عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-10-2024, 08:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد الثامن
الحلقة( 310)

من صــ 346 الى صـ 360






(أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
و " المقصود هنا " أن قوله {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} يتناول نزول القرآن العربي على كل قول. وقد أخبر: {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} إخبار مستشهد بهم لا مكذب لهم. وقال إنهم يعلمون ذلك ولم يقل إنهم يظنونه أو يقولونه والعلم لا يكون إلا حقا مطابقا للمعلوم بخلاف القول والظن الذي ينقسم إلى حق وباطل؛ فعلم أن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء ولا من اللوح ولا من جسم آخر ولا من جبريل ولا من محمد ولا غيرهما وإذا كان أهل الكتاب يعلمون ذلك فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أهل الكتاب المقرون بذلك خيرا منه من هذا الوجه. وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله كما قال تعالى: {بل هو قرآن مجيد} {في لوح محفوظ} وقال تعالى: {إنه لقرآن كريم} {في كتاب مكنون} {لا يمسه إلا المطهرون}. وقال تعالى: {كلا إنها تذكرة} {فمن شاء ذكره} {في صحف مكرمة} {مرفوعة مطهرة} {بأيدي سفرة} {كرام بررة} وقال تعالى: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم}
فإن كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ. وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله. والله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون وهو سبحانه قد قدر مقادير الخلائق وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها كما ثبت ذلك في صريح الكتاب والسنة وآثار السلف ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعملونها؛ فيقابل به الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه فلا يكون بينهما تفاوت هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف - وهو حق - فإذا كان ما يخلقه بائنا منه قد كتبه قبل أن يخلقه فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم به.
(وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
فصل:

قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} ذكر هذا بعد قوله: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} ثم قال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} وقال تعالى: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}. فأخبر في هاتين الآيتين أنه لا مبدل لكلمات الله وأخبر في الأولى أنها تمت صدقا وعدلا. وقد تواتر {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ ويأمر بالاستعاذة بكلمات الله التامات وفي بعض الأحاديث التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر}. وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {الذين آمنوا وكانوا يتقون} {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}.

وقال تعالى: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين} فأخبر في هذه الآية أيضا أنه لا مبدل لكلمات الله؛ عقب قوله: {فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا} وذلك بيان أن وعد الله الذي وعده رسله من كلماته التي لا مبدل لها لما قال في أوليائه: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله} فإنه ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. فوعدهم بنفي المخافة والحزن وبالبشرى في الدارين. وقال بعد ذلك: {ولا مبدل لكلمات الله} فكان في هذا تحقيق كلام الله الذي هو وعده.
كما قال: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله}. وقال: {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. وقال المؤمنون: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد}. فإخلاف ميعاده تبديل لكلماته - وهو سبحانه لا مبدل لكلماته. يبين ذلك قوله تعالى {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد} {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} فأخبر سبحانه أنه قدم إليهم بالوعيد وقال: {ما يبدل القول لدي} وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضا وأن وعيده لا يبدل.
وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار. وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع؛ لكن هذه الآية تضعف جواب من يقول: إن إخلاف الوعيد جائز. فإن قوله: {ما يبدل القول لدي} بعد قوله: {وقد قدمت إليكم بالوعيد} دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده. لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد وتفسير بعضها ببعض من غير تبديل شيء منها كما يجمع بين نصوص الأمر والنهي من غير تبديل شيء منها. وقد قال تعالى: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله} والله أعلم.
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (121)
وقال شيخ الإسلام - قدس الله روحه -:
فصل:
و " التسمية على الذبيحة " مشروعة؛ لكن قيل: هي مستحبة كقول الشافعي. وقيل: واجبة مع العمد وتسقط مع السهو كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه. وقيل: تجب مطلقا؛ فلا تؤكل الذبيحة بدونها سواء تركها عمدا أو سهوا كالرواية الأخرى عن أحمد اختارها أبو الخطاب وغيره وهو قول غير واحد من السلف. وهذا أظهر الأقوال؛ فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} وقوله {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وفي الصحيحين أنه قال: " {ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا} وفي الصحيح أنه قال لعدي: " {إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فقتل فكل وإن خالط كلبك كلاب آخر فلا تأكل؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره}.

وثبت في الصحيح أن الجن سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال: " {لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علفا لدوابكم} قال النبي صلى الله عليه وسلم " {فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن} فهو صلى الله عليه وسلم لم يبح للجن المؤمنين إلا ما ذكر اسم الله عليه؛ فكيف بالإنس؛ ولكن إذا وجد الإنسان لحما قد ذبحه غيره جاز له أن يأكل منه ويذكر اسم الله عليه؛ لحمل أمر الناس على الصحة والسلامة كما ثبت في الصحيح {أن قوما قالوا يا رسول الله إن ناسا حديثي عهد بالإسلام يأتون باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا}
وسئل - رحمه الله تعالى -:

عن " الذبيحة " التي يتيقن أنه ما سمي عليها: هل يجوز أكلها؟ وهل تنجس الأواني؟
فأجاب:
الحمد لله، " التسمية " عليها واجبة بالكتاب والسنة وهو قول جمهور العلماء؛ لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمى الذابح أم لم يسم أكل منها وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل وكذلك الأضحية.
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (125)
فصل:
وقد ذكر الله في كتابه الفرق بين " الإرادة " و " الأمر " و " القضاء " و " الإذن " و " التحريم " و " البعث " و " الإرسال " و " الكلام " و " الجعل ": بين الكوني الذي خلقه وقدره وقضاه؛ وإن كان لم يأمر به ولا يحبه ولا يثيب أصحابه ولا يجعلهم من أوليائه المتقين وبين الديني الذي أمر به وشرعه وأثاب عليه وأكرمهم وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين؛ وهذا من أعظم الفروق التي يفرق بها بين أولياء الله وأعدائه فمن استعمله الرب سبحانه وتعالى فيما يحبه ويرضاه ومات على ذلك كان من أوليائه ومن كان عمله فيما يبغضه الرب ويكرهه ومات على ذلك كان من أعدائه. فـ " الإرادة الكونية " هي مشيئته لما خلقه وجميع المخلوقات داخلة في مشيئته وإرادته الكونية والإرادة الدينية هي المتضمنة لمحبته ورضاه المتناولة لما أمر به وجعله شرعا ودينا.
وهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح قال الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} وقال نوح عليه السلام لقومه: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} وقال تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} وقال تعالى في الثانية: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال في آية الطهارة: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} ولما ذكر ما أحله وما حرمه من النكاح قال: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما}
{يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} وقال لما ذكر ما أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نهاهم عنه: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}

والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه. وأما " الأمر " فقال في الأمر الكوني: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وقال تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} وقال تعالى: {أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس}
وأما: الأمر الديني: فقال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} وقال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} وأما " الإذن " فقال في الكوني لما ذكر السحر: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} أي بمشيئته وقدرته؛ وإلا فالسحر لم يبحه الله عز وجل. وقال في " الإذن الديني ":

{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وقال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} {وداعيا إلى الله بإذنه} وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} وقال تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}.
وأما " القضاء " فقال في الكوني: {فقضاهن سبع سماوات في يومين} وقال سبحانه: {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} وقال في الديني:
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي أمر وليس المراد به قدر ذلك فإنه قد عبد غيره كما أخبر في غير موضع كقوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} وقول الخليل عليه السلام لقومه: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون} {أنتم وآباؤكم الأقدمون} {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء} وقال تعالى: {قل يا أيها الكافرون} {لا أعبد ما تعبدون} {ولا أنتم عابدون ما أعبد} {ولا أنا عابد ما عبدتم} {ولا أنتم عابدون ما أعبد} {لكم دينكم ولي دين} وهذه كلمة تقتضي براءته من دينهم ولا تقتضي رضاه بذلك؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون}.
ومن ظن من الملاحدة أن هذا رضا منه بدين الكفار فهو من أكذب الناس وأكفرهم كمن ظن أن قوله {وقضى ربك} بمعنى قدر وأن الله سبحانه ما قضى بشيء إلا وقع وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله؛ فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب.
وأما لفظ " البعث " فقال تعالى في البعث الكوني: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} وقال في البعث الديني: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. وأما لفظ " الإرسال " فقال في الإرسال الكوني: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} وقال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} وقال في الديني {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} وقال تعالى: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه} وقال تعالى: {إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا} وقال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}.
وأما لفظ " الجعل " فقال في الكوني: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} وقال في الديني: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} وقال تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}.
وأما لفظ " التحريم " فقال في الكوني: {وحرمنا عليه المراضع من قبل} وقال تعالى: {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض} وقال في الديني {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} وقال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} الآية.
وأما لفظ " الكلمات " فقال في الكلمات الكونية {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " {أعوذ بكلمات الله التامة كلها من شر ما خلق ومن غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون} " وقال صلى الله عليه وسلم " {من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك} " وكان يقول: " {أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن} ".
و " {كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر} " هي التي كون بها الكائنات فلا يخرج بر ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته.
وأما " كلماته الدينية " وهي كتبه المنزلة وما فيها من أمره ونهيه فأطاعها الأبرار وعصاها الفجار. وأولياء الله المتقون هم المطيعون لكلماته الدينية وجعله الديني وإذنه الديني وإرادته الدينية. وأما كلماته الكونية التي لا يجاوزها بر ولا فاجر؛ فإنه يدخل تحتها جميع الخلق حتى إبليس وجنوده وجميع الكفار وسائر من يدخل النار فالخلق وإن اجتمعوا في شمول الخلق والمشيئة والقدرة والقدر لهم فقد افترقوا في الأمر والنهي والمحبة والرضا والغضب. وأولياء الله المتقون هم الذين فعلوا المأمور وتركوا المحظور وصبروا على المقدور فأحبهم وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه. وأعداؤه أولياء الشياطين وإن كانوا تحت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم ويعاديهم. وبسط هذه الجمل له موضع آخر وإنما كتبت هنا تنبيها على مجامع " الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان "

وجمع الفرق بينهما اعتبارهم بموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي فرق الله تعالى به بين أوليائه السعداء وأعدائه الأشقياء وبين أوليائه أهل الجنة وأعدائه أهل النار وبين أوليائه أهل الهدى والرشاد وبين أعدائه أهل الغي والضلال والفساد وأعدائه حزب الشيطان وأوليائه الذين كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.
سؤال عن القدر
أورده أحد علماء الذميين فقال:

أيا علماء الدين ذمي دينكم ... تحير دلوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني فما وجه حيلتي
دعاني وسد الباب عني، فهل إلى ... دخولي سبيل بينوا لي قضيتي
قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا ... فما أنا راض بالذي فيه شقوتي
فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا ... فربي لا يرضى بشؤم بليتي
فهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي ... فقد حرت دلوني على كشف حيرتي
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة ... فهل أنا عاص في اتباع المشيئة
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه ... فبالله فاشفوا بالبراهين علتي
فأجاب شيخ الإسلام الشيخ الإمام العالم العلامة أحمد ابن تيمية مرتجلا:
الحمد لله رب العالمين.
سؤالك يا هذا سؤال معاند ... مخاصم رب العرش باري البرية
فهذا سؤال خاصم الملأ العلا ... قديما به إبليس أصل البلية
ومن يك خصما للمهيمن يرجعن ... على أم رأس هاويا في الحفيرة
ويدعى خصوم الله يوم معادهم ... إلى النار طرا معشر القدرية
سواء نفوه، أو سعوا ليخاصموا ... به الله أو ماروا به للشريعة
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة ... هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإنهمو لم يفهموا حكمة له ... فصاروا على نوع من الجاهلية
فإن جميع الكون أوجب فعله ... مشيئة رب الخلق باري الخليقة
وذات إله الخلق واجبة بما ... لها من صفات واجبات قديمة
مشيئته مع علمه ثم قدرة ... لوازم ذات الله قاضي القضية
وإبداعه ما شاء من مبدعاته ... بها حكمة فيه وأنواع رحمة
ولسنا إذا قلنا جرت بمشيئة ... من المنكري آياته المستقيمة
بل الحق أن الحكم لله وحده ... له الخلق والأمر الذي في الشريعة
هو الملك المحمود في كل حالة ... له الملك من غير انتقاص بشركة
فما شاء مولانا الإله فإنه ... يكون وما لا لا يكون بحيلة
وقدرته لا نقص فيها وحكمه ... يعم فلا تخصيص في ذي القضية

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]