حكم بطاقة التقسيط ذات المديونية المقدَّمة
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
يتيح هذا البديل تقسيط المديونية على العميل، وتجنب بناء العلاقة مع مصدِر البطاقة على أساس القرض، والسعي في جعل البطاقة غير المغطاة كالبطاقة المغطاة في أحكامها.
أولاً: عرض فكرة البديل، وذكر من قال به:
تقوم فكرة هذا البديل على ما يلي:
1-يموّل المصرف العميل من خلال البيع الآجل؛ كأن يبيعه أسهمًا مباحة بثمن آجل إلى سنة، وبربح 5% مثلاً، ويُدفع هذا الثمن على مرحلتين: الأولى: مرحلة الأقساط الشهرية، ويُقسط فيها ربح التمويل فقط الـ(5%)، والثانية: مرحلة سداد أصل الدين في نهاية مدة التعاقد (السنة).
2- بعد تملك العميل للأسهم، وقبضها، يقوم ببيعها في السوق بثمن حال، (وفي هذا المثال سيكون - غالبًا- أقل من ثمنها الذي اشتراها به بـ5%).
3- بناء على شرط سابق بين المصرف والعميل يودع العميل هذا المبلغ في حساب استثماري بالمصرف؛ لصالح العميل.
4- يصدر المصرف للعميل بطاقة ائتمانية، يستطيع من خلالها السحب النقدي، وشراء السلع، ويحدد السقف الائتماني للبطاقة بمقدار المبلغ في حسابه الاستثماري.
5- لا يسمح المصرف للعميل بالسحب من حسابه الاستثماري الخاص بالبطاقة إلا من خلال العمليات التي يجريها بالبطاقة الائتمانية.
6- يقوم المصرف باستثمار المبلغ في استثمارات قليلة المخاطر، وذات سيولة عالية؛ كالبيوع الآجلة، أو الأصول العقارية، أو المرابحات في المعادن والسلع، بحيث يكون عائدها المتوقع يقارب ربح التمويل الواجب على العميل دفعه للمصرف (5% في هذا المثال).
7- فإذا استخدم العميل البطاقة فهو إنما يسحب من رصيده المودَع في حسابه الخاص بالبطاقة، وليس اقتراضًا من المصرف، مما يجعل عملية تقدير الرسوم والعمولات تخضع لإرادة المصرف، ولو ابتعدت عن التكلفة الفعلية.
8- وإذا لم يستخدم العميل البطاقة، فإن المصرف سيأخذ رأس مال العميل في حسابه الاستثماري مقاصة بأصل دين التمويل الذي قدّمه له، وربح حسابه الاستثماري بربح التمويل الواجب عليه دفعه (5%)، ولن يترتب على العميل أيّ عبء مالي.
9- ومتى ما استخدم العميل البطاقة نقص من رصيده بقدر المبلغ الذي استخدمه، وبقدر ربحه المتوقع (5%) في المدّة الباقية، وعلى العميل أن يعوّض هذا النقص، وإذا لم يقم بذلك حتى تجاوز النقص حدّا معينًا، فإن المصرف سيوقف استخدام العميل للبطاقة.
• وقد صدر قرار عن ندوة البركة السادسة والعشرين للاقتصاد الإسلامي بإجازة بطاقات التقسيط ذات المديونية المقدَّمة،[1] وتبناها مصرف أبو ظبي الإسلامي. [2]
ثانيًا: الحكم الشرعي لهذا البديل:
مع تأمل هذا البديل يظهر أن المصرف استبدل إنشاء العلاقة بينه وبين العميل على أساس القرض، إلى إنشاء علاقةٍ على أساس استدانة العميل من المصرف من خلال عقد من عقود التمويل، وهو البيع الآجل.
وتظهر عدّة إشكاليات على هذا البديل في مراحله المختلفة:
أولاً: مرحلة إنشاء المديونية:
1- وتنبني هذه المرحلة على بيع مؤجل ومقسط، يتورق من خلاله العميل، فحكمها حكم مسألة التورق، وقد سبق بيان جوازها، مع الكراهة من جهة الجزء، وقد تبلغ التحريم من جهة الكلّ، وإذا استخدمت في هذا التمويل صيغة التورق المنظّم كان محرمًا؛ كما سبق.
لذا جاء في النشرة التسويقية للبطاقة: "عزيزي طالب البطاقة المغطاة: نظرًا لأن آلية البطاقة المغطاة تقوم على أساس توفير غطاء للبطاقة من قبل طالبها، فإننا ننصحك بتوفير غطاء البطاقة من المال المتوفر في أيّ من حساباتك لدى المصرف، دون إنشاء مديونية للوصول إلى توفير ذلك الغطاء".
مما يدل على أن سلوك هذا المسلك غير مرضي حتى عند مصدِري البطاقة، وقد انتهت ندوة البركة المصرفية الثالثة والعشرين، المنعقدة في مكة المكرمة إلى التوصية التالية: "ينبغي النظر إلى صيغة التورق على أنها ليست صيغة استثمار، أو تمويل، وإنما هي وسيلة لحل مشكلة سيولة، تتعرض لها المؤسسات أو بعض الأفراد، لا يمكن حلّها بالسّلم، أو الاستصناع، ونحوهما من الصيغ التمويلية، فلا يسوغ التعويل عليها بما يحجب صيغ الاستثمار والتمويل الأخرى، ولا يلجأ إليها إلا استثناءً للضرورة، أو للحاجة الملحة التي تقدرها الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية"[3].
2- تقييد تصرفات العميل من خلال هذا البيع، فكأن المصرف يقول للعميل: أبيعك بالأجل بشرط: أن تبيع ما أبيعك إيّاه حالاً، ولو بخسارة، وهذا الشرط - ونحوه من الشروط المقيّدة لتصرفات المشتري - مما اختلف فيه أهل العلم على قولين:
القول الأول: عدم صحة هذا الشرط.
وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[4] والمالكية،[5] والشافعية،[6] والحنابلة[7].
ففي بدائع الصنائع: "إذا باع ثوبًا على أن لا يبيعه المشتري، أو لا يهبه، أو دابّة على أن لا يبيعها، أو يهبها، أو طعامًا على أن يأكله، ولا يبيعه... شرط فاسد"[8].
وفي بداية المجتهد: "وأما إن اشترط معنى في المبيع، ليس ببر، مثل: أن لا يبيعها، فذلك لا يجوز عند مالك"[9].
وفي المجموع: "الخامس: وهو أن يشترط ما سوى الأربعة من الشروط التي تنافي مقتضى البيع؛ بأن باعه شيئًا بشرط أن لا يبيعه، ولا ينتفع به... أو أنه إذا باعه لا يبيعه إلا له، أو ما أشبه ذلك، فالبيع باطل"[10].
وفي المغني: "أن يشترط غير العتق؛ مثل: أن يشترط أن لا يبيع، ولا يهب، ولا يعتق، ولا يطأ، أو يشترط عليه أن يبيعه، أو يقِفه... فهذه، وما أشبهها شروط فاسدة"[11].
واستدلوا من السنة، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة بدليلين:
الدليل الأول: ما أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع وشرط[12].
وجه الدلالة أن الحديث أطلق النهي عن كل شرط في عقد البيع، فدخل في ذلك اشتراط أن يبيع المشتري المبيع[13].
ونوقش: بأن الحديث ضعيف، وقد أنكره الإمام أحمد وغيره[14].
الدليل الثاني: ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة[15].
ووجه الدلالة: أن البائع اشترط على المشتري بيعًا آخر، فدخل بهذا الشرط فيما نُهي عنه من اجتماع بيعتين في بيعة[16].
ونوقش: بأن الحديث محمول على اجتماع بيعتين، يؤدي اجتماعهما إلى الربا؛ كما سبق[17].
(2) واستدلوا من المعقول: أن هذا الشرط من جملة الشروط التي لا يقتضيها العقد، ولا تلائمه، ولا ثبت بها نصّ، ولا جرى بها عرف، ثم هو مع ذلك يتنافى مع ما يوجبه العقد من أحكام وآثار، ويوجب على أحد العاقدين ما ليس بواجب؛ إذ مقتضى العقد الإطلاق في التصرف والانتفاع، لا الإلزام بتصرفٍ معين، ثم إن فيه تحجيرًا على المشتري[18].
ونوقش: أن كل شرط يخالف إطلاق التصرف بموجب العقد، ويقيّده، ولو صحّ هذا الاستدلال لبطل كل شرط في أيّ عقد[19].
القول الثاني: صحة هذا الشرط.
وهو قول ابن سيرين،[20] ورواية لأحمد،[21] اختارها ابن تيمية[22].
قال ابن تيمية عن مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: "وعلى أكثر نصوصه يجوز أن يشترط على المشتري فعلاً أو تركًا في المبيع، مما هو مقصودٌ للبائع، أو للمبيع نفسه، وإن كان أكثر متأخري أصحابه لا يجوزون من ذلك إلا العتق، وقد يروى ذلك عنه؛ لكن الأول أكثر في كلامه "[23].
واستدلوا من الكتاب، والسنة، والأثر، والمعقول:
(1) استدلوا من الكتاب بدليلين:
الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾.[24]
ووجه الدلالة: أن الله تعالى اشترط في التجارات التراضي، فما تراضى عليه العاقدان من العقود والشروط كان معتبرًا.[25]
الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾.[26]
ووجه الدلالة: أن النصّ عام في الأمر بالوفاء بكل ما تعاقد عليه العاقدان من العقود، ومثلها الشروط.[27]
ونوقشا: بأن الإطلاق والعموم في الآيتين مقيدٌ بما لم ينه عنه الشرع، واشتراط شروط في العقود تخالف مقتضياتها تغييرٌ للمشروع.[28]
(2) واستدلوا من السنة بدليلين:
الدليل الأول: ما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرّم حلالاً، أو أحلّ حرامًا".[29]
ووجه الدلالة: أن الحديث دلّ على أن الأصل في الشروط الحلّ، ما لم يكن فيها تغيير لشرع الله.[30]
ويناقش: بأن في مثل هذا الشرط تغييرًا لمقتضى العقد، فدخل في النهي.
الدليل الثاني: ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة، فقالت: كاتبتُ أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقالت: إن أحبوا أن أعدّها لهم، ويكون ولاؤكِ لي فعلتُ، الحديث.[31]
ووجه الدلالة: أن عائشة اشترت بريرة رضي الله عنهما على شرط أن يكون ولاؤها لها، وهذا الشرط متضمن لاشتراط العتق،[32] واشتراط العتق في البيع تقييد لتصرفات المشتري، بل هو من أبلغ التقييدات، ومع ذلك جاز اشتراطه بالنصّ.
ونوقش من وجهين:
الأول: أن شرط الإعتاق في البيع لا يلائم العقد؛ لأن العقد يقتضي الملك، والملك يقتضي إطلاق التصرف في المملوك، وشرط الإعتاق يقتضي الاستحقاق واللزوم، فلا يلائم عقد البيع، بل يخالفه، فهو شرطٌ فاسد.[33]
ويجاب: بأن هذا توجيهٌ مخالفٌ للنصّ، فهو مطروح، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة أن تشتري بريرة رضي الله عنهما على شرط العتق، وإنما منع أهلها أن يشترطوا لهم ولاءها.
والثاني: أن نستثني من منع اشتراط ما يُقيد تصرفات المشتري في البيع ما دلّ عليه الدليل وما يشبهه، ولأهل العلم في ذلك مسالك:
أ- أن العتق شرط يلائم العقد؛ لأنه إنهاء الملك، وإنهاء الملك تقرير له، فكان ملائمًا له، ويقاس عليه كل شرط يلائم العقد، وهو مسلكٌ للحنفية.[34]
ب- أن العتق قربة، يتشوف لها الشارع، فيقاس عليه كل تقييد لتصرفات المشتري مما سبيله البرّ والقربة، وهو مسلك المالكية.[35]
ج- أن يقتصر على ما ورد النصّ باستثنائه - وهو العتق - دون غيره، وهو مسلك الشافعية.[36]
د- أن العتق مبني على التغليب والسراية،[37] فيستثنى من منع هذه الشروط ما يشابهه، دون ما سواه، وهو مسلكٌ للحنابلة.[38]
ويجاب: أن الأصل في الشروط الحلّ، وإجازة الشارع لشرط العتق تأكيدٌ لهذا الأصل، وليس استثناء منه.
(3) واستدلوا من الأثر بدليلين:
الدليل الأول: ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عن عمر رضي الله عنه قال: إنما مقاطع الحقوق عند الشروط.[39]
ووجه الدلالة: اعتبار الشروط مطلقًا، في البيع وغيره.[40]
ونوقش: أن الشروط المعتبرة هي الشروط التي أباحها الله تعالى، لا التي نهى عنها.[41]
والدليل الثاني: ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره أن ابن مسعود رضي الله عنه اشترى من زوجته زينب رضي الله عنها جارية، فاشترطت عليه: إن باعها فهي أحق بها بالثمن، فسأل ابن مسعود عمر رضي الله عنه، فكره أن يطأها.[42]
ووجه الدلالة: أن عمر أجاز شرط امرأة ابن مسعود، مع كونها حجرت عليه في تصرفه؛ أن لا يبيع الجارية لغيرها، وأنه إذا باعها فلا يبيعها إلا لها، وبنفس الثمن الذي اشتراها به، ولم يكره له عمر رضي الله عنه إلا الوطء، ولو كان البيع باطلاً لكره له الوطء وغيره؛ لعدم الملك، ولو كان الشرط فاسدًا لبيّنه له.[43]
(4) واستدلوا من المعقول بدليلين:
الدليل الأول: أنه كما جاز بالإجماع استثناء بعض المبيع - بل وأجاز الحنابلة كذلك استثناء بعض منافع المبيع - جاز استثناء بعض التصرفات.[44]
ونوقش: أن ما يستثنى من ذلك إنما هو اليسير، دون ما يخالف مقتضى العقد مخالفة تامّة.[45]
الدليل الثاني: أن الأصل في العقود والشروط والتصرفات الحلّ.[46]
ويناقش: أن هذا هو الأصل في الشروط ما لم تخالف مقتضى العقد؛ كمنع المشتري من اقتضاء حق الملك من المبيع.[47]
سبب الخلاف:
اتفق أهل العلم على منع الشرط المنافي لمقتضى العقد منافاة مطلقة؛[48] لما في تصحيحه من مناقضة قصد إنشاء العقد، واختلفوا في حقيقة هذه المنافاة؟.
هل هي متحققة في كل شرطٍ يقيّد تصرفات المشتري، ويمنع إطلاق تصرفه في محل العقد، أو في كل شرطٍ ينافي ذلك منافاة كبيرة، أو في كل شرطٍ يمنع مقصود العقد، الذي يراد في جميع صوره؟.[49]
القول المختـار:
لم يصح حديث في المنع من الشروط في البيع، فبقيت على أصل الإباحة استصحاباً للحكم، الذي أيّدته النصوص العامة من الكتاب والسنة، وجرى على تأكيده حديث بريرة رضي الله عنها، حيث بيعت بشرط العتق، فكان في هذا دليل على جواز الشرط ما لم يخالف مقتضى العقد من كل وجه، خصوصًا إذا كان شرطًا يُقصد مثله، كالشراء بقصد العتق، والشراء بقصد البيع تورقًا.
ثانيًا: مرحلة استثمار الغطاء النقدي:
(1) وبعد المرحلة السابقة يكون المصرف في مركز الدائن للعميل، ثم هو يشترط عليه أن يودع مبلغًا في حساب مضاربة بالمصرف، ويشترط عليه أن يكون وكيلاً له بالأجرة في عملياته من خلال البطاقة، وأن لا يتصرف في هذا المبلغ إلا عن طريقه، ويشترط عليه كذلك أن يجعل ربح الاستثمار المستحق له سدادًا لربح التمويل الواجب عليه.
واشتراط هذه الشروط المقيّدة لتصرفات المشتري داخلٌ في أصل الإباحة، واجتماع البيع المؤجل، مع المضاربة، مع الوكالة بأجر من اجتماع عقد معاوضة في عقد معاوضة؛ فكأن المصرف يقول للعميل: أبيعك بيعًا مؤجلاً، بشرط أن تفتح عندي حساب مضاربة، وأن أتوكل لك في معاملاتك من خلاله بأجرة، والأصل في هذه الصيغة (اشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة) الجواز؛ كما سبق.[50]
(2) ويلاحظ كذلك حرص مصممي البطاقة على أن تكون مخاطر الاستثمار منخفضة جدًا؛ كالمرابحات في سوق المعادن، مع أن هذا النوع من المعاملات لا يتحقق فيه القبض الحقيقي، ثم حرصهم كذلك على أن يكون ربح الاستثمار يساوي ربح التمويل، وكل هذه الخطوات مشجعة على أن تكون إجراءات صورية مستقبلاً، ويُكتفى بإقراض النقد مقابل الزيادة.
(3) وقد جاء ضمن شروط وأحكام البطاقة: " 1- وفّر حامل البطاقة غطاء البطاقة من حسابه لدى المصرف، أو 2- أبرم المصرف وحامل البطاقة الأساسي عقد مرابحة، ووفقًا لبنود عقد المرابحة أودع حامل البطاقة الأساسي مبلغًا (مبلغ الضمان) في حساب البطاقة؛ ضمانًا لالتزامه بدفع ثمن البيع"، مما يدل على أن المبلغ المودَع رهن بالدين الذي على العميل، وقد سبق جواز رهن الحساب الاستثماري.[51]
ثم قالوا بعدها: "رغم أن المبلغ المودَع في الحساب الاستثماري هو ضمانٌ للمصرف حتى سداد العميل مديونية البيع الآجل، إلا أن المصرف قد أذن للعميل في السحب من هذا الرصيد من خلال العمليات التي تتم بالبطاقة من شراء السلع، والحصول على الخدمات، والسحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي. بموجب اتفاقية الخدمات المبرمة بين العميل والمصرف؛ فإن العميل قد وكّل المصرف في سداد مبالغ العمليات التي تتم بالبطاقة، وتسوية المبالغ المستحقّة لقابلي البطاقة من التّجّار، وبنوك التّجّار، والبنوك التي يسحب العميل من أجهزة الصراف التابعة لها".
ومعلوم أن هذه الوكالة بأجر، فتحصّل من ذلك انتفاع المصرف (المرتهن) بالعين المرهونة، وانتفاع الراهن بها، وقد اختلف أهل العلم في حكم هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: حكم انتفاع المرتهن بالرهن مجانًا بإذن الراهن، إذا كان الدين عن غير قرض:
اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقوال:
القول الأول: جواز انتفاع المرتهن بالرهن مجانًا بإذن الراهن، إذا كان الدين عن غير قرض.
وهو مذهب الحنفية،[52] والحنابلة.[53]
ففي الدر المختار: "لا انتفاع به ] أيّ بالرهن [ مطلقًا؛ لا باستخدام، ولا سكنى، ولا لبس، ولا إجارة، ولا إعارة، سواء كان من مرتهن، أو راهن إلا بإذن كل للآخر".[54]
وفي المغني: "وإن كان الرهن بثمن مبيع، أو أجر دار، أو دين غير القرض، فأذن له الراهن في الانتفاع، جاز ذلك ".[55]
واستدلوا من السنة، والمعقول:
(1) استدلوا من السنة: بما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا".[56]
ووجه الدلالة: من جهة مفهوم المخالفة أن العقد إن كان غير قرض جاز أن يجرّ نفعًا للعاقد.
ونوقش من وجهين:
الأول: ضعف الحديث.
والثاني: أن ذكر القرض خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم مخالفة له،[57] ثم هو كذلك مفهوم لقب، ولا حجة فيه عند الأكثر.[58]
يتبع