عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-10-2024, 07:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد الثامن
الحلقة( 303)

من صــ 241 الى صـ 255



وروى ابن إسحاق، عن شيخ من أهل مصر، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قام النضر بن الحارث فقال: " يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا - والله - ما هو بسحر، قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا - والله - ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا - والله - ما هو بشاعر، لقد روينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها؛ هزجه ورجزه وقريظه، وقلتم: مجنون، ولا - والله - ما هو بمجنون، لقد رأينا المجنون فما هو بخنقه، ولا تخليطه، يا معشر قريش انظروا في
شأنكم فإنه - والله - لقد نزل بكم أمر عظيم ". وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة.
قال: وحدثني الزهري قال: " حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا، وطلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في - نفسه شيئا، ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة، فعلوا كذلك، ثم جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد، فقال:

يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا، والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد، فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، ثم إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به ولا نصدقه أبدا ".
وكذلك روي عن المغيرة بن شعبة، أن أبا جهل قال له مثل ذلك، وقال: إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الندوة.

فقلنا: نعم، فينا الحجابة، فقلنا: نعم، فينا السقاية، فقلنا: نعم. وذكر نحوه.
وقد كانوا يرسلون إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن أمره صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن إسحاق حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: " بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: اسألوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله
وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود: " سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه، وإن هو لم يخبركم فهو رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر وعقبة، حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، خبرنا فسألوه عما أمروهم به. فقال: لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبركم، وجاءه جبريل من الله بسورة الكهف، فيها خبر ما سألوه عنه، من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله:
{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
قال ابن إسحاق: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال:
{الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} [الكهف: 1].
يعني محمدا، إنك رسولي في تحقيق ما سألوه عنه من نبوته.
{ولم يجعل له عوجا قيما} [الكهف: 1].

أي أنزله قيما؛ أي معتدلا لا اختلاف فيه، وذكر تفسير السورة إلى قوله:
{أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} [الكهف: 9].
أي وما قدروا من قدري، وفيما صنعت من أمر الخلائق، وما وضعت على العباد من حجتي، ما هو أعظم من ذلك.
قال مجاهد: " ليس بأعجب من آياتنا من هو أعجب من ذلك ".
وفي تفسير العوفي عن ابن عباس: " الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب، أفضل من شأن أصحاب الكهف ".
قلت: والأمر على ما ذكره السلف، فإن قصة أصحاب الكهف هي من آيات الله، فإن مكثهم نياما لا يموتون ثلاثمائة سنة، آية دالة على قدرة الله ومشيئته، وأنه يخلق ما يشاء، ليس كما يقوله أهل الإلحاد. وهي آية على معاد الأبدان كما قال تعالى:
{وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها} [الكهف: 21].
وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم: هل تعاد الأرواح دون الأبدان.
وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقصتهم من غير أن يعلمه بشر آية على نبوته، فكانت قصتهم آية على أصول الإيمان الثلاثة ; الإيمان بالله، واليوم الآخر، والإيمان برسوله. ومع هذا فليسوا من آيات الله بعجب، بل من آيات الله ما هو أعجب من ذلك.
وقد ذكر الله تعالى سؤالهم عن الآيات التي كانوا يسألونه عنها ليعلموا: هل هو نبي صادق أم كاذب؟ فقال تعالى:
{ويسألونك عن ذي القرنين} [الكهف: 83].
وقال:
{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7].
إلى قوله:{ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون} [يوسف: 102].
إلى قوله:
{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 105].
إلى قوله:

{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف: 109].
وقال تعالى لما ذكر قصة أهل الكهف التي سألوه عنها:
{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا} [الكهف: 83].
أي يسألونك عن ذاك، ويسألونك عن هذا.

والقرآن مملوء من إخباره عن الغيب الماضي، الذي لا يعلمه أحد من البشر، إلا من جهة الأنبياء الذين أخبرهم الله بذلك، ليس هو الشيء الذي تزعمه ملاحدة المتفلسفة، فإن هذه الأمور الغيبية المعينة المفصلة لا يؤخذ خبرها قط إلا عن نبي، كموسى، ومحمد، وليس أحد ممن يدعي المكاشفات؛ لا من أولياء الله، ولا من غير أولياء الله يخبر بشيء من ذلك ; ولهذا كان هذا من أعلام الأنبياء وخصائصهم التي لا يشركهم فيها غيرهم.
وأهل الملل متفقون على ما دل عليه العقل الصريح من أن هذا
لا يعلم إلا بخبر نبي. فإذا كان محمد قد أخبر من ذلك بما أخبر به موسى وغيره من الأنبياء، وأخبر بما يعلمونه مما لا يعلمه أحد إلا بالتعلم منهم، وقد عرف أن محمدا لم يتعلم هذا من بشر، كان هذا آية وبرهانا قاطعا على نبوته،. ثم العلم بأن محمدا لم يتعلم هذا من بشر يحصل في حياته، أما قومه المباشرون له، الخبيرون بحاله، فكانوا يعلمون أنه لم يتعلم هذا من بشر، فقامت عليهم الحجة بذلك، وأما من لم يعرف حاله إلا بالسماع فيعلم ذلك بطرق:منها: تواتر أخباره، وكيف كان؟ من حين ولد إلى أن مات كما هي مستفيضة مشهورة متواترة، يعلمها من كان له خبرة بذلك، أعظم مما يعلم به حال موسى وعيسى، فإن محمدا ظهر أمره، وانتشرت أخباره، وتواترت أحواله، أعظم من جميع بني آدم. فما بقي ما دون هذا من أحواله يخفى على الناس فكيف مثل هذا؟!
ومنها: أنه أخبر في القرآن بما لا يوجد عند أهل الكتاب، مثل:
قصة هود وصالح وشعيب، وبعض التفاصيل في قصة إبراهيم وموسى وعيسى؛ مثل تكليم المسيح في المهد، ومثل نزول المائدة، فإن هذا لا يعرفه أهل الكتاب، ومثل إيمان امرأة فرعون، وغير ذلك. فيمتنع أن يقال: إن هذا تعلمه من أهل الكتاب، وقومه لم يكونوا يعلمون ذلك، بل قد أراهم وغيرهم آثار المنذرين الذين عاقبهم الله لما كذبوا الرسل، كقوم عاد وثمود، وغيرهم.
فيستدل الناس بالآثار الموجودة على صدق الرسل، وعقوبة الله لمن يكذبهم. ويستدل قومه وغيرهم على صدقه فيما أخبر به من هذه الأمور التي لم يتعلمها من أهل الكتاب بتصديق أهل الكتاب له فيما وافقهم فيه، مع علمهم أنه لم يتعلم ذلك منهم، ويكون هذا مما يدل على أنه لم يتعلم من أهل الكتاب شيئا كما قد يظنه بعضهم، وذلك من الوجهين كما تقدم.
ومنها: أن أكثر قومه كانوا من أعظم الناس عداوة له، وحرصا على تكذيبه والطعن فيه، وبحثا عما به يقدحون فيه. فلو كان قد تعلم هذه الأخبار من بشر لكانوا يعلمون ذلك، ويقدحون به فيه ويظهرونه، ولكان هذا مما يظهر أعظم مما ظهر غيره. فلما لم يقع ذلك دل على أنهم لم يكونوا يعلمون ذلك، ولم يتمكنوا من القدح به فيه مع
علمهم بحاله، ورغبتهم في القدح به. ومع كمال الداعي والقدرة، يجب وجود المقدور، فلما كان داعيهم تاما، ولم يقدحوا، علم أن ذلك لعجزهم. وعجزهم عن القدح مع علمهم بحاله دليل على أنهم علموا أنه لم يتعلمه من بشر.
ومنها: أن يقال: مثل هذا لو وقع لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، بل كان المتبعون له المؤمنون به إذا اطلعوا على ذلك فلا بد أن يشيعوه ويعلنوه، فكيف المخالفون له، المكذبون له؟ فإن القوم المتفرقين الذين لم يتواطئوا، كما لا يجتمعون على تعمد الكذب، فلا يجتمعون على كتمان مثل ذلك، بل يجتهد الملوك والرؤساء في إخفاء ما يبطنونه من أمر ملكهم الذي بنوه عليه، ويحلفون أولياءهم على كتمان ذلك، ويبذلون لهم الرغبة والرهبة في ذلك، ثم يظهر ذلك كما فعل القرامطة الباطنية، من أهل
البحرين بني عبيد الله بن ميمون القداح، وكما عرف الناس أن النصيرية لهم خطاب يسرونه إلى أوليائهم، وإن لم يعلم أكثر الناس ما ذلك الخطاب الذي يسرونه.
لا سيما والذين آمنوا بحمده واتبعوه - أولا - من المهاجرين كانوا مؤمنين به باطنا وظاهرا، هجروا لأجله الأوطان والأهل والمال، وصبروا على أنواع المكاره والأذى: طائفة كبيرة ذهبت إلى الحبشة،مهاجرة بدينها لما عذبها المخالفون له حتى يرجعوا عن دينه، وطائفة كانوا بمكة يعذبون ; هذا يقتل، وهذا يخرج به إلى بطحاء مكة في الحر وتوضع الصخرة على بطنه حتى يكفر، وهذا يمنع رزقه ويترك جائعا عريانا.

ثم إنهم هجروا أحب البلاد إليهم، وأفضلها عندهم: مكة - أم القرى - إلى مدينة كانوا فيها محتاجين إلى أهلها، وتركوا أموالهم بمكة، قال تعالى:
{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} [الحشر: 8].
وقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [الحج: 39].
وقال تعالى: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} [آل عمران: 195].
وقوله:

{يخرجون الرسول وإياكم} [الممتحنة: 1].
وجميع المهاجرين والأنصار آمنوا به طوعا واختيارا، قبل أن يؤمر أحد بقتال.
فإنه مكث بمكة بضع عشرة سنة لا يقاتل أحدا، ولم يؤمر بقتال، بل كان لا يكره أحدا على الدين كما قال تعالى:
{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} [البقرة: 256].
وكانوا خلقا كثيرا، ومعلوم أن الخلق الكثير الذين اتبعوا شخصا قد جاء بدين لا يوافقه عليه أحد، وطلب منهم أن يؤمنوا به ويتبعوه، ويفارقوا دين آبائهم، ويصبروا على عداوة الناس وأذاهم، ويهجروا لأجله ما ترغب النفوس فيه من الأهل والمال والوطن، وهو - مع
ذلك - لم يعط أحدا منهم مالا، ولا كان له مال يعطيهم إياه، ولا ولى أحدا ولاية، ولم يكن عنده ولاية يوليهم إياها، ولا أكره أحدا، ولا بقرصة في جلده، فضلا عن سوط أو عصا أو سيف، وهو - مع ذلك - يقول عما يخبرهم به من الغيب: " "الله أخبرني به، لم يخبرني بذلك بشر" ".
فلو كانوا - مع ذلك - يعلمون أن تعلمه من بشر لكان هذا مما يقوله بعضهم لبعض. ويمتنع في جبلة بني آدم وفطرهم أن يعلموا أنه كاذب وأنه قد تعلم هذا من بشر، وليس فيهم من يخبر بذلك، مع أنهم كانوا كثيرين لا يمكن تواطؤهم على الكذب والكتمان، بل ولا داعي لهم يدعوهم إلى ذلك. ويمتنع أن لا يعلموا ذلك، وهم بطانته المطلعون على أحواله، وهم يسمعون كلام أعدائه المطلعين على حاله.
والقرآن كان ينزل شيئا فشيئا، لم ينزل جملة، بل كانوا يسألونه عن الشيء بعد الشيء من الغيب بين الذين آمنوا به وباطنوه واطلعوا على أسراره، وهو لا يعلم شيئا من ذلك، ثم يخبرهم به، وهم مطلعون على أمره خبرا بعد خبر، وسؤالا بعد سؤال، وهذا كان بمكة، وليس بها أحد من علماء أهل الكتاب، لا اليهود ولا النصارى، ثم هاجر إلى المدينة، وبها خلق كثير من اليهود ; قينقاع والنضير وقريظة، ولعلهم كانوا بقدر نصف أهلها، أو أقل أو أكثر، وهم - أيضا - يسألونه عن الغيوب التي لا يعلمها إلا نبي فيخبرهم بها، ويتلو عليهم ما سأله عنه المشركون من الغيب، وما أخبرهم به، ويتلو عليهم هذا الغيب الذي أوحاه الله إليه، ويبين أن الله أعلمه ذلك، لم يعلمه إياه بشر، فآمن به طائفة من أهل الكتاب وكفرت به طائفة أخرى، والطائفتان ليس فيهم من يقول: إن هذا تعلمه منا أو من إخواننا أو نظرائنا، ولا إنك قرأته في كتبنا.

مع أنه لو كان قد تعلم ذلك منهم لكان شيوخه منهم، وشيوخهم إذا علموا أنه كاذب تعلمه منهم، يمتنع أن يصدقوه باطنا وظاهرا، بل تصديقهم الكتاب الأول، وعلمهم بكذب من ادعى نزول كتاب ثان وقد تعلم منهم يدعوهم إلى أن يبينوا أمره، ويظهروا كذبه، ويقولوا للناس تعلم منا، نحن أخبرناه بذلك، لا سيما مع ما فعله باليهود من القتل والحصار والجلاء والسبي، وغير ذلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]