شرح أثر عبد الرحمن بن سمرة في صلاة الخوف من طريق ثانية وتراجم رجاله
الكيفية السابعة من كيفيات صلاة الخوف
شرح أثر حذيفة بن اليمان في صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: (كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في هذه الترجمة، وهي من قال: إنه يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون، يعني: يصلي الإمام ركعتين، وكل طائفة تصلي ركعة واحدة فقط ولا تقضي الثانية كما مر في حديث ابن عمر ، وحديث عبد الرحمن بن سمرة ، وحديث ابن مسعود ، فكلها فيها قضاء بعد سلام الإمام. وهنا ذكر أنه لا قضاء على المأمومين، وإنما يكفيهم ركعة واحدة، فروى حذيفة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم مجموعتين، فصلى بالمجموعة الأولى ركعة وسلمت معه وذهبت، وجاءت المجموعة الثانية وصلت معه ركعة وسلمت معه وذهبت يعني: ولم يقضوا الركعة الثانية، ومعناه أنه صلى ركعتين وهم ركعة واحدة، وما قضى الأولون ولا الآخرون، وهذه من صفات صلاة الخوف، وقد جاء في الحديث الذي سيأتي عن ابن عباس قال: صلاة الخوف ركعة، قالوا: هذا فيما إذا اشتد الخوف، ومنهم من يقول: هذه من صفات صلاة الخوف وإن لم يكن قد اشتد، وبعض أهل العلم يقول: إن عليهم القضاء، وهو صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة وقضوا، لكن قد جاء التنصيص على أنهم لم يقضوا، فعلى هذا لا يقال: إن الحديث فيه اختصار، وأنه ترك فيه ذكر قضاء الركعة الثانية، بل جاء التنصيص في الحديث على أنهم لم يقضوا كما تأتي في الروايات المتعددة، وعلى هذا فمن صفات صلاة الخوف ركعة واحدة لكل طائفة، وللإمام ركعتان.
تراجم رجال إسناد أثر حذيفة بن اليمان في صلاة الخوف
قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الأشعث بن سليم ]. الأشعث بن سليم هو ابن أبي الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن هلال ]. الأسود بن هلال ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن ثعلبة بن زهدم ]. ثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته، قيل: إنه تابعي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن حذيفة ]. حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أثر ابن عباس في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ قال أبو داود : وكذا رواه عبيد الله بن عبد الله و مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله ]. قوله: (وكذا) يعني: كرواية كحديث حذيفة ، فقد جاء عن ابن عباس ، رواه عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود الثقفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ومجاهد بن جابر المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أثر أبي هريرة في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ و عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. عبد الله بن شقيق العقيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وأبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
أثر جابر في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ و يزيد الفقير و أبو موسى -قال أبو داود : رجل من التابعين ليس بالأشعري- جميعاً عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ]. يزيد الفقير هو يزيد بن صهيب الفقير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . و الفقير ليس نسبة إلى الفقر وإنما نسبة إلى أنه كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير . و أبو موسى هو: علي بن رباح ويقال له: عُلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وقال بعضهم: عن شعبة في حديث يزيد الفقير : (إنهم قضوا ركعة أخرى) ]. لكن كل الرواة ما ذكروا أنهم قضوا، وإنما جاء التنصيص أنهم لم يقضوا في كثير من المواضع.
أثر ابن عمر في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ وكذلك رواه سماك بن الوليد الحنفي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. سماك بن وليد الحنفي ليس به بأس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أثر زيد بن ثابت في صلاة الخوف
[ وكذلك رواه زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكانت للقوم ركعة ركعة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين) ]. زيد بن ثابت صحابي جليل حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قوله: (فكانت للقوم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ركعتين) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين، والطائفة الأولى صلت معه الركعة الأولى ثم سلمت، وجاءت الطائفة الثانية فصلت معه الركعة الثانية ثم سلمت معه ولم يقضوا.
شرح حديث: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً...)
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد و سعيد بن منصور قالا: حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة). ومحل الشاهد قوله: (وفي الخوف ركعة)، ومعناه: أنه يمكن أن تكون صلاة الخوف ركعة واحدة، قالوا: وذلك إذا اشتد القتال أو اشتد الخوف، فإنهم يصلون ركعة واحدة الإمام والمأمومون معه. والحديث واضح الدلالة على ذلك، وقد مر حديث حذيفة وفيه: إن المأمومين صلوا ركعة واحدة، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، لكن هذا يدل على أن الإمام له أيضاً أن يصلي بهم ركعة واحدة. قوله: [ (فرض الله الصلاة على لسان) ]. يدل على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من الله عز وجل، وأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من عنده، وإنما هو من عند الله، فالسنة مثل القرآن من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كالقرآن، ولا يفرق بين السنة والقرآن، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن، ومن كفر بالسنة فقد كفر بالقرآن. وفيه جواز أن يقال: على لسان، لقوله: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وقد مر بنا نظير هذا: (فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده).
تراجم رجال إسناد حديث (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً...)
قوله: [ حدثنا مسدد و سعيد بن منصور ]. مسدد مر ذكره، وسعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو: وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأخنس ]. بكير بن الأخنس ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مجاهد عن ابن عباس ]. مجاهد و ابن عباس قد مر ذكرهما.
من قال يصلي بكل طائفة ركعتين
شرح حديث (صلى النبي في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين، وبذلك كان يفتي الحسن) ]. أورد أبو داود هذه الكيفية، وهي كون الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين ويسلم، فيكون عنده أربع ركعات، ثنتان فرض والأخيرتان نفل، يصلي بكل مجموعة ركعتين، فيكون الإمام عنده أربع: الركعتان الأولى فرض، والركعتان الأخيرتان مع المجموعة الثانية نفل. وهذا من أوضح الأدلة على جواز صلاة المفترض خلق المتنفل، وحديث معاذ بن جبل الذي فيه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، بعض أهل العلم يقولون: إن معاذاً كان يصلي مع النبي نافلة، ثم يذهب ويصلي بهم فريضة، ويقولون: المفترض يصلي خلف المفترض، ولا يصلي مفترض خلف متنفل، لكن هذا الحديث واضح الدلالة على جواز ذلك، وهو من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلى بالطائفة الأولى ركعتين ثم سلم، وهذا هو فرضه، ثم جاءت المجموعة الثانية فصلى بهم الركعتين الأخيرتين وكان متنفلاً وهم مفترضون، فهو واضح الدلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل. قوله: [ (صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم..) ] الظهر صلاة رباعية تقصر في السفر، فجعل بعضهم وجاه العدو، وبعضهم صلى بهم ركعتين وسلم، ثم بعد ذلك ذهب هؤلاء وصفوا مقام أولئك، وجاء الذين في اتجاه العدو وصلى بهم ركعتين وسلم، فصارت صلاته بالطائفة الثانية وهو متنفل وهم مفترضون. والرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم مجموعتين وهو إمامهم، فإذا فعل ذلك إمام الجيش أو أمير الجيش فهو الأولى، ويجوز أن يصلي بهم جميعاً. [ قال أبو داود : وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات، وللقوم ثلاث ] . لأن الإمام يصلي المغرب مرتين.
تراجم رجال إسناد حديث (صلى النبي في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو...)
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال: حدثنا أبي ]. أبوه هو: معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأشعث ]. هو: أشعث بن عبد الملك الحمراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة نفيع بن الحارث ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أثر جابر بن عبد الله في صفة صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ قال أبو داود : وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال سليمان اليشكري : عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. قوله: [ وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. [ وكذلك قال سليمان اليشكري ]. سليمان اليشكري ثقة، أخرج له الترمذي و ابن ماجة ، وما ذُكر أبو داود فيمن أخرج له؛ لأن هذه الرواية من المعلقات.
ما جاء في صلاة الطالب
شرح حديث (بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة الطالب. حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الطالب. يعني: طالب العدو، الذي يطلب عدواً، و(أل) تغني عن المضاف إليه، فالطالب أي: طالب العدو. ويأتي كثيراًَ التعبير بـ(ألـ) فتغني عن المضاف إليه، كما يقال: الفتح والبلوغ والنيل اختصاراً والمراد فتح الباري وبلوغ المرام، ونيل الأوطار، فـ(أل) تغني عن المضاف إليه. فالطالب هنا أي: طالب العدو، فحذف المضاف إليه وهو العدو، وجاءت (أل) في الأول عوضاً عن المضاف إليه، والمقصود من يطلب عدواً. والعلماء قالوا: إن الإنسان قد يكون طالباً وقد يكون مطلوباً، فإذا كان مطلوباً والعدو يطلبه ولو وقف يصلي تمكن منه وقضى عليه، فإنه يصلي على راحلته، ويصلي إيماء، ويصلي ماشياً كما قال الله: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] يعني: هذا إذا كان مطلوباً. وأما إذا كان طالباً فإنه ينزل ويصلي، إلا إذا حشيء أنه إذا انفرد عن أصحابه قد يلحق به العدو، فيصير هنا كأنه في حكم المطلوب؛ فله أن يصلي ماشياً أو راكباً، وأما إذا كان متمكناً من أن يصلي نازلاً، ولن يترتب على صلاته مضرةً عليه، فإنه ينزل يصلي، وهذا إذا كان طالباً. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن خالد بن سفيان الهذلي في عرنة أو عرفات فاذهب إليه فاقتله، وكان يجمع لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، ولما رآه قال: خشيت أنني إن أخرت الصلاة يكون بيني وبينه شيء يجعلني أؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، فصار يصلي وهو في طريقه إليه يومئ إيماء وهو يمشي. ولما وصل إليه قال له خالد : من أنت؟ قال: رجل من العرب، علمت أنك تجمع لهذا الرجل -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فجئتك لهذا، يعني: وهذا كلام فيه تورية؛ لأنه يريد شيئاً، وذاك يريد شيئاً آخر، كأنه قال: جئت لأنصرك وأؤيدك، ففهم هذا منه ذلك، وهو يريد: جئتك من أجل أنك تؤلب عليه فأنا أريد أن أقتلك، فهذا هو الذي جاء من أجله، والرجل فهم منه أنه يريد أن يسير معه، وهو يريد أنه جاء ليقضي عليه؛ لأنه يجمع لقتال للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من التورية في الكلام، فيكون المتكلم يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وكلامه محتمل؛ لأنه لو قال: جئت أنصرك، لصار كاذباً، ولو قال: جئت أقاتلك لقاتله، ولكنه أتى بكلام مجمل يحتمل هذا ويحتمل هذا، وهذا من التورية في الكلام. وقوله: إني لفي ذاك، يعني: إنني في شأني هذا أجمع لقتاله، فمشى معه، ولما تمكن منه ضربه بالسيف حتى برد، يعني: حتى مات.
تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات...)
قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ]. أبو معمر عبد الله بن عمرو ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عبد الله بن أنيس ]. هو غير مسمى هنا، قيل: إنه عبيد الله ، وقيل: إنه ضمرة ، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود ، وقد ذكره صاحب التقريب في الأبناء، فقال: ضمرة أو عمرو ، وقال: إنه روى عن أبيه في ليلة القدر، وفي صلاة الخوف. والألباني ذكر هذا في إرواء الغليل وقال: إن الحديث ضعيف لأجل ابن أنيس ، وهو عبيد الله كما رواه البيهقي ، وقال: عبيد الله ، وهو مجهول. قال: فالحديث ضعيف بسبب ذلك، وأما رواية محمد بن إسحاق بالعنعنة فقد صرح بالتحديث في مسند الإمام أحمد ، يعني: موجودة بالتصريح بالتحديث، والقصة طويلة في مسند الإمام أحمد ، ذكرها الألباني في الإرواء. ولكن يبقى ابن عبد الله بن أنيس ، وهو مجهول، فبسببه ضعف الحديث، و عبد الله بن أنيس صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. فهذا عبد الله بن أنيس الجهني . مداخلة: الظاهر أنه عبد الله بن عبد الله كما ذكره المنذري ، قال: كذا عبد الله بن عبد الله ، وقد تحرف إلى عبيد الله . لا، يوجد من أبناء عبد الله ويمكن عند المنذري تحرف إلى عبد الله بدل عبيد الله ، وفي الغالب أن الاسم على اسم أبيه هذا ما جاء؛ لأنه ما هو من الأشياء المشتهرة والمنتشرة كثيرة، وكثيراً ما يأتي الاسم على اسم أبيه إذا مات وهو في بطن أمه، يعني: يسمى باسم أبيه. وقد مر في سنن النسائي شخص كان مات وهو في بطن أمه فسمي باسم أبيه.
فائدة
وهنا فائدة، في تحفة الأشراف قال: محمد بن جعفر بن الزبير و ابن الأسود هو: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، أقول: محمد بن الأسود لعله محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبي الأسود . رقم الحديث: ألف ومائتان وواحد وأربعون، محمد بن الأسود في تحفة الأشراف: أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، يعني: بدل محمد بن الأسود ، أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل . في نفس الإسناد أوله قال: حدثنا محمد بن عمرو الرازي ضمن إشكالنا في الرموز الصواب: أنه البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . كما في طبعة أبي الأشبال : البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . وعلى ما راجعنا تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب فيه: مسلم و أبو داود و ابن ماجة . و الحافظ في تهذيب التهذيب ، لكن أسقطوا رمز البخاري . ثم إن هذا الرجل مختلف فيه ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب عدداً من العلماء أنهم قالوا: إن هذا من شيوخ البخاري .
الأسئلة
كيفية تطبيق صلاة الخوف مع وجود الأسلحة المتطورة
السؤال: تغير الوضع اليوم فكيف نصلي صلاة الخوف مع تطور الأسلحة والمدافع الثقيلة والطائرات والصواريخ التي تفتك بالإمام وبالحراسة؟
الجواب: أقول: كون الناس ينزل بهم شيء مثل هذا لا علاقة لهم به، وإنما المهم أنهم بدل ما يكونون كلهم مشغولين، ولا يستطيعون أن يدافعوا لو نزل بهم شيء من ذلك أو مثلاً حتى الآن مثل الأسلحة فهناك صواريخ مضادة للصواريخ، ولو كانوا كلهم اشتغلوا عن الصواريخ المضادة إذا كانوا يصلون كلهم، لكن إذا كان بعضهم يصلي وبعضهم يحرس. يعني: الحكم موجود وليس معناه: أنه انتهى. وأما بالنسبة للكيفيات فهناك حديث صالح بن خوات الذي مر، فهذا هو أحسن الكيفيات، كونه يصلي ركعة ثم الطائفة الثانية تتم لنفسها، ثم تأتي الطائفة الثانية وتصلي معه ركعة، ثم تتم لنفسها وتسلم معه، يعني: هذه أحسن الكيفيات، وهذه كلها صحيحة، فالذي صح عنه هو صحيح. وهذه الكيفيات كلها من اختلاف التنوع، يعني: كل الصفات منها صحيحة، الإنسان إذا أتى بأي شيء ثابت صح، لكن أقربها من ناحية عدم كثرة الذهاب والإياب وكذا هي رواية صالح بن خوات عمن صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.
كيفية تطبيق صلاة الخوف على صلاة المغرب
السؤال: كيف نطبق الصفات الماضية إذا أراد الإمام أن يصلي بهم صلاة المغرب؟
الجواب: المغرب لا تقصر، وإنما يؤتى بها على ما هي عليه. والله ما أعرف التفاصيل، لكن إذا كان على الطريقة التي جاءت أحياناً مثل لو أنه كان صلى المغرب مجموعة يصلى بهم الإمام، ثم المجموعة الأخرى يصلون لأنفسهم فتكون المجموعتين كالحديث الذي قال: (يصلي بكل طائفة ركعتين)، إذا حصل مثل هذا فيكون فيه إمامان؛ لأن هذه قضية ذكرها أبو داود استنباطاً ولا يوجد فيها حديث.
حكم الإخبار عن الله على سبيل الحكاية
السؤال: ما حكم من أخبر عن الله سبحانه وتعالى على سبيل الحكاية؟
الجواب: يعني: تقول: قال الله تعالى على لسان كذا، لكن الحكاية لا أدري هل جائز استعمالها أم فيها محذور أو كذا؟ لا أدري، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يذكر ما حصل منهم بكلامه سبحانه وتعالى، هو نفس الكلام، هذا كلام الله، والشيء الذي قالوه الله تعالى تكلم به، وكما هو معلوم هم ألسنتهم مختلفة، وهذا الكلام الذي جاءنا بلسان عربي مبين هو كلام الله سبحانه وتعالى. لكن الذين يقولون حكاية هم يقولون: إن القرآن ليس هو كلام الله بل هو حكاية عن كلام الله؛ لأن كلامه سبحانه قائم بنفسه، وهذا حكاية أو عبارة، هذا غير هذا."