عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-10-2024, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد الثامن
الحلقة( 300)

من صــ 196 الى صـ 210





" الخامس " أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع من العلم والرفق والصبر وحسن القصد وسلوك السبيل القصد فإن ذلك داخل في قوله: {عليكم أنفسكم} وفي قوله: {إذا اهتديتم}.
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها المعنى الآخر. وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا وإعراضه عما لا يعنيه كما قال صاحب الشريعة: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه لا سيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة. وكذلك العمل فصاحبه إما معتد ظالم وإما سفيه عابث وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ويكون من باب الظلم والعدوان. فتأمل الآية في هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات والقرآن؛ محنة أحمد وغيره وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}.

وبإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأمور كلها فما أحسن ما قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين - لا يبالي بأيهما ظفر - غلو أو تقصير. فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تارك الإعانة على البر والتقوى وفاعل المأمور به وزيادة منهي عنها بإزائه تارك المنهي عنه وبعض المأمور به والله يهدينا الصراط المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين (106)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:

فصل:
الذي يدل عليه القرآن في سورة المائدة في آية الشهادة في قوله {فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا} أي بقولنا ولو كان ذا قربى حذف ضمير كان لظهوره أي ولو كان المشهود له كما في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} وكما في قوله: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} إلى قوله: {إن يكن غنيا أو فقيرا} أي المشهود عليه ونحو ذلك؛ لأن العادة أن الشهادة المزورة يعتاض عليها وإلا فليس أحد يشهد شهادة مزورة بلا عوض - ولو مدح - أو اتخاذ يد. وآفة الشهادة: إما اللي وإما الإعراض: الكذب والكتمان فيحلفان لا نشتري بقولنا ثمنا: أي لا نكذب ولا نكتم شهادة الله أو لا نشتري بعهد الله ثمنا؛ لأنهما كانا مؤتمنين فعليهما عهد بتسليم المال إلى مستحقه؛ فإن الوصية عهد من العهود.

وقوله بعد ذلك {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} أعم من أن يكون في الشهادة أو الأمانة. وسبب نزول الآية يقتضي أنه كان في الأمانة فإنهما استشهدا وائتمنا لكن ائتمانهما ليس خارجا عن القياس؛ بل حكمه ظاهر فلم يحتج فيه إلى تنزيل بخلاف استشهادهما والمعثور على استحقاق الإثم ظهور بعض الوصية عند من اشتراها منهما بعد أن وجد ذكرها في الوصية وسئلا عنها فأنكراها. وقوله: {من الذين استحق عليهم} يحتمل أن يكون مضمنا معنى بغى عليهم وعدى (عليهم كما يقال في الغصب: غصبت علي مالي.

ولهذا قيل: {لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا} أي كما اعتدوا. ثم قوله: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} وحديث ابن عباس في البخاري صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمعنى ما في القرآن فرد اليمين على المدعيين بعد أن استحلف المدعى عليهم لما عثر على أنهما استحقا إثما وهو إخبار المشترين أنهم اشتروا " الجام " منهما بعد قولهما ما رأيناه فحلف النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من المدعين الأوليان وأخذ " الجام " من المشتري وسلم إلى المدعي وبطل البيع وهذا لا يكون مع إقرارهما بأنهما باعا الجام؛ فإنه لم يكن يحتاج إلى يمين المدعيين لو اعترفا بأنه جام الموصي وأنهما غصباه وباعاه بل بقوا على إنكار قبضه مع بيعه أو ادعوا مع ذلك أنه أوصى لهما به وهذا بعيد. فظاهر الآية أن المدعى عليه المتهم بخيانة ونحوها - كما اتهم هؤلاء - إذا ظهر كذبه وخيانته كان ذلك لوثا يوجب رجحان جانب المدعي؛ فيحلف ويأخذ كما قلنا في الدماء سواء والحكمة فيهما واحدة وذلك أنه لما كانت العادة أن القتل لا يفعل علانية بل سرا فيتعذر إقامة البينة ولا يمكن أن يؤخذ بقول المدعي مطلقا أخذ بقول من يترجح جانبه فمع عدم اللوث جانب المنكر راجح أما إذا كان قتل ولوث قوي جانب المدعي فيحلف.
وكذلك الخيانة والسرقة يتعذر إقامة البينة عليهما في العادة ومن يستحل أن يسرق فقد لا يتورع عن الكذب فإذا لم يكن لوث فالأصل براءة الذمة أما إذا ظهر لوث بأن يوجد بعض المسروق عنده فيحلف المدعي ويأخذ وكذلك لو حلف المدعى عليه ابتداء ثم ظهر بعض المسروق عند من اشتراه أو اتهبه أو أخذه منه فإن هذا اللوث في تغليب الظن أقوى؛ لكن في الدم قد يتيقن القتل ويشك في عين القاتل فالدعوى إنما هي بالتعيين. وأما في الأموال: فتارة يتيقن ذهاب المال وقدره مثل أن يكون معلوما في مكان معروف، وتارة يتيقن ذهاب مال لا قدره بأن يعلم أنه كان هناك مال وذهب. وتارة يتيقن هتك الحرز ولا يدري أذهب بشيء أم لا؟ هذا في دعوى السرقة وأما في دعوى الخيانة فلا تعلم الخيانة فإذا ظهر بعض المال المتهم به عند المدعى عليه أو من قبضه منه ظهر اللوث بترجيح جانب المدعي فإن تحليف المدعى عليه حينئذ بعيد.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم {لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه} جمع فيه الدماء والأموال فكما أن الدماء إذا كان مع المدعي لوث حلف فكذلك الأموال كما حلفناه مع شاهده فكل ما يغلب على الظن صدقه فهو بمنزلة شاهده كما جعلنا في الدماء الشهادة المزورة لنقص نصابها أو صفاتها لوثا وكذلك في الأموال جعل الشاهد مع اليمين فالشاهد المزور مع لوث وهو. . . (1) لكن ينبغي أن تعتبر في هذا حال المدعي والمدعى عليه في الصدق والكذب فإن باب السرقة والخيانة لا يفعله إلا فاسق فإن كان من أهل ذلك لم يكن. . . (2) إذا لم يكن إلا عدلا. وكذلك المدعي قد يكذب فاعتبار العدالة والفسق في هذا يدل عليه قول الأنصاري: كيف نرضى بأيمان قوم كفار؟ فعلم أن المتهم إذا كان فاجرا فللمدعي أن لا يرضى بيمينه لأنه من يستحل أن يسرق يستحل أن يحلف.

(إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (110)
[فصل: بيان معنى تأييد المسيح بروح القدس]
قالوا: وقال أيضا:
{ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس} [المائدة: 110].
فيقال: هذا مما لا ريب فيه، ولا حجة لكم فيه، بل هو حجة عليكم، فإن الله أيد المسيح عليه السلام بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى: في البقرة: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} [البقرة: 87].
وقال تعالى:
{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} [البقرة: 253].
وهذا ليس مختصا بالمسيح، بل قد أيد غيره بذلك، وقد ذكروا هم أنه قال لداود: روحك القدس لا تنزع مني، وقد «قال نبينا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: اللهم أيده بروح القدس»، وفي لفظ: «روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه» وكلا اللفظين في الصحيح.
وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس، وكذلك عندهم روح القدس حلت في جميع الأنبياء.
وقد قال تعالى:
{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [النحل: 99] {إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} [النحل: 100] {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون} [النحل: 101] {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} [النحل: 102].
وقد قال تعالى في موضع آخر:
{نزل به الروح الأمين - على قلبك} [الشعراء: 193 - 194].
وقال:
{قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} [البقرة: 97].
فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل، وقال تعالى:{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22].
وقال تعالى:
{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} [الشورى: 52].
وقال تعالى:
{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].

وقال:
{يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} [غافر: 15].
فهذه الروح التي أوحاها والتي تنزل بها الملائكة على من يشاء من عباده - غير الروح الأمين التي تنزل بالكتاب، وكلاهما يسمى روحا، وهما متلازمان؛ فالروح التي ينزل بها الملك مع الروح الأمين التي ينزل بها روح القدس يراد بها هذا وهذا.
وبكلا القولين فسر المفسرون قوله في المسيح وأيدناه بروح القدس، ولم يقل أحد إن المراد بذلك حياة الله، ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه.
وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة الله، فإذا ثبت أن لها معنى غير الحياة، فلو استعمل في حياة الله أيضا لم يتعين أن يراد بها ذلك في حق المسيح، فكيف ولم يستعمل في حياة الله في حق المسيح.
وإما أن يدعوا أن المراد بها حياة الله في حق الأنبياء والحواريين، فإن قالوا ذلك لزمهم أن يكون اللاهوت حالا في جميع الأنبياء والحواريين، وحينئذ فلا فرق بين هؤلاء وبين المسيح.
ويلزمهم أيضا أن يكون في المسيح لاهوتان: لاهوت الكلمة، ولاهوت الروح، فيكون قد اتحد به أقنومان.
ثم في قوله تعالى: {وأيدناه بروح القدس} [البقرة: 87]، يمتنع أن يراد بها حياة الله، فإن حياة الله صفة قائمة بذاته لا تقوم بغيره، ولا تختص ببعض الموجودات غيره، وأما عندهم فالمسيح، هو الله الخالق، فكيف يؤيد بغيره، وأيضا فالمتحد بالمسيح هو الكلمة دون الحياة، فلا يصح تأييده بها.
فتبين أنهم يريدون أن يحرفوا القرآن كما حرفوا غيره من الكتب المتقدمة، وأن كلامهم في تفسير المتشابه من الكتب الإلهية - من جنس واحد.
[فصل: نقض دعواهم بورود تسمية المسيح خالقا في القرآن]
قالوا: وقد سماه الله أيضا في هذا الكتاب خالقا حيث قال:
{وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} [المائدة: 110]
فأشار بالخالق إلى كلمة الله المتحدة بالناسوت المأخوذ من مريم لأنه كذا قال على لسان داود النبي: " بكلمة الله خلقت السماوات والأرض، ليس خالق إلا الله وكلمته وروحه.
وهذا مما يوافق رأينا واعتقادنا في السيد المسيح لذكره، لأنه حيث قال:
{أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله} [آل عمران: 49]
أي بإذن لاهوت الكلمة المتحدة في الناسوت.

والجواب: أن جميع ما يحتجون به من هذه الآيات وغيرها، فهو حجة عليهم لا لهم، وهكذا شأن جميع أهل الضلال إذا احتجوا بشيء من كتب الله وكلام أنبيائه كان في نفس ما احتجوا به ما يدل على فساد قولهم، وذلك لعظمة كتب الله المنزلة وما أنطق به أنبياءه، فإنه جعل ذلك هدى وبيانا للخلق وشفاء لما في الصدور، فلا بد أن يكون في كلام الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين من الهدى والبيان ما يفرق الله به بين الحق والباطل والصدق والكذب، لكن الناس يؤتون من قبل أنفسهم لا من قبل أنبياء الله - تعالى.
إما من كونهم لم يتدبروا القول الذي قالته الأنبياء حق التدبر حتى يفقهوه ويفهموه، وإما من جهة أخذهم ببعض الحق دون بعض، مثل أن يؤمنوا ببعض ما أنزله الله دون بعض، فيضلون من جهة ما لم يؤمنوا به، كما قال تعالى عن النصارى:

{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} [المائدة: 14]
وإما من جهة نسبتهم إلى الأنبياء ما لم يقولوه من أقوال كذبت عليهم ومن جهة ترجمة أقوالهم بغير ما تستحقه من الترجمة، وتفسيرها بغير ما تستحقه من التفسير الذي دل عليه كلام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإنه يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض، ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به، وتعرف المعاني التي عرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه، كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده.
وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلامه متناقضا، وترك حمله على ما يناسب سائر كلامه، كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه، وتبديلا لمقاصده وكذبا عليه.
فهذا أصل من ضل في تأويل كلام الأنبياء على غير مرادهم، فإذا عرف هذا، فنقول:
الجواب عما ذكروه هنا من وجوه:
أحدها: أن الله لم يذكر عن المسيح خلقا مطلقا، ولا خلقا عاما، كما ذكر عن نفسه تبارك وتعالى فأول ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
{اقرأ باسم ربك الذي خلق - خلق الإنسان من علق - اقرأ وربك الأكرم - الذي علم بالقلم - علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 1 - 5]
وقال تعالى:
{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم - هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون - هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى} [الحشر: 22 - 24]
. فذكر نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا لا ملكا ولا نبيا، وكذلك قال تعالى:
{الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل - له مقاليد السماوات والأرض} [الزمر: 62 - 63]
. وقال تعالى:
{وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون - بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 100 - 101]
. ووصف نفسه بأنه رب العالمين، وبأنه مالك يوم الدين، وأنه له الملك وله الحمد، وأنه الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، ونحو ذلك من خصائص الربوبية، ولم يصف شيئا من مخلوقاته لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا بشيء من الخصائص التي يختص بها، التي وصف بها نفسه سبحانه وتعالى
وأما المسيح عليه السلام فقال فيه:
{وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني} [المائدة: 110]
وقال المسيح عن نفسه:
{أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله} [آل عمران: 49] فلم يذكر إلا خلق شيء معين خاص بإذن الله، فكيف يكون هذا الخالق هو ذاك؟
الوجه الثاني: أنه خلق من الطين كهيئة الطير، والمراد به تصويره بصورة الطير، وهذا الخلق يقدر عليه عامة الناس، فإنه يمكن أحدهم أن يصور من الطين كهيئة الطير، وغير الطير من الحيوانات، ولكن هذا التصوير محرم، بخلاف تصوير المسيح، فإن الله أذن له فيه.
__________
Q (1، 2) بياض بالأصل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]