عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-12-2024, 11:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ الاعراف
المجلد الثامن
الحلقة( 318)

من صــ 466 الى صـ 480






وقد أنكر طائفة من أهل الكلام: كالقاضي أبي بكر وأبي الوفاء ابن عقيل أن يكون من أسمائه الدليل؛ لأنهم ظنوا أن الدليل هو الدلالة التي يستدل بها والصواب ما عليه الجمهور؛ لأن الدليل في الأصل هو المعرف للمدلول ولو كان الدليل ما يستدل به فالعبد يستدل به أيضا فهو دليل من الوجهين جميعا.
وأيضا فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله وتر يحب الوتر}. وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين وثبت عنه في الصحيح أنه " قال: {إن الله جميل يحب الجمال} وليس هو فيها وفي الترمذي وغيره أنه قال: {إن الله نظيف يحب النظافة} وليس هذا فيها وفي الصحيح عنه أنه قال: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا} وليس هذا فيها. وتتبع هذا يطول. ولفظ التسعة والتسعين المشهورة عند الناس في الترمذي: الله. الرحمن. الرحيم. الملك. القدوس. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الحبار. المتكبر. الخالق. البارئ. المصور. الغفار. القهار. الوهاب. الرزاق. الفتاح. العليم. القابض. الباسط. الخافض. الرافع. المعز. المذل. السميع. البصير. الحكم. العدل. اللطيف. الخبير. الحليم. العظيم. الغفور. الشكور. العلي. الكبير. الحفيظ. المقيت. الحسيب. الجليل. الكريم. الرقيب. المجيب. الواسع. الحكيم. الودود. المجيد. الباعث. الشهيد. الحق. الوكيل. القوي المتين. الولي. الحميد. المحصي. المبدئ. المعيد. المحيي. المميت. الحي القيوم. الواجد. الماجد. الأحد - ويروى الواحد - الصمد القادر. المقتدر. المقدم. المؤخر. الأول. الآخر. الظاهر. الباطن. الوالي. المتعالي. البر. التواب. المنتقم. العفو. الرءوف. مالك الملك ذو الجلال والإكرام. المقسط. الجامع. الغني. المغني. المعطي. المانع. الضار. النافع. النور. الهادي. البديع. الباقي. الوارث. الرشيد. الصبور.
الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ". ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه: السبوح وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: {سبوح قدوس} واسمه " الشافي " كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول: {أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما} وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين وخير الغافرين ورب العالمين ومالك يوم الدين وأحسن الخالقين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس من هذه التسعة والتسعين. الوجه الثالث: ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك.
أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم في الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي وشفاء صدري وجلاء حزني وذهاب غمي وهمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن} رواه الإمام أحمد في المسند وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه. قال الخطابي وغيره: فهذا يدل على أن له أسماء استأثر بها وذلك يدل على أن قوله: {إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة} أن في أسمائه تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة كما يقول القائل: إن لي ألف درهم أعددتها للصدقة وإن كان ماله أكثر من ذلك. والله في القرآن قال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فأمر أن يدعى بأسمائه الحسنى مطلقا ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسما والحديث قد سلم معناه والله أعلم.
(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)
فأمره أن يأخذ بالعفو في أخلاق الناس وهو ما يقر من ذلك. قال ابن الزبير: أمر الله نبيه أن يأخذ بالعفو من أخلاق الناس وهذا كقوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} من أموالهم. هذا من العفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين.
وهذه الآية فيها جماع الأخلاق الكريمة؛ فإن الإنسان مع الناس إما أن يفعلوا معه غير
ما يحب أو ما يكره. فأمر أن يأخذ منهم ما يحب ما سمحوا به ولا يطالبهم بزيادة. وإذا فعلوا معه ما يكره أعرض عنهم وأما هو فيأمرهم بالمعروف. وهذا باب واسع.
(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون (202)
إن " المتقين " كما وصفهم الله بقوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان تذكروا فيبصرون.
قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله؛ فيكظم الغيظ. وقال ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. والشهوة والغضب مبدأ السيئات فإذا أبصر رجع.
ثم قال: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون}. أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس: لا الإنس تقصر عن السيئات. ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يبصر بقي قلبه في غي والشيطان يمده في غيه. وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب. فذلك النور والإبصار. وتلك الخشية والخوف يخرج من قلبه. وهذا: كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى؛ فكذلك القلب بما يغشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق. وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر. وهكذا جاء في الآثار: قال أحمد بن حنبل في كتاب (الإيمان): حدثنا يحيى عن أشعث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ينزع منه الإيمان؛ فإن تاب أعيد إليه}. وقال: حدثنا يحيى عن عوف قال: قال الحسن: " يجانبه الإيمان ما دام كذلك فإن راجع راجعه الإيمان ". وقال أحمد: حدثنا معاوية عن أبي إسحاق عن الأوزاعي قال: وقد قلت للزهري حين ذكر هذا الحديث - {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} فإنهم يقولون: فإن لم يكن مؤمنا فما هو؟ قال: فأنكر ذلك. وكره مسألتي عنه.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي. عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال لغلمانه: من أراد منكم الباءة زوجناه لا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده وإن شاء أن يمنعه منعه. وقال أبو داود السجستاني: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية بن الوليد حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي أنه أخبره {عن أبي هريرة أنه كان يقول: إنما الإيمان كثوب أحدكم يلبسه مرة ويقلعه أخرى} وكذلك رواه بإسناده عن عمر وروي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. وفي حديث عن أبي هريرة مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم {إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان}. وهذا (إن شاء الله) يبسط في موضع آخر.
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (204)
أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة وأن القراءة في الصلاة مرادة من هذا النص. ولهذا كان أعدل الأقوال في القراءة خلف الإمام أن المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد وهذا قول جمهور السلف والخلف وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابه وهو أحد قولي الشافعي واختاره طائفة من محققي أصحابه وهو قول محمد بن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفة.
وأما قول طائفة من أهل العلم كأبي حنيفة وأبي يوسف: أنه لا يقرأ خلف الإمام لا بالفاتحة ولا غيرها لا في السر ولا في الجهر؛ فهذا يقابله قول من أوجب قراءة الفاتحة ولو كان يسمع قراءة الإمام كالقول الآخر للشافعي وهو الجديد وهو قول البخاري وابن حزم وغيرهما. وفيها قول ثالث: أنه يستحب القراءة بالفاتحة إذا سمع قراءة الإمام وهذا مروي عن الليث والأوزاعي وهو اختيار جدي أبي البركات.
ولكن أظهر الأقوال قول الجمهور؛ لأن الكتاب والسنة يدلان على وجوب الإنصات على المأموم إذا سمع قراءة الإمام وقد تنازعوا فيما إذا قرأ المأموم وهو يسمع قراءة الإمام: هل تبطل صلاته؟ على قولين وقد ذكرهما أبو عبد الله بن حامد على وجهين في مذهب أحمد.
وقد أجمعوا على أنه فيما زاد على الفاتحة كونه مستمعا لقراءة إمامه خير من أن يقرأ معه فعلم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ مع الإمام وعلى هذا فاستماعه لقراءة إمامه بالفاتحة يحصل له به مقصود القراءة وزيادة تغني عن القراءة معه التي نهي عنها وهذا خلاف إذا لم يسمع فإن كونه تاليا لكتاب الله يثاب بكل حرف عشر حسنات خيرا من كونه ساكتا بلا فائدة؛ بل يكون عرضة للوسواس وحديث النفس الذي لا ثواب فيه فقراءة يثاب عليها خيرا من حديث نفس لا ثواب عليه. وبسط هذا له موضع آخر.
(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين (205)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
فصل:
قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال} فأمر بذكر الله في نفسه فقد يقال: هو ذكره في قلبه بلا لسانه؛ لقوله بعد ذلك: {ودون الجهر من القول} وقد يقال وهو أصح: بل ذكر الله في نفسه باللسان مع القلب وقوله: {ودون الجهر من القول} كقوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}. وفي الصحيح عن عائشة قالت نزلت في الدعاء. وفي الصحيح عن {ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه فقال الله: لا تجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت به عن أصحابك فلا يسمعوه}. فنهاه عن الجهر والمخافتة. فالمخافتة هي ذكره في نفسه والجهر المنهي عنه هو الجهر المذكور في قوله: {ودون الجهر}
لا يقرأ خلف الإمام لا بالفاتحة ولا غيرها لا في السر ولا في الجهر؛ فهذا يقابله قول من أوجب قراءة الفاتحة ولو كان يسمع قراءة الإمام كالقول الآخر للشافعي وهو الجديد وهو قول البخاري وابن حزم وغيرهما. وفيها قول ثالث: أنه يستحب القراءة بالفاتحة إذا سمع قراءة الإمام وهذا مروي عن الليث والأوزاعي وهو اختيار جدي أبي البركات. ولكن أظهر الأقوال قول الجمهور؛ لأن الكتاب والسنة يدلان على وجوب الإنصات على المأموم إذا سمع قراءة الإمام وقد تنازعوا فيما إذا قرأ المأموم وهو يسمع قراءة الإمام: هل تبطل صلاته؟ على قولين وقد ذكرهما أبو عبد الله بن حامد على وجهين في مذهب أحمد. وقد أجمعوا على أنه فيما زاد على الفاتحة كونه مستمعا لقراءة إمامه خير من أن يقرأ معه فعلم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ مع الإمام وعلى هذا فاستماعه لقراءة إمامه بالفاتحة يحصل له به مقصود القراءة وزيادة تغني عن القراءة معه التي نهي عنها وهذا خلاف إذا لم يسمع فإن كونه تاليا لكتاب الله يثاب بكل حرف عشر حسنات خيرا من كونه ساكتا بلا فائدة؛ بل يكون عرضة للوسواس وحديث النفس الذي لا ثواب فيه فقراءة يثاب عليها خيرا من حديث نفس لا ثواب عليه. وبسط هذا له موضع آخر.
فإن الجهر هو الإظهار الشديد يقال: رجل جهوري الصوت ورجل جهير. وكذلك قول عائشة في الدعاء فإن الدعاء كما قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا} فالإخفاء قد يكون بصوت يسمعه القريب وهو المناجاة والجهر مثل المناداة المطلقة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم {لما رفع أصحابه أصواتهم بالتكبير فقال: أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته} " ونظير قوله: {واذكر ربك في نفسك} قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه
" {من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} " وهذا يدخل فيه ذكره باللسان في نفسه فإنه جعله قسيم الذكر في الملأ وهو نظير قوله: {ودون الجهر من القول} والدليل على ذلك أنه قال: {بالغدو والآصال} ومعلوم أن ذكر الله المشروع بالغدو والآصال في الصلاة وخارج الصلاة هو باللسان مع القلب مثل صلاتي الفجر والعصر والذكر المشروع عقب الصلاتين وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشروعة طرفي النهار بالغدو والآصال. وقد يدخل في ذلك أيضا ذكر الله بالقلب فقط؛ لكن يكون الذكر في النفس كاملا وغير كامل؛ فالكامل باللسان مع القلب وغير الكامل بالقلب فقط.
ويشبه ذلك قوله تعالى {ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} فإن القائلين بأن الكلام المطلق كلام النفس استدلوا بهذه الآية وأجاب عنها أصحابنا وغيرهم بجوابين: " أحدهما " أنهم قالوا بألسنتهم قولا خفيا.
و " الثاني " أنه قيده بالنفس وإذا قيد القول بالنفس فإن دلالة المقيد خلاف دلالة المطلق. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم " {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به} " فقوله حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به دليل على أن حديث النفس ليس هو الكلام المطلق وأنه ليس باللسان. وقد احتج بعض هؤلاء بقوله: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} وجعلوا القول المسر في القلب دون اللسان؛ لقوله: {إنه عليم بذات الصدور} وهذه حجة ضعيفة جدا؛ لأن قوله: {وأسروا قولكم أو اجهروا به} يبين أن القول يسر به تارة ويجهر به أخرى وهذا إنما هو فيما يكون في القول الذي هو بحروف مسموعة. وقوله بعد ذلك: {إنه عليم بذات الصدور} من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فإنه إذا كان عليما بذات الصدور فعلمه بالقول المسر والمجهور به أولى. ونظيره قوله: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار}.
(إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون (206)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأما " سجود التلاوة " فهو خضوع لله وكان ابن عمر وغيره يسجدون على غير وضوء وعن عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة قال: تومئ برأسها وكذلك قال سعيد بن المسيب " قال: ويقول: اللهم لك سجدت. وقال الشعبي: من سمع السجدة وهو على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه وقد سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ففعله الكافر والمسلم وسجد سحرة فرعون. وعلى هذا فليس بداخل في مسمى الصلاة.
ولكن سجدتا السجود يشبهان صلاة الجنازة فإنها قيام مجرد لكن هي صلاة فيها تحريم وتحليل؛ ولهذا كان الصحابة يتطهرون لها ورخص ابن عباس في التيمم لها إذا خشي الفوات وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وهي كسجدتي السهو يشترط لها استقبال الكعبة والاصطفاف كما في الصلاة والمؤتم فيه تبع للإمام لا يكبر قبله ولا يسلم قبله كما في الصلاة؛ بخلاف سجود التلاوة فإنه عند كثير من أهل العلم يسجد وإن لم يسجد القارئ. والحديث الذي يروى {إنك إمامنا فلو سجدت لسجدنا} من مراسيل عطاء وهو من أضعف المراسيل قاله أحمد وغيره ومن قال: إنه لا يسجد إلا إذا سجد لم يجعله مؤتما به من كل وجه فلا يشترط أن يكون المستمعون يسجدون جميعا صفا كما يسجدون خلف الإمام للسهو ولا يشترط أن يكون الإمام إمامه كما في الصلاة وللمأموم أن يرفع قبل إمامه فعلم أنه ليس بمؤتم به في صلاة وإن قيل: إنه مؤتم به في غير صلاة كائتمام المؤمن على الدعاء بالداعي وائتمام المستمع بالقارئ.
وقال شيخ الإسلام:

فصل: في " سجود القرآن "
وهو نوعان: خبر عن أهل السجود ومدح لهم أو أمر به وذم على تركه. فالأول سجدة الأعراف {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} وهذا ذكره بعد الأمر باستماع القرآن والذكر. وفي الرعد {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال} وفي النحل {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون} {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون}{يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} وفي سبحان: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا} {ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} وهذا خبر عن سجود مع من سمع القرآن فسجد.
وكذلك في مريم {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} فهؤلاء الأنبياء سجدوا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن وأولئك الذين أوتوا العلم من قبل القرآن إذا يتلى عليهم القرآن يسجدون. وظاهر هذا سجود مطلق كسجود السحرة وكقوله {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} وإن كان المراد به الركوع. فالسجود هو خضوع له وذل له؛ ولهذا يعبر به عن الخضوع. كما قال الشاعر: ترى الأكم فيها سجدا للحوافر. قال جماعة من أهل اللغة: السجود التواضع والخضوع وأنشدوا:ساجد المنخر ما يرفعه ... خاشع الطرف أصم المسمع
قيل لسهل بن عبد الله: أيسجد القلب؟ قال: نعم سجدة لا يرفع رأسه منها أبدا. وفي " سورة الحج " الأولى خبر: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} والثانية أمر مقرون بالركوع ولهذا صار فيها نزاع. وسجدة الفرقان: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} خبر مقرون بذم من أمر بالسجود فلم يسجد ليس هو مدحا. وكذلك سجدة " النمل ": {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون} {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} خبر يتضمن ذم من يسجد لغير الله ولم يسجد لله. ومن قرأ ألا يا اسجدوا. كانت أمرا.

وفي " الم تنزيل السجدة " {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} وهذا من أبلغ الأمر والتخصيص؛ فإنه نفى الإيمان عمن ذكر بآيات ربه ولم يسجد إذا ذكر بها. وفي " ص " خبر عن سجدة داود وسماها ركوعا. و " حم تنزيل " أمر صريح: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون}. و " النجم " أمر صريح: {فاسجدوا لله واعبدوا} و " الانشقاق " أمر صريح عند سماع القرآن {فما لهم لا يؤمنون} {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}. و " {اقرأ باسم ربك الذي خلق} " أمر مطلق: {واسجد واقترب} فالستة الأول إلى الأولى من الحج خبر ومدح. والتسع البواقي من الثانية من الحج أمر وذم لمن لم يسجد إلا " ص " فنقول: قد تنازع الناس في وجوب سجود التلاوة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]