
22-11-2024, 11:28 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد التاسع
الحلقة (605)
سُورَةُ التَّكَاثُر
صـ 73 إلى صـ 82
قوله تعالى : فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية .
في قوله : ثقلت موازينه دلالة على وقع الوزن لكل إنسان .
والموازين : يراد بها الموزون ، ويراد بها آلة الوزن ، كالمعايير ، وهما متلازمان .
وتقدم أن المعايير بالذرة وأقل منها .
وقد جاء نصوص على وضع الموازين وإقامتها بالعدل والقسط .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك عند قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ 21 \ 47 ] .
[ ص: 73 ] وقوله : فهو في عيشة راضية ، قالوا : بمعنى مرضية ، وراضية أصلها مرضية ، كما في قوله : وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية [ 88 \ 8 - 9 ] ، إسناد الرضى للعيشة ، على أنها هي فاعلة الرضى ; لأن كلمة العيشة جامعة لنعيم الجنة وأسباب النعيم ، راضية طائعة لينة لأصحاب الجنة ، فتفجر لهم الأنهار طواعية ، وتدنو الثمار طواعية ، كما في قوله : قطوفها دانية [ 69 \ 23 ] .
فالقول الأول : هو المعروف في البلاغة بإطلاق المحل وإرادة الحال ، كقوله تعالى : فليدع ناديه [ 96 \ 17 ] .
والنادي : مكان منتدى القوم ، أي ينادي بعضهم بعضا للاجتماع فيه .
والمراد : من يحل في هذا النادي ، ويكون هنا أطلق المحل وهو محل العيشة ، وأراد الحال فيها .
وعلى الثاني : فهو إسناد حقيقي من إسناد الرضى لمن وقع منه أو قام به . ومما هو جدير بالذكر أن حمله على الأسلوب البياني ليس متجها كالآية الأخرى ; لأن العيشة ليست محلا لغيرها بل هي حالة ، والمحل الحقيقي هو الجنة والعيشة حالة فيها ، وهي اسم لمعاني النعيم كما تقدم ، فيكون حمل الإسناد على الحقيقة أصح .
وقد جاءت الأحاديث : أن الجنة تحس بأهلها وتفرح بعمل الخير ، كما أنها تتزين وتبتهج في رمضان ، وأنها تناظرت مع النار . وكل يدلي بأهله وفرحه بهم ، حتى وعد الله كلا بملئها .
ونصوص تلقي الحور والولدان والملائكة في الجنة لأهل الجنة بالرضى والتحية معلومة .
وقوله : لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون [ 36 \ 57 ] ، أي : لا يتأخر عنهم شيء .
وقوله : وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ 39 \ 73 ] .
وقوله : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ] .
وقاصرات الطرف عن رضى بأهلهن . ومنه حور مقصورات في الخيام [ 55 \ 72 ] ، أي على أزواجهن .
[ ص: 74 ] وقوله : ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا [ 76 \ 14 ] ، ونحو ذلك ، مما يشعر بأن نعيم الجنة بنفسه راض بأهل الجنة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
قوله تعالى : وأما من خفت موازينه فأمه هاوية .
وقع الخلاف في المراد من قوله : فأمه هاوية ، هل المراد بأمه مأواه وهي النار ، وأن هاوية من أسمائها ، أم المراد بأمه رأسه وأن هاوية من الهوي ، فيلقى في النار منكسا رأسه يهوي في النار .
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ذلك في دفع إيهام الاضطراب ، ولا يبعد من يقول إنه لا تعارض بين القولين .
فتكون " أمه هاوية " ، وهي النار ويلقى فيها منكسا تهوي رأسه والعياذ بالله .
وحكى القرطبي على أن الأم بمعنى قول لبيد :
فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
وعلى معنى الهاوية البعيدة والداهية ، قول الشاعر :
يا عمرو لو نالتك رماحنا كنت كمن تهوي به الهاويه
والهاوية : مكان الهوي .
كما قيل :
أكلت دما إن لم أرعك بضرة بعيدة مهوى القرط مياسة القد
أو طيبة النشر .
وفي الحديث : " إن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا " .
نسأل الله السلام .
وقد فسر الهاوية بما بعدها : وما أدراك ما هيه نار حامية [ 101 \ 10 - 11 ] .
[ ص: 75 ] وقد فسر الهاوية بأنها أسفل دركات النار . عياذا بالله .
وقد جاء قوله تعالى : كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة [ 104 \ 4 - 6 ] .
والنبذ : الطرح ، مما يرجح ما قلناه من إمكان إرادة المعنيين كون أمه هي الهاوية أي النار ، يهوي فيها على أم رأسه ، وذلك بالنبذ في الهاوية بعيدة المهوى ، وعادة الجسم إذا ألقي من شاهق بعيدا يسبقه إلى أسفل أثقله ، وأثقل جسم الإنسان رأسه . والله تعالى أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةُ التَّكَاثُر
قوله تعالى : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر .
ألهاكم : أي : شغلكم ، ولهاه : تلهيه ، أي علله .
ومنه قول امرئ القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي : شغلتها .
والتكاثر : المكاثرة . ولم يذكر هنا في أي شيء كانت المكاثرة التي ألهتهم .
قال ابن القيم : ترك ذكره ، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به ، وإما إرادة الإطلاق . ا هـ .
ويعني رحمه الله بالأول : ذم الهلع ، والنهم .
وبالثاني : ليعم كل ما هو صالح للتكاثر به ، مال وولد وجاه ، وبناء وغراس .
ولم أجد لأحد من المفسرين ذكر نظير لهذه الآية .
ولكنهم اتفقوا على ذكر سبب نزولها في الجملة ، من أن حيين تفاخرا بالآباء وأمجاد الأجداد ، فعددوا الأحياء ، ثم ذهبوا إلى المقابر ، وعدد كل منهما ما لهم من الموتى يفخرون بهم ، ويتكاثرون بتعدادهم .
وقيل : في قريش بين بني عبد مناف وبني سهم .
وقيل : في الأنصار .
وقيل : في اليهود وغيرهم ، مما يشعر بأن التكاثر كان في مفاخر الآباء .
[ ص: 77 ] وقال القرطبي : الآية تعم جميع ما ذكر وغيره .
وسياق حديث الصحيح : " لو أن لابن آدم واديا من ذهب ، لأحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب " .
قال ثابت : عن أنس عن أبي : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت : ألهاكم التكاثر .
وكأن القرطبي يشير بذلك إلى أن التكاثر بالمال أيضا .
وقد جاءت نصوص من كتاب الله تدل على أن التكاثر الذي ألهاهم ، والذي ذمهم الله بسببه أو حذرهم منه ، إنما هو في الجميع ، كما في قوله تعالى : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما إلى قوله وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ 57 \ 20 ] .
ففيه التصريح : بأن التفاخر والتكاثر بينهم في الأموال والأولاد .
ثم جاءت نصوص أخرى في هذا المعنى كقوله : وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون [ 6 \ 32 ] .
وقوله : وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ 29 \ 64 ] .
ولكون الحياة الدنيا بهذه المثابة ، جاء التحذير منها والنهي عن أن تلههم ، في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون [ 63 \ 9 ] .
وبين تعالى أن ما عند الله للمؤمنين خير من هذا كله في قوله : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [ 62 \ 9 ] .
ومما يرجح أن التكاثر في الأموال والأولاد في نفس السورة ، ما جاء في آخرها من [ ص: 78 ] قوله : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [ 102 \ 8 ] ، لمناسبتها لأول السورة .
كما هو ظاهر بشمول النعيم للمال شمولا أوليا .
وقوله : حتى زرتم المقابر .
أخذ منه من قال : إن تفاخرهم حملهم على الذهاب إلى المقابر ليتكاثروا بأمواتهم ، كما جاءت في أخبار أسباب النزول المتقدمة .
والصحيح في " زرتم المقابر " : يعني متم ; لأن الميت يأتي إلى القبر كالزائر لأن وجوده فيه مؤقتا .
وقد روي : أن أعرابيا سمع هذه الآية ، فقال : بعثوا ورب الكعبة ، فقيل له في ذلك ، فقال : لأن الزائر لا بد أن يرتحل .
تنبيه
قد بحث بعض العلماء مسألة زيارة القبور هنا لحديث : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة " .
وقالوا : إن المنع كان عاما من أجل ذكر مآثر الآباء والموتى ، ثم بعد ذلك رخص في الزيارة ، واختلفوا فيمن رخص له . فقيل : للرجال دون النساء لعدم دخولهن في واو الجماعة في قوله : " فزوروها " .
وقيل : هو عام للرجال وللنساء ، واستدل كل فريق بأدلة يطول إيرادها .
ولكن على سبيل الإجمال لبيان الأرجح ، نورد نبذة من البحث .
فقال المانعون للنساء : إنهن على أصل المنع ، ولم تشملهن الرخصة ، ومجيء اللعن بالزيارة فيهن .
وقال المجيزون : إنهن يدخلن ضمنا في خطاب الرجال ، كدخولهن في مثل قوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ 2 \ 43 ] ، فإنهن يدخلن قطعا .
وقالوا : إن اللعن المنوه عنه جاء في الحديث بروايتين رواية : " لعن الله زائرات القبور " .
وجاء : " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن السرج " إلى آخره .
[ ص: 79 ] فعلى صيغة المبالغة : زوارات لا تشمل مطلق الزيارة ، وإنما تختص للمكثرات ; لأنهن بالإكثار لا يسلمن من عادات الجاهلية من تعداد مآثر الموتى المحظور في أصل الآية .
أما مجرد زيارة بدون إكثار ولا مكث ، فلا .
واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها لما ذكر لها صلى الله عليه وسلم ، السلام على أهل البقيع ، فقالت : " وماذا أقول يا رسول الله إن أنا زرت القبور ؟ قال : قولي : السلام عليكم آل دار قوم مؤمنين " الحديث .
فأقرها صلى الله عليه وسلم ، على أنها تزور القبور وعلمها ماذا تقول إن هي زارت .
وكذلك بقصة مروره على المرأة التي تبكي عند القبر فكلمها ، فقالت : إليك عني ، وهي لا تعلم من هو ، فلما ذهب عنها قيل لها : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاءت تعتذر فقال لها : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " .
ولم يذكر لها المنع من زيارة القبور ، مع أنه رآها تبكي .
وهذه أدلة صريحة في السماح بالزيارة . ومن ناحية المعنى ، فإن النتيجة من الزيارة للرجال من في حاجة إليها كذلك ، وهي كون زيارة القبور تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة .
وليست هذه بخاصة في الرجال دون النساء ، بل قد يكن أحوج إليه من الرجال .
وعلى كل ، فإن الراجح من هذه النصوص والله تعالى أعلم ، هو الجواز لمن لم يكثرن ولا يتكلمن بما لا يليق ، مما كان سببا للمنع الأول ، والعلم عند الله تعالى .
تنبيه آخر
من لطائف القول في التفسير ، ما ذكره أبو حيان عن التكاثر في قوله : حتى زرتم المقابر ، ما نصه :
وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة ، تكثيرا بمن سلف وإشادة بذكره ، وكان [ ص: 80 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ثم قال : " فزوروها " أمر إباحة للاتعاظ بها ، لا لمعنى المباهاة والتفاخر .
ثم قال : قال ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفا ، وبيان النواويس عليها ، أي الفوانيس ، وهي السرج .
ثم قال أبو حيان ، وابن عطية : لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما يتباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك . وما يضيع فيها من الأموال ، لتعجب من ذلك ولرأى ما لم يخطر ببال .
وأما التباهي بالزيارة : ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوفية أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور : زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد .
وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ ، بحيث لو كتبت لجاءت أسفارا . وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه .
وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل المال لهم ، وأما من شذ منهم لأنه يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون : هذا فتح من العلم اللدني على الخضر .
حتى إن من ينتمي إلى العلم ، لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ، ونقل كثيرا من حكاياتهم ، ومزج ذلك بيسير من العلم طلبا للمال والجاه وتقبيل اليد .
ونحن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته . ا هـ . بحروفه .
وهذا الذي قاله رحمه الله من أعظم ما افتتن به المسلمون في دينهم ودنياهم معا .
أما في دينهم : فهو الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم ، صيانة للتوحيد من سؤال غير الله .
وأما في الدنيا فإن الكثير من هؤلاء يتركون مصالح دنياهم من زراعة أو تجارة أو صناعة ، ويطوف بتلك الأماكن تاركا ومضيعا من يكون السعي عليه أفضل من نوافل العبادات .
مما يلزم على طلبة العلم في كل مكان وزمان ، أن يرشدوا الجهلة منهم ، وأن يبينوا [ ص: 81 ] للناس عامة خطأ وجهل أولئك ، وأن الرحيل لتلك القبور ليس من سنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه " ، ولا كان من عمل الخلفاء الراشدين ، ولا من عامة الصحابة ولا التابعين ، ولا من عمل أئمة المذاهب الأربعة رحمهم الله .
وإنما كان عمل الجميع زيارة ما جاورهم من المقابر للسلام عليهم والدعاء لهم ، والاتعاظ بحالهم ، والاستعداد لما صاروا إليه .
نسأل الله الهداية والتوفيق لاتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتفاء بآثار سلف الأمة ، آمين .
قوله تعالى : كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون .
كلا : زجر عن التلهي والتكاثر المذكور ، و " سوف تعلمون " : أي حقيقة الأمر ، ومغبة هذا التلهي ، " ثم كلا سوف تعلمون " تكرار للتأكيد .
وقيل : إنه لا تكرار ، لما روي عن علي رضي الله عنه : أن الأولى في القبر ، والثانية يوم القيامة . وهو معقول .
واستدل به بعضهم على عذاب القبر .
ومعلوم صحة حديث القبر : " إنما القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار " .
والسؤال فيه معلوم ، ولكن أرادوا مأخذه من القرآن .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في الكلام على سورة غافر ، عند : وحاق بآل فرعون سوء العذاب [ 40 \ 45 ] ، إثبات عذاب القبر من القرآن .
وكذلك بيان معناه في آخر سورة الزخرف عند الكلام على قوله تعالى : فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون [ 43 \ 89 ] .
وهذا الزجر هنا والتحذير لهم ردا على ما كانوا عليه في التكاثر .
كما قال الشاعر :
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
[ ص: 82 ] وأصرح دليل لإثبات عذاب القبر من القرآن ، هو قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ; لأن الأول في الدنيا ، والثاني في الآخرة .
قوله تعالى : كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين .
لو : هنا شرطية ، جوابها محذوف باتفاق قدره ابن كثير أي لو علمتم حق العلم ، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الآخرة ، حتى صرتم إلى المقابر ، وعلم اليقين : أجازأبو حيان إضافة الشيء لنفسه ، أي : لمغايرة الوصف ، إذ العلم هو اليقين ، ولكنه آكد منه .
وعن حسان قوله :
سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
و " لترون الجحيم " : جواب لقسم محذوف .
وقال : المراد برؤيتها عند أول البعث ، أو عند الورود ، أو عند ما يتكشف الحال في القبر .
" ثم لترونها عين اليقين " : قيل : هذا للكافر عند دخولها ، هذا حاصل كلام المفسرين .
ومعلوم أن هذا ليس لمجرد الإخبار برؤيتها ، ولكن وعيد شديد وتخويف بها ; لأن مجرد الرؤية معلوم : " وإن منكم إلا واردها " [ 19 \ 71 ] ، ولكن هذه الرؤية أخص ، كما في قوله : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها [ 18 \ 53 ] ، أي : أيقنوا بدليل قوله : ولم يجدوا عنها مصرفا [ 18 \ 53 ] .
وقد يبدو وجه في هذا المقام ، وهو أن الرؤية هنا للنار نوعان :
الرؤية الأولى : رؤية علم وتيقن ، في قوله : لو تعلمون علم اليقين ، علما تستيقنون به حقيقة يوم القيامة لأصبحتم بمثابة من يشاهد أهواله ويشهد بأحواله ، كما في حديث الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه " .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|