عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18-11-2024, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,097
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(7) تحمل المسؤولية




من أهم عناصر المسؤولية تجاه الأسرة تجسيد النموذج الحسن في تربية الأولاد، ومسؤولية الطفل لا تعني مسؤولية الأم فقط، إنما مسؤولية الوالدين معاً

الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة, وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء.. سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم مفهوماً من هذه المفاهيم وهو (تحمل المسؤولية) .
تحمل المسؤولية هو مفتاح النجاح في الحياة الأسرية وثمرة تصور الإنسان عن دوره في الحياة وتوازن بين المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات، فهي مهارة وقيمة سلوكية إنسانية يجب أن تزرع كالمبادئ من الصغر لتتحول إلى عادة، فالعادة تقتل الإحساس بصعوبة المسؤولية، فعند ممارسة المسؤولية بانتظام فإنها تتحول إلى عادة ومن ثم تتحول هذه العادة إلى طبع في الشخص.
تحمل المسؤولية هو سر العمران وعنوان النجاح والفلاح، فمن أبرز الأسباب التي نعانيها في حياتنا الأسرية ولاسيما الحياة الزوجية هو تحمل المسؤولية، فالزوجان هما عمودان لبناء أسرة، فمصلحتهم وسعادتهم وكرامتهم مرتبطة بالقدرة على تحمل المسؤولية وتنصلهم من المسؤولية له أسباب ناشئة عن خلل في التربية الأسرية والمجتمع، فقد أثبتت التجارب العديدة أن عدم تحمل المسؤولية سواء من جانب الزوج أم الزوجة قد يكون مدمراً للحياة الزوجية، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت الرسول[ يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته» .
مبدأ المسؤولية الشاملة
وقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي، وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، واهتمت بالمرأة اهتمامها بالرجل فحدد لها نطاق مسؤولياتها في الأسرة بما يتفق وبناءها الجسمي والعاطفي الذي لابد له من أن تظهر آثاره على أسرتها وبيتها، ولعل أول مسؤولياتها تبدأ بتحقيقها السكينة والاستقرار لزوجها، ثم مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم وتنمية قدراتهم العقلية والانفعالية والجسمية في ظل بيت تغمره المودة والرحمة، فضلا عن مسؤوليتها في حفظ مال زوجها وحسن التدبير له ومحافظتها على عِرضه بحفظ نفسها ، فالحياة الزوجية تحتاج المزيد من المرونة والصبر والذكاء في التعامل، حتى تسير السفينة وتستطيع مواجهة مصاعب الحياة ومشكلاتها التي قد تعصف بها.
عدم تحمل المسؤولية وأثره في الحياة الزوجية
لوحِظ في الفترة الأخيرة انتشار ثقافة اللامبالاة والأنانية والاستهتار والهروب من تحمل المسؤولية؛ مما ترتب عليه ضياع حقوق الزوجة أو الزوج وبالتالي ضياع الأولاد بينهما نتيجة تخلي أحد أركان الأسرة عن مسؤولياته؛ فالزوجة التي لا ترغب في تحمل مسؤولية الأسرة وقضاء حاجاتها وتظل تشكو وتتوجع من كثرة الأعباء، وتظل تمنُّ بما تقدمه للأسرة على قلته من خدمات، وتذم اليوم الذي تزوجت فيه وأنجبت أطفالها، وتتوق إلى حياة الترف والجلوس ساكتة وترى أن السعادة في النوم لساعات طوال والهروب من المسؤولية بأية طريقة، وهناك الزوج الذي يتهرب من تحمل المسؤولية الأسرية ويترك العبء كله على زوجته، ويكتفي بمنحها قدراً من المال يكفي أو لا يكفي، ويترك ماعدا ذلك من مسؤوليات، بل إن هناك من الرجال من يتباهى بأن زوجته هي التي تتصرف بكل أمور الأسرة، وأنه لا يعرف شيئاً عن سير العمل في الأسرة وأنها هي التي تتصرف مثلاً في زواج الأولاد وتحدد لزوجها أصدقاءه، وهذه مظاهر سلبية لعدم تحمل المسؤولية والتواكل والاعتماد على الآخرين، وأسبابها نفسية راسخة في الشخصية، تتكون منذ الطفولة، فعدم تحمل المسؤولية سواء من الزوجة المتربية على العز والدلال، أم من الزوج المتربي في أحضان من يخدمه ويسهر على راحته هي عناصر تؤدي لفشل الزواج لعدم الإحساس بالمسؤولية اتجاه الزواج، فكثير من الأزواج اليوم يعتقدون أن الزواج مجرد استقلال بعيدا عن الأهل، ويفاجؤون بمسؤوليات الزواج والأطفال وما يتبع كل هذا من أمورٍ قد لا تخطر لهم على بال .
ابنك وتحمل المسؤولية
من أهم عناصر المسؤولية تجاه الأسرة تجسيد النموذج الحسن في تربية الأولاد، ومسؤولية الطفل لا تعني مسؤولية الأم فقط، إنما مسؤولية الوالدين معاً، لكن على الأم الجانب الأهم والأقوى لاتصالها بطفلها فترة أطول من الأب، فهيئيه عن طريق الأوامر والنواهي مع التوضيح على تحمل المسؤولة، ولا تجعلي حنانك وعطفك يغلب عليكِ فيصعب عليكِ تكليفة بأي عمل بحجة صغر سنه وأنه سيرهقه، وأيضاً كونك نموذجاً وقدوة له فلا يحق لكِ فرض عمل عليه لسبب تعبك أو شعورك بالكسل.
- تبدأ المسؤولية بالاستقامة الشخصية من الوالدين؛ فهي تساعد على الالتزام بها بعد التوجيه بالأمر بها والحرص عليها، فأن تنهى طفلك عن سلوك سيء لا بد وأن تكون من المنتهين عنه وإلا فنهيك لن يجدي شيئاً.
- ساعد طفلك على اختيار رفيقه لقوله صلى الله عليه وسلم : «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
- شجّع طفلك على ممارسة الرياضة أو تعلم الهواية التي يحبها وتطويرها وذلل له الصعاب، فنجاحه في تلك الأنشطة واحتكاكه بمن هم في مثل سنه وتجربته نشاطات لم يجربها من قبل ستزيد بلا شك من تطوره العقلي والنفسي وتزيد من قدرته على تحمل المسؤولية.
- ساعده على احترام النظام والقوانين، فمثلا اطلب من الطفل أن يضع حذاءه في مكان معين كل يوم، أو وضع لعبه في مكانها وكافئه عندما يفعل ذلك ، وإذا استمر أسبوعاً مثلاً يفعل ذلك يكافأ في نهاية الأسبوع، ولكن دون مماطلة أو استسهال أو ترك يوم ولابد أن يكون ذلك بأسلوب محبب إلى الطفل، وحتى تنمو العادة وتترسخ لابد من المواظبة عليها.
- ذكّر طفلك كل يوم وعلى مدى فترة طويلة جدا بوضع ملابسه المتسخة في سلة الغسيل ، ويمكن إلزامه بإعداد منضدة طعام العشاء كل ليلة إذا كان هذا يتناسب مع سنه، كما يمكن تكليفه بطي الملابس التي قامت الأم بغسلها؛ فذاك التوجيه من الوالدين للطفل هو مسؤوليتهما.
- ومن مسؤولية الوالدين أيضاً ملاحظة ما يتجه إليه الطفل في التعليم والعمل وتوجيهه إليه ومساعدته على التحصيل إلى ما يصبو إليه أو تعديل مساره، فالتفكير بمستقبل الطفل من مسؤولية والديه، تكلم معه عن أحلامه وكيف يتصور إمكانية تحقيقها علي أرض الواقع، وذكره بمميزاته وعيوبه وكيفية إصلاحها.
- وما أجمل أن يجلس الوالدان مع الأبناء ليتخذوا القرارات المناسبة المتعلقة بالأسرة سوياً!، وهذا مظهر تربوي يدل على التفاهم والانسجام؛ مما يتيح للأبناء التعبير عن ذاتهم والمشاركة في اتخاذ القرار وبالتالي يشعر الأبناء بتحمل المسؤولية ولا شك أن الأبناء الذين كانوا يشاركون آباءهم في تسيير أمورهم كانوا الأقدر على الاستقلال بأنفسهم في المستقبل، وكانوا أكثر إبداعاً في إدارة شؤونهم .
المسؤوليات التي توكل إلى طفلك
يبدأ تعليم الطفل تحمل المسؤولية من سن ثلاث سنوات، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً» رواه مسلم، وهكذا يعتاد الطفل الجرأة الأدبية، وينشأ بعيداً عن الانهزامية، وفيه قوة رأي وحجة، وتتفاوت أنواع المسؤوليات بتفاوت عمره فيجب الأخذ بنظر الاعتبار لقدرته على المهام الموكلة إليه، فلا تكون من المسؤوليات الكبيرة فترهقه وتنفره منها وتؤثر عليه سلباً فتجعله يهرب منها، لذلك يجب إعطاؤه مسؤوليات تدخل في دائرة قدرته واستطاعته بشيء من التسامح والتغافل المقصود في بعض الأحيان عن الكسل، مع إعطائه حق الاختيار في الأعمال التي توكل إليه، فمثلا نخيره بين ترتيب الغرفة أو غسل الأطباق ليختار أحدهما فذلك يساعده على تقوية روح تحمل المسؤولية لديه، ويجب عدم إجباره عند توكيل المسؤوليات إليه فقد يؤدي إلى رفع روح العناد لديه فازرع أنت تحمل المسؤولية في نفسه، وعدم التدخل في أعمال الطفل عند قيامه بها وعدم تثبيط عزيمته عند بروز أي أخطاء أثناء قيامه بالمسؤولية بل الإرشاد فقط والبعد عن التوبيخ والملامة حتى وإن أخطأ؛ فمثلا إذا سقط إناء من يده وانكسر فتذكر أنه فقط يتعلم تحمل المسؤولية ولم تصبح بعد فرضاً عليه لكي يعاقب، ويراعى التفاوت بين البنت والولد فأمور المنزل ورعاية الأخت الصغرى تكون مهمة البنت، والولد توكل إليه أعمال التصليح والصيانة فتعلم المسؤولية تكون على حسب فطرية كل منهما؛ بحيث تتناسب ومستوى قدراته وذكائه ونضوجه، وإذا تعود الطفل على تحمل المسؤولية في نطاق أسرة فإنه سيشعر بالمتعة واللذة من تحمل المسؤولية، ونربي فيه العادات القيادية، ويسعى لتحمل مزيد من المسؤوليات لينتج عنهما زوج وزوجة مؤهلان للقيام بحياة أسرية متكاملة من البذل والعطاء ونكران الذات والصبر ولن يصدما كلاهما بحياة جديدة؛ لأنهما خرجا من محيط أسري مشبع بالقدرة على تحمل المسؤولية.



اعداد: إيمان الوكيل






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]