عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-10-2024, 07:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد الثامن
الحلقة( 304)

من صــ 256 الى صـ 270



وهذا لو وقع، لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ينقله الموافق والمخالف، فلما لم يقل ذلك أحد، ولم ينقله أحد مع ما أظهره من الأخبار المتواترة التي علمها الخاص والعام،
بأن هذا مما أنبأني الله، لم يخبرني به بشر، كان هذا دليلا قاطعا بينا في أن هذه الأخبار الغيبية التي لا يعلمها إلا نبي أعلمه الله بها، أو من تعلمها من نبي: هي مما أنبأه الله به، ولم يعلمه ذلك بشر، وهذا من الغيب الذي قال الله فيه - في السورة التي فيها استماع الجن للقرآن، وإنذار قومهم به حيث قال -:

{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} [الجن: 1].
إلى قوله:{وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 19].

فقوله تعالى:
{فلا يظهر على غيبه} [الجن: 26].
يبين أنه غيب يضاف إليه يختص به، لا يعلمه أحد إلا من جهته، بخلاف ما يغيب عن بعض الناس ويعلمه بعضهم، فإن هذا قد يتعلمه بعضهم من بعض.
فمما سأله عنه أهل الكتاب في المدينة مسائل، وهي غير المسائل التي كان يسأل عنها وهو بمكة، كما كان مشركو قريش يرسلون إلى اليهود بالمدينة، يسألونهم عن محمد، فيرسل اليهود بمسائل يمتحنون بها نبوته، وذلك مثل ما في صحيح البخاري عن أنس قال: " "جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، والولد ينزع إلى أمه تارة، وإلى أبيه ".

قال: " أخبرني جبريل آنفا ". قال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة. " أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الولد، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه "، فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله "، قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، فإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك، فجاءت اليهود، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله فيكم، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وعالمنا وابن عالمنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد
أن محمدا رسول الله "، فقالوا: " شرنا وابن شرنا "، وتنقصوه. قال: فهذا ما كنت أخاف وأحذر".

وروى مسلم - في صحيحه - عن ثوبان قال: " "كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود، وقال: " السلام عليك يا محمد "، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ قال: قلت: ألا تقول يا رسول الله؟ قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد، فقال: اليهودي جئت أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينفعك شيء إن حدثتك. قال: أسمع بأذني، فنكت بعود معه، فقال له: سل، فقال اليهودي: " أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ " فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون؟ قال: زيادة كبد نون، قال: وما غذاؤهم على أثره؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال:

فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إذا حدثتك قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله فقال: اليهودي صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سألني هذا الذي سألني عنه، وما أعلم شيئا منه حتى أتاني به الله تعالى".

وروى أبو داود الطيالسي حدثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال: "حضرت عصابة من اليهود يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي، فقال: سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتتابعوني على الإسلام قالوا: لك ذلك، قال: فسلوني عما شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال ; أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا، وكيف يكون الأنثى حتى يكون أنثى، وأخبرنا كيف هذا النبي في النوم، ومن وليك من الملائكة؟ قال: فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا حدثتكم لتتابعوني، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، قال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ; هل تعلمون أن إسرائيل - يعقوب - مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، وكان أحب الشراب إليه ألبان الإبل، وأحب الطعام إليه لحوم الإبل قالوا:

اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد عليهم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى ; هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا كان الولد، والشبه له بإذن الله، قالوا: اللهم نعم، فقال: اللهم اشهد، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، وأنزل التوراة على موسى ; هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه، ولا ينام قلبه، قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، قالوا: أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: وليي جبريل عليه السلام، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان غيره لاتبعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوا قالوا: إنه عدونا من الملائكة. فأنزل الله عز وجل:
{من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا} [البقرة: 97].

إلى قوله:
{فإن الله عدو للكافرين} [البقرة: 98] ".
ففي هذه الأحاديث أن علماء اليهود كعبد الله بن سلام، وغيره كانوا يسألونه عن مسائل، يقولون فيها: لا يعلمها إلا نبي: أي ومن تعلمها من الأنبياء، فإن السائلين كانوا يعلمونها، كما جاء - أيضا -: " لا يعلمها إلا نبي أو رجل أو رجلان ". فكانوا يمتحنونه بهذه المسائل ليتبين هل يعلمها، وإذا كان يعلم ما لا يعلمه إلا نبي، كان نبيا، ومعلوم أن مقصودهم بذلك إنما يتم إذا علموا أنه لم يعلم هذه المسائل من أهل الكتاب، ومن تعلم منهم، وإلا فمعلوم أن هذه المسائل كان تعلمها بعض الناس، لكن تعلمها هؤلاء من الأنبياء.
وهذا يبين أن هؤلاء السائلين له من أهل الكتاب كانوا يعلمون أن أحدا من البشر لم يعلمه ما عند أهل الكتاب من العلم ; إذ لو جوزوا ذلك عليه لم يحصل مقصودهم من امتحانه ; هل هو نبي أم لا؟ فإنهم إذا جوزوا أن يكون تعلم ما لا يعلمه إلا نبي من أهل الكتاب، كان من جنسهم، فلم يكن في علمه بها وإجابتهم عنها دليل على نبوته.
فلا بد أن يكون هؤلاء السائلون يقطعون بأنه لم يتعلم من أهل الكتاب. وهذا كان بالمدينة بعد أن أقام بمكة بضعة عشرة سنة، وانتشر أمره، وكذبه قومه، وحرصوا على إبطال دعوته بكل طريق يقدرون عليه، فلو كان بمكة أو بالمدينة أحد من أهل الكتاب يتعلم منه، أو لقي أحدا من أهل الكتاب في طريق فتعلم منه، لكان ذلك يقدح في مقصود هؤلاء السائلين.
فتبين أنه كان معلوما عند أهل الكتاب أنه لم يتعلم شيئا من الغيب من بشر، لا سيما ولو كان قد تعلمه من أهل الكتاب وقد كذبهم وحاربهم، لأظهروا ذلك، ولشاع في أهل الكتاب، فكان إذا أجابهم قالوا: هذا تعلمته من فلان، وفلان منا، أو هذا علمكه بعض أهل ديننا. وهذا كما كانوا يرسلون إلى قومه من قريش ليسألوه عن مسائل، ويقولون: إن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فهو متقول، ويقولون: سلوه عن مسائل لا يعلمها إلا نبي.
فهذا من أهل المدينة ومن قريش قومه، يبين أن قومه المشركين وأهل الكتاب كانوا متفقين على أنه لم يتعلم شيئا من ذلك البشر، إذ لو جوزوا ذلك لم يحصل مقصودهم بذلك، ولم يجز أن يقولوا لا يعلمها إلا نبي، فإنهم كانوا جميعا يعلمون أن من أهل الكتاب من يعلم هذه المسائل، وبذلك يعرف هل يجيب فيها بما قالته الأنبياء، أو بخلاف ذلك، ويعلمون أن من كان تعلمها من أهل الكتاب، ومن تعلم منهم لا يدل جوابه عنها على نبوته كما لو أجاب عن تلك
المسائل بعض أهل الكتاب، وكما لو سأل في زماننا بعض الناس لبعض المسلمين عن تلك المسائل أو غيرها من أنباء الغيب، التي لا يعلمها إلا نبي، فإن ذلك لا يدل على نبوته؛ لأنه قد تعلم ذلك من الأنبياء.

فدل على أن مرادهم بقولهم: لا يعلمها إلا نبي: أي لا يعلمها ابتداء بدون تعليم من بشر إلا نبي، ويدل على أن المشركين وأهل الكتاب كانوا جميعا متفقين على أنه لم يتعلم من بشر مع انتشار أخباره، ومع اطلاع قومه على أسراره، ومع ظهور ذلك - لو وجد - ومع أنهم لو جوزوا تجويزا أن يكون قد تعلمها من بشر في الباطن، لم يجز أن يستدل بها على نبوته، فدل على أنهم كانوا قاطعين بأنه لم يتعلم ذلك من بشر؛ لا في الباطن، ولا في الظاهر، وهذا طريق بين يدل على أنه لم يتعلم ذلك من بشر سوى الطرق المذكورة هنا.
(قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون (65)
(فصل: في قول السائل: ولا يقال علم الله ما يختار فالمختار مسطور)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فصل:
وأما قوله:
ولا يقال علم الله ما يختار ... فالمختار مسطور
فهو يتضمن إيراد سؤال من القدرية. وجوابه منهم: فإنهم قد يقولون: نحن نقول: إنه يعلم وإذا قلنا ذلك لم نكن قد نفينا القدر بل أثبتنا القدر بمعنى العلم مع نفي كون الرب تعالى شائيا جميع الحوادث خالقا لأفعال العباد قال الناظم فإن الذي يختاره العبد مسطور قبل ذلك فلا يمكن بغيره فيلزم الجبر. وقد يعترض على هذا الجواب بأن يقال: اللازم هنا بمنزلة الملزوم، فإن علمه بأنه يختاره موافق لما كتبه من أنه يختاره وتغيير العلم أعظم من تغيير المسطور.
وقد يقال: إنه أراد جعل السطر من تمام القول أي لا يقال علم ما يختاره وسطر ذلك. أي فتقدم العلم والكتاب كاف في الإيمان بالقدر فإن مجرد ذلك لا يكفي في الإيمان بالقدر وهذا من حجة القائلين بالجبر. قالوا: خلاف المعلوم ممتنع؛ فالأمر به أمر بممتنع؛ لأنه لو وقع المأمور للزم انقلاب العلم جهلا. وجوابهم أن الممتنع لفظ مجمل فإن أرادوا أن خلاف المعلوم لا يقع ولا يكون فهذا صحيح ولكن التكليف بما لا يكون لا يكون تكليفا بما يعجز عنه الفاعل فإن ما لا يفعله الفاعل قد لا يفعله لعجزه عنه وقد لا يفعله لعدم إرادته فإنما كلف بما يطيقه مع علم الرب أنه لا يكون كما يعلم أن ما لا يشاؤه هو لا يكون مع أنه لو شاء لفعله.
وقول المحتج: لو وقع لانقلب العلم جهلا. قيل: هذا صحيح وهو يدل على أنه لا يقع لكن لا يدل على أن المكلف عاجز عنه لو أراده لم يقدر على فعله فإنه لا يقع لعدم إرادته له لا لعدم قدرته عليه؛ كالذي لا يقع من مقدورات الرب التي لو شاء لفعلها وهو يعلم أنه لا يفعلها. ولا يجوز أن يقال إنه غير قادر عليها كما قاله بعض غلاة أهل البدع؛ بل قد قال سبحانه: {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه} {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا} مع أنه قد ثبت في الصحيحين عن جابر {أنه لما نزل قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك {أو من تحت أرجلكم} قال: أعوذ بوجهك {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: هاتان أهون}.
فهذا الذي أخبر أنه قادر عليه منه ما لا يكون وهو إرسال عذاب من فوق الأمة أو من تحت أرجلهم. ومنه ما يكون وهو لبسهم شيعا وإذاقة بعضهم بأس بعض، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها؛ وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها؛ وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها}.

وقد ذكر في غير موضع من القرآن ما لا يكون أنه لو شاء لفعله كقوله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} وقوله: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} وقوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} وأمثال هذه الآيات تبين أنه لو شاء أن يفعل أمورا لم تكن لفعلها؛ وهذا يدل على أنه قادر على ما علم أنه لا يكون؛ فإنه لولا قدرته عليه لكان إذا شاء لا يفعله؛ فإنه لا يمكن فعله إلا بالقدرة عليه فلما أخبر وهو الصادق في خبره أنه لو شاء لفعله علم أنه قادر عليه وإن علم سبحانه أنه لا يكون؛ وعلم أيضا أن خلاف المعلوم قد يكون مقدورا.
وإذا قيل هو ممتنع فهو من باب الممتنع لعدم مشيئة الرب له لا لكونه ممتنعا في نفسه ولا لكونه معجوزا عنه. ولفظ " الممتنع " فيه إجمال كما تقدم وما سمي ممتنعا بمعنى أنه لا يكون مع أنه لو شاء العبد لفعله لقدرته عليه فهذا يجوز تكليفه بلا نزاع؛ وإن سماه بعضهم بما لا يطاق فهذا نزاع لفظي؛ ونزاع في أن القدرة هل يجوز أن تتقدم الفعل أم لا؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]