
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (213)
صـ 329 إلى صـ 336
بالآخر ممتنع، فإن هذا لا يقدر حتى يعينه الآخر، وهذا لا يقدر حتى يعينه الآخر، فتكون إعانة كل منهما سابقة (1) مسبوقة [وقدرة كل منهما سابقة مسبوقة.] (2) إذ كان لا إعانة لهذا إلا بقدرته، (3) ولا قدرة له إلا بإعانة ذاك، ولا إعانة لذاك إلا بقدرته، ولا قدرة له إلا بإعانة هذا، (* فتكون إعانة هذا موقوفة على قدرته الموقوفة على إعانة ذاك، الموقوفة على قدرة هذا *) (4) ، فيكون الشيء قبل قبل قبل نفسه وعلة علة علة نفسه.
فتبين امتناع اجتماع ربين متوافقين أو متخالفين، وأنه إذا فرض مع الله إله (5) لزم أن يذهب كل إله بما خلق، وأن يعلو بعضهم على بعض.
وأحد البرهانين ليس مبنيا على الآخر، بل كل منهما مستقل، وكل منهما لازم على تقدير إله آخر، ليس اللازم أحدهما، فإنه لما امتنع الاشتراك في فعل واحد ومفعول واحد على سبيل الاستقلال وعلى سبيل التعاون، لزم أن يذهب كل إله بما خلق. ولما امتنع اجتماع ربين (6) متكافئين لزم علو بعضهم على بعض، وكل منهما منتف ; لأن المخلوقات مرتبط بعضها ببعض (7) ؛ ولأن المقهور ليست قدرته من نفسه بل من غيره، فيكون مربوبا لا ربا.
_________
(1) ن: ستافية، م: منافية، وكلاهما تحريف.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) .
(3) ن، م: إلا بقدرة هذا.
(4) ما بين النجمتين ساقط من (ع) ، والجملة الأخيرة في (م) : على إعانة هذا.
(5) ن، م، ع: آلهة.
(6) ن، م: اثنين.
(7) ن: مرتبط بعضها على بعض، م: مرتبط بعضهم على بعض
=======================
والمشركون كانوا يقرون بهذا التوحيد الذي هو (1) نفي خالقين، لم يكن مشركو العرب تنازع (2) فيه؛ ولهذا قال الله لهم (3) : {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [سورة النحل: 17] فكانوا يعترفون بأن (4) آلهتهم لا تخلق.
ولهذا ذكر الله [تعالى هذا] (5) التقرير بعد قوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل أفلا تذكرون - قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم - سيقولون لله قل أفلا تتقون - قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل فأنى تسحرون - بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون - ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} عالم {الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} [سورة المؤمنون: 84 - 92] ولم يكن إشراكهم أنهم جعلوهم خالقين، بل أن جعلوهم وسائط في العبادة فاتخذوهم شفعاء، وقالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى.
كما قال الله تعالى عنهم: (6) {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في
_________
(1) هو: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(2) أ، ب: تتنازع.
(3) ن، م، ع: ولهذا قال تعالى.
(4) أ، ب: فكانوا يعرفون أن.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(6) عنهم: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ع)
======================
السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} [سورة يونس: 18] .
فالذين أثبتوا فاعلا مستقلا غير الله كالفلك والآدميين وجعلوا هذه الحركات الحادثة (1) ليست مخلوقة لله - فيهم من الشرك والتعطيل ما ليس في مشركي العرب، فإن مشركي العرب كانوا يقرون بالقدر وأن الله وحده خالق كل شيء.
ولهذا قال في الآية الأخرى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} [سورة الإسراء: 42] فهم كانوا يقولون: [إنهم] (2) وسائل ووسائط وشفعاء، لم يكونوا (3) يقولون: إنهم يخلقون كخلقه، فقال تعالى: {لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} ، كما قال في الآية الأخرى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا - أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} [سورة الإسراء: 56، 57] .
فتبين أن ما يدعى من دونه من الملائكة والأنبياء وغيرهم يبتغى به (4) الوسيلة إلى الله والتقرب إليه، وذلك لأنه هو الإله المعبود الحق الذي كل ما سواه مفتقر إليه من جهة أنه ربه ليس له شيء إلا منه، ومن جهة أنه إلهه لا منتهى لإرادته (5) دونه، فلو لم يكن هو (6) المعبود لفسد
_________
(1) ن: الجارية.
(2) إنهم: ساقطة من (ن) .
(3) ن، م: ما كانوا.
(4) به: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(5) أ، ب: ومن جهته وأن إلهه لا ينتهي لإرادته، ن، م: ومن جهة أنه إله لا منتهى لإرادته.
(6) ن، م: هذا
============================
العالم، إذ لو (1) كانت الإرادات ليس لها مراد لذاته (2) والمراد إما لنفسه وإما لغيره، والمراد لغيره (3) لا بد أن يكون ذلك الغير مرادا حتى ينتهي الأمر إلى مراد لنفسه.
فكما أنه يمتنع التسلسل في العلل الفاعلية، فيمتنع (4) التسلسل في العلل الغائية. وقد يظن أنه بهذا الطريق أثبت قدماء الفلاسفة - أرسطو وأتباعه - الأول (5) لكنهم أثبتوه من جهة كونه (6) علة غائية فقط، لكن أولئك جعلوه علة غائية بمعنى التشبه به (7) ؛ ولهذا قالوا: الفلسفة هي التشبه (8) بالإله على قدر الطاقة، لم يجعلوه معبودا محبوبا لذاته كما جاءت الرسل بذلك.
ولهذا كان من تعبد وتصوف على طريقتهم من المتأخرين يقعون في دعوى الربوبية والإلهية (9) ، وهم في نوع من الفرعونية، بل قد يعظم بعضهم فرعون ويفضلونه على موسى - عليه السلام - (10) كما يوجد ذلك في كلام طائفة منهم.
_________
(1) لو: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) أ، ب: ليست له مرادة لذاته، ن، م: ليس لها مرادا لذاته.
(3) عبارة " والمراد لغيره " ساقطة من (أ) ، (ب) .
(4) أ، ب: يمتنع.
(5) ب فقط: الإله.
(6) أ، ب: لكونه.
(7) أ، ب: التشبيه به.
(8) أ: كما يقولون الفلاسفة هو التشبيه، ب: كما يقول الفلاسفة هو التشبيه، ع: كما يقولون: الفلسفة من التشبيه.
(9) ن، م، ع: الإلهية والربوبية.
(10) عليه السلام: زيادة في (ن) ، (م)
=============================
والواجب إثبات الأمرين: أنه سبحانه رب كل شيء، وإله كل شيء، فإذا كانت الحركات الإرادية لا تقوم إلا بمراد لذاته، (1 وبدون ذلك يفسد (1) ولا يجوز أن يكون مرادا لذاته إلا الله 1) (2) ، كما لا يكون موجودا بذاته إلا الله - علم (3) أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا.
وهذه الآية فيها بيان أنه (4) لا إله إلا الله (5) ، وأنه لو كان فيهما آلهة غيره لفسدتا. وتلك الآية (6) قال فيها: {إذا لذهب كل إله بما خلق} [سورة المؤمنون: 91] .
ووجه بيان لزوم الفساد أنه إذا (7) قدر مدبران، (8 ما تقدم من أنه 8) (8) يمتنع أن يكونا غير متكافئين؛ لكون المقهور مربوبا لا ربا وإذا كانا متكافئين امتنع التدبير منهما لا على سبيل الاتفاق ولا على سبيل الاختلاف، فيفسد العالم بعدم (9) التدبير، لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك كما تقدم.
وهذا (10) من جهة امتناع الربوبية لاثنين (11) ، ويلزم من امتناعهما (12) امتناع
_________
(1) أ: وبذلك يفسد، ب: وبذلك يقصد، م: وبذلك يفتك.
(2) (1 - 1) ساقط من (ع) .
(3) أ، ب: فعلم.
(4) ب، ع: أن.
(5) ن، م: إلا هو.
(6) الآية: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(7) ب فقط: فيما إذا.
(8) (8 - 8) : ساقط من (ع) .
(9) ن، م: لعدم.
(10) ن، م: فهذا.
(11) أ: لا يتبين، ب: لغير الله.
(12) أ: ويلزم امتناعها، ب: ويلزم من امتناعها
======================
الإلهية (1) فإن ما لا يفعل شيئا لا يصلح أن يكون ربا (2) يعبد ولم يأمر الله أن يعبد؛ ولهذا بين الله امتناع الإلهية (3) لغيره تارة ببيان أنه ليس بخالق، وتارة (4) أنه لم يأمر بذلك لنا (5) كقوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} [سورة الأحقاف: 4] .
وذلك لأن (6) عبادة ما سوى الله تعالى (7) قد يقال: إن الله أذن فيه لما فيه من المنفعة (8) ، فبين سبحانه أنه لم يشرعه، كما قال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [سورة الزخرف: 45] وهذا مبسوط في موضع آخر.
والمقصود هنا أن في هذه الآية بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشئ عن (9) عبادة ما سوى الله تعالى ; لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد لذاته، من جهة غاية أفعالهم ونهاية حركاتهم، وما سوى الله
_________
(1) ن، م: الألوهية.
(2) يكون ربا: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(3) ن، م: الألوهية.
(4) أ، ب: بخالق وتارة بأنه، ن: بخالق زيادة أنه، م: بخالق وتارة زيادة أنه.
(5) لنا: ساقطة من (ن) ، (م) .
(6) أ، ب: بأن.
(7) تعالى: زيادة في (أ) ، (ب) .
(8) ن، م: من المصلحة.
(9) ن: والناشئ عن ; م: والناشئ من
=========================
لا يصلح، فلو كان فيهما معبود غيره لفسدتا من هذه الجهة، فإنه سبحانه هو المعبود المحبوب لذاته، كما أنه هو الرب خالق بمشيئته.
[وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد» :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
] (1) ؛ ولهذا قال: الله في فاتحة الكتاب: {إياك نعبد وإياك نستعين} وقدم اسم الله على اسم (2) الرب في أولها حيث قال: {الحمد لله رب العالمين} فالمعبود هو المقصود المطلوب المحبوب لذاته، وهو الغاية والمعين (3) ، وهو البارئ المبدع الخالق، ومنه ابتداء كل شيء، والغايات تحصل بالبدايات، والبدايات (4) بطلب (5) الغايات، فالإلهية هي الغاية (6) ، وبها تتعلق حكمته، وهو الذي يستحق لذاته أن يعبد (7) ويحب ويحمد ويمجد، وهو سبحانه يحمد نفسه، ويثني على نفسه، ويمجد نفسه، ولا أحد أحق بذلك منه حامدا ومحمودا.
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، ولم يرد الشطر الثاني من البيت في (ع) ، والحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في البخاري 5 - 42، 43 كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية 8 - 35 كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر، مسلم 4 - 1768، 1769 كتاب الشعر، الأحاديث 1 - 6، سنن ابن ماجه 2 - 1236، كتاب الأدب، باب الشعر، المسند ط المعارف 13 - 110، 17/141، 19/18، 120
(2) ن: اسمه الله على اسمه. م: اسم الله على اسمه.
(3) أ، ب: والمعنى.
(4) والبدايات: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(5) ن، م، ع: تطلب.
(6) ن، م: والإلهية هي العالية، وهو تحريف.
(7) أن يعبد: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (أ) : أن نعبده
=======================
وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد تبين بما ذكرناه أن من جعل عباد الله (1) كأعوان السلطان (2) فهو من أعظم المشركين بالله.
[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون]
وأما جوابه (3) عن احتجاجهم بقوله تعالى (4) : {والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 59 - 96] بأن (5) المراد بذلك الأصنام، فلا ننازعه (6) في أن المراد بذلك الأصنام، فإن هذا هو أصح القولين. و " ما " بمعنى الذي، ومن قال: إنها مصدرية والمراد والله خلقكم وعملكم فهو ضعيف (7) ، فإن سياق الكلام إنما يدل على الأول ; لأنه قال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 95 - 96] فأنكر عليهم عبادة المنحوت، فالمناسب أن يذكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه مخلوق لله.
والتقدير (8) والله خلق العابد والمعبود، ولأنه لو قال: والله خلقكم وعملكم لم يكن في هذا ما يقتضي ذمهم على الشرك، بل قد يقال: إنه إقامة عذر لهم.
وذلك لأن الواو في قوله: {والله خلقكم وما تعملون} واو
_________
(1) أ، ب: عبادة الله.
(2) أ، ب: الملك.
(3) أ، ب: وأما الجواب، والكلام هنا عن الرافضي ابن المطهر.
(4) تعالى: زيادة في (أ) ، (ب) .
(5) ن، م: فإن.
(6) م: فلا منازعة.
(7) ن، م: وهو ضعيف.
(8) ن، م: فالتقدير
=========================