
04-10-2024, 10:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,601
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد الثامن
الحلقة( 295)
من صــ 121 الى صـ 135
الوجه الثاني: قولهم: ولا يلزمنا إذا قلنا هذا عبادة ثلاثة آلهة بل إله واحد، كما لا يلزمنا إذا قلنا: الإنسان وروحه ونطقه ثلاثة أناسي، ولا إذا قلنا: النار وحرها وضوءها ثلاث نيران، ولا إذا قلنا: الشمس وضوءها وشعاعها ثلاث شموس.
فيقال: هذا تمثيل باطل لوجوه:
أحدها: أن حر النار وضوءها القائم بها ليس نارا من نار، ولا جوهرا من جوهر، ولا هو مساوي النار والشمس في الجوهر، وكذلك نطق الإنسان، ليس هو إنسانا من إنسان، ولا هو مساو الإنسان في الجوهر، وكذلك الشمس وضوءها القائم بها وشعاعها القائم بها - ليس شمسا ولا جوهرا قائما بنفسه، وأنتم قلتم: إله حق من إله حق، فقلتم في الأمانة: (نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه، مساوي الأب في الجوهر)، وقلتم في روح القدس: (إنه رب ممجد مسجود له) فأثبتم ثلاثة أرباب.
والثاني: أن الضوء في الشمس والنار يراد به نفس الضوء القائم بها، ويراد به الشعاع القائم بالأرض والجدران، وهذا مباين لها ليس قائما بها، ولفظ النور يعبر به عن هذا وهذا، وكلاهما صفة قائمة بغيرها وعرض، وقد يراد بلفظ النور نفس النار ونفس الشمس والقمر،فيكون النور جوهرا قائما بنفسه، وإذا كان كذلك فهم جعلوا الأب ربا جوهرا قائما بنفسه، والابن أيضا ربا جوهرا قائما بنفسه، وروح القدس ربا جوهرا قائما بنفسه.
ومعلوم أن ضوء النار والشمس وحرارتها ليس كل منهما شمسا ونارا قائما بنفسها، ولا جوهرا قائما بنفسه، فلو أثبتوا حياة الله وعلمه أو كلامه صفتين قائمتين به، ولم يجعلوا هذا ربا جوهرا قائما بنفسه، وهذا ربا جوهرا قائما بنفسه - لكان قولهم حقا وتمثيلهم مطابقا، ولكنهم لم يقتصروا على مجرد جعلهما صفتين لله حتى جعلوا كلا منهما ربا وجوهرا وخالقا، بل صرحوا بأن المسيح الذي يزعمون اتحاد أحدهما به إلها واحدا وخالقا، فلو كان نفس كلمة الله وعلمه لم يكن إلها خالقا، فإن كلام الله وعلمه ليس إلها خالقا، فكيف والمسيح مخلوق بكلمة الله، ليس هو نفس كلمة الله؟
الوجه الثالث: أن قولهم: الشمس وشعاعها وضوءها، إن أرادوا بالضوء ما يقوم بها، وبالشعاع ما ينفصل عنها - فليس هذا مثال النار وحرها ولهبها؛ إذ كلاهما يقوم بها، وعلى هذا فالشمس لم تقم بها إلا صفة واحدة لا صفتين، فلا يكون التمثيل بها مطابقا، وإن أرادوا بالضوء والشعاع كلاهما؛ ما يقوم بها، أو كلاهما؛ ما ينفصل عنها - فكلاهما صفة واحدة ليس هما صفتان كالحياة والعلم، فعلم أن تمثيلهم بالشمس خطأ، وبعضهم يقول: الشمس وحرها وضوءها، كما يقولون مثل ذلك في النار.
وهذا التمثيل أصح لو ثبت أن في جرم الشمس حرارة تقوم بها، فإن هذا لم يقم عليه دليل، وكثير من العقلاء ينكره، ويزعم أن جرم الشمس والقمر والكواكب لا توصف بحرارة ولا برودة، وهو قول أرسطو وأتباعه.
وأما تمثيلهم بروح الإنسان ونطقه، فإن أرادوا بالروح حياته، فليس هذا هو مفهوم الروح، وإن أرادوا بالروح التي تفارق بدنه بالموت وتسمى النفس الناطقة - فهذه جوهر قائم بنفسه ليس عرضا من أعراضه، وحينئذ فيلزم أن تكون روح الله جوهرا قائما بنفسه مع جوهر آخر نظير بدن الإنسان، ويكون الرب سبحانه وتعالى مركبا من بدن وروح كالإنسان، وليس هذا قول أهل الملل، لا المسلمين ولا اليهود ولا النصارى، بل هو كفر عندهم، فتبين أن تمثيلهم بالثلاثة باطل.
والوجه الرابع: أن التمثيل إما أن يقع بصفات الشمس والنار والإنسان، أو النفس القائمة بهذه الجواهر، أو بما هو مباين لذلك، كالضوء الذي يقع على الأرض والحيطان والهواء، وغير ذلك من الأجسام إذا قابلت الشمس أو النار أو الإنسان أو النفس القائمة بهذه الجواهر، فإن أريد هذا فهذا شعاع منعكس، وضوء منقلب، وليس صفة قائمة بالشمس والنار.
وإذا أريد بما حل في المسيح هذا، وهذا يسمى نورا وروحا ويسمى نور الله كما قال تعالى:
{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء} [النور: 35].
وقال تعالى:
{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} [الشورى: 52].
فأخبرنا أنه جعل الروح الذي أوحاه نورا يهدي به من يشاء.
وقال تعالى:
{أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22].
وقال تعالى:
{فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه} [الأعراف: 157].
وقال تعالى:
{ويجعل لكم نورا تمشون به} [الحديد: 28].
وقال تعالى:
{ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40].
، فإذا أريد ما حل في المسيح من الروح والكلمة بهذا المعنى فلا اختصاص للمسيح بذلك، فإن هذا يحل في جميع الأنبياء والمؤمنين، وإن كانوا متفاضلين فيه بحسب درجاتهم، وليس هذا الحال فيهم نفس صفة الله القائمة به، وإن كان ذلك حاصلا عنها ومسببا عنها، لكن ليس هو نفس صفة الله، وإن كان من الناس من يقول: بل صفة الله التي اتصف بها حلت في العبد، فهذا القول خطأ، فإن صفة الموصوف القائمة به يمتنع قيامها بعينها بغيره، ولكن الإنسان إذا تعلم علم غيره، وبلغ كلام غيره يقال: هذا علم فلان وكلامه؛ لأن هذا الثاني بلغه عنه، والمقصود هو علم الأول وكلامه، مع العلم بأن نفس ما قام بذات الأول ليس هو عين ما قام بذات الثاني، وإن كان قد يكون مثله، وقد يكون الأول هو المقصود بالثاني، مثل من بلغ كلام غيره، فكلام المبلغ هو المقصود بالتبليغ.
وصفات المبلغ - كحركته وصوته - التي بها يحصل التبليغ؛ ليس هو نفس المقصود، وإذا قيل هذا كلام المبلغ عنه، فالإشارة إلى حقيقة الكلام المقصود بالتبليغ، لا إلى ما يختص به المبلغ من أفعاله وصفاته، ولهذا شبه الناس من قال بحلول صفة الرب في عبده بالنصارى القائلين بالحلول وهو شبيه بهم من بعض الوجوه.
لكن النصارى لا يقولون بحلول صفة مجردة، بل بحلول الأقنوم الذي هو ذات متصفة بالصفة، ويقولون: إن المسيح خالق ورازق، وهو خالق آدم ومريم، وهو ولد آدم ومريم، وهو خالق لهما بلاهوته ابن لهما بناسوته.
ويقولون: هو ابن الله، وهو الله بلاهوته، ويقولون أيضا باللاهوت والناسوت لأجل الاتحاد، والله كفرهم بقولهم: {إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17] ونحو ذلك.
وإن أرادوا بتمثيلهم بصفات الشمس والنار والنفس التمثيل بنفس ما يقوم بالشمس والنار والنفس من الضوء والحياة والنطق، وجعلوا ما يثبتونه من الأب والابن وروح القدس - صفات الله، كما أن هذه صفات لهذه المخلوقات.
قيل لهم أولا: لم يعبر أحد من الأنبياء عليهم السلام عن صفات الله باسم الأب والابن وروح القدس، فليس لكم إذا وجدتم في كلام المسيح عليه السلام، أو غيره من الأنبياء ذكر الإيمان بالأب والابن وروح القدس - أن تقولوا: مرادهم بذلك صفة الله التي هي الكلمة والعلم، ولا حياة الله، إذ كانوا لم يريدوا هذا المعنى بهذا اللفظ، وإنما أرادوا باسم الابن وروح القدس ما هو بائن عن الله عز وجل.
والبائن عن الله ليس صفة لله، فضلا عن أن يكون هو الخالق، فضلا عن أن يكون البشر المتحد به خالقا، فقد ضللتم ضلالا بعد ضلال، ضلالا حيث جعلتم مراد المسيح وغيره بالابن وروح القدس - صفة الرب، ثم ضلالا ثانيا حيث جعلتم الصفة خالقا وربا، ثم ضلالا ثالثا حيث جعلتم الصفة تتحد ببشر هو عيسى، ويسمى المسيح ويكون هو الخالق رب العالمين فضللتم في الحلول ضلالا مثلثا بعد ضلالكم في التثليث أيضا ضلالات أخر، حيث أثبتم ثلاث صفات دون غيرها، وجعلتموها جواهر أربابا، ثم قلتم: إله واحد، فضللتم ضلالا مثلثا في التثليث، وضلالا مثلثا في الاتحاد.
وقيل لكم ثانيا: إذا جعلتم ذلك صفات لله، كما أن الضوء والنطق والحرارة صفات لما تقوم بها - امتنع أن تحل بغيرها، وامتنع مع الحلول أن تكون فاعلة فعل النار والشمس والنفس، وأنتم جعلتم الكلمة والحياة حالة بغير الله، وجعلتم ما يحل به إلها خالقا، بل هو الإله الخالق، ومعلوم أن أحدا من العقلاء لا يجعل ما يحصل فيه ضوء النار - نارا، ولا ما يحصل فيه شعاع الشمس - شمسا، ولا ما يحصل فيه نطق زيد وعلمه - هو نفس زيد، فكان جعلكم المسيح هو الخالق للعالم - مخالفا لتمثيلكم.
وتبين بذلك أن ما ذكرتموه لا يطابقه شيء من الأمثلة، إذ كان كاملا باطلا متناقضا يمتنع تحققه، فلا تمثيل بشيء من الموجودات الثابتة المعلومة، إلا إذا كان تمثيلا غير مطابق.
ولهذا يشبهون الحلول والاتحاد تارة بحلول الماء في الظرف، وتارة بحلول النار في الحديد، وتارة بالنفس والبدن، وتارة يقولون بأنهما جوهر واحد اختلطا كاختلاط الماء واللبن، وكل هذه الأمثال التي ضربوها لله أمثال باطلة، فإن الماء في الظرف وغيره من الأوعية محتاج إلى وعائه، لو انخرق وعاؤه لتبدد، وهو محيط به، ولا يتصف الظرف بشيء من صفات الماء، والرب تعالى يمتنع أن يحتاج إلى شيء من مخلوقاته لا إلى العرش، ولا إلى غيره، أو يحيط به شيء من الموجودات؛ إذ هو الظاهر، فليس فوقه شيء.
كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: («أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء،وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، فهو غني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، ولهذا لم يكن ما وصف الله به نفسه مماثلا لصفات المخلوقين، كما لم تكن ذاته كذوات المخلوقين، فهو مستو على عرشه، كما أخبرنا عن نفسه مع غناه عن العرش.
والمخلوق المستوي على السرير أو الفلك أو الدابة لو ذهب ما تحته لسقط؛ لحاجته إليه، والله غني عن كل ما سواه، وهو الحامل بقدرته للعرش ولحملة العرش.
وفرق النصارى الثلاثة يقولون بالاتحاد، فلا ينفعهم التمثيل بحلول الماء في الظرف، ولو قدر أنهم قالوا بالحلول المجرد مع أن الرب لا يحتاج إلى الناسوت لا يحويه ولا يمسه، بل كما خاطب موسى من الشجرة، فهذا يوجب أن الناسوت لا يتصف بشيء من الإلهية كالشجرة،ثم إنه معلوم بالضرورة أن الصوت الذي كان يسمع هو صوت الناسوت، فالتمثيل بالشجرة أيضا باطل، كما بسط في موضعه.
وأما الحديد والخشب وغيرهما إذا ألقي في النار فإنه يستحيل نارا لاتصاله بالنار، لا أن النار الذي استحال إليها كانت موجودة فحلت به، فهذا استحالة بلا حلول، والنار الذي صارت في الحديد حادثة عن تلك النار ليست إياها، ثم تلك الحديدة إذا طرقت وقع التطريق على النار، وكذلك إذا ألقيت في الماء، فلو كان هذا تمثيلا مطابقا لكان الضرب والصلب والإهانة وقع على اللاهوت، وكان اللاهوت هو الذي يغتسل بالماء، وهو الذي يأكل ويشرب، وهذا من أعظم الكفر.
ويحكى عن بعض طائفة منهم كاليعقوبية أنه يقول بهذا الكفر، وإن كان كثير منهم كالملكية والنسطورية ينكره، فهو لازم لهم، وكذلك إذا شبهوه بالنفس والبدن، فإن النفس تتألم تألم البدن، وتستحيل صفاتها بكونها في البدن، وتكتسب عن البدن أخلاقا وصفات، فلو كان هذا تمثيلا مطابقا لزم تألم اللاهوت بآلام البدن، وأن يكون متألما بجوع البدن وعطشه وضربه وصلبه، وأن يكون مستحيلا لما اكتسبه من صفات الناسوت الذي هو عندهم بمنزلة البدن للنفس، وأما قولهم: إذ لم نهمل ما تسلمناه، ولم نرفض ما تقلدناه، فقولهم في ذلك بمنزلة قول اليهود للمسيح: إنا لا نهمل ما تسلمناه، ولا نرفض ما تقلدناه من موسى عليه السلام.
وجواب الطائفتين من وجهين:
أحدهما: أنكم بدلتم وحرفتم الكتاب الذي أنزل إليكم، والشرع الذي شرع لكم، وتبديل المعاني والأحكام لا ريب فيه عند جميع عقلاء الأنام، وما كان عليه اليهود بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه موسى عليه السلام، وما كان عليه النصارى بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه المسيح عليه السلام.
والثاني: أنكم كذبتم بالكتاب الآخر، والرسول الآخر الذي أرسل إليكم، ومن كذب ما أنزل إليه من ربه، والرسول الذي أرسل إليه - كان كافرا مستحقا لعذاب الدنيا والآخرة، وإن كان قبل ذلك متبعا لشرع رسول، وكتاب غير مبدل، فكيف إذا كان قد بدل ما بدل من أحكامه ومعانيه؟ (قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل (77)
وقال شيخ الإسلام:
فصل:
ومما يتعلق بالثلاث المهلكات والمنجيات التي ذكر أنه عند المهلكات عليك بخويصة نفسك. أنه قال: {شح مطاع وهوى متبع} فجعل هذا مطاعا وهذا متبعا وهذا - والله أعلم - لأن الهوى هوى النفس وهو محبتها للشيء وشهوتها له سواء أريد به المصدر أو المفعول. فصاحب الهوى يأمره هواه ويدعوه فيتبعه كما تتبع حركات الجوارح إرادة القلب ولهذا قال الله تعالى: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا} وقال: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} وهذا يعم الهوى في الدين كالنصارى وأهل البدع في المقال والقدر. كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء: من الرافضة والخوارج وهذا الهوى موجود في كثير من الفقراء والفقهاء إلا من عصمه الله.
وقد اختلف أصحابنا هل يدخل الفقهاء المختلفون في اسم أهل الأهواء. على وجهين أدخلهم في التقسيم القاضي أبو يعلى وكذلك قبله الشيخ أبو حامد الإسفراييني فيما أظن وأنكره ابن عقيل.
وأما " الشح المطاع " فقد ذكرنا أن مفسدته عائدة إلى منع الخير وهذا في الأصل ليس هو محبوبا وإنما يحمل عليه الحرص على المشحوح به فإنه من باب النفرة والبغض فهو يأمر صاحبه فيطيعه وليس كل مطاع متبعا وإن كان كل متبع مطاعا فإن الإنسان يطيع الطبيب والأمير وغيرهما في أمور خاصة وليس متبعا لهم أما التابع لغيره فهو مطيع وزيادة فإنه يذهب معه حيثما ذهب.
وفرق ثان أن المتبع الذي يطلب في نفسه فغاية المتبع إدراكه ونيله وهذا شأن الهوى.
وأما المطاع فغاية لغيره وهذا شأن الشح.
(ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون (80) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون (81)
فذكر " جملة شرطية " تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف " لو " التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}. فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء؛ ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين (84)
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
والنصارى نذمهم على الغلو والشرك الذي ابتدعوه وعلى تكذيب الرسول والرهبانية التي ابتدعوها ولا نحمدهم عليها إذ كانوا قد ابتدعوها وكل بدعة ضلالة لكن إذا كان صاحبها قاصدا للحق فقد يعفى عنه فيبقى عمله ضائعا لا فائدة فيه وهذا هو الضلال الذي يعذر صاحبه فلا يعاقب ولا يثاب؛ ولهذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فإن المغضوب عليه يعاقب بنفس الغضب والضال فاته المقصود وهو الرحمة والثواب ولكن قد لا يعاقب كما عوقب ذلك بل يكون ملعونا مطرودا ولهذا جاء في حديث زيد بن عمرو بن نفيل: أن اليهود قالوا له: لن تدخل في ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله. وقال له النصارى: حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|