
22-11-2024, 10:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد التاسع
الحلقة (603)
سُورَةُ الْعَادِيَات
صـ 53 إلى صـ 62
قوله تعالى : جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا .
فيه أربع مسائل ; ثلاثة مجملة جاء بيانها في القرآن . والرابعة مفصلة ولها شواهد .
وأما الثلاثة المجملة فأولها قوله : جزاؤهم عند ربهم ، إذ الجزاء في مقابل شيء يستوجبه ، وعند ربهم تشعر بأنه تفضل منه ، وإلا لقال : جزاؤهم على ربهم .
وقد بين ذلك صريح قوله تعالى : إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا [ 78 \ 31 - 36 ] ، فنص على أن هذا الجزاء كله من ربهم عطاء لهم من عنده .
[ ص: 53 ] الثانية والثالثة قوله : جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ، فأجمل ما في الجنات ، ونص على أنها تجري من تحتها الأنهار ، مع إجمال تلك الأنهار ، وقد فصلت آية : عم يتساءلون [ 78 \ 1 ] ما أعد لهم في الجنة من حدائق وأعناب وكواعب وشراب وطمأنينة ، وعدم سماع اللغو إلى آخره . كما جاء تفصيل الأنهار في سورة القتال ، في قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم [ 47 \ 15 ] ، والخلود في هذا النعيم هو تمام النعيم .
قوله تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه .
يعتبر هذا الإخبار من حيث رضوان الله تعالى على العباد في الجنة ، من باب العام بعد الخاص .
وقد تقدم في سورة الليل في قوله تعالى : وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى إلى قوله ولسوف يرضى [ 92 \ 17 - 21 ] ، واتفقوا على أنها في الصديق رضي الله عنه كما تقدم ، وجاء في التي بعدها سورة والضحى قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 5 ] ، أي : للرسول صلى الله عليه وسلم .
وهنا في عموم : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، فهي عامة في جميع المؤمنين الذين هذه صفاتهم ، ثم قال : رضي الله عنهم ، وقد جاء ما يبين سبب رضوان الله تعالى عليهم وهو بسبب أعمالهم ، كما في قوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ 48 \ 1 ] فكانت المبايعة سببا للرضوان .
وفي هذه الآية الإخبار بأن الله رضي عنهم ورضوا عنه ، ولم يبين زمن هذا الرضوان أهو سابق في الدنيا أم حاصل في الجنة ، وقد جاءت آية تبين أنه سابق في الدنيا ، وهي قوله تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ 9 \ 100 ] ، فقوله تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ثم يأتي بعدها : وأعد لهم جنات .
[ ص: 54 ] فهو في قوة الوعد في المستقبل ، فيكون الإخبار بالرضى مسبقا عليه .
وكذلك آية سورة الفتح في البيعة تحت الشجرة إذ فيها : لقد رضي الله عن المؤمنين [ 48 \ 18 ] ، وهو إخبار بصيغة الماضي ، وقد سميت " بيعة الرضوان " .
تنبيه
في هذا الأسلوب الكريم سؤال ، وهو أن العبد حقا في حاجة إلى أن يعلم رضوان الله تعالى عليه ; لأنه غاية أمانيه ، كما قال تعالى : ذلك الفوز العظيم .
أما الإخبار عن رضى العبد عن الله ، فهل من حق العبد أن يسأل عما إذا كان هو راضيا عن الله أم لا ؟ إنه ليس من حقه ذلك قطعا ، فيكون الإخبار عن ذلك بلازم الفائدة ، وهي أنهم في غاية من السعادة والرضى فيما هم فيه من النعيم إلى الحد الذي رضوا وتجاوز رضاهم حد النعيم إلى الرضى عن المنعم .
كما يشير إلى شيء من ذلك آخر آية النبأ : عطاء حسابا [ 78 \ 36 ] ، قالوا : إنهم يعطون حتى يقولوا : حسبنا حسبنا ، أي : كافينا .
قوله تعالى : ذلك لمن خشي ربه .
اسم الإشارة منصب على مجموع الجزاء المتقدم ، وقد تقدم أنه للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهنا يقول : إنه لمن خشي ربه ، مما يفيد أن تلك الأعمال تصدر منهم عن رغبة ورهبة . رغبة فيما عند الله ، ورهبة من الله ، ومثله قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان [ 55 \ 46 ] ، وقوله : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى .
[ 79 \ 40 - 41 ]
والواقع أن صفة الخوف من الله تعالى هي أجمع صفات الخير في الإنسان ; لأنها صفة للملائكة المقربين .
كما قال تعالى عنهم : يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون [ 16 \ 50 ] .
[ ص: 55 ] وقد عم الحكم في ذلك بقوله تعالى : إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير [ 67 \ 12 ] .
وفي هذه الآية السر الأعظم ، وهو كون الخشية في الغيبة عن الناس ، وهذا أعلى مراتب المراقبة لله ، والخشية أشد الخوف .
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةُ الزَّلْزَلَة
قوله تعالى : إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم
الزلزلة : الحركة الشديدة بسرعة ، ويدل لذلك فقه اللغة من وجهين :
الأول : تكرار الحروف ، أو ما يقال تكرار المقطع الواحد ، مثل صلصل وقلقل وزقزق ، فهذا التكرار يدل على الحركة .
والثاني : وزن فعل بالتضعيف كغلق وكسر وفتح ، فقد اجتمع في هذه الكلمة تكرار المقطع وتضعيف الوزن .
ولذا ، فإن الزلزال أشد ما شهد العالم من حركة ، وقد شوهدت حركات زلزال في أقل من ربع الثانية ، فدمر مدنا وحطم قصورا .
ولذا فقد جاء وصف هذا الزلزال بكونه شيئا عظيما في قوله تعالى : إن زلزلة الساعة شيء عظيم [ 22 \ 1 ] ، ويدل على هذه الشدة تكرار الكلمة في " زلزلت " وفي " زلزالها " ، كما تشعر به هذه الإضافة .
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، إيراد النصوص المبينة لذلك في أول سورة الحج كقوله تعالى : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [ 69 \ 14 ] ، وقوله : إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا [ 56 \ 4 - 5 ] ، وقوله : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة [ 79 \ 6 - 7 ] ، وساق قوله : وأخرجت الأرض أثقالها [ 99 \ 2 ] .
واختلف في الأثقال ما هي على ثلاثة أقوال :
[ ص: 57 ] فقيل : موتاها . وقيل : كنوزها ، وقيل : التحدث بما عمل عليها الإنسان . ولعل الأول أرجح هذه الثلاثة ; لأن إخراج كنوزها سيكون قبل النفخة ، والتحدث بالأعمال منصوص عليه بذاته ، فليس هو الأثقال . ورجحوا القول الأول لقوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [ 77 \ 25 - 26 ] .
وقالوا : الإنس والجن ثقلان على ظهرها ، فهما ثقل عليها ، وفي بطنها فهم ثقل فيها ، ولذا سميا بالثقلين . قاله الفخر الرازي وابن جرير .
وروي عن ابن عباس : أنه موتاها .
وشبيه بذلك قوله : وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت [ 48 \ 3 - 4 ] ، ولا يبعد أن يكون الجميع إذا راعينا صيغة الجمع أثقالها ، ولم يقل ثقلها ، وإرادة الجمع مروية أيضا عن ابن عباس . ذكره الألوسي ، وابن جرير عنه وعن مجاهد .
وحكى الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه القولين في إملائه : أي موتاها ، وقيل : كنوزها .
وقوله تعالى : وقال الإنسان ما لها ، لفظ الإنسان هنا عام وظاهره أن كل إنسان يقول ذلك ، ولكن جاء ما يدل على أن الذي يقول ذلك هو الكافر . أما المؤمن فيقول : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ، وذلك في قوله : ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [ 36 \ 51 - 52 ] .
فالكافر يدعو بالويل والمؤمن يطمئن للوعد ، ومما يدل على أن الجواب من المؤمنين ، لا من الملائكة ، كما يقول بعض الناس ، ما جاء في آخر السياق قوله : فإذا هم جميع أي : كلا الفريقين لدينا محضرون .
وقوله : ما لها سؤال استيضاح وذهول من هول ما يشاهد .
وقوله : يومئذ تحدث أخبارها ، التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته ; لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء وتظهر حقائق كل شيء ، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض ، فتحدث بأخبارها ، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء [ 41 \ 21 ] [ ص: 58 ] وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر ; لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق ، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته .
ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن " لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة " ، وذكر ابن جرير وجها آخر ، وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها ، والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديدا . ويشهد له الحديث الصحيح .
قوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
في هاتين الآيتين مبحثان أحدهما في معنى من لعمومه ، والآخر في صيغة " يعمل " .
أما الأول فهو مطروق في جميع كتب التفسير على حد قولهم : من للعموم المسلم والكافر ، مع أن الكافر لا يرى من عمل الخير شيئا ، لقوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] ، وفي حق المسلم ، قد لا يرى كل ما عمل من شر ، لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ 4 \ 48 ] .
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذه المسألة بتوسع في دفع إيهام الاضطراب بما يغني عن إيراده .
أما المبحث الثاني فلم أر من تناوله بالبحث ، وهو في صيغة " يعمل " ; لأنها صيغة مضارع ، وهي للحال والاستقبال .
والمقام في هذا السياق يومئذ يصدر الناس أشتاتا ، وهو يوم البعث ، وليس هناك مجال للعمل ، وكان مقتضى السياق أن يقال : فمن عمل مثقال ذرة خيرا يره . ولكن الصيغة هنا صيغة مضارع ، والمقام ليس مقام عمل ، ولكن في السياق ما يدل على أن المراد " يعمل مثقال ذرة " أي من الصنفين ما كان من ذلك ; لقوله تعالى يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فهم إنما يروا في ذلك اليوم أعمالهم التي عملوها من قبل ، فتكون صيغة المضارع هنا من باب الالتفات ، حيث كان السياق أولا من أول [ ص: 59 ] السورة في معرض الإخبار عن المستقبل : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وإذا أخرجت الأرض أثقالها ، وإذا قال الإنسان ما لها . في ذلك اليوم الآتي تحدث أخبارها ، وفي ذلك اليوم يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم التي عملوها من قبل كما في قوله : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [ 78 \ 40 ] ، وقوله : ووجدوا ما عملوا حاضرا [ 18 \ 49 ] .
ثم جاء الالتفات بمخاطبتهم على سبيل التنبيه والتحذير ، فمن يعمل الآن في الدنيا مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل الآن في الدنيا مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ، ومثقال الذرة ، قيل : هي النملة الصغيرة ، لقول الشاعر :
من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا
والإتب : قال في القاموس : الإتب بالكسر ، والمئتبة كمكنسة برد يشق ، فتلبسه المرأة من غير جيب ولا كمين ، وقيل : هي الهباء التي ترى في أشعة الشمس ، وكلاهما مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وسيأتي زيادة إيضاح لكيفية الوزن في سورة القارعة إن شاء الله .
ولعل ذكر الذرة هنا على سبيل المثال لمعرفتهم لصغرها ; لأنه تعالى عمم العمل في قوله : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [ 78 \ 40 ] ، أيا كان هو مثقال ذرة أو مثاقيل القناطير ، وقد جاء النص صريحا بذلك في قوله تعالى : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [ 10 \ 61 ] .
وهنا تنبيهان : الأول من ناحية الأصول ، وهو أن النص على مثقال الذرة من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فلا يمنع رؤية مثاقيل الجبال ، بل هي أولى وأحرى .
وهذا عند الأصوليين ما يسمى الإلحاق بنفي الفارق ، وقد يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ، وقد يكون مساويا له ، فمن الأول هذه الآية وقوله :فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [ 17 \ 23 ] ، ومن المساوي قوله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا [ 4 \ 10 ] ، فإن إحراق ماله وإغراقه [ ص: 60 ] ملحق بأكله ، بنفي الفارق وهو مساو لأكله في عموم الإتلاف عليه ، وهو عند الشافعي ما يسمى القياس في معنى الأصل ، أي النص .
التنبيه الثاني في قوله تعالى : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك .
رد على بعض المتكلمين في العصر الحاضر ، والمسمى بعصر الذرة ، إذ قالوا : لقد اعتبر القرآن الذرة أصغر شيء ، وأنها لا تقبل التقسيم ، كما يقول المناطقة : إنها الجوهر الفرد ، الذي لا يقبل الانقسام .
وجاء العلم الحديث ففتت الذرة وجعل لها أجزاء . ووجه الرد على تلك المقالة الجديدة ، على آيات من كتاب الله هو النص الصريح من مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك إلا في كتاب .
فمعلوم ذلك عند الله ومثبت في كتاب ما هو أصغر من الذرة ، ولا حد لهذا الأصغر بأي نسبة كانت ، فهو شامل لتفجير الذرة ولأجزائها مهما صغرت تلك الأجزاء .
سبحانك ما أعظم شأنك ، وأعظم كتابك ، وصدق الله إذ يقول : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] .
[ ص: 61 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةُ الْعَادِيَات
قوله تعالى : والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا .
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه :
العاديات : جمع عادية ، والعاديات : المسرعات في مسيرها .
فمعنى العاديات : أقسم بالمسرعات في سيرها .
ثم قال : وأكثر العلماء على أن المراد به الخيل ، تعدو في الغزو ، والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله .
وقال بعض العلماء : المراد بالعاديات : الإبل تعدو بالحجيج من عرفات إلى مزدلفة ومنى .
ومعنى قوله : ضبحا : أنها تضبح ضبحا ، فهو مفعول مطلق ، والضبح : صوت أجواف الخيل عند جريها .
وهذا يؤيد القول الأول الذي يقول هي الإبل ، ولا يختص الضبح بالخيل .
فالموريات قدحا : أي الخيل توري النار بحوافرها من الحجارة ، إذا سارت ليلا .
وكذلك الذي قال : العاديات : الإبل . قال : برفعها الحجارة فيضرب بعضها بعضا .
ويدل لهذا المعنى قول الشاعر :
تنفي يداها الحصا في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف
[ ص: 62 ] فالمغيرات صبحا الخيل تغير على العدو وقت الصبح .
وعلى القول الثاني : فالإبل تغير بالحجاج صبحا من مزدلفة إلى منى يوم النحر .
فأثرن به نقعا : أي غبارا . قال به . أي : بالصبح أو به . أي بالعدو .
والمفهوم من العاديات : توسطن به جمعا ، أي دخلن في وسط جمع أي خلق كثير من الكفار .
ونظير هذا المعنى قول بشر بن أبي حازم :
فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم
وعلى القول الثاني الذي يقول : العاديات الإبل تحمل الحجيج .
فمعنى قوله : فوسطن به جمعا ، أي : صرن بسبب ذلك العدو وسط جمع . وهي المزدلفة ، وجمع اسم من أسماء المزدلفة .
ويدل لهذا المعنى قول صفية بنت عبد المطلب ، عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأم الزبير بن العوام رضي الله عنهما :
فلا والعاديات مغبرات جمع بأيديها إذا سطع الغبار
وهذا الذي ساقه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، قد جمع أقوال جميع المفسرين في هذه الآيات ، وقد سقته بحروفه لبيانه للمعنى كاملا .
ولكن مما قدمه رحمة الله تعالى علينا وعليه أن من أنواع البيان في الأضواء : أنه إذا اختلف علماء التفسير في معنى وفي الآية قرينة ترد أحد القولين أو تؤيد أحدهما فإنه يشير إليه .
وقد وجدت اختلاف المفسرين في هذه الآيات في نقطة أساسية من هذه الآيات مع اتفاقهم في الألفاظ ، ومعانيها والأسلوب وتراكيبه .
ونقطة الخلاف هي معنى الجمع الذي توسطن به ، أهو المزدلفة لأن من أسمائها جمعا كما في الحديث : " وقفت هاهنا وجمع كلها موقف " .
وهذا مروي عن علي رضي الله عنه ، في نقاش بينه وبين ابن عباس . ساقه ابن جرير .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|