ذكر نخب وفوائد عن سلطان العلماء العز بن عبد السلام
د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
ثم يقول تاج الدين السبكي استتباعا لما ذكر من الفوائد السابقة:
شرح حال صلاة الرغائب
وما اتفق فيها بين الشيخين:
سلطان العلماء أبي محمد بن عبد السلام والحافظ أبي عمرو بن الصلاح
وقد كان ابن الصلاح أفتى بالمنع منها ثم صمم على خلافه وأما سلطان العلماء فلم يبرح على المنع
قال سلطان العلماء أبو محمد رضي الله عنه:
الحمد لله الأول الذي لا يحيط به وصف واصف والآخر الذي لا تحويه معرفة عارف جل ربنا عن التشبيه بخلقه وكل خلقه عن القيام بحقه أحمده على نعمه وإحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بحججه وبرهانه صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وإخوانه
أما بعد:
فإن البدعة ثلاثة أضرب:
أحدها:
ما كان مباحا كالتوسع في المآكل والمشارب والملابس والمناكح فلا بأس بشيء من ذلك
الضرب الثاني:
ما كان حسنا وهو كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها كصلاة التراويح وبناء الربط والخانات والمدارس وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناعالمعروف والمعاونة على البر والتقوى وكذلك الاشتغال بالعربية فإنه مبتدع ولكن لا يتأتى تدبر القرآن وفهم معانيه إلا بمعرفة ذلك فكان ابتداعه موافقا لما أمرنا به من تدبر آيات القرآن وفهم معانيه وكذلك الأحاديث وتدوينها وتقسيمها إلى الحسن والصحيح والموضوع والضعيف مبتدع حسن لما فيه من حفظ كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدخله ما ليس فيه أو يخرج منه ما هو فيه وكذلك تأسيس قواعد الفقه وأصوله وكل ذلك مبتدع حسن موافق لأصول الشرع غير مخالف لشيء منها
الضرب الثالث:
ما كان مخالفا للشرع أو ملتزما لمخالفة الشرع فمن ذلك صلاة الرغائب فإنها موضوعة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكذب عليه ذكر ذلك أبو الفرج بن الجوزي وكذلك قال أبو بكر محمد الطرطوشي إنها لم تحدث ببيت المقدس إلا بعد ثمانين وأربعمائة من الهجرة
هي مع ذلك مخالفة للشرع من وجوه يختص العلماء ببعضها وبعضها يعم العالم والجاهل.
فأما ما يختص به العلماء فضربان
أحدهما: أن العالم إذا صلاها كان موهما للعامة أنها من السنن فيكون كاذبا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بلسان الحال ولسان الحال قد يقوم مقام لسان المقال
الثاني: أن العالم إذا فعلها كان متسببا إلى أن تكذب العامة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيقولوا هذه سنة من السنن والتسبب إلى الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لا يجوز
وأما ما يعم العالم والجاهل فهي وجوه:
أحدها:
أن فعل المبتدع مما يقوي المبتدعين الواضعين على وضعها وافترائها والإغراء بالباطل والإعانة عليه ممنوع في الشرع واطراح البدع والموضوعات زاجر عن وضعها وابتداعها والزجر عن المنكرات من أعلى ما جاءت به الشريعة
الثاني:
أنها مخالفة لسنة السكون في الصلاة من جهة أن فيها تعديد سورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة وتعديد سورة القدر ولا يتأتى عده في الغالب إلا بتحريك بعض أعضائه فيخالف السنة في تسكين أعضائه
الثالث:
أنها مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة وتفريغه لله وملاحظة جلاله وكبريائه والوقوف على معاني القراءة والأذكار فإنه إذا لاحظ عدد السور بقلبه كان ملتفتا عن الله معرضا عنه بأمر لم يشرعه في الصلاة والالتفات بالوجه قبيح شرعا فما الظن بالالتفات عنه بالقلب الذي هو المقصود الأعظم
الرابع:
أنها مخالفة لسنة النوافل فإن السنة فيها أن فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد إلا ما استثناه الشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة
الخامس:
أنها مخالفة لسنة الانفراد بالنوافل فإن السنة فيها الانفراد إلا ما استثناه الشرع وليست هذه البدعة المختلقة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منه
السادس:
أنها مخالفة للسنة في تعجيل الفطر إذ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور
السابع:
أنها مخالفة للسنة في تفريغ القلب عن الشواغل المقلقة قبل الدخول في الصلاة فإن هذه الصلاة يدخل فيها وهو جوعان ظمآن ولا سيما في أيام الحر الشديد والصلوات المشروعات لا يدخل فيها مع وجود شاغل يمكن دفعه
الثامن:
أن سجدتيها مكروهتان فإن الشريعة لم ترد بالتقرب إلى الله سبحانه بسجدة منفردة لا سبب لها فإن القرب لها أسباب وشرائط وأوقات وأركان لا تصح بدونها فكما لا يتقرب إلى الله بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه فكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بسجدة منفردة وإن كانت قربة إلا إذا كان لها سبب صحيح وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقت وأوان وربما تقرب الجاهلون إلى الله بما هو مبعد عنه من حيث لا يشعرون
التاسع:
لو كانت السجدتان مشروعتين لكان مخالفا للسنة في خشوعهما وخضوعهما لما يشتغل به من عدد التسبيح فيهما بباطنه أو ظاهره أو بهما
العاشر:
أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وهذا الحديث رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه
الحادي عشر:
أن في ذلك مخالفة السنة فيما اختاره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أذكار السجود فإنه لما نزل قول الله تعالى ) سبح اسم ربك الأعلى ( قال اجعلوها في سجودكم وقوله سبوح قدوس وإن صحت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يصح أنه أفردها بدون سبحان ربي الأعلى ولا أنه وظفها على أمته ومن المعلوم أنه لا يوظف إلا الأولى من الذكرين وفي قوله سبحان ربي الأعلى من الثناء ما ليس في قوله سبوح قدوس
ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة:
أن العلماء الذين هم أعلام الدين وأئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم ومن دون الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجالسه والعادة تحيل أن يكون مثل هذه سنة وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام وهذه الصلاة لا يصليها أهل المغرب الذين شهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لطائفة منهم أنهم لا يزالون على الحق حتى تقوم الساعة وكذلك لا تفعل بالإسكندرية لتمسكهم بالسنة ولما صح عند السلطان الملك الكامل رحمه الله أنها من البدع المفتراة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبطلها من الديار المصرية فطوبى لمن تولى شيئا من أمور المسلمين فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن وليس لأحد أن يستدل بما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال الصلاة خير موضوع فإن ذلك مختص بصلاة مشروعة.
-=====================================