عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 09-10-2024, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,254
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى... ﴾


قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 246 - 252].

قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾.

قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾: الاستفهام للتقرير والتعجيب؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ [البقرة: 243]، والكلام فيه كما سبق.

﴿ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ «الملأ»: الأشراف والوجهاء والرؤساء.

﴿ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ﴾ أي: من بعد وفاة نبي الله موسى- عليه الصلاة والسلام- كليم الرحمن، وأفضل أنبياء بني إسرائيل.

﴿ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ﴾ «إذ»: ظرف بمعنى «حين» أي: حين قالوا، وتنكير «نبي» للإشارة إلى أن محل العبرة ليس هو شخص النبي، وإنما المقصود هو حال القوم، وهذا النبي قيل: إنه «صمويل» وهو بالعربية «شمويل»، وقيل: هو«شمعون»، وقيل غير ذلك.

﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ﴾ أي: أقم لنا واجعل لنا ملكًا، و«الملك»: من يقوم بتدبير وتصريف أمور المملكة.

وإقامة الملك أو الأمير الذي يدبر شؤون الناس أمر ضروري. كما قيل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم= ولا سراة إذا جهالهم سادوا[1]


وقد قيل: «ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام»[2].

﴿ نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ «نقاتل»: جواب الأمر «ابعث»، أي: نقاتل معه، وتحت إمرته في سبيل الله.

قيل: وذلك حين ظهرت العمالقة من قوم جالوت على كثير من أرضهم.

﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾ الاستفهام للتقرير والتحذير.

قرأ نافع: «عسِيتم» بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها ﴿ عَسَيْتُمْ ﴾، أي: قال لهم نبيهم: ﴿ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾.

و«عسى» هنا للتوقع، أي: هل يتوقع منكم إن كتب عليكم القتال، أي: إن فرض عليكم القتال أن لا تقاتلوا.

أي: أن هذا هو المتوقع منكم، وهذا تحريض لهم على القتال وتحذير لهم من الجبن.

وجملة ﴿ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾ معترضة بين اسم «عسى» وهو ضمير التاء، وخبرها وهو قوله: ﴿ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾.

وبُني الفعل «كتب» في الموضوعين لما لم يسم فاعله؛ لأن الذي كتب ذلك وفرضه معلوم وهو الله سبحانه وتعالى.

﴿ قَالُوا ﴾ أي: قالوا إجابة على الاستفهام السابق: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، الواو: رابطة لهذا الكلام بما قبله لتأكيد رغبتهم في القتال في سبيل الله.

معناه هنا: الإنكار والتعجب، والمصدر المؤوّل ﴿ أَلَّا نُقَاتِلَ ﴾ في محل جر بحرف جرف محذوف تقديره «في»، أي: أيّ شيء لنا في ترك القتال؟! أي: أيّ شيء لنا يمنعنا من القتال؟!

﴿ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا ﴾ الجملة حالية فيها تعليل لوجه الإنكار، أي: والحال أننا قد أخرجنا من ديارنا.

﴿ وَأَبْنَائِنَا ﴾ أي: وأخرجنا من بين أبنائنا.

والمعنى: وأي مانع لنا يمنعنا من القتال في سبيل الله، وقد وُجِدَ ما يقتضي ذلك، وهو إخراجنا من ديارنا وأبنائنا.

﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ﴾ أيّ: فلما فرض وأوجب عليهم القتال ﴿ تَوَلَّوْا ﴾ أي: تولوا بأبدانهم وأدبروا عن القتال، وأعرضوا بقلوبهم عما أمرهم الله به، فصدق فيهم ما توقعه نبيهم أنهم لن يقاتلوا.

﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ الاستثناء متصل، والتقدير: تولوا إلا عددًا قليلًا منهم، و«القليل» يطلق على الثلث وَمَا دونه، كما قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «الثلث والثلث كثير»[3].

﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ أي: والله ذو علم واسع بالظالمين المعرضين عما أمر الله به والمرتكبين لما نهى الله عنه، وهو سبحانه عليم بالظالمين وغيرهم وبكل شيء، وإنما خص علمه هنا بالظالمين وعيدًا للظالمين وتحذيرًا من الظلم.

والظلم: وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان، وهو النقص، قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [الكهف: 33].

واعتبر التولي عن القتال في سبيل الله ظلمًا؛ لأنه ترك لما أمر الله به ومعصية له بدل الامتثال لأمره وطاعته.

والظلم ينقسم إلى قسمين: الأول: ظلم النفس بترك ما أمر الله تعالى به وارتكاب ما نهى الله عنه، وأظلم الظلم الشرك، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

والقسم الثاني: ظلم الغير، بالتعدي على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ونحو ذلك، وهو داخل في ظلم النفس؛ لأن ضرره يعود عليها.

قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

قوله: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾ أي: وقال لهؤلاء الملأ من بني إسرائيل نبيهم إجابة على طلبهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيل الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾، أي: جعل لكم طالوت ملكًا.

و«طالوت»: اسم للملك الذي بعثه الله تعالى عليهم، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

و﴿ مَلِكًا ﴾: حال من «طالوت»؛ أي: حال كونه ملكًا لكم، والملك من له التصرف والتدبير في مملكته، حسب ما تقتضيه الولاية الشرعية، أو العرفية.

قيل: ولم يكن طالوت من بيت الملك فيهم؛ لأن الملك فيهم كان في سبط «يهوذا»، و«طالوت» من سبط «بنيامين» وهم لا ملك فيهم ولا نبوة.

﴿ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ﴾ «أنى» بمعنى كيف، وهو استفهام فيه معنى التعجب، أي: كيف يكون له الملك علينا؟!

وفي قولهم: ﴿ عَلَيْنَا ﴾ إيماء منهم إلى أنه بعث للسيطرة عليهم، بينما قال في أول الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾ باللام الدالة على أنه بعث لمصلحتهم.

﴿ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ﴾ هذا تعزيز وتعليل لاستفهامهم السابق وتعجبهم، أي: والحال أننا أحق بالملك منه؛ لأن الملك كان في آبائنا فنحن أولى بالملك منه وراثة وحسبًا ونسبًا ومكانة في المجتمع، وهذا كما قال إبليس: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76].

﴿ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ﴾: حال معطوفة على الحال السابقة، أي: والحال أنه لم يعط سعة من المال، أي: أنه فقير، لا مال له يقوم بالملك.

فمع أنهم يرون أنهم أحق بالملك منه، لكن لو أعطي سعة من المال لهان الأمر عليهم في كونه ملكًا عليهم تنازلًا منهم عن أحقيتهم بالملك لأجل المال.

لأن المال عصب الحياة، وبه يستطيع تدبير وتصريف شؤون الملك وإعداد الجيوش للقتال وغير ذلك، إضافة إلى أنه يغطي العيوب، كما قيل:
يغطى بالسماحة كل عيب
وكم عيب يغطيه السخاء[4]



والفقر ليس بعيب، فقد تولي الخلافة على المسلمين أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وكانوا من أفقر الناس، وأقلهم مالًا، وما ضرهم ذلك، وماذا عساه أن يفي مال «طالوت» لو كان غنيًا بحاجيات المملكة.

﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ﴾؛ أي: قال لهم نبيهم ردًا على قولهم: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ﴾: ﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ﴾، أي: اختاره من بينكم، واختيار الله تعالى خير لكم من اختياركم لأنفسكم.

﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً ﴾ هذا رد على قولهم: ﴿ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ﴾، أي: وزاده سعة ووفرة ﴿ فِي الْعِلْمِ ﴾ أي: علم سياسة الأمة، وحسن الرأي والتدبير الذي به يستطيع إدارة الملك والحرب وغير ذلك.

﴿ وَالْجِسْمِ ﴾ أي: وزاده سعة في الجسم، في الضخامة والقوة والشجاعة، والطول.

قيل: ولهذا سمي بـ«طالوت» على وزن اسم المصدر، مشتق من الطول، فمنعه من الصرف للعملية وشبه العجمة، فاجتمع فيه القوة المعنوية بسعة العلم بالسياسة وحسن التدبير، مع القوة الحسية بسعة الجسم والقوة والشجاعة التي يستطيع بها مكافحة الأعداء ومكابدة الحروب؛ لأن سياسة أمر الأمة ترجع إلى أصالة الرأي وقوة البدن.

وقدم زيادة البسطة في العلم من العلم بالسياسة والرأي؛ لأن الرأي أهم وأعظم وهو أول، كما قال أبو الطيب[5]:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني




﴿ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ أي: والله يعطي الملك من يريد من العباد حسب ما تقتضيه حكمته، ولو من غير إرث ولا مال، وأضاف عز وجل الملك إليه؛ لأن ملك الكون كله له سبحانه.

كما قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ أي: ذو سعة في جميع صفاته، و«الواسع» من أسماء الله عز وجل.

﴿ عَلِيمٌ ﴾ أي: ذو علم واسع بكل شيء، كما قال تعالى: ﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الأنعام: 80].

فهو عليم بمن يستحق الملك من ذوي النسب والغنى وغيرهما ممن لا يستحقه، وغير ذلك، ومن سعة علمه وفضله عز وجل أن يعطي الملك من يشاء حسب ما تقتضيه حكمته.

قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.
كأنهم لما قال لهم نبيهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾ الآية، قالوا له: ائت بآية، فقال لهم: ﴿ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ﴾ الآية.

والآية: العلامة، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 197]، والضمير في قوله: ﴿ مُلْكِهِ ﴾ يعود إلى طالوت، الذي بعثه الله تعالى ملكًا عليهم.

أي: إن علامة أنه ملك من الله تعالى لكم ﴿ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ الآية.

﴿ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ﴾ «أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل رفع خبر «إنَّ»، والتقدير: إن آية ملكه إتيان التابوت إليكم.

و«التابوت» في الأصل الصندوق من خشب أو غيره ويحفظ فيه المتاع.

والتابوت المذكور في الآية قيل: هو شيء على هيئة الصندوق مصنوع من الخشب أو غيره، وفي تعريفه إشارة إلى أنه كان معهودًا عندهم لكنه سلب منهم.

﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ الجملة حالية، أي: حال كونه فيه سكينة من ربكم، أي: فيه، وفي مجيئه إليكم ﴿ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ يُسَكِّن- سبحانه- به نفوسكم، ويُطمئن به قلوبكم، وآية من آيات الله تعالى ورحمة لكم.

﴿ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾ من العلم والحكمة والتوراة.


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]