
03-12-2024, 11:21 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
المجلد التاسع
الحلقة( 320)
من صــ 1 الى صـ 10
فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الفناء حتى لا يشعر بنفسه ونحو ذلك إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقا عاجزا عن دفعها كان محمودا على ما فعله من الخير وما ناله من الإيمان معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره وهم أكمل ممن لم يبلغ منزلتهم لنقص إيمانهم وقسوة قلوبهم ونحو ذلك من الأسباب التي تتضمن ترك ما يحبه الله أو فعل ما يكرهه الله.
ولكن من لم يزل عقله مع أنه قد حصل له من الإيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم. وهذه حال الصحابة رضي الله عنهم وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أسري به إلى السماء وأراه الله ما أراه وأصبح كبائت لم يتغير عليه حاله فحاله أفضل من حال موسى صلى الله عليه وسلم الذي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل وحال موسى حال جليلة علية فاضلة: لكن حال محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلى وأفضل.
والمقصود: أن هذه الأمور التي فيها زيادة في العبادة والأحوال خرجت من البصرة وذلك لشدة الخوف فإن الذي يذكرونه من خوف عتبة الغلام وعطاء السليمي وأمثالهما أمر عظيم. ولا ريب أن حالهم أكمل وأفضل ممن لم يكن عنده من خشية الله ما قابلهم أو تفضل عليهم. ومن خاف الله خوفا مقتصدا يدعوه إلى فعل ما يحبه الله وترك ما يكرهه الله من غير هذه الزيادة فحاله أكمل وأفضل من حال هؤلاء وهو حال الصحابة رضي الله عنهم.
(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (9)
وقال شيخ الإسلام:
فصل:
قال سبحانه في قصة بدر: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم} فوعدهم بالإمداد بألف وعدا مطلقا وأخبر أنه جعل إمداد الألف بشرى ولم يقيده وقال في قصة أحد: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} فإن هذا أظن فيه قولين: " أحدهما " أنه متعلق بأحد؛ لقوله بعد ذلك: {ليقطع طرفا من الذين كفروا} الآية.
ولأنه وعد مقيد وقوله فيه: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به} يقتضي خصوص البشرى بهم. وأما قصة بدر فإن البشرى بها عامة فيكون هذا كالدليل على ما روي من أن ألف بدر باقية في الأمة فإنه أطلق الإمداد والبشرى وقدم (به) على (لكم) عناية بالألف وفي أحد كانت العناية بهم لو صبروا فلم يوجد الشرط.
[فصل: من آياته صلى الله عليه وسلم تأييد الله له بملائكته]
النوع السادس: من آياته صلى الله عليه وسلم تأييد الله له بملائكته قال الله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9] الآية. وقال تعالى: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 124]، وقال تعالى: في الخندق:{إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا} [الأحزاب: 9]. وقال تعالى في حنين: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} [التوبة: 26]. وقال تعالى في الهجرة: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا} [التوبة: 40].
وقال تعالى في بدر: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [الأنفال: 12]. وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: «لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، وجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى أسقط رداءه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.
فأنزل الله عز وجل:سوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة " فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين»، وذكر الحديث.
وذكر البخاري في هذا الحديث «فخرج يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول
{سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45]»
وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: «سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أتمارى. فلما نزلت الملائكة، ورآها إبليس، وأوحى الله إليهم
{أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} [الأنفال: 12]
وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه وتقول له: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء، والله معكم، كروا
عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه، وقال: {إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} [الأنفال: 48].
وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه. ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوهم، وخذوهم أخذا».
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال: «رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد القتال، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم، ولا بعده، ويعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام»وفي الصحيحين عن عائشة قالت: «أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش (ابن العرقة) رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلام، وهو ينفض عن رأسه الغبار فقال " وضعت السلاح، والله ما وضعناه، اخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد، قال: إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، والنساء، وتقسم أموالهم»، وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار
{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9]
فأمده الله بالملائكة.
قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة
الجزء التاسع
سوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة " فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين»، وذكر الحديث.
وذكر البخاري في هذا الحديث «فخرج يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول
{سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45]»
وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: «سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أتمارى. فلما نزلت الملائكة، ورآها إبليس، وأوحى الله إليهم
{أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} [الأنفال: 12]
وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه وتقول له: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء، والله معكم، كروا
عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه، وقال: {إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} [الأنفال: 48].
وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه. ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوهم، وخذوهم أخذا».
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال: «رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد القتال، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم، ولا بعده، ويعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام»
وفي الصحيحين عن عائشة قالت: «أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش (ابن العرقة) رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلام، وهو ينفض عن رأسه الغبار فقال " وضعت السلاح، والله ما وضعناه، اخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد، قال: إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، والنساء، وتقسم أموالهم»، وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار وروى البخاري عن أنس قال: «كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل صلوات الله عليه حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة
وفي المغازي من غير طريق أن الصحابة رأوا جبريل في صورة دحية الكلبي، وأنه معتم بعمامة أرخى طرفها بين كتفيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بعثه الله إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويلقي الرعب في قلوبهم»
وروى البخاري عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب»
وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال، وسلم علي ثم قال: يا محمد: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك ما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئا».
(فصل)
وسئل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية - رضي الله عنه -:
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وفقهم الله لطاعته فيمن يقول: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحرم عليه هذا القول وهل هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب والسنة فما يجب على من يخالف ذلك؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
الحمد لله، قد ثبت بالسنة المستفيضة بل المتواترة واتفاق الأمة: أن نبينا صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأنه يشفع في الخلائق يوم القيامة وأن الناس يستشفعون به يطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربهم (*) وأنه يشفع لهم. ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد. وأما الخوارج والمعتزلة فأنكروا شفاعته لأهل الكبائر ولم ينكروا شفاعته للمؤمنين؛ وهؤلاء مبتدعة ضلال وفي تكفيرهم نزاع وتفصيل.
وأما من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة وسواء سمى هذا المعنى استغاثة أو لم يسمه. وأما من أقر بشفاعته وأنكر ما كان الصحابة يفعلونه من التوسل به والاستشفاع به؛ كما رواه البخاري في صحيحه عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. وفي سنن أبي داود وغيره {أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادع الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال: ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك} وذكر تمام الحديث فأنكر قوله نستشفع بالله عليك ولم ينكر قوله نستشفع بك على الله بل أقره عليه فعلم جوازه فمن أنكر هذا فهو ضال مخطئ مبتدع؛ وفي تكفيره نزاع وتفصيل.
وأما من أقر بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك ولكن قال لا يدعى إلا الله وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تطلب إلا منه مثل غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات ونحو ذلك: فهذا مصيب في ذلك بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضا. كما قال الله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} وقال: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وكما قال تعالى: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} وكما قال تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله} وقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}. فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنة: يجب إثباتها والمعاني المنفية بالكتاب والسنة؛ يجب نفيها والعبارة الدالة على المعاني نفيا وإثباتا إن وجدت في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب إقرارها. وإن وجدت في كلام أحد وظهر مراده من ذلك رتب عليه حكمه وإلا رجع فيه إليه. وقد يكون في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عبارة لها معنى صحيح لكن بعض الناس يفهم من تلك غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا يرد عليه فهمه.
كما روى الطبراني في معجمه الكبير {أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال أبو بكر الصديق: قوموا بنا لنستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله} فهذا إنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الثاني وهو أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله وإلا فالصحابة كانوا يطلبون منه الدعاء ويستسقون به كما في صحيح البخاري عن ابن عمر قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش له ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب ولهذا قال العلماء المصنفون في أسماء الله تعالى: يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله وأن كل غوث فمن عنده وإن كان جعل ذلك على يدي غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز. قالوا: من أسمائه تعالى المغيث والغياث وجاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة قالوا واجتمعت الأمة على ذلك.
وقال أبو عبد الله الحليمي: الغياث هو المغيث وأكثر ما يقال غياث المستغيثين ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه ومجيبهم ومخلصهم وفي خبر الاستسقاء في الصحيحين: {اللهم أغثنا اللهم أغثنا} يقال أغاثه إغاثة وغياثا وغوثا وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال والاستجابة أحق بالأقوال وقد يقع كل منهما موقع الآخر. قالوا الفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث.
والداعي ينادي بالمدعو والمغيث. وهذا فيه نظر فإن من صيغة الاستغاثة يا لله للمسلمين وقد روي عن معروف الكرخي أنه كان يكثر أن يقول وا غوثاه ويقول إني سمعت الله يقول: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} وفي الدعاء المأثور {: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك}. والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة ففي الحديث: {أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق} وفيه {أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك}.
ولهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق بقوله: {أعوذ بكلمات الله التامة} قالوا: والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق. وكذلك القسم قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت} وفي لفظ {من حلف بغير الله فقد أشرك} رواه الترمذي وصححه. ثم قد ثبت في الصحيح: الحلف " بعزة الله " و " لعمر الله " ونحو ذلك مما اتفق المسلمون على أنه ليس من الحلف بغير الله الذي نهي عنه والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به وإما مخطئ ضال. وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها. ومن هذا الباب قول أبي يزيد البسطامي استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق وقول الشيخ أبي عبد الله القرشي المشهور بالديار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وفي دعاء موسى عليه السلام " اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك " ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصا بالله: صح إطلاق نفيه عما سواه ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله.
وكذلك الاستغاثة أيضا فيها ما لا يصلح إلا لله وهي المشار إليها بقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه وكذلك الاستنصار. قال الله تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو ولا يقدر عليه إلا الله. ومن خالف ما ثبت بالكتاب والسنة: فإنه يكون إما كافرا وإما فاسقا وإما عاصيا إلا أن يكون مؤمنا مجتهدا مخطئا فيثاب على اجتهاده ويغفر له خطؤه وكذلك إن كان لم يبلغه العلم الذي تقوم عليه به الحجة فإن الله يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. وأما إذا قامت عليه الحجة الثابتة بالكتاب والسنة فخالفها: فإنه يعاقب بحسب ذلك إما بالقتل وإما بدونه والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|