2ـ كثرة الذكر والدعاء لله تعالى :
ترك ذكر الله تعالى يصيب القلب بالقسوة والجفاء ، وقاسي القلب مستحق لوعيد الله تعالى، قال سبحانه : \" وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ\" . سورة الزخرف:36.
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قال : قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ ، وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.رواية مسلم : مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فيه ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.أخرجه البخاري 8/107 ومسلم 2/188 .
وانظر لمَن يُكثِر من ذكر الرحمن، تجده دائماً في راحة واطمئنان، كما قال تعالى: \" الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ\" . سورة الرعد:28 .
وإذا اطمئن القلب انشرح الصدر، وارتاح البال وأنس بالله، وسعد في الدنيا والآخرة، وهذا هو عين الفلاح، الذي أرشدنا تعالى إلى تحصيله؛ وذلك بكثرة ذكره، فقال تعالى: \" َاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ\" . سورة الأنفال: 45.
وقـد ذكر ابن القيم في كتـابه : الوابل الصيب من الكلم الطـيب ( 61 ) : أكثر من مائة فائدة لذكر الله منها: أن الذِّكْر يرضي الله عزوجل . أن الذِّكْر يطرد الشيطان. أنه يزيل الهم والغم عن القلب. أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والسعادة. أنه يقوي القلب، والبدن. أنه ينوِّر الوجه والقلب. أنه يجلب الرزق. أنه يكسو الذاكر المهابة والنضرة. أنه يورث المحبة. أنه يورث المراقبة، والإنابة، والقرب إلى الله . أنه يورث الهيبة لربه عز وجل. أنه يورث حياة القلب. أنه قوت القلوب والروح. أنه يحط عنه الخطايا ويذهبها. أنه يزيل الوحشة بينه وبين ربه. أن العبد إذا ذكر ربه في الرخاء عرفه الله تعالى في الشدة. أنه منجاة من العذاب. أنه سبب لنزول السكينة. أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش. أن الذاكر تجالسه الملائكة في المجلس الذي يذكر فيه ربه. الذِّكْر يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه. أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة. أن الذِّكْر مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى للعبد يوم القيامة في ظل العرش. أن الذِّكْر سبب لإعطاء الذاكر أفضل ما يعطي السائلين. أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها. أن الذِّكْر غراس الجنة. أن الذِّكْر ينبه القلب من نومه ويوقظه. أن الذِّكْر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمَّرَ إليها السالكون. أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعيِّة تثمر القرب والولاية، والمحبة، والنصرة، والتوفيق. أن الذِّكْر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. أن الذِّكْر رأس الشكر. أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطباً بذكره. أن الذِّكْر يذيب قسوة القلب. أن الذِّكْر شفاء القلب ودواؤه. الذِّكْر يجلب النعم، ويدفع النقم. الذِّكْر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر. أن مَن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذِّكْر، فإنها رياض الجنة. أن الله عز وجل يباهي بالذاكر ملائكته. ذكر الله عز وجل يُسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق. ذكر الله عز وجل يذهب مخاوف القلب. أن الملائكة تستغفر للذاكر. كثرة الذِّكْر أمان من النفاق. الذِّكْر حرز للذاكر من الشيطان.
كما أن صدق اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء سبب للسعادة وانشراح الصدر , قال سبحانه : \" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي\". سورة طه: 25-26.
قال الشاعر :
إني أويت لكل مأوى في الحياة * * * فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة * * * فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً * * * فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا * * * أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي * * * وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي * * * ما خاب يوماً من دعا ورجاك
3ـ الرضا بالقضاء والقدر:
الساخط على ما قدَّر الله غير راضٍ بما قسمه الله له أو لغيره، لا تطمئن نفسه ولا يهدأ باله، متوتر دائماً، لا يحس بالراحة والسعادة؛ لأنه لم يشرب قلبه الرضا بقضاء الله، وعلى النقيض تجد المؤمن سعيداً؛ لرضاه بقضاء الله وقدره، الذي يغرز السعادة والراحة، وهدوء البال، وإن كان رزقه كفافاً.
وقد أوجب الله تعالى على عباده الرضا بقضائه سبحانه في السراء والضراء، بل وجعله ركناً من أركان الإيمان، فمتى رضي العبد بقضاء الله تعالى، خالط الإيمان بشاشة القلب، وأصبحت النفس مطمئنة راضية وتحققت له السعادة.
عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ.أخرجه ابن ماجة (4031) والتِّرْمِذِيّ\" 2396.
يقول الحربي ـ رحمه الله ـ: مَن لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: \"إن الله بقسطه وعلمه جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشك والسخط\".
فالسعيد هو من يرضى بقضاء الله تعالى في السراء والضراء, عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.أخرجه أحمد 4/332(19142) و\"مسلم\" 8/227 (7610).
يقول ابن الجوزي كما في \"صيد الخاطر\" صـ329 : 330: \"رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله U، والإقبال على الدنيا، وكلما فات فيها شيء وقع الغم لفواته، فأما مَن رزق معرفة الله تعالى وأطاعه استراح؛ لأنه يستغني بالرضا بالقضاء، فمهما قدر له رضي، ولم يختلج في قلبه اعتراض؛ لأنه مملوك مدبر، فتكون همَّته في خدمة الخالق، ومن هذه صفته لا يؤثر جمع مال، ولا مخالطة الخلق، ولا الالتذاذ بالشهوات، ولكن يقبل على عبادة وطاعة رب الأرض والسموات.
وها هو عُروة بن الزبير رضي الله عنه: بُتِرَت رجله، ومـات ابنه، وكـان ذلك في يوم واحد، فقال: \"اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقط أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، منحتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً، ومنحتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً.
ودخل أبو الدرداء على رجل يموت وهو يحمد الله : فقال أبو الدرداء: أصبت، إن الله عز وجل إذا قضى أحبَّ أن يُرْضى به.
وها هو عمر بن عبد العزيز يقول: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر، وقيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله عز وجل به.
قال القرضاوي :
إن السعادة أن تعيش * * * لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل * * * قضية الكون العتيد
هذي العقيدة للسعيد * * * هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف * * * باسمها فهو السعيد
4ـ القناعة والرضا بما قسم الله تعالى:
القناعة والرضا بما قسم الله تعالى سبب للسعادة والعز في الدنيا والآخرة ,فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: \"يا محمد عِش ما شئت فإنك ميِّت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس\" . الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 505.
وقال بعض السلف: عزَّ مَن قنع، وذل من طمع.فالقانع لا يزال عزيزاً سعيداً؛ لأنه لا يذله ولا يشقيه الطلب.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ.أخرجه أحمد 2/168(6572) و\"مسلم\" 3/102(2390) .
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.أخرجه البُخَارِي، في \"الأدب المفرد\"300 و\"ابن ماجة\"4141 و\"التِّرمِذي\" 2346 .
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، والترمذي (4/551 ، رقم 2305) ، حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
وصدق القائل حين قال:
النفس تجزع أن تكون فقيرة * * * والـفقر خير مـن غنى يطغيهـا
وغنى النفوس هو الكفاف* * * فإن أبت فجميع مافي الأرض لا يكفيها
وقال آخر :
إنَّ الغنيَّ هو الغنيُّ بنفسهِ *** وَلَو أنّهُ عاري المَناكِبِ، حَافي
ما كلُّ ما فوقَ البسيطة ِ كافياً *** فإذا قَنِعتَ فكُلّ شيءٍ كافِ
وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"مَن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومَن كانت الدنيا أكبر همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له\".صحيح الجامع: 6510.
ومن القناعة والرضا أن تنظر دائماً إلى من هو دونك من أهل الدنيا، ولا تنظر إلى من هو فوقك:إذا نظر الإنسان إلى مَن فُضِّل عليه في المال، والخَلْق، والدنيا، طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد بذلك أو ما يقاربه، وهذا هو الموجود في غالب الناس، وإذا نظر في أمور الدنيا إلى مَن هو دونه، ظهرت له نعمة الله تعالى عليه؛ فشكرها وتواضع وجعل فيه الخير.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ.أخرجه أحمد 2/254(7442) و\"مسلم\" 8/213 .
قال الشاعر :
من شاء عيشًا رحيبًا يستطيل به * * في دينه ثمّ في دنياه إقبالا
فلينظرن إلى من فوقه ورعًا ** ولينظرن إلى من دونه مالا
قال الترمذي: ويروى عن عون بن عبد الله بن عتبة قال:\" صحبت الأغنياء فلم أر أحداً أكثر همَّاً منى: أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خير من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت\".
روي أن داود عليه السلام قال: كيف أشكرك يا رب، والشكر نعمة منك! قال: الآن قد عرفتني وشكرتني؛ إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة، قال: يا رب فأرني أَخْفَى نعمك عليّ. قال يا داوود تنفس، فتنفس داود،. فقال الله تعالى: من يحصي هذه النعمة الليل والنهار.
قال القرني : ليسِ السعادةُ قصر عبدِالملك بنِ مروان ، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ ، ولا كنوز قارون ، ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا ، ولا في ديوانِ المتنبي ، ولا في حدائقِ قرطبة ، أو بساتينِ الزهراءِ .السعادةُ عند الصحابِة مع قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، وشظفِ المعيشةِ ، وزهادهِ المواردِ ، وشُحِّ النَّفقةِ .السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه ، وعند البخاري في صحيحِهِ ، وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِهِ ، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه ، ومالكٍ في مُراقبتِه ، وأحمد في ورعِهِ ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ ? ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ? . انظر : لا تحزن ص 229.
5- محبة الخير للناس وترك الحسد لهم:
محبة الخير للناس والسعي في قضاء حوائجهم ومصالحهم مما يجلب السعادة للمرء, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ ، سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. أخرجه أبو داود (4946) و\"التِّرمِذي\" 1425.
وأما الذي يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، تجده في هم وغم وشقاء دائم؛ لأنه يري دائماً مَن فُضِّل عليه في المال أو الخلق، ويتمنى أن تزول هذه النعم وتنتقل إليه، وهو بهذا يعترض على حكم الله وقضائه، ويظن أن الذي خلق فسوَّى لم يحسن القسمة بين الناس.
وفي هذا المعنى يقول منصور الفقيه:
ألا قل لمَن كان لي حاسداً * * * أتدرى على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه * * * لأنك لم ترضَ لي ماوهب
فجازاك عنِّي بأنه زادني * * * وسدَّ عليك وجـوه الطلب
فقال بعضهم: الحاسد جاحد؛ لأنه لا يرضى بقضاء الواحد,وليعلم كل من يحسد أنه يضر بدينه ودنياه ؛ أما الضرر في الدين: فإنه يتسخَّط على قضاء الله وقدره، فهو بذلك يشارك إبليس في حسده، وأنه يكره النعمة التي أنعم الله تعالى بها على عباده المؤمنين، وأنه ترك العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:\"لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . رواه البخاري ومسلم.
أما الضرر في الدنيا: لما يحدث له من ضيق في الصدر، حسرة في القلب، هم وغم، قلق واضطراب، يستولي عليه الفكر الدائم؛ فيفقد راحة البال، وهذا كله يضر بجسده فيذبل، هذا بجانب أنه ينشغل عن مصلحة نفسه بتتبُّع أخبار الناس والانشغال لهم.
6ـ حضُور مجالس العلم ومجالسة الصالحين:
قال تعالى : \" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) سورة المجادلة .فأهل العلم هم أهل الرفعة والشأن في الدنيا والاخرة يسعد المرء بمجالستهم , ويأنس بذكرهم ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
إن ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضُلاً يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، فَحَضَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا ، أَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَل رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : لاَ ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ قَدْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِم فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. أخرجه أحمد 2/252(7420) و\"البُخاري\" 6408.
ـ وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم مجالس الذِّكْر (أي: مجالس العِلْم) رياض الجنة,فـقد أخرج الترمذي بسند حسن حسنه الألبـاني كمـا في \"صحيح الترمذي\" (2787) عن أنس t عن النبي r قال: \"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، فقيل: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكْر\".
قال الإمام الماوردي: العلم هو عوض من كل لذةٍ، ومغنٍ عن كل شهوة.
قال الشاعر :
العلم أشرف مطلوب وطالبُه * * * لله أكرم من يمشي على قدم
العلم نور مبين يستضيء به * * * أهل السعادة والجهال في الظلم
العلم أعلى حياة للعباد ، كما * * * أهل الجهالة أموات بجهلهم
وقد أورد الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ قصة في هذا المجال عن شيخه الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال: حدثني شيخنا قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك كلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليس النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة؛ فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم، فتقوى به الطبيعة فأجد به راحة، فقال: هذا خارج عن علاجنا.
7- متع حياتية تجلب السعادة :
فالمرأة الصالحة، والبيت الواسع، والمركب الهنيء والجار الصالح , وهذا كله رزق يسوقه الله لمَن أراد به الخير، والإنسان منا يسعى لتحصليها ليفوز بالسعادة ,فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة، فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق\" . صحيح الجامع: 3056.
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد: \"أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق والمركب السوء\".
وعنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا : النِّسَاءُ ، وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ.أخرجه أحمد 3/128(12318).
قال القرني : في كتابه القيم : ( لا تحزن ص 222 ) : إذنْ السعادةُ ليستْ في الزمانِ ولا في المكانِ ، ولكنَّها في الإيمانِ ، وفي طاعةِ الدَيَّانِ ، وفي القلبِ . والقلبُ محلُّ نظرِ الرَّبَّ ، فإذا استقرَّ اليقينُ فيه ، انبعثتِ السعادةُ ، فأضفتْ على الروح وعلى النفس انشراحا وارتياحاً ، ثمَّ فاضتْ على الآخرين ، فصارتْ على الظِّرابِ وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجرِ .
رزقنا الله وإياكم السعادة في الدنيا والآخرة , وجعلنا ممن يقول فيعمل , ويعمل فيخلص , ويخلص فيقبل , ويقبل فيفوز فوزاً عظيما .
د.بدر عبد الحميد هميسة