عرض مشاركة واحدة
  #334  
قديم 04-12-2024, 06:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ التَّوْبَةِ
المجلد التاسع
الحلقة( 334)

من صــ 205 الى صـ 220




[فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال]
فصل.
ومما يبين من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله: {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} [سورة التوبة: 40] أي: أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إلا الواحد؛ فإن الواحد أقل ما يوجد فإذا لم يصحبه إلا واحد دل على أنه في غاية القلة.
ثم قال: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40]؛ وهذا يدل على أن صاحبه كان مشفقا عليه محبا له ناصرا له حيث حزن، وإنما يحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه، وأما عدوه فلا يحزن إذا انعقد سبب هلاكه.
فلو كان أبو بكر مبغضا كما يقول المفترون لم يحزن ولم ينه عن الحزن، بل كان يضمر الفرح والسرور، ولا كان الرسول يقول له: " {لا تحزن إن الله معنا} ".
فإن قال المفتري: إنه خفي على الرسول حاله لما أظهر له الحزن، وكان في الباطن مبغضا.
قيل له فقد قال: " {إن الله معنا} "، فهذا إخبار بأن الله معهما [جميعا] بنصره، ولا يجوز للرسول أن يخبر بنصر الله لرسوله وللمؤمنين وأن الله معهم ويجعل ذلك في الباطن منافقا فإنه معصوم في خبره عن الله لا يقول عليه إلا الحق؛ وإن جاز أن يخفى عليه حال بعض الناس فلا يعلم أنه منافق كما قال: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [سورة التوبة: 101] فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم.
ولهذا «لما جاءه المخلفون عام تبوك فجعلوا يحلفون ويعتذرون، وكان يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لا يصدق أحدا منهم فلما جاء كعب وأخبره بحقيقة أمره قال: " أما هذا فقد صدق "، أو قال: " صدقكم» ".

وأيضا فإن سعد بن أبي وقاص لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أعطيت فلانا وفلانا، وتركت فلانا وهو مؤمن " قال: " أو مسلم " مرتين أو ثلاثا» فأنكر عليه إخباره بالإيمان، ولم يعلم منه إلا ظاهر الإسلام.
فكيف يشهد لأبي بكر بأن الله معهما وهو لا يعلم ذلك؟ والكلام بلا علم لا يجوز.
وأيضا فإن الله أخبر بهذا عن الرسول إخبار مقرر له، لا إخبار منكر له فعلم أن قوله: " {إن الله معنا} " من الخبر الصدق الذي أمر الله به ورضيه لا مما أنكره وعابه.
وأيضا فمعلوم أن أضعف الناس عقلا لا يخفى عليه حال من يصحبه في مثل هذا السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم، ويطلبون قتله، وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره؛ فكيف يصحب واحدا ممن يظهر له موالاته دون غيره، وقد أظهر له هذا حزنه، وهو مع ذلك عدو له في الباطن. والمصحوب يعتقد أنه وليه، وهذا لا يفعله إلا أحمق الناس وأجهلهم.
فقبح الله من نسب رسوله الذي هو أكمل الخلق عقلا وعلما وخبرة إلى مثل هذه الجهالة والغباوة.
ولقد بلغني عن ملك المغول خدابنده الذي صنف له هذا الرافضي كتابه هذا في الإمامة أن الرافضة لما صارت تقول له مثل هذا الكلام إن أبا بكر كان يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عدوه، ويقولون مع هذا إنه صحبه في سفر الهجرة الذي هو أعظم الأسفار خوفا. قال كلمة تلزم عن قولهم الخبيث، وقد برأ الله رسوله منها، لكن ذكرها على من افترى الكذب الذي أوجب أن يقال في الرسول مثلها حيث قال: " كان قليل العقل ".

ولا ريب أن فعل ما قالته الرافضة فهو قليل العقل. وقد برأ الله رسوله وصديقه من كذبهم وتبين أن قولهم يستلزم القدح في الرسول.
[فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة]
فصل.
ومما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم، كالولاية والمحبة والإيمان وغير ذلك من الصفات التي يتفاضل فيها الناس في قدرها ونوعها وصفتها ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تسبوا أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» ". انفرد مسلم بذكر خالد وعبد الرحمن دون البخاري فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه: «لا تسبوا أصحابي» يعني عبد الرحمن بن عوف وأمثاله؛ لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهؤلاء أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة ومنهم خالد وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة وأمثالهم.
وهؤلاء أسبق من الذين تأخر إسلامهم إلى أن فتحت مكة وسموا الطلقاء مثل سهيل بن عمرو. والحارث بن هشام، وأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ومعاوية وأبي سفيان بن الحارث، وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم مع أنه قد يكون في هؤلاء من برز بعلمه على بعض من تقدمه كثيرا كالحارث بن هشام وأبي سفيان بن الحارث وسهيل بن عمرو، وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن أسلم قبل الفتح وقاتل وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبله.
والمقصود هنا أنه نهي لمن صحبه آخرا يسب من صحبه أولا لامتيازهم عنهم في الصحبة بما لا يمكن أن يشركهم فيه حتى قال:" «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ".
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا، وهم من أصحابه التابعين للسابقين مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل وهم أصحابه السابقون، فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع أصحابه؟!.
وقوله: " «لا تسبوا أصحابي» " قد ثبت في الصحيحين من غير وجه، منها ما تقدم ومنها ما أخرجوه في الصحيح عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» " تقدم هذا الحديث فيما مضى 2/ 20 - 21. .
فصل.
[قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه]
وأما قول الرافضي: " يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه ".
والجواب: أن هذا باطل من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها.
أحدها: أنه قد علم بدلالة القرآن موالاته له ومحبته لا عداوته، فبطل هذا.
الثاني: أنه قد علم بالتواتر أن أبا بكر كان محبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، من أعظم الخلق اختصاصا به، أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة، ومن سخاء حاتم، ومن موالاة علي ومحبته له، ونحو ذلك من التواترات المعنوية فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد.

والشك في محبة أبي بكر كالشك في غيره وأشد، ومن الرافضة من ينكر كون أبي بكر وعمر مدفونين في الحجرة النبوية، وبعض غلاتهم ينكر أن يكون هو صاحبه الذي كان معه في الغار. وليس هذا من بهتانهم ببعيد، فإن القوم قوم بهت يجحدون المعلوم ثبوته بالاضطرار، ويدعون ثبوت ما يعلم انتفاؤه بالاضطرار في العقليات والنقليات.
ولهذا قال من قال: لو قيل: من أجهل الناس؟ لقيل: الرافضة حتى فرضها بعض الفقهاء \ مسألة فقهية: فيما إذا أوصى لأجهل الناس؛ قال: هم الرافضة، لكن هذه الوصية باطلة؛ فإن الوصية باطلة، فإن الوصية والوقف لا يكونان معصية، بل على جهة لا تكون مذمومة في الشرع. والوقف والوصية لأجهل الناس فيه جعل الأجهلية والبدعية موجبة للاستحقاق، فهو كما لو أوصى لأكفر الناس، أو للكفار دون المسلمين بحيث يجعل الكفر شرطا في الاستحقاق، فإن هذا لا يصح.
وكون أبي بكر كان مواليا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من غيره؛ أمر علمه المسلمون والكفار والأبرار والفجار حتى أني أعرف طائفة من الزنادقة كانوا يقولون: إن دين الإسلام اتفق عليه في الباطن النبي - صلى
الله عليه وسلم - وأبو بكر وثالثهما عمر؛ لكن لم يكن عمر مطلعا على سرهما كله، كما وقعت دعوة الإسماعيلية الباطنية والقرامطة، فكان كل من كان أقرب إلى إمامهم [كان] أعلم بباطن الدعوة، وأكتم لباطنها من غيره.
ولهذا جعلوهم مراتب: فالزنادقة المنافقون لعلمهم بأن أبا بكر أعظم موالاة واختصاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره، جعلوه ممن يطلع على باطن أمره ويكتمه عن غيره، ويعاونه على مقصوده بخلاف غيره.
فمن قال: إنه كان في الباطن عدوه، كان من أعظم أهل الأرض فرية، ثم إن قاتل هذا إذا قيل له مثل هذا في علي، وقيل [له] له زيادة في (م).: إنه كان في الباطن معاديا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنه كان عاجزا في ولاية الخلفاء الثلاثة عن إفساد ملته؛ فلما ذهب أكابر الصحابة وبقي هو؛ طلب حينئذ إفساد ملته وإهلاك أمته، ولهذا قتل من المسلمين خلقا كثيرا، وكان مراده إهلاك الباقين؛ لكن عجز؛ وإنه بسبب ذلك انتسب إليه الزنادقة المنافقون المبغضون للرسول كالقرامطة والإسماعيلية والنصيرية، فلا تجد عدوا للإسلام إلا وهو يستعين على ذلك بإظهار موالاة على استعانة لا تمكنه بإظهار موالاة أبي بكر وعمر.
فالشبهة في دعوى موالاة علي للرسول أعظم من الشبهة في دعوى معاداة أبي بكر وكلاهما باطل معلوم الفساد بالاضطرار؛ لكن الحجج الدالة على بطلان هذه الدعوى في أبي بكر أعظم من الحجج الدالة على بطلانها في حق علي؛ فإذا كانت الحجة على موالاة علي صحيحة، والحجة على معاداته باطلة، فالحجة على موالاة أبي بكر أولى بالصحة، والحجة على معاداته أولى بالبطلان.
الوجه الثالث: أن قوله: " استصحبه حذرا من أن يظهر أمره ".
كلام من هو من أجهل الناس بما وقع، فإن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في خروجه من مكة ظاهر عرفه أهل مكة، وأرسلوا الطلب، فإنه في الليلة التي خرج فيها عرفوا في صبيحتها أنه خرج، وانتشر ذلك وأرسلوا إلى أهل الطرق يبذلون الدية فيه، وفي أبي بكر بذلوا الدية لمن يأتي بأبي بكر؛ فأي شيء كان يخاف؟ وكون المشركين بذلوا الدية لمن يأتي بأبي بكر دليل على أنهم كانوا يعلمون موالاته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان عدوهم في الباطن ولو كان معهم في الباطن لم يفعلوا ذلك.
الرابع: أنه إذا كان خرج ليلا، كان وقت الخروج لم يعلم به أحد، فما يصنع بأبي بكر واستصحابه معه؟.
فإن قيل: فلعله علم خروجه دون غيره؟.
قيل: أولا: قد كان يمكنه أن يخرج في وقت لا يشعر بخروجه كما، خرج
في وقت لم يشعر به المشركون، وكان يمكنه أن [لا] يعينه.
فكيف وقد ثبت في الصحيحين أن أبا بكر استأذنه في الهجرة، فلم يأذن له حتى هاجر معه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه بالهجرة في خلوة ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: «جاء أبو بكر إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك معي يحمله إلى منزلي فحملته وخرج أبي معه ينتقد ثمنه؛ فقال أبي: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم سرينا ليلتنا كلها، ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق، فلا يمر بنا فيه أحد حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه [النبي] النبي: - صلى الله عليه وسلم - في ظلها، ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظلها، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا فلقيته؛ فقلت: لمن. أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة - يريد مكة - لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت له: أفي غنمك لبن؟ فقال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم فأخذ شاة؛ فقلت [له] انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن، قال: ومعي إداوة أرتوي فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرهت أن أوقظه من نومه فوافيته قد استيقظ فصببت على اللبن الماء حتى برد أسفله؛ فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، فشرب حتى رضيت، ثم قال: " ألم يأن للرحيل؟ " قلت:

بلى، فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، قال: ونحن في جلد من الأرض فقلت:يا رسول الله: أتينا، فقال: {لا تحزن إن الله معنا}، فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علمت أنكما دعوتما علي، فادعوا الله لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم ما هنا، ولا يلقى أحدا إلا رده، وقال: خذ سهما من كنانتي فإنك تمر بإبلي وغلماني، فخذ منها حاجتك فقال: " لا حاجة لي في إبلك " قال: فقدمنا المدينة، فتنازعوا أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنزل على بني النجار أخوال عبد المطلب؛ أكرمهم بذلك "؛ فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون: يا محمد، يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله» ".

وروى البخاري «عن عائشة، قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار: بكرة وعشية؛ فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة. وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال:
أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فاعبد ربك ببلدك، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف،ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى بفناء داره مسجدا، وبرز فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن فتنقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، [وهم] يعجبون [منه] وينظرون إليه، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم؛ فقالوا: إنا كنا [قد] أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن بالصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإلا فإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد إليك جوارك؛ فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر؛ فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه؛ فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، قال أبو بكر:

إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله، ورسول الله يومئذ بمكة؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد أريت دار هجرتكم: ذات نخل، بين لابتين - وهما الحرتان - فهاجر من هاجر إلى المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال " نعم " فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو الخبط أربعة أشهر، قال ابن شهاب:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]