عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 07-11-2024, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام

كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود محمد شاكر

صفية الشقيفي

ترجمة يحيى بن معين
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ)
كان يحيى بن معين فتى من أبناء الأغنياء، وكان أبوه معين بن عون عاملاً على خراج الريِّ، وهي قصبة الجبال، ومن أمهات البلاد وأعلام المدن يومئذ. فلما مات أبوه خلف له ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفق ذلك كله على طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لم يبق له نعل يلبسه، ولكنه صار واحد الدنيا في علم الحديث، وآلت إليه إمامة علم الرجال والجرح والتعديل. وقد حفظ لنا قرينه وضريعه علي بن عبد الله بن جعفر السعدي المعروف بابن المديني (161 – 234) صورة رائعة جدًا لتدفق العلم من مطلع القرن الأول للهجرة، إلى منتهى القرن الثاني. وهي صورة تزيد ما قلناه في شأن الخليل وتلامذته وضوحًا.
قال ابن المديني: >انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة = وانتهى علم الكوفة إلى أبي إسحق والأعمش = وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار = وصار علم هؤلاء الستة إلى اثنى عشر رجلاً، منهم
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 67]
بالبصرة: سعيد بن أبي عروبة وشعبة، ومعمر، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة = ومن أهل الكوفة إلى سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومن أهل الحجاز إلى مالك بن أنس = ومن أهل الشام إلى الأوزاعي، وانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن إسحق، وهشام، ويحيى بن سعيد بن أبي زائدة، ووكيع، وابن المبارك، وهو أوسع هؤلاء علمًا، وابن مهدي، ويحيى بن آدم = فصار علم هؤلاء جميعًا إلى يحيى بن معين<. وهذه صورة في غاية الوضوح، فلما صار هذا كله إلى ابن معين، فتح به فتحًا كبيرًا في علمين جليلين: علم الأحاديث وما يكون فيها من الخطأ، وما يكشف عن وضع الوضاعين الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم الرجال والجرح والتعديل، وتوفى ابن معين، فترك مئة قمطر وأربعة عشر قمطرًا، وأربع حباب كبار مملوءة كتبًا.
وعلى تطاول الأيام، بلغ ابن معين الغاية وفاق أقرانه وشيوخه في معرفة الحديث، وفي الجرح والتعديل ومعرفة الرجال، وكان قضى دهره في الرحلة في الآفاق، لا يفتر في تتبع علم ذلك عند العلماء والرواة، وعند كل من نزل بغداد منهم. فصارت له بذلك خبرة لا تدانيها خبرة أحد من قبله ولا من بعده. وقد حدثنا عبد الله بن محمد اليمامي المحدث، المعروف بابن الرومي (000 – 236) قال: >كنت عند أحمد بن حنبل، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، انظر في هذه الأحاديث، فإن فيها خطأ! فقال أحمد: عليك بأبي زكريا، فإنه يعرف الخطأ<. فهذه شهادة أحمد. أما أبو سعيد الحداد فإنه قال: >إنا لنذهب إلى المحدث فننظر في كتبه، فلا نرى فيها إلا كل حديث صحيح، حتى يجيء أبو زكريا، فأول شيء يقع في يده الخطأ، ولولا أنه عرفناه لم نعرفه< وهذا الاستيعاب البحر الذي أوتيه أبو زكريا بن معين، قذف هيبته في قلوب كل من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تحدث هرون بن معروف المروزي (157 – 231هـ)، وهو من اقران ابن معين قال: >قدم علينا (يعني ببغداد) بعض الشيوخ من الشام، وكنت أول من بكر عليه، فدخلت عليه فسألته أن يملي علي شيئًا، فأخذ الكتاب يملي علي. فإذا بإنسان يدق الباب، فقال الشيخ: من هذا؟
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 68]
قال: أحمد بن حنبل! فأذن له، والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك. فإذا بآخر يدق الباب، فقال الشيخ: من هذا؟ قال: أحمد الدورقي! (أحمد بن إبراهيم الدورقي: 168 – 246). فأذن له، والشيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرك. فإذا بآخر يدق الباب، فقال الشيخ: من هذا؟ قال: أبو خثيمة زهير بن حرب (160 – 234)، فأذن له، الشيخ على حالته، والكتاب في يده لا يتحرك. فإذا آخر يدق الباق، قال الشيخ: من هذا؟ قال: يحيى بن معين = فرأيت الشيخ ارتعدت يده، وسقط الكتاب من يده!!<. وهذا خبر رائع يمثل حقيقة الهيبة التي ذهبت في الآفاق من مخافة علم ابن معين بالحديث، وهذا هو ابن معين). [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 67-68]

لقاء ابن سلام ويحيى بن معين
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ)
لننظر الآن كيف التقى الرجلان محمد وابن معين.
لما قدم محمد بن سلام بغداد، وهو إمام ذائع الصيت، وشيخ قديم الميلاد، سمع قدماء الشيوخ، وتكاثر عليه العلماء وطلبة العلم، يسألونه، كان فيهم كثير من أهل الحديث، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاءه عبد الله بن أحمد بن حنبل يسأله ويأخذ عنه، ويعرض حديثه على أبيه أحمد، وينكر أحمد بعض حديثه. وجاءه الإمام الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب، وقال: >لا يُكتب عن محمد بن سلام الحديث، رجل يرمى بالقدر، إنما يكتب عنه الشعر، فأما الحديث فلا< أما يحيى بن معين على خلافهما، فإنه كان يكثر الاختلاف إليه وإلى أخيه المحدث عبد الرحمن بن سلام. فكان يذاكر ابن سلام الشعر والأخبار والنسب، بلا ريب، لأنه إمام في هذا كله. وقد ذكر الحافظ ابن الحافظ أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب، محمد بن سلام فقال: >كان يحيى بن معين قد ذهبت كتب عنه. كتبت أنا ليحيى بن معين النسب عنه بخطي<. والذي لا ريب فيه أيضًا أن ابن معين لا يترك سؤال مثل ابن سلام عما عنده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه عن قدماء الشيوخ بالبصرة. كان ابن سلام في سنة 222 يوم قدم بغداد قد جاوز الثانية والثمانين، وكان يحيى بن معين يومئذ
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 69]
قد بلغ الخامسة والستين، فهو لا يسأله سؤال طلبة العلم الصغار شيوخهم، بل سؤال العلماء الكبار للعلماء الكبار، بلا شك. وإن كان ليس في أيدينا الآن، فيما بلغه عجزي أخبار، تدل على ما كان يجري بينهما. وكل ما عندنا هو حديث أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب أنه قال: >حدثنا محمد بن سلام، عن زائدة بن أبي الرقاد، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمّ عطية: يا أمّ عطية، إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي، فإنه أضوأ (أنضر) للوجه، وأحظى عند الزوج< قال أبو العباس: >رأيت يحيى بن معين بين يدي محمد بن سلام يسأله عن هذا الحديث<. وسبب سؤال يحيى عن هذا الحديث محمد بن سلام، أن ثابتا البناني صحب أنسًا أربعين سنة، فكان من أثبت الناس في أنس، أما زائدة بن أبي الرقاد الباهلي، الذي يروى عنه محمد بن سلام، ويروى هو عن أنس فإن البخاري قال فيه >منكر الحديث< وقال ابن حبان: >روى المناكير عن المشاهير، لا يُحتج به، ولا يُكتب إلا للاعتبار<. وقال البزار: >لا بأس به، وإنما نكتب من حديثه ما لم نجد عند غيره<. وقد حاولت أن أتتبع هذا الحديث في حديث أنس، فلم أجد له ذكرًا، وحديث أم عطية رواه بغير هذا اللفظ أبو داود في السنن، في كتاب الأدب، من طريق محمد بن مروان، عن محمد بن حسان، عن عبد الوهاب، عن عبد الملك بن عمير، عن أم عطية، وقال أبو داود: >رُوي عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك، بمعناه وإسناده. وليس بالقوي. وقد روى مرسلاً. وقال أبو داود: محمد بن حسان مجهول، وهذا الحديث ضعيف<. والذي لا أكاد أشك فيه أن ابن معين قد بين لابن سلام مثل هذا وأكثر منه، في هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث التي سأله عنها، وطالت المفاوضة بينهما على طول اختلاف ابن معين إلى ابن سلام.
والذي لا أكاد أشك فيه أيضًا أن ابن سلام قبل نزوله بغداد وهو بالبصرة، كان قد سمع بعض ذكر ابن معين، إذ كان صيته قد طار في الآفاق. فلما رآه وفاوضه العلم، رأى منه ما كان يرى الناس منه حتى كان يقول بعض من
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 70]
يحدث عنه: >حدثني من لم تطلع الشمس على أكبر منه<، يعني يحيى بن معين. والذي لا أكاد أشك فيه أيضًا أن ما سمعه ابن سلام من ابن معين قد دله أعظم الدلالة على ما يبذله هذا الإمام من جهد في تخليص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل ما يشوب متونه وأسانيده، لينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولا أظن أن ابن سلام حين سمع ابن معين، لم يذكر ضريعه البصري، وهو بلديه، رحل مثله عن البصرة إلى بغداد أيضًا، وهو >علي بن عبد الله بن جعفر السعدي<، المعروف بابن المديني (161 – 234هـ)، وكان إمامًا من الجهابذة النقاد للحديث كصاحبه ابن معين، ومن قبلهما صاحبه البصري أيضًا >يحيى بن سعيد القطان< (120 – 189)، وكان من سادات أهل زمانه ورعًا وحفظًا وفضلاً وعلمًا، وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن الثقات، وترك الضعفاء، وهؤلاء الرجال هم الذين أسسوا علم معرفة الرجال والجرح والتعديل، وعلم الموضوع من الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا أتوهم أن هذا الذي عرفه ابن سلام يومئذ، قد أثاره إلى أن يؤسس هو أيضًا أساسًا لمثل هذين العلمين في ناقلة الآداب والأخبار والشعر، لينفي عن الشعر خبث ناقلته ورواته. وخبث الموضوع على ألسنة شعراء الجاهلية وغيرهم في كتب كان قد آذاه رؤيتها وقراءتها من قبل. ولكن فيما أتوهم، كان قد فرغ من تأليفه كتابه >طبقات فحول الشعراء<، الذي بين منهجه فيه في رسالة الكتاب، وأغفل الحديث عن هذين العلمين، وراودته نفسه أن يضع كتابًا آخر غير الكتب الأربعة: >الطبقات<، و>كتاب فرسان الشعراء<، و>كتابا سادات العرب وأشرافها وما قالوه من شعر<، و>كتاب أيام العرب<، ويجعل هذا الكتاب الخامس مقدمة لعلم الأدب والشعر، ويذكر فيه الموضوع على شعراء العرب، ثم يبين طبقات علماء الشعر وجهابذته ونقاده، ويذكر الكذابين والوضاعين من الرواة والمؤلفين للكتب في زمانه، على الوجه الذي ذكره به يحيى بن معين وابن المديني في تأسيس علوم الحديث.
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 71]). [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 69-71]





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]