عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 09-10-2024, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,254
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله



﴿ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ الجملة حالية، أي: حال كون هذا التابوت تحمله الملائكة، وفي هذا إشارة إلى أن هذا التابوت كبير.

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ﴾ «إنَّ»: حرف توكيد ونصب، ﴿ فِي ذَلِكَ ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف في محل رفع خبر «إنَّ» مقدم، و«آية» اسمها منصوب مؤخر، واللام في قوله: ﴿ لَآيَةً ﴾ للتوكيد.

والإشارة في «ذلك» لإتيان التابوت إليهم فيه سكينة من ربهم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة. أي: إن في ذلك لعلامة لكم على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أخبرتكم به من بعث الله عز وجل «طالوت» ملكًا لكم، وعلى قدرة الله تعالى وعظمته.

﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي: كنتم من ذوي الإيمان الذين يصدقون بالآيات وينتفعون بها، كما قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، وحينئذٍ سلَّموا وانقادوا له.

قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾.

قوله: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ﴾ أي: خرج بهم وانفصل عن البلد، قيل: عن بيت المقدس.

و«الجنود» جمع جندي، وهم الرجال المقاتلون، قيل: كانوا ثمانين ألفًا، وقيل غير ذلك.

﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ﴾؛ أي: ممتحنكم ومختبركم ﴿ بِنَهَرٍ ﴾ وهو الماء الجاري الكثير؛ ليعلم من يصبر ومن لا يصبر؛ لأن القتال يحتاج إلى صبر وتحمل، وليعلم من يطيع ويمتثل الأمر، ممن لا يطيع، وكانوا أشد ما يكونون من العطش، قيل هذا النهر نهر الأردن، وقيل: نهر بين فلسطين والأردن.

﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ﴾ أي: فمن شرب من هذا النهر شربًا كثيرًا.

﴿ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾: جواب الشرط، أي: ليس مني لا قربًا ولا ولاءً ولا طاعة؛ لمخالفته وقلة صبره، أو ليس من جندي.

﴿ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ﴾ أي: لم يذقه ولم يشرب منه شيئًا.

﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾: قربًا وولاءً، لصدقه وصبره وطاعته.

﴿ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ قرأ نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو بفتح الغين «غَرفةً»، وقرأ الباقون بضمها ﴿ غُرْفَةً ﴾.

والغَرفة بالفتح: المرة الواحدة من الغرف، وهو أخذ الماء باليد، والغُرفة بالضم: المقدار المعروف.

والاستثناء في قوله: ﴿ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ استثناء متصل من قوله: ﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُفَلَيْسَ مِنِّي ﴾، و«من» في قوله: ﴿ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ ﴾ موصولة.

والمعنى: إلا الذي اغترف غرفة واحدة بيده لا بيديه معًا فشربها يبل بها ريقه، فلا بأس عليه.

والجملة الثانية: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ معترضة بين المستثنى والمستثنى منه، وأصلها التأخير إلا أنها قدمت للعناية؛ لأنها تدل عليها الأولى بطريق المفهوم، فإنه لما قال: ﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾، فُهم منه أن من لم يشرب فإنه منه، فلما كانت مدلولًا عليها بالمفهوم صار الفصل بها كلا فصل.

﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ ﴾ أي: أكثرهم، مما يدل على عدم صبرهم، وأنهم ليسوا أهلًا للحرب.

﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ الاستثناء متصل، أي: إلا عددًا قليلًا منهم لم يشرب.

قال بعض المفسرين: من اغترف منه بيده رَويَ، ومن شرب منه لم يرو.

﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ﴾؛ أي: لما جاوز طالوت النهر هو والذين آمنوا معه من بني إسرائيل.

روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن، بضعة عشر وثلاثمائة»[6]، وقيل: أربعة آلاف.

﴿ قَالُوا ﴾ أي: الذين جاوزوا النهر، أي: قال بعضهم بدليل قوله: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾.

﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ ﴾ أي: لا قدرة لنا ﴿ الْيَوْمَ ﴾ «ال» للعهد الحضوري، أي: اليوم الذي شاهدوا فيه عدوهم.

قال ابن كثير[7]: «أي: استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم؛ لكثرتهم، فشجعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حق، فإن النصر عند الله تعالى ليس عن كثرة عدد ولا عدة».

﴿ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ أي: بقتال وحرب جالوت وجنوده، وذلك لما رأوا كثرتهم. ويحتمل أن الذين قالوا هذه المقالة الذين نكلوا يبررون به نكولهم، ويحتمل أنهم الذين جاوزوا مع طالوت استقلوا أنفسهم، فشجعهم أصحابهم؛ لقوله: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ تثبيتًا لأنفسهم ولأصحابهم وتقوية لقلوبهم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ﴾.

ومعنى ﴿ يَظُنُّونَ ﴾ أي: يتيقنون. والظن يطلق كثيرًا في القرآن الكريم على اليقين، كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46] [8].
﴿ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾، أنهم سيلقون الله ويقابلونه ويحشرون إليه ويعرضون عليه، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6].

﴿ ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ﴾ «كم»: خبرية، معناها التكثير، و«فئة» أي: جماعة، والمعنى: كثير من فئات قليلة غلبت فئات كثيرة؛ لأن العبرة بالكيف لا بالكم.

ومعنى ﴿ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ﴾؛ أي: تفوقت عليها وانتصرت عليها، كما قال تعالى: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 66].

﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أي: بإذن الله وأمره الكوني، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102].

﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ معهم معية خاصة بنصره وتأييده وتوفيقه لهم، كما أنه معهم ومع جميع الخلق معية عامة بعلمه وإحاطته، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4].

أي ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ الذين حبسوا أنفسهم على طاعة الله تعالى وعن معصيته وعن التسخط والجزع على أقداره المؤلمة.

قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.
قوله: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا ﴾ أي: ولما ظهر طالوت والذين آمنوا معه.

﴿ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ وواجهوهم، و«برزوا» مأخوذ من «البَرَاز» وهي الأرض البارزة المنكشفة المستوية الظاهرة، ومنه سُميت المبارزة.

﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قال طالوت والذين آمنوا معه داعين الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.

﴿ رَبَّنَا ﴾ أي: يا ربنا، ودعوه عز وجل وتوسلوا إليه بوصف الربوبية؛ لأن الرب من له الخلق والملك والتدبير وبيده الأمر كله.

﴿ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾؛ أي: أَفِضْ علينا واملأ قلوبنا صبرًا، ونكر «صبرًا» للتفخيم، أي: صبرًا عظيمًا. وفي التعبير بقولهم: «وأفرغ» إيذان بالكثرة.

﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾؛ أي: اجعل أقدامنا ثابتة راسخة بحيث لا تزول فلا نفر ولا نهرب، ولا نتزلزل عند اللقاء بتثبيت قلوبنا.

﴿ وَانْصُرْنَا ﴾ أي: وقونا وأظهرنا ﴿ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ وهم جالوت وجنوده وغيرهم، وأظهر في مقام الإضمار، فلم يقولوا: وانصرنا عليهم، أو وانصرنا على أعدائنا، بل قالوا: ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ لما فيه من بيان وتعليل سبب دعائهم بالنصر عليهم، وهو كفرهم، لا لحمية أو عصبية ونحو ذلك، أي: وانصرنا عليهم لأجل كفرهم، وعلى هذا فيعم هذا الدعاء طلب النصر على جميع الكافرين.

قوله تعالى: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾.
قوله: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ ﴾ أي: فهزم طالوت والمؤمنون معه من بني إسرائيل، وغيرهم، جالوت وجنوده؛ أي: غلبوهم وقهروهم وانتصروا عليهم.

﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ الباء للاستعانة، أي: بإذن الله وعونه وتقديره وأمره الكوني.

﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ﴾ داود عليه الصلاة والسلام كان من جنود طالوت، وكان قويًا شجاعًا، وكان جالوت جبارًا قويًا عنيدًا، فطلب- فيما ذكر- من داود المبارزة، فتبارزا، فقتل داود جالوت فانهزم جنوده.

﴿ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ الضمير يعود إلى داود، أي: فأعطى الله داود الملك والسلطان، وآتاه الحكمة، وهي النبوة، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله.

وذكر الحكمة بعد الملك؛ لأنها كانت بعده وقوعًا، أو للترقي من ذكر الأدنى إلى ذكر الأعلى، فاجتمع له القوة الدينية الشرعية بالنبوة والرسالة، والقوة الدنيوية والتنفيذية بالملك والإمارة، كما قال تعالى: ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص: 20].

وباجتماع الدين والملك صلاح البلاد والعباد؛ لأن الدين والملك كالتوءمان، وبارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر؛ لأن الدين أس والملك حارس، وما لا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع.

﴿ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ أي: وعلم عز وجل داود من الذي يريده سبحانه من العلم الديني والدنيوي الذي اختصه به، ومن ذلك صنعة الدروع والتقدير في السرد، كما قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ﴾ [الأنبياء: 80].

﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب بكسر الدال وفتح الفاء وألف بعدها: «دفاع»، وقرأ الباقون بفتح الدال وإسكان الفاء من غير ألف ﴿ دَفْعُ ﴾.

و«لولا»: حرف امتناع لوجود، و«دفع» مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى فاعله لفظ الجلالة (الله)، و«الناس»: مفعول به، و«بعضهم»: بدل منه، «ببعض» متعلق بـ«دفع»، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: موجود.

أي: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض بالجهاد لفسدت الأرض، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود وبالمؤمنين.

﴿ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ جواب «لولا»، واللام: واقعة في جواب «لولا»، أي: لفسدت الأرض، و«الفساد»: ضد الصلاح، والمعنى: لفسدت الأرض باستيلاء الكفرة والفجار وظهور الشرك وانتشار المعاصي والشرور، وحصول الجدب والقحط ومحق البركات وقلة الخيرات، وكثرة الآفات وهلاك الحرث والنسل وخراب البلاد، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40].

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ ﴾ الواو: عاطفة، و«لكن» للاستدراك، و«ذو» بمعنى صاحب، «الفضل»: الزيادة والعطاء الواسع الكثير.

﴿ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ «العالمين» جمع عالم، وهم جميع الخلق، كما قال تعالى: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20].

ففضله واسع وجوده عميم، على جميع العالمين، الناطق والبهيم، ومن فضله عز وجل على العالمين دفع الناس بعضهم ببعض بالجهاد ونحو ذلك، فإن في تحكيم الإسلام، وإقامة شرع الله نعمة من الله وفضلًا على الخلق كلهم من المسلمين وغيرهم.

قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾؛ كقوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108].

قوله: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ ﴾ (تلك): إشارة إلى ما سبق من الآيات، ويجوز كون الإشارة للقرآن كله. ويقوي هذا كونها بصيغة البعد- مع ما في ذلك من تعظيم الآيات وتنزيلها منزلة المشاهد لوضوحها وبيانها.

و﴿ آيَاتُ ﴾: جمع آية، والمراد بها الآيات الشرعية وما تضمنته من الأخبار والأحكام والعبر.

﴿ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ﴾ أي: نقرؤها عليك بتلاوة جبريل عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 17 - 19] وقال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194].

﴿ بِالْحَقِّ ﴾ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ [المائدة: 48] والباء للملابسة، أي: نتلوها عليك حال كونها متلبسة بالحق فهذه الآيات حق، كما قال تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وطريق وصولها حق، فسندها أصح الأسانيد وأعلاها، نزلت من عند الله بواسطة جبريل الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194].

وهي مشتملة على الحق فيما جاءت به، أخبارها صدق، وأحكامها عدل، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام.

﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ الواو: عاطفة، و«إنَّ» واللام للتوكيد، فالجملة فيها توكيد لرسالته صلى الله عليه وسلم، وتنويه بشأنه، وتثبيت لقلبه، ورد على المنكرين لرسالته وبيان أنه ليس بدعًا من الرسل؛ ولهذا قال: ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ولم يقل: «إنك رسول الله».

[1] البيت للأفوه الأودي. انظر: «ديوانه» (ص10).

[2] انظر: «السياسة الشرعية» ص *.

[3] أخرجه البخاري في الوصايا (2742)، ومسلم في الوصية (1628)، وأبو داود في الوصايا (2864)، والنسائي في الوصايا (3626)، والترمذي في الوصايا (2166)، من حديث سعد رضي الله تعالى عنه.

[4] البيت للشافعي. انظر: «ديوانه» (ص 10).

[5] انظر: «ديوانه» (4/ 174)، وانظر: «شرح ديوان المتنبي» للواحدي (ص296).

[6] أخرجه البخاري في المغازي (3957)، والترمذي في السير (1598)، وابن ماجه في الجهاد (2828).

[7] في تفسيره (1/ 447).

[8] انظر ما سبق في الكلام على هذه الآية.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]