
03-11-2024, 10:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (509)
صــ 216 إلى صــ 230
10451 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف قال : [ ص: 216 ] حدثني رجل ، عن ابن عباس قال : إخصاء البهائم مثلة! ثم قرأ : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله .
10452 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : من تغيير خلق الله الإخصاء .
10453 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان قال : أخبرني شبيل : أنه سمع شهر بن حوشب قرأ هذه الآية : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الخصاء ، قال : فأمرت أبا التياح فسأل الحسن عن خصاء الغنم ، فقال : لا بأس به .
10454 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا عمي وهب بن نافع ، عن القاسم بن أبي بزة قال : أمرني مجاهد أن أسأل عكرمة عن قوله : " فليغيرن خلق الله " ، فسألته ، فقال : هو الخصاء .
10455 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثني أبي ، عن عبد الجبار بن ورد ، عن القاسم بن أبي بزة قال : قال لي مجاهد : سل عنها عكرمة : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، فسألته فقال : الإخصاء ، قال مجاهد : ما له ، لعنه الله! فوالله لقد علم أنه غير الإخصاء ثم قال : سله ، فسألته فقال عكرمة : ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) . [ ص: 217 ] [ سورة الروم : 30 ] ؟ قال : لدين الله ، فحدثت به مجاهدا فقال : ما له أخزاه الله! .
10456 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص ، عن ليث قال : قال عكرمة : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الإخصاء .
10457 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هارون النحوي قال : حدثنا مطر الوراق قال : سئل عكرمة عن قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : هو الإخصاء .
10458 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : الإخصاء .
10459 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : سمعت أنس بن مالك يقول في قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : منه الخصاء .
10460 - حدثنا عمرو قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بمثله .
10461 - حدثنا ابن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، بمثله .
10462 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، [ ص: 218 ] عن قتادة ، عن عكرمة : أنه كره الإخصاء ، قال : وفيه نزلت : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولآمرنهم فليغيرن دين الله .
ذكر من قال ذلك :
10463 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10464 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن وأبو أحمد قالا : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10465 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان قال : حدثني قيس بن مسلم ، عن إبراهيم ، مثله .
10466 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم ، مثله .
10467 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .
10468 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا عمي ، عن القاسم بن أبي بزة قال : أخبرت مجاهدا بقول عكرمة في قوله : " فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10469 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هارون النحوي قال : حدثنا مطر الوراق قال : ذكرت لمجاهد قول عكرمة في قوله : [ ص: 219 ] " فليغيرن خلق الله " ، فقال : كذب العبد!" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10470 - حدثنا ابن وكيع وعمرو بن علي قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد وعكرمة قالا : دين الله .
10471 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي وحفص ، عن ليث ، عن مجاهد قال : دين الله . ثم قرأ : ( ذلك الدين القيم ) ، [ سورة الروم : 30 ] .
10472 - حدثنا محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الفطرة دين الله .
10473 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الفطرة ، الدين .
10474 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10475 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، أي : دين الله ، في قول الحسن وقتادة .
10476 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10477 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، عن عثمان بن الأسود ، عن القاسم بن أبي بزة في قوله : " فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله . [ ص: 220 ]
10478 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : أما "خلق الله" ، فدين الله .
10479 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله ، وهو قول الله : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) ، [ سورة الروم : 30 ] ، يقول : لدين الله .
10480 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله . وقرأ : ( لا تبديل لخلق الله ) ، قال : لدين الله .
10481 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا قيس بن مسلم ، عن إبراهيم : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله .
10482 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا معاذ بن معاذ قال : حدثنا عمران بن حدير ، عن عيسى بن هلال قال : كتب كثير مولى ابن سمرة إلى الضحاك بن مزاحم يسأله عن قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، فكتب : "إنه دين الله" .
وقال آخرون : معنى ذلك : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " بالوشم .
ذكر من قال ذلك :
10483 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : [ ص: 221 ] حدثنا حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : الوشم .
10484 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد ، عن نوح بن قيس ، عن خالد بن قيس ، عن الحسن : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الوشم .
10485 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني هشيم قال : أخبرنا يونس بن عبيد أو غيره ، عن الحسن : " فليغيرن خلق الله " ، قال : الوشم .
10486 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو هلال الراسبي قال : سأل رجل الحسن : ما تقول في امرأة قشرت وجهها؟ قال : ما لها ، لعنها الله! غيرت خلق الله!
10487 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قال عبد الله : لعن الله المتفلجات والمتنمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله .
10488 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لعن الله الواشرات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
10489 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، [ ص: 222 ] عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لعن الله المتنمصات والمتفلجات - قال شعبة : وأحسبه قال : المغيرات خلق الله .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : معناه : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، قال : دين الله . وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه ، وهي قوله : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) ، [ سورة الروم : 30 ] .
وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه : من خصاء ما لا يجوز خصاؤه ، ووشم ما نهى عن وشمه ووشره ، وغير ذلك من المعاصي ودخل فيه ترك كل ما أمر الله به . لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله وينهى عن جميع طاعته . فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله ، بتغيير ما خلق الله من دينه .
قال أبو جعفر : فلا معنى لتوجيه من وجه قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، إلى أنه وعد الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض ، أو بعض ما [ ص: 223 ] أمر به دون بعض . فإن كان الذي وجه معنى ذلك إلى الخصاء والوشم دون غيره ، إنما فعل ذلك لأن معناه كان عنده أنه عنى به تغيير الأجسام ، فإن في قوله جل ثناؤه إخبارا عن قيل الشيطان : " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " ، ما ينبئ أن معنى ذلك على غير ما ذهب إليه . لأن تبتيك آذان الأنعام من تغيير خلق الله الذي هو أجسام . وقد مضى الخبر عنه أنه وعد الآمر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسرا ، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملا ، إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر ، وبالخاص عن العام ، دون الترجمة عن المفسر بالمجمل ، وبالعام عن الخاص . وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام أولى من توجيهه إلى غيره ، ما وجد إليه السبيل .
[ ص: 224 ] القول في تأويل قوله ( ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( 120 ) ( 119 ) )
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه ، عن حال نصيب الشيطان المفروض الذين شاقوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الهدى . يقول الله : ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله وخلاف أمره ، ويواليه فيتخذه وليا لنفسه ونصيرا من دون الله " فقد خسر خسرانا مبينا " ، يقول : فقد هلك هلاكا ، وبخس نفسه حظها فأوبقها بخسا "مبينا" يبين عن عطبه وهلاكه ، لأن الشيطان لا يملك له نصرا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمره ، بل يخذله عند حاجته إليه . وإنما حاله معه ما دام حيا ممهلا بالعقوبة ، كما وصفه الله جل ثناؤه بقوله : " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " ، يعني بذلك جل ثناؤه : يعد الشيطان المريد أولياءه الذين هم نصيبه المفروض أن يكون لهم نصيرا ممن أرادهم بسوء ، وظهيرا لهم عليه ، يمنعهم منه ويدافع عنهم ، ويمنيهم الظفر على من حاول مكروههم والفلج عليهم .
ثم قال : " وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " يقول : وما يعد الشيطان أولياءه الذين اتخذوه وليا من دون الله إلا غرورا يعني : إلا باطلا .
وإنما جعل عدته إياهم جل ثناؤه ما وعدهم "غرورا" ، لأنهم كانوا يحسبون [ ص: 225 ] أنهم في اتخاذهم إياه وليا على حقيقة من عداته الكذب وأمانيه الباطلة ، حتى إذا حصحص الحق ، وصاروا إلى الحاجة إليه ، قال لهم عدو الله : ( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل ) ، [ سورة إبراهيم : 22 ] . وكما قال للمشركين ببدر ، وقد زين لهم أعمالهم : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان ) ، وحصحص الحق ، وعاين جد الأمر ونزول عذاب الله بحزبه : ( نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) ، [ سورة الأنفال : 48 ] ، فصارت عداته ، عدو الله إياهم عند حاجتهم إليه غرورا ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه ) . [ سورة النور : 39 ] .
القول في تأويل قوله ( أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ( 121 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "أولئك" ، هؤلاء الذين اتخذوا الشيطان وليا من دون الله" مأواهم جهنم " ، يعني : مصيرهم الذين يصيرون إليه جهنم ، [ ص: 226 ] " ولا يجدون عنها محيصا " ، يقول : لا يجدون عن جهنم - إذا صيرهم الله إليها يوم القيامة - معدلا يعدلون إليه .
يقال منه : "حاص فلان عن هذا الأمر يحيص حيصا وحيوصا" إذا عدل عنه .
ومنه خبر ابن عمر أنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيهم ، فلقينا المشركين فحصنا حيصة ، وقال بعضهم : "فجاضوا جيضة" . و "الحيص" و "الجيض" ، متقاربا المعنى .
القول في تأويل قوله ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ( 122 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، والذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوة وعملوا الصالحات يقول : وأدوا فرائض الله التي فرضها عليهم " سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار " ، يقول : سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله ، جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات جنات يعني : [ ص: 227 ] بساتين " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " ، يقول : باقين في هذه الجنات التي وصفها أبدا دائما .
وقوله : " وعد الله حقا " ، يعني : عدة من الله لهم ذلك في الدنيا حقا يعني : يقينا صادقا ، لا كعدة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه ، ولكنها عدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ، ولا يخلف وعده .
وإنما وصف جل ثناؤه وعده بالصدق والحق في هذه ، لما سبق من خبره جل ثناؤه عن قول الشيطان الذي قصه في قوله : " وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " ، ثم قال جل ثناؤه : " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " ، ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وعدا منه حقا ، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته .
فوصف جل ثناؤه الوعدين والواعدين ، وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما ، تنبيها منه جل ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والمعطبة ، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته ، فيفوزوا بما أعد لهم في جنانه من ثوابه .
ثم قال لهم جل ثناؤه : " ومن أصدق من الله قيلا " ، يقول : ومن أصدق ، أيها الناس ، من الله قيلا أي : لا أحد أصدق منه قيلا! فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وتكفرون به وتخالفون أمره ، وأنتم تعلمون أنه لا أحد أصدق منه قيلا وتعملون [ ص: 228 ] بما يأمركم به الشيطان رجاء لإدراك ما يعدكم من عداته الكاذبة وأمانيه الباطلة ، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة ، وتتخذونه وليا من دون الله ، وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، فتكونوا له أولياء؟
ومعنى "القيل" و "القول" واحد .
القول في تأويل قوله ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " .
فقال بعضهم : عني بقوله : " ليس بأمانيكم " ، أهل الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
10490 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء : نحن أفضل منكم! وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم! قال : فأنزل الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " .
10491 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : لما نزلت : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " ، قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء! فنزلت هذه الآية : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " .
10492 - حدثني أبو السائب وابن وكيع قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن [ ص: 229 ] الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " ، قال : احتج المسلمون وأهل الكتاب ، فقال المسلمون : نحن أهدى منكم! وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم! فأنزل الله : ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب قال : ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " ، إلى آخر الآيتين .
10493 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم! وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله! فأنزل الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، إلى قوله : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا " ، فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان .
10494 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، قال : التقى ناس من اليهود والنصارى ، فقالت اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا! وقالت النصارى مثل ذلك ، فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا! فرد الله عليهم قولهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، ثم فضل الله [ ص: 230 ] المؤمنين عليهم فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا " .
10495 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، تخاصم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا أول كتاب وخيرها ، ونبينا خير الأنبياء! وقال أهل الإنجيل نحوا من ذلك ، وقال أهل الإسلام : لا دين إلا دين الإسلام ، وكتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم! فقضى الله بينهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، ثم خير بين أهل الأديان ففضل أهل الفضل فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن " إلى قوله : " واتخذ الله إبراهيم خليلا " .
10496 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " ، إلى : ولا نصيرا تحاكم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا خير الكتب ، أنزل قبل كتابكم ، ونبينا خير الأنبياء! وقال أهل الإنجيل مثل ذلك ، وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام ، كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا! فقضى الله بينهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، وخير بين أهل الأديان فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا . "

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|