائكة يوم بدر: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} [سورة آل عمران: 126].
ويقال: ثالثا: ليس في نهيه عن الحزن ما يدل على وجوده كما تقدم، بل قد ينهى عنه لئلا يوجد إذا وجد مقتضيه وحينئذ فلا يضرنا كونه معصية لو وجد فالنهي قد يكون نهي تسلية وتعزية وتثبيت، وإن لم يكن المنهي عنه معصية، بل قد يكون مما يحصل بغير اختيار المنهى وقد يكون الحزن من هذا الباب.
ولذلك قد ينهى الرجل عن إفراطه في الحب وإن كان الحب مما لا يملك وينهى عن الغشي والصعق والاختلاج وإن كان هذا يحصل بغير اختياره والنهي عن ذلك ليس لأن المنهي عنه معصية إذا حصل بغير اختياره، ولم يكن سببه محظورا.
فإن قيل فيكون قد نهي عما لا يمكن تركه.

قيل: المراد بذلك أنه مأمور بأن يأتي بالضد المنافي للحزن، وهو قادر على اكتسابه، فإن الإنسان قد يسترسل في أسباب الحزن والخوف وسقوط بدنه فإذا سعى في اكتساب ما يقويه ثبت قلبه وبدنه، وعلى
هذا فيكون النهي عن هذا أمرا بما يزيله وإن لم يكن معصية كما يؤمر الإنسان بدفع عدوه عنه، وبإزالة النجاسة ونحو ذلك مما يؤذيه وإن لم يكن حصل بذنب منه.
والحزن يؤذي القلب، فأمر بما يزيله كما يؤمر بما يزيل النجاسة، والحزن إنما حصل بطاعة، وهو محبة الرسول ونصحه، وليس هو بمعصية يذم عليه وإنما حصل بسبب الطاعة لضعف القلب الذي لا يذم المرء عليه وأمر باكتساب قوة تدفعه عنه ليثاب على ذلك.
ويقال: رابعا لو قدر أن الحزن كان معصية فهو فعله قبل أن ينهى عنه فلما نهي عنه لم يفعله، وما فعل قبل التحريم فلا إثم فيه كما كانوا قبل تحريم الخمر يشربونها ويقامرون فلما نهوا عنها انتهوا، ثم تابوا كما تقدم.
قال أبو محمد بن حزم: " وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كان غاية الرضا لله فإنه كان إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان الله معه والله لا يكون قط مع العصاة بل عليهم، وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن، ولو كان لهؤلاء الأرذال حياء، أو علم لم يأتوا بمثل هذا، إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك على محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام عيبا، لأن الله تعالى قال لموسى: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [سورة القصص: 35]، ثم قال عن السحرة لما قالوا:
{إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى} إلى قوله: {فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [سورة طه: 67، 68]، فهذا موسى رسول الله وكليمه كان قد أخبره الله عز وجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليهما، وأنه هو الغالب، ثم أوجس في نفسه خيفة بعد ذلك فإيجاس موسى لم يكن إلا لنسيانه الوعد المتقدم، وحزن أبي بكر كان قبل أن ينهى عنه، وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله قال:
{ومن كفر فلا يحزنك كفره} [سورة لقمان: 23] وقال تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127]، وقال: {فلا يحزنك قولهم} [سورة يس: 76]، {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [سورة فاطر: 8]، ووجدناه تعالى قد قال: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} [سورة الأنعام: 33] فقد أخبرنا أنه يعلم أن رسوله يحزنه الذي يقولون ونهاه عن ذلك، فيلزمهم في حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي أوردوا في حزن أبي بكر سواء ونعم إن حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله قبل أن ينهاه الله كما كان حزن أبي بكر طاعة لله قبل أن ينهاه عنه، وما حزن أبو بكر
بعد ما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن، فكيف وقد يمكن أن أبا بكر لم يكن حزن يومئذ؟، لكن نهاه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون منه حزن، كما قال تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} [سورة الإنسان: 24].
[فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا]

فصل.
قال شيخ الإسلام المصنف رحمه الله تعالى ورضي الله عنه: وقد زعم بعض الرافضة أن قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] لا يدل على إيمان أبي بكر، فإن الصحبة قد تكون من المؤمن والكافر.
كما قال تعالى: {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا - كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا - وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا - ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} [سورة الكهف: 32، 35] إلى قوله:
{قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة} [سورة الكهف: 37] الآية.
فيقال: معلوم أن لفظ " الصاحب " في اللغة يتناول من صحب غيره ليس فيه دلالة بمجرد هذا اللفظ على أنه وليه، أو عدوه، أو مؤمن، أو كافر، إلا لما يقترن به.
وقد قال تعالى: {والصاحب بالجنب وابن السبيل} [سورة النساء: 36]، وهو يتناول الرفيق في السفر والزوجة، وليس فيه دلالة على إيمان، أو كفر.
وكذلك قوله تعالى: {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم وما غوى} [سورة النجم: 1، 2] وقوله: {وما صاحبكم بمجنون} [سورة التكوير: 22] المراد به محمد صلى الله عليه وسلم لكونه صحب البشر فإنه إذا كان قد صحبهم كان بينه وبينهم من المشاركة ما يمكنهم أن ينقلوا عنه ما جاءه من الوحي، وما يسمعون به كلامه ويفقهون معانيه بخلاف الملك الذي لم يصحبهم فإنه لا يمكنهم الأخذ عنه.
وأيضا قد تضمن ذلك أنه بشر من جنسهم، وأخص من ذلك أنه عربي بلسانهم كما قال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} [سورة التوبة: 128]، وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [سورة إبراهيم: 4] فإنه إذا كان قد صحبهم كان قد تعلم لسانهم، وأمكنه
أن يخاطبهم بلسانهم، فيرسل رسولا بلسانهم ليتفقهوا عنه، فكان ذكر صحبته لهم هنا على اللطف بهم، والإحسان إليهم.
وهذا بخلاف إضافة الصحبة إليه كقوله تعالى: {لا تحزن إن الله معنا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» "، وقوله: " «هل أنتم تاركي لي صاحبي»؟ " وأمثال ذلك.
فإن إضافة الصحبة إليه في خطابه وخطاب المسلمين تتضمن صحبة موالاة له، وذلك لا يكون إلا بالإيمان به فلا يطلق لفظ صاحبه على من صحبه في سفره وهو كافر به.
والقرآن يقول فيه: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] فأخبر الرسول أن الله معه ومع صاحبه، وهذه المعية تتضمن النصر والتأييد، وهو إنما ينصره على عدوه وكل كافر عدوه فيمتنع أن يكون الله مؤيدا له ولعدوه معا، ولو كان مع عدوه لكان ذلك مما يوجب الحزن، ويزيل السكينة فعلم أن لفظ صاحبه تضمن صحبة ولاية ومحبة وتستلزم الإيمان له وبه.
وأيضا فقوله: " {لا تحزن} " دليل على أنه وليه، وإنه حزن خوفا من عدوهما فقال له: {لا تحزن إن الله معنا}، ولو كان عدوه لكان لم يحزن إلا حيث يتمكن من قهره فلا يقال له: {لا تحزن إن الله معنا}، لأن كون الله مع نبيه مما يسر النبي، وكونه مع عدوه مما يسوءه فيمتنع أن يجمع بينهما لا سيما مع قوله: {لا تحزن}، ثم قوله: {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} [سورة التوبة: 40].
ونصره لا يكون بأن يقترن به عدوه وحده وإنما يكون باقتران وليه ونجاته من عدوه فكيف [لا] ينصر على الذين كفروا من يكونون قد لزموه، ولم يفارقوه ليلا ولا نهارا وهم معه في سفره؟.

وقوله: {ثاني اثنين} حال من الضمير في أخرجه، أي: أخرجوه في حال كونه نبيا ثاني اثنين، فهو موصوف بأنه أحد الاثنين فيكون الاثنان مخرجين جميعا فإنه يمتنع أن يخرج ثاني اثنين إلا مع الآخر فإنه لو أخرج دونه لم يكن قد أخرج ثاني اثنين فدل على أن الكفار أخرجوه ثاني اثنين فأخرجوه مصاحبا لقرينه في حال كونه معه فلزم أن يكونوا أخرجوهما.
وذلك هو الواقع، فإن الكفار أخرجوا المهاجرين كلهم كما قال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا} [سورة الحشر: 8].
وقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير - الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [سورة الحج: 39، 40].
وقال: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم} [سورة الممتحنة: 9].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]