
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (205)
صـ 265 إلى صـ 272
كان الجواب من وجهين؛ أحدهما: أن هذا مقابل بتأويلات الجبرية لما احتجوا به، وبقولهم هذا متشابه وهو (1) لم يذكر إلا مجرد النصوص، فذكرنا النصوص من الطرفين.
الثاني: أن نبين فساد تأويلاتهم واحدا واحدا كما بسط في موضع آخر، وفي تأويلاتهم من تحريف الكلم عن مواضعه ومخالفة اللغة وتناقض المعاني ومخالفة إجماع سلف الأمة وأئمتها - ما يبين بعضه بطلان تحريفاتهم، ويبين أنه ليس في القرآن محكم يناقض هذا حتى يقال: إن هذا متشابه وذلك محكم، بل القرآن يصدق بعضه بعضا.
ومن فتح هذا الباب من أهل البدع لم يكن له ثبات، فإن خصمه يفعل كما يفعل، فلا يبقى في يده (2) حجة سليمة عن المعارضة بمثلها، كيف وعامة تأويلاتهم مما يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه] (*) (3) .
[فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " القادر يمتنع أن يرجح مقدوره " والرد عليه]
فصل.
قال الرافضي (4) : قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجح مقدوره (5) من غير مرجح، ومع الترجيح (6) يجب الفعل فلا قدرة
_________
(1) أ، ب: وهذا.
(2) ع: فلا يبقى بيده.
(3) هنا ينتهي السقط الطويل في نسختي (ن) ، (م) وهو الذي بدأ في ص [0 - 9] 59.
(4) أ، ب، ن، م: الإمامي.
(5) أ، ب، ع: القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه، والمثبت من (ن) ، (م) ، (ك) .
(6) ك: ومع المرجح
==========================
ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله (1) ؛ ولقوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 96] .
قال: (2) والجواب عن الأول المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى (3) قادر، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح، وكان المرجح موجبا للأثر لزم أن يكون الله (4) موجبا لا مختارا، فيلزم (5) الكفر. والجواب عن الثاني (6) : أي شركة هنا والله هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثل (7) هذا أن السلطان إذا ولى شخصا بعض البلاد (8) فنهب وظلم وقهر (9) فإن السلطان متمكن (10) من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه (11) ، وليس (12) يكون شريكا للسلطان. والجواب عن الثالث (13) أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 95، 96] .
_________
(1) ن، م: شريكا، ك: شريكا لله تعالى.
(2) بعد الكلام السابق مباشرة في (ك) ، ص 91 (م) ، 92 (م) .
(3) تعالى: ليست في (ك) .
(4) ك: الله تعالى.
(5) ن، م: فلزم.
(6) ك: وعن الثاني.
(7) ك: ص 92 م: ومثال.
(8) ع: ومثل هذا إذا ولى السلطان شخصا ببعض البلاد.
(9) ك: وقهر وظلم.
(10) ك: يتمكن.
(11) ن، م، ع: ما أخذ.
(12) ك: فليس.
(13) ك: وعن الثالث
===================
فيقال: لم يذكر (1) إلا شيئا يسيرا، ولم يذكر تقرير أدلتهم على وجهها، ومع هذا فالأدلة الثلاثة التي ذكرها لهم (2) ليس عنها جواب صحيح.
أما الأول فإن المستدل بذلك الدليل لا يقول [إنه] (3) إذا وجب الفعل فلا قدرة، فإن أهل الإثبات يقولون: إن العبد له قدرة.
وهذا مذهب عامة (4) أهل السنة حتى غلاة المثبتين (5) للقدر كالأشعرية، فإنهم متفقون على أن العبد له قدرة.
وهذا الدليل المذكور قد احتج به أبو عبد الله الرازي وغيره، وهو يصرح بأنه يقول بالجبر، ومع هذا فإنه يقول: إن (6) للعبد قدرة، وإن كانوا متنازعين هل هي مؤثرة في مقدورها (7) ، أو في بعض صفاته، أو لا تأثير لها.
[قال أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة (8) : إن الفعل لا يكفي فيه مجرد القدرة، بل يتوقف على الداعي، فيقولون: إن القادر المختار لا
_________
(1) أ: من لم يذكر، ب: هو لم يذكر. من أدلة أهل الإثبات
(2) أ، ب: عنهم.
(3) إنه: ساقطة من (ن) ، (م) .
(4) عامة: ساقطة من (ع) .
(5) ن، م: المثبتة.
(6) ن: فإن، م: بأن.
(7) بعد عبارة " مؤثرة في مقدورها " يوجد في نسختي (ن) ، (م) كلام طويل مكرر سبق إيراده في 2 - 46 وينتهي هذا الكلام المكرر بالعبارة التالية وهي " أو في بعض صفاته أو تأثير " ثم يوجد بعدها سقط في النسختين سأشير إلى نهايته بإذن الله.
(8) ع: بل أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة يقولون
=========================
يرجح بمجرد القدرة، بل بداع يقرن مع القدرة، كما يقول ذلك أكثر المثبتين للقدر، فإنهم يقولون: إن الرب تعالى لا يرجح بمجرد القدرة، بل بإرادة مع القدرة.
وكذلك يقول كثير منهم في حق العبد: لا يرجح بمجرد القدرة، (1 بل بداع مع القدرة. 1) (1) وقد قال هذا كثير من أصحاب الأئمة الأربعة، وقاله من أصحاب أحمد القاضي أبو خازم (2) بن القاضي أبي يعلى] (3) .
وقد تقدم أن القول الوسط في ذلك أن لها تأثيرا من جنس تأثير (4) الأسباب في مسبباتها ليس لها تأثير الخلق والإبداع ولا وجودها كعدمها.
وتوجيه هذا الدليل (5) أن القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه (6) إلا بمرجح [وذلك أنه (7) إذا كان الفعل والترك نسبتهما إلى القادر سواء كان ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح، وهذا ممتنع في بدائه (8) العقول.
وهذا مبسوط في موضع آخر، وتبين فيه (9) خطأ من زعم أن القادر
_________
(1) (1 - 1) ساقط من (أ) ، (ب) .
(2) في النسخ الثلاث: أبو حازم، وهو خطأ.
(3) هنا ينتهي السقط في نسختي (ن) ، (م) .
(4) أ، ب: تأثير مثل تأثير.
(5) أ: ويوجبه هذا الدليل، ب: ويوجب هذا الدليل.
(6) ن، م: أن يرجح مقدوره.
(7) ع: لأنه.
(8) أ، ع: بداية.
(9) ع: وبين فيه
============================
يرجح أحد المقدورين المتماثلين بلا مرجح] (1) وذلك المرجح لا يكون من العبد؛ لأن القول فيه كالقول في فعل العبد، فإن كان المرجح له قدرة العبد، فالقادر لا يرجح إلا بمرجح، فلا بد أن يكون المرجح [من الله، وعند وجود المرجح] (2) يجب وجود الفعل (3) وإلا لم يكن مرجحا تاما، فإنه إذا كان بعد وجود المرجح يجوز (4) وجود الفعل وعدمه كما كان قبل المرجح كان ممكنا، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، فلا بد من مرجح تام يجب عنده وجود الفعل.
وإذا كان العبد لا يحصل فعله إلا بمرجح من الله تعالى، وعند وجود ذلك المرجح يجب وجود (5) الفعل - كان فعله كسائر الحوادث التي تحدث بأسباب يخلقها الله تعالى يجب وجود الحادث عندها.
وهذا معنى كون الرب [تبارك وتعالى] خالقا (6) لفعل العبد، ومعنى ذلك أن الله تعالى يخلق في العبد القدرة التامة والإرادة الجازمة، وعند وجودهما (7) يجب وجود الفعل؛ لأن (8) هذا سبب تام للفعل، فإذا وجد السبب التام وجب وجود المسبب.
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
(3) ن (فقط) يجد وجود العقل، وهو تحريف.
(4) ن، م، ع: يمكن.
(5) وجود: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (م) .
(6) ن، م: كون الله تعالى، ع: كون الرب خالقا.
(7) أ: القدرة التامة والقدرة الجازمة عند وجودها، أ: القدرة التامة والقدرة التامة عند وجودها.
(8) أ: يجب لأن، ب: يجب الفعل لأن
========================
والله هو الخالق للمسبب (1) أيضا، كما أنه إذا خلق النار في الثوب فإنه لا بد (2) من وجود الحريق عقيب (3) ذلك، والكل مخلوق لله تعالى.
وأما معارضة ذلك (4) بفعل الله تعالى فالجواب عن ذلك (5) من وجوه:
أحدها: أن هذا برهان عقلي يقيني، واليقينيات لا يمكن أن يكون لها معارض يبطلها، وقدر أن المحتج بهذا من يقول بالموجب بالذات، (6) فهذا لا ينقطع بما ذكرته، لا سيما وعندهم هذه المسألة من العقليات التي تعلم بدون السمع، فلا بد فيها من جواب عقلي.
الثاني: أن يقال: قدرة الرب * (7) [لا يفعل بها إلا مع وجود مشيئته، فإن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وليس كل ما كان قادرا عليه فعله.
قال تعالى: {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [سورة القيامة: 4] .
وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [سورة الأنعام: 65] .
وقد ثبت في الصحيحين «عن جابر - رضي الله عنه - أنه لما نزلت هذه الآية {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال
_________
(1) ن، م: خالق المسبب.
(2) ن، م: فلا بد.
(3) أ، ب: عقب، ن، م: عند.
(4) أ، ب: وأما معارضته.
(5) ن، م: عن هذا.
(6) أ، ب: من يقول بالذات.
(7) بعد عبارة قدرة الرب يوجد سقط في نسختي (ن) ، (م)
============================
النبي صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بوجهك "، {أو من تحت أرجلكم} قال: " أعوذ بوجهك "، {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: " هاتان أهون» " (1) .
وقال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [سورة يونس: 99] ، وقد قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] ، وقال: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] ومثل هذا متعدد في القرآن.
وإذا كان لو شاءه لفعله، دل على أنه قادر عليه؛ فإنه لا يمكن فعل غير المقدور، وإذا كان كذلك علم أن الفعل لو وجد بمجرد كونه قادرا لوقع كل مقدور، بل لا بد مع القدرة من الإرادة.
وحينئذ قول القائل: فقدرة الرب] (*) (2) تفتقر إلى مرجح، لكن المرجح هو إرادة الله تعالى، وإرادة الله لا يجوز أن تكون من غيره، بخلاف إرادة العبد، وإذا كان المرجح إرادة الله، كان فاعلا باختياره لا موجبا بذاته بدون اختياره، وحينئذ فلا يلزم الكفر.
الثالث أن يقال: ما تعني بقولك يلزم أن يكون الله موجبا بذاته؟ أتعني به (3) أن يكون موجبا للأثر بلا قدرة ولا إرادة (4) ، أو تعني
_________
(1) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الكتاب 2 - 290
(2) هنا ينتهي السقط في (ن) ، (م) .
(3) ن، م: بذلك.
(4) أ، ب: بلا قدرة وإرادة
===========================
به أن يكون الأثر واجبا عند وجود (1) المرجح الذي هو الإرادة مثلا مع القدرة.
فإذا (2) عنيت الأول لم يسلم التلازم، (3) فإن الفرض (4) أنه قادر، وأنه مرجح [بمرجح] (5) فهنا شيئان: قدرة وأمر آخر، وقد فسرنا ذلك بالإرادة، فكيف يقال: إنه مرجح بلا قدرة ولا إرادة.
وإن أردت أنه يجب وجود الأثر إذا حصلت الإرادة مع القدرة فهذا حق، وهذا مذهب المسلمين، وإن سمى مسم هذا موجبا بالذات كان نزاعا لفظيا، والمسلمون يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله وجوده وجب وجوده بمشيئته وقدرته، وما لم يشأ وجوده امتنع وجوده لعدم مشيئته وقدرته، (6) فالأول واجب بالمشيئة، والثاني ممتنع لعدم المشيئة، وأما ما يقوله القدرية من أن الله يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء (7) فهذا الذي أنكره أهل السنة والجماعة عليهم.
والرابع أن يقال له: (8) إنه هو سبحانه قادر، فإذا أراد حدوث مقدور (9) ، فإما أن يجب وجوده، وإما أن لا يجب، فإن وجب حصل
_________
(1) ن، م: أن يكون موجبا للأثر بلا قدرة الأثر واجبا عند وجود. . .، وهو تحريف.
(2) ن، م، ع: فإن.
(3) ع: لا نسلم التلازم، أ، ب: لم نسلم التزامه.
(4) ن، م، أ: الغرض.
(5) بمرجح: ساقطة من (ن) .
(6) وقدرته: ساقطة من (ب) فقط.
(7) ن، م: ما لم يكن ويكون ما لم يشأ.
(8) له: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(9) ع: وجود مقدور، أ: بحدوث مقدور
======================