عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-10-2024, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,702
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة الأنعام الآيات (152: 153)

تفسير سورة الأنعام الآيات (152: 153)

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا ‌مَالَ ‌الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152].

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا ‌مَالَ ‌الْيَتِيمِ ﴾ أيْ: بِالخَصْلَةِ الَّتِي ﴿ هِيَ أَحْسَنُ﴾ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَتَنْمِيتِهِ[1].

﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ وَهُوَ سِنُّ الْبُلُوغِ مَعَ الرُّشْدِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّساءِ: ﴿ ‌وَابْتَلُوا ‌الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، فَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى بُلُوغَ النِّكاحِ، وَهُوَ بُلُوغُ سِنِّ التَّكْلِيفِ مُقَيَّدًا بِإيناسِ الرُّشْدِ[2].

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ بِالعَدْلِ وتَرْكِ البَخْسِ[3]، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى مَنْ بَخَسَ فَقَالَ: ﴿ وَيْلٌ ‌لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1-6]، وقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ كَانُوا يَبْخَسُونَ الْمِكْيَالَ والْمِيزَانَ[4].

﴿ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ أَيْ: طَاقَتَهَا فِي كُلِّ تَكْلِيفٍ مِنَ التَّكَالِيفِ، وَمِنْ ذَلِكَ إِنْ أَخْطَأَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، واللَّهُ يَعْلَمُ صِحَّة نِيَّتِهِ، فَلَا مُؤاخَذَةَ عَلَيْهِ[5].

﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ ﴾ قَولًا ﴿ فَاعْدِلُوا ﴾ فِيهِ، وَأَنْصِفُوا وَلَا تَجُورُوا[6] ﴿ وَلَوْ كَانَ ﴾ المَقُولُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ[7] ﴿ ذَا قُرْبَى ﴾ قَرَابَةٍ[8]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا ‌قَوَّامِينَ ‌بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ ‌بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8][9].

﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ ﴾ وَعَهْدُ اللهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الْإِتْيانُ بِجَمِيعِ المَأْمُوراتِ، والِانْتِهاءُ عَنْ كُلِّ المَنهِيَّاتِ، ويَدْخُلُ فِيهِ الْوَفاءُ بِالعُقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، ويَدْخُلُ فِيهِ أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ﴿ أَوْفُوا [10]. وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ سَيُسْألُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ، بِقَوْلِهِ: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ‌إِنَّ ‌الْعَهْدَ ‌كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، أيْ: عَنْهُ[11].

﴿ ذَلِكُمْ ﴾ إِشَارَةً إِلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿ وَصَّاكُمْ بِهِ ﴾ أيْ: أمَرَكُمْ بِالعَمَلِ بِهِ ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أيْ: تَتَّعِظُونَ[12].


﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

﴿ وَأَنَّ هَذَا ﴾ الْإِشَارَةُ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيهِ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَغَيْرِهَا ﴿ صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾ أي: عَدْلًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ[13] ﴿ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ لِتَنَالُوا الْفَوزَ وَالْفَلَاحَ وَالسَّعَادَةَ فِي دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ[14].

﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ الطُّرُقَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ ﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ ﴾ تَمِيلُ ﴿ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ دِينهِ[15].

﴿ ذَلِكُمْ ﴾ الِاتِّباعُ[16] ﴿ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ عَذَابَ اللهِ تَعَالَى بِفَعْلِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ نَواهِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا، وخَطَّ عَلَى يَمِينِهِ وشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]»[17][18].

[1] ينظر: تفسير النسفي (1/ 548)، تفسير أبي السعود (3/ 199).

[2] ينظر: فتح القدير (2/ 202).

[3] ينظر: تفسير الجلالين (ص190).

[4] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 364).

[5] ينظر: تفسير الجلالين (ص190).

[6] ينظر: تفسير الطبري (9/ 666).

[7] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 189).

[8] ينظر: تفسير الجلالين (ص190).

[9] ينظر: أحكام القرآن للجصاص (4/ 197).

[10] ينظر: تفسير الرازي (19/ 33).

[11] ينظر: أضواء البيان (1/ 547-548).

[12] ينظر: تفسير الخازن (2/ 173)، تفسير القاسمي (4/ 539).

[13] ينظر: تفسير الطبري (9/ 669)، تفسير القرطبي (7/ 137).

[14] ينظر: تفسير السعدي (ص280).

[15] ينظر: تفسير الجلالين (ص190).

[16] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 189).

[17] مسند أحمد برقم (4437).

[18] ينظر: تفسير السمعاني (2/ 157)، تفسير ابن كثير (3/ 365).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]