عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-11-2024, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (505)
صــ 156 إلى صــ 170





وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في صلاة الخوف والعدو يومئذ في ظهر القبلة بين المسلمين وبين القبلة ، فكانت الصلاة التي صلى بهم يومئذ النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، إذ كان العدو بين الإمام والقبلة . [ ص: 156 ]

ذكر الأخبار المنقولة بذلك :

10373 - حدثنا أبو كريب قال : حدثني يونس بن بكير ، عن النضر أبي عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فلقي المشركين بعسفان ، فلما صلى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه ، قال بعضهم لبعض يومئذ : كان فرصة لكم ، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم! قال قائل منهم : فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهلهم وأموالهم ، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها . فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " إلى آخر الآية ، وأعلمه ما ائتمر به المشركون . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وكانوا قبالته في القبلة ، فجعل المسلمين خلفه صفين ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعا ، ثم ركع وركعوا معه جميعا . فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ، وقام الصف الذين خلفهم مقبلين على العدو ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقام ، سجد الصف الثاني ثم قاموا ، وتأخر الذين يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم الآخرون ، فكانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ركع ركعوا معه جميعا ، ثم رفع فرفعوا معه ، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه ، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقعد الذين يلونه ، سجد الصف المؤخر ، ثم قعدوا فتشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم عليهم جميعا . فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض ينظر إليهم ، قالوا : لقد أخبروا بما أردنا! [ ص: 157 ]

10374 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا عمر بن ذر قال : حدثني مجاهد قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان بالماء الذي يلي مكة ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فرأوه سجد وسجد الناس ، قالوا : إذا صلى صلاة بعد هذه أغرنا عليه! فحذره الله ذلك . فقام النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فكبر وكبر الناس معه ، فذكر نحوه .

10375 - حدثني عمران بن بكار قال : حدثنا يحيى بن صالح قال : حدثنا ابن عياش قال : أخبرني عبيد الله بن عمرو ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقينا المشركين بنخل ، فكانوا بيننا وبين القبلة . فلما حضرت صلاة الظهر ، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جميع . فلما فرغنا ، تذامر المشركون ، فقالوا : لو كنا حملنا عليهم وهم يصلون! فقال بعضهم : فإن لهم صلاة ينتظرونها تأتي الآن ، هي أحب إليهم من أبنائهم ، فإذا صلوا فميلوا عليهم . قال : فجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليهما بالخبر ، وعلمه كيف يصلي . فلما حضرت العصر ، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم مما يلي العدو ، وقمنا خلفه صفين ، فكبر نبي الله وكبرنا معه جميعا ، ثم ذكر نحوه . [ ص: 158 ]

10376 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن هشام بن أبي عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

10377 - حدثنا مؤمل بن هشام قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن هشام ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

10378 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر ، وعلى المشركين خالد بن الوليد . فقال المشركون : لقد أصبنا منهم غرة ، ولقد أصبنا منهم غفلة!! فأنزل الله صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، فصلى [ ص: 159 ] بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ، [ ففرقنا ] يعني فرقتين ، فرقة تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرقة تصلي خلفهم يحرسونهم . ثم كبر فكبروا جميعا ، وركعوا جميعا ، ثم سجد الذين يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فتقدم الآخرون فسجدوا ، ثم قام فركع بهم جميعا ، ثم سجد بالذين يلونه ، حتى تأخر هؤلاء فقاموا في مصاف أصحابهم ، ثم تقدم الآخرون فسجدوا ، ثم سلم عليهم . فكانت لكلهم ركعتين مع إمامهم . وصلى مرة أخرى في أرض بني سليم .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية ، على قول هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ورووا هذه الرواية : وإذا كنت يا محمد ، فيهم يعني : في أصحابك خائفا" فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " ، يعني : ممن دخل معك في صلاتك فإذا سجدوا يقول : فإذا سجدت هذه الطائفة بسجودك ، ورفعت رءوسها من سجودها فليكونوا من ورائكم يقول : فليصر من خلفك خلف الطائفة التي حرستك وإياهم إذا سجدت بهم وسجدوا معك ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا يعني الطائفة الحارسة التي صلت معه ، غير أنها لم تسجد بسجوده . فمعنى قوله : لم يصلوا على مذهب هؤلاء : لم يسجدوا بسجودك فليصلوا معك [ ص: 160 ] يقول : فليسجدوا بسجودك إذا سجدت ، ويحرسك وإياهم الذين سجدوا بسجودك في الركعة الأولى وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم يعني الحارسة .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية ، قول من قال : معنى ذلك : فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتها فليكونوا من ورائكم يعني : من خلفك وخلف من يدخل في صلاتك ممن لم يصل معك الركعة الأولى بإزاء العدو ، وبعد فراغها من بقية صلاتها ولتأت طائفة أخرى وهي الطائفة التي كانت بإزاء العدو لم يصلوا يقول : لم يصلوا معك الركعة الأولى فليصلوا معك يقول : فليصلوا معك الركعة التي بقيت عليك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، لقتال عدوهم ، بعد ما يفرغون من صلاتهم .

وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه فعله يوم ذات الرقاع ، والخبر الذي روى سهل بن أبي حثمة .

وإنما قلنا : ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله عز ذكره قال : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " ، وقد دللنا على أن "إقامتها" ، إتمامها بركوعها وسجودها ، ودللنا مع ذلك على أن قوله : " فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " ، إنما هو إذن بالقصر من ركوعها وسجودها في حال شدة الخوف .

فإذ صح ذلك ، كان بينا أن لا وجه لتأويل من تأول ذلك : أن الطائفة الأولى إذا سجدت مع الإمام فقد انقضت صلاتها ، لقوله : " فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " ، [ ص: 161 ] لاحتمال ذلك من المعاني ما ذكرت قبل ، ولأنه لا دلالة في الآية على أن القصر الذي ذكر في الآية قبلها ، عني به القصر من عدد الركعات .

وإذ كان لا وجه لذلك ، فقول من قال : "أريد بذلك التقدم والتأخر في الصلاة ، على نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان " ، أبعد . وذلك أن الله جل ثناؤه يقول : ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وكلتا الطائفتين قد كانت صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعته الأولى في صلاته بعسفان . ومحال أن تكون التي صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم هي التي لم تصل معه .

فإن ظن ظان أنه أريد بقوله : لم يصلوا لم يسجدوا فإن ذلك غير الظاهر المفهوم من معاني "الصلاة" ، وإنما توجه معاني كلام الله جل ثناؤه إلى الأظهر والأشهر من وجوهها ، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له .

وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية أمر من الله تعالى ذكره للطائفة الأولى بتأخير قضاء ما بقي عليها من صلاتها إلى فراغ الإمام من بقية صلاته ، ولا على المسلمين الذين بإزاء العدو في اشتغالها بقضاء ذلك ضرر لم يكن لأمرها بتأخير ذلك ، وانصرافها قبل قضاء باقي صلاتها عن موضعها ، معنى .

غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإنا نرى أن من صلاها من الأئمة فوافقت صلاته بعض الوجوه التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاها ، فصلاته مجزئة عنه تامة ، لصحة الأخبار بكل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه [ ص: 162 ] وسلم ، وأنه من الأمور التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ثم أباح لهم العمل بأي ذلك شاءوا .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم " ، فإنه يعني : تمنى الذين كفروا بالله لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم : يقول : لو تشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم التي تقاتلونهم بها ، وعن أمتعتكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها . فيميلون عليكم ميلة واحدة يقول : فيحملون عليكم وأنتم مشاغيل بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم حملة واحدة ، فيصيبون منكم غرة بذلك ، فيقتلونكم ويستبيحون عسكركم .

يقول جل ذكره : فلا تفعلوا ذلك بعد هذا ، فتشتغلوا جميعكم بصلاتكم إذا حضرتكم صلاتكم وأنتم مواقفو العدو ، فتمكنوا عدوكم من أنفسكم وأسلحتكم وأمتعتكم ، ولكن أقيموا الصلاة على ما بينت لكم ، وخذوا من عدوكم حذركم وأسلحتكم .
[ ص: 163 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( 102 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ولا جناح عليكم " ، ولا حرج عليكم ولا إثم " إن كان بكم أذى من مطر " ، يقول : إن نالكم [ أذى ] من مطر تمطرونه وأنتم مواقفو عدوكم " أو كنتم مرضى " ، يقول : أو كنتم جرحى أو أعلاء " أن تضعوا أسلحتكم " ، إن ضعفتم عن حملها ، ولكن إن وضعتم أسلحتكم من أذى مطر أو مرض ، فخذوا من عدوكم حذركم يقول : احترسوا منهم أن يميلوا عليكم وأنتم عنهم غافلون غارون " إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا " ، يعني بذلك : أعد لهم عذابا مذلا يبقون فيه أبدا ، لا يخرجون منه . وذلك هو عذاب جهنم .

وقد ذكر أن قوله : " أو كنتم مرضى " نزل في عبد الرحمن بن عوف ، وكان جريحا . [ ص: 164 ]

ذكر من قال ذلك :

10379 - حدثنا عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج ، أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى " ، عبد الرحمن بن عوف ، كان جريحا .
القول في تأويل قوله ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا فرغتم ، أيها المؤمنون ، من صلاتكم وأنتم مواقفو عدوكم التي بيناها لكم ، فاذكروا الله على كل أحوالكم قياما وقعودا ومضطجعين على جنوبكم ، بالتعظيم له ، والدعاء لأنفسكم بالظفر على عدوكم ، لعل الله أن يظفركم وينصركم عليهم . وذلك نظير قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [ سورة الأنفال : 45 ] ، وكما : -

10380 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " واذكروا الله كثيرا " ، يقول : لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، فقال : " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " ، بالليل والنهار ، في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . [ ص: 165 ]

وأما قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

فقال بعضهم : معنى قوله : " فإذا اطمأننتم " ، فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم فأقيموا يعني : فأتموا الصلاة التي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الأرض .

ذكر من قال ذلك :

10381 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد في قوله : " فإذا اطمأننتم " ، قال : الخروج من دار السفر إلى دار الإقامة .

10382 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فإذا اطمأننتم " ، يقول : إذا اطمأننتم في أمصاركم ، فأتموا الصلاة .

وقال آخرون : معنى ذلك : فإذا استقررتم فأقيموا الصلاة أي : فأتموا حدودها بركوعها وسجودها .

ذكر من قال ذلك :

10383 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فإذا اطمأننتم " ، قال : فإذا اطمأننتم بعد الخوف .

10384 - وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة " ، قال : فإذا اطمأننتم فصلوا الصلاة ، لا تصلها راكبا ولا ماشيا ولا قاعدا . [ ص: 166 ]

10385 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة " ، قال : أتموها .

10386 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الآية ، تأويل من تأوله : فإذا زال خوفكم من عدوكم وأمنتم ، أيها المؤمنون ، واطمأنت أنفسكم بالأمن فأقيموا الصلاة فأتموا حدودها المفروضة عليكم ، غير قاصريها عن شيء من حدودها .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تعالى ذكره عرف عباده المؤمنين الواجب عليهم من فرض صلاتهم بهاتين الآيتين في حالين :

إحداهما : حال شدة خوف ، أذن لهم فيها بقصر الصلاة ، على ما بينت من قصر حدودها عن التمام .

والأخرى : حال غير شدة الخوف ، أمرهم فيها بإقامة حدودها وإتمامها ، على ما وصفه لهم جل ثناؤه ، من معاقبة بعضهم بعضا في الصلاة خلف أئمتهم ، وحراسة بعضهم بعضا من عدوهم . وهي حالة لا قصر فيها ، لأنه يقول جل ثناؤه : لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الحال : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " . فمعلوم بذلك أن قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة " ، إنما هو : فإذا اطمأننتم من الحال التي لم تكونوا مقيمين فيها صلاتكم ، فأقيموها . وتلك حالة شدة الخوف ، لأنه قد أمرهم بإقامتها في حال غير شدة الخوف بقوله : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " الآية .
[ ص: 167 ] القول في تأويل قوله ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( 103 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معناه : إن الصلاة كانت على المؤمنين فريضة مفروضة .

ذكر من قال ذلك :

10387 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي في قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : مفروضا .

10388 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : مفروضا "الموقوت" المفروض .

10389 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أما " كتابا موقوتا " ، فمفروضا .

10390 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : " كتابا موقوتا " ، قال : مفروضا . [ ص: 168 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا واجبا .

ذكر من قال ذلك :

10391 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : كتابا واجبا .

10392 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كتابا موقوتا " ، قال : واجبا .

10393 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

10394 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن معمر بن سام ، عن أبي جعفر في قوله : " كتابا موقوتا " ، قال : موجبا . [ ص: 169 ]

10395 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، و "الموقوت" ، الواجب .

10396 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا معمر بن يحيى قال : سمعت أبا جعفر يقول : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : وجوبها .

وقال آخرون : معنى ذلك : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، منجما يؤدونها في أنجمها .

ذكر من قال ذلك :

10397 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا كوقت الحج .

10398 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن زيد بن أسلم في قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، قال : منجما ، كلما مضى نجم جاء نجم آخر . يقول : كلما مضى وقت جاء وقت آخر .

10399 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 170 ] أبي جعفر الرازي ، عن زيد بن أسلم ، بمثله .

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال قريب معنى بعضها من بعض . لأن ما كان مفروضا فواجب ، وما كان واجبا أداؤه في وقت بعد وقت فمنجم .

غير أن أولى المعاني بتأويل الكلمة ، قول من قال : "إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا منجما" ، لأن "الموقوت" إنما هو "مفعول" من قول القائل : "وقت الله عليك فرضه فهو يقته" ، ففرضه عليك "موقوت" ، إذا أخرته ، جعل له وقتا يجب عليك أداؤه . فكذلك معنى قوله : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " ، إنما هو : كانت على المؤمنين فرضا وقت لهم وقت وجوب أدائه ، فبين ذلك لهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]