
03-12-2024, 08:25 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
المجلد التاسع
الحلقة( 321)
من صــ 11 الى صـ 25
(فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم (17)
وقوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [سورة الأنفال: 17] معناه: ما أصبت إذ حذفت ولكن الله هو الذي أصاب، فالمضاف إليه الحذف باليد، والمضاف إلى الله تعالى الإيصال إلى العدو وإصابتهم به، وليس المراد بذلك ما يظنه بعض الناس أنه لما خلق الرامي [والرمي]، قالوا: كان هو الرامي في الحقيقة، فإن ذلك لو كان صحيحا لكونه خالقا لرميه لاطرد ذلك في سائر الأفعال، فكان يقول:
وما مشيت إذا مشيت ولكن الله مشى، وما لطمت ولكن الله لطم، وما طعنت ولكن الله طعن، وما ضربت بالسيف ولكن الله ضرب، وما ركبت الفرس ولكن الله ركب، وما صمت، وما صليت، وما حججت، ولكن الله صام وصلى وحج.
ومن المعلوم بالضرورة بطلان هذا كله، وهذا من غلو المثبتين للقدر. ولهذا يروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنهم كانوا يرمونه بالحجارة لما حصر، فقال لهم: لماذا ترمونني؟ فقالوا: ما رميناك ولكن الله رماك. فقال: لو أن الله رماني لأصابني، ولكن أنتم ترمونني وتخطئونني.
وهذا مما احتج به القدرية النفاة على أن الصحابة لم يكونوا يقولون: إن الله خالق أفعال العباد. كما احتج بعض المثبتة بقوله تعالى: {ولكن الله رمى} [سورة الأنفال: 17] وكلاهما خطأ. فإن الله إذا خلق في عبد فعلا، لم يجب أن يكون ذلك المخلوق صوابا من العبد، كما أنه إذا خلق في الجسم طعما أو ريحا، لم يجب أن يكون ذلك طيبا، وإذا خلق للعبد عينين ولسانا، لم يجب أن يكون بصيرا ناطقا. فاستناد الكذب الذي في الناس، كاستناد جميع ما يكون في المخلوقين من الصفات القبيحة والأحوال المذمومة وذلك لا يقتضي أنه في نفسه مذموم، ولا أنه موصوف بتلك الصفات. ولكن لفظ " الاستناد " لفظ مجمل. أتراه أنه إذا استند إليه العجز المخلوق في الناس لكونه خالقه، يكون هو عاجزا؟ فهذا مما يبين فساد هذه الحجة.
وقال - رحمه الله -:
فصل:
في قوله: {فلم تقتلوهم} الآية ثلاثة أقوال: " أحدها " أنه مبني على أن الفعل المتولد ليس من فعل الآدمي؛ بل من فعل الله والقتل هو الإزهاق وذاك متولد وهذا قد يقوله من ينفي التولد وهو ضعيف؛ لأنه نفى الرمي أيضا وهو فعل مباشر ولأنه قال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فأثبت القتل. ولأن القتل هو الفعل الصالح للإزهاق ليس هو الزهوق؛ بخلاف الإماتة.
" الثاني " أنه مبني على خلق الأفعال وهذا قد يقوله كثير من الصوفية وأظنه مأثورا عن الجنيد سلب العبد الفعل نظرا إلى الحقيقة؛ لأن الله هو خالق كل صانع وصنعته وهذا ضعيف لوجهين.
" أحدهما " أنا وإن قلنا بخلق الفعل فالعبد لا يسلبه بل يضاف الفعل إليه أيضا فلا يقال ما آمنت ولا صليت ولا صمت ولا صدقت ولا علمت فإن هذا مكابرة؛ إذ أقل أحواله الاتصاف وهو ثابت.
وأيضا فإن هذا لم يأت في شيء من الأفعال المأمور بها إلا في القتل والرمي ببدر ولو كان هذا لعموم خلق الله أفعال العباد لم يختص ببدر.
" الثالث " أن الله سبحانه خرق العادة في ذلك فصارت رءوس المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة وصارت الجريدة تصير سيفا يقتل به. وكذلك رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابت من لم يكن في قدرته أن يصيبه فكان ما وجد من القتل وإصابة الرمية خارجا عن قدرتهم المعهودة فسلبوه لانتفاء قدرتهم عليه وهذا أصح وبه يصح الجمع بين النفي والإثبات {وما رميت} أي ما أصبت {إذ رميت} إذ طرحت {ولكن الله رمى} أصاب. وهكذا كل ما فعله الله من الأفعال الخارجة عن القدرة المعتادة بسبب ضعيف كإنباع الماء وغيره من خوارق العادات أو الأمور الخارجة عن قدرة الفاعل وهذا ظاهر فلا حجة فيه لا على الجبر ولا على نفي التولد.
وقال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وقوله: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} يدل على أن الصيد مقتول للآدمي الذي قتله بخلاف قوله: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم} فإنه مثل قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} فإن قتلهم حصل بأمور خارجة عن قدرتهم مثل إنزال الملائكة وإلقاء الرعب في قلوبهم وكذلك الرمي لم يكن في قدرته أن التراب يصيب أعينهم كلهم ويرعب قلوبهم فالرمي الذي جعله الله خارجا عن قدرة العبد المعتاد هو الرمي الذي نفاه الله عنه. قال أبو عبيد: ما ظفرت أنت ولا أصبت ولكن الله ظفرك وأيدك. وقال الزجاج: ما بلغ رميك كفا من تراب أو حصى أن يملأ عيون ذلك الجيش الكثير إنما الله تولى ذلك. وذكر ابن الأنباري: ما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب. ولهذا كان هذا أمرا خارجا عن مقدوره فكان من آيات نبوته.
[فصل: تسخير الأحجار له عليه السلام من أعلام نبوته]
وأما النوع الخامس: تأثيره في الأحجار، وتصرفه فيها، وتسخيرها له ففي صحيح البخاري، عن أنس قال: «صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: اسكن - وضربه برجله - فليس عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان». وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن». وفي الترمذي، عن علي، قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر، ولا جبل إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله». ورواه الحاكم في صحيحه.
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدمته، فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فولى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما،وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأى ابن الأكوع فزعا. فلما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من الأرض، واستقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه. فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله».
وفي صحيح مسلم، عن العباس بن عبد المطلب قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون، والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة أن لا تسرع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس، ناد أصحاب الشجرة.
فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا حين حمي الوطيس. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة. قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله، وقد قال الله تعالى: عن يوم بدر: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17]»
وروى ابن إسحاق، عن جماعة منهم عروة، والزهري، وعاصم بن عمر، وغيرهم قالوا: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش هو، وأبو بكر ما معهما غيرهما، وقد تدانى القوم بعضهم من بعض، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من نصره ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد. وأبو بكر يقول: بعد مناشدتك ربك يا رسول الله فإن الله سينجز لك ما وعدك من نصره.
وخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة، ثم هب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله عز وجل، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع - يقول: الغبار - ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبأ أصحابه وهيأهم، وقال: لا يعجلن رجل منكم بقتال حتى نؤذنه، فإذا أكثبكم القوم - يقول: قربوا منكم - فانضحوهم عنكم بالنبل، ثم تزاحم الناس فلما تدانى بعضهم من بعض خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها قريشا، فنفخ بها وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احملوا عليهم يا معشر المسلمين. فحمل المسلمون وهزم الله قريشا، وقتل من قتل من أشرافهم، وأسر من أسر منهم. وفي حديث ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، فقال له جبريل: خذ قبضة من تراب.
فأخذ قبضة من تراب، ورمى بها وجوههم، فما في المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه، ومنخريه، وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين».
(ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (23)
قال: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} أي لأفهمهم ما سمعوه. ثم قال: ولو أفهمهم مع هذه الحال التي هم عليها {لتولوا وهم معرضون} فقد فسدت فطرتهم فلم يفهموا ولو فهموا لم يعملوا. فنفى عنهم صحة القوة العلمية وصحة القوة العملية.
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (33)
وقال - رحمه الله -:
فصل:
في قوله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} والكلام عليها من وجهين:
" أحدهما " في الاستغفار الدافع للعذاب.
و" الثاني " في العذاب المدفوع بالاستغفار.
أما " الأول ": فإن العذاب إنما يكون على الذنوب والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب فيندفع العذاب كما قال تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله} فبين سبحانه أنهم إذا فعلوا ذلك متعوا متاعا حسنا إلى أجل مسمى ثم إن كان لهم فضل أوتوا الفضل.
وقال تعالى عن نوح: {يا قوم إني لكم نذير مبين} {أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} {يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى} إلى قوله: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا} {يرسل السماء عليكم مدرارا} الآية وقال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم} وذلك أنه قد قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} وقال تعالى {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا} وقال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} وقال تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم} وقال تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
وأما العذاب المدفوع فهو يعم العذاب السماوي ويعم ما يكون من العباد وذلك أن الجميع قد سماه الله عذابا كما قال تعالى في النوع الثاني: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} وقال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} وكذلك: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} إذ التقدير بعذاب من عنده أو بعذاب بأيدينا كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}.
وعلى هذا فيكون العذاب بفعل العباد وقد يقال: التقدير: {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده} أو يصيبكم بأيدينا؛ لكن الأول هو الأوجه؛ لأن الإصابة بأيدي المؤمنين لا تدل على أنها إصابة بسوء؛ إذ قد يقال: أصابه بخير وأصابه بشر. قال تعالى: {وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده} وقال تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون}.
وقال تعالى: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء} ولأنه لو كان لفظ الإصابة يدل على الإصابة بالشر لاكتفى بذلك في قوله: {أن يصيبكم الله}. وقد قال تعالى أيضا: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. ومن ذلك قوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} إلى قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} وقوله تعالى {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
ومن ذلك أنه يقال في بلال ونحوه: كانوا من المعذبين في الله ويقال إن أبا بكر اشترى سبعة من المعذبين في الله. وقال صلى الله عليه وسلم " {السفر قطعة من العذاب} ".
وإذا كان كذلك فقوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} مع ما قد ثبت في الصحيحين عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " {أنه لما نزل قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: أعوذ بوجهك {أو من تحت أرجلكم} قال: أعوذ بوجهك {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: هاتان أهون} " يقتضي أن لبسنا شيعا وإذاقة بعضنا بأس بعض هو من العذاب الذي يندفع بالاستغفار كما قال: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وإنما تنفى الفتنة بالاستغفار من الذنوب والعمل الصالح. وقوله تعالى {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم} قد يكون العذاب من عنده وقد يكون بأيدي العباد فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم وإذا لم ينفروا في سبيل الله عذبهم الله بأن يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض.
وكذلك قوله: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} يدخل في العذاب الأدنى ما يكون بأيدي العباد كما قد فسر بوقعة بدر بعض ما وعد الله به المشركين من العذاب.
وقال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فأخبر أنه لا يعذب مستغفرا؛ لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب فيندفع العذاب كما في سنن أبي داود وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب} وقد قال تعالى: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله}. فبين أن من وحده واستغفره متعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى ومن عمل بعد ذلك خيرا زاده من فضله وفي الحديث: {يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار.
فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. ولهذا قال تعالى: {فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا فحقهم عند مجيء البأس التضرع وقال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} قال عمر بن عبد العزيز: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|