متى يحـدث الصدام مع المراهق؟(3) عندما نستخدم (لا) و (ممنوع)
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «أكلما اشتهيتم اشتريتم؟!»
كلما زاد تفهم الوالدين للحاجات النمائية، كلما زاد نجاحهما في تربية ابنهما المراهق
كلمة (لا) قد تشعل نار الصدام بيننا وبين المراهق فلنحسن استعمالها
إن الحوار المستمر الذي يخاطب المنطق والعاطفة يعد عملية زرع للفكرة في العقل اللا واعي للمراهق
القاعدة التربوية تقول: كلمة (لا) من أسهل الكلمات التي يقولها الإنسان، ومن أكثر الكلمات شيوعا واستعمالا، ولكنها قاتلة للمراهق حين تستعمل ضده عشرات المرات يوميا، وقد تكون آثارها خطيرة ومدمرة عليه، إذا لم تقل في الزمان والمكان المناسبين.
كلمة (لا) لا يحبها المراهق؛ لأنها تدل على الحرمان والرفض، وطريقة من طرائق فرض القيود على السلوك، ودلالة على تسلط الكبار، وتبدل في مشاعر الأمهات والآباء، الذين كانوا يلبون للطفل رغباته، ويوافقون على طلباته، فلما كبر وأصبح مراهقا صاروا يرفضون ويقيدون.
فوائد كلمة (لا)
- كلمة (لا) مفيدة عندما نستخدمها، وفي الوقت نفسه نطرح البدائل الإيجابية، ونناقش مع المراهق أهمية الحدود التي نرسمها، وضرورة القيود التي نضعها.
- كلمة (لا) مفيدة؛ لأنها تجعل المراهق يشعر بالأمان حين تكون (لا) ضابطة للقوانين والقواعد التي تنظم الحياة الاجتماعية.
- إن المراهق إذا افتقد وجود قوانين وقواعد ملزمة افتقد الأمن والطمأنينة وهذه سنة الله في كونه.
- كلمة (لا) مفيدة؛ لأنها تحمي المراهق من آثار الدلال الزائد؛ ولأنها تحميه من الأنانية والتفكير الدائم في رغباته والانسياق لها بشكل أعمى.
- كلمة (لا) مفيدة عندما نتبعها بحوار بناء، وبذل للوسع لمحاولة إقناع المراهق بجدوى كلمة (لا)، وفاعلية قائمة القوانين والقواعد التي ينبغي احترامها من مثل: لا لقيادة السيارة قبل الحصول على الترخيص القانوني (رخصة القيادة).
من المتوقع أن يظهر المراهق عدم قناعته، عند سماعه كلمة لا، ومن المتوقع أن يظهر عنادا وتمردا عند منعه، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، ولكن في الوقت نفسه لابد أن نكون متأكدين أن حوارنا التبريري الواضح بمقاصد المنع يقنع قناعاته ومعتقداته الداخلية، فقط ننتظر اللحظة التي سيعبر فيها عن تلك القناعة.
أضرار الوجبات السريعة
ومن القصص التي رأيتها -حول مسألة القناعة الداخلية عند المراهق- قصة طفلة كانت تعشق الوجبات السريعة، ولا تتبع نظاما متوازنا في الغذاء.
وعندما أدركت الأم خطورة الأمر، تدخلت ومنعتها من تناول الوجبات السريعة، وألزمتها بأكل الوجبات الصحية المنزلية، وحاورتها بانسياب، مبينة لها أضرار تلك الوجبات على صحة الإنسان، لكن الفتاة لم تقتنع وأبدت معارضة شديدة.
وفي إحدى زيارات العائلة للأقارب، جلست الفتاة مع الأطفال في سنها، وأرادوا أن يطلبوا وجبات سريعة وما كان من الطفلة إلا أن بدأت تحدثهم عن الوجبات السريعة ومدى الضرر التي تحدثه للأطفال، وتنهاهم عن تناولها.
وبدأت تكرر وتردد الكلام الذي لم تقتنع به من أمها وقالت للأطفال أنا لاآكلها.
ثالثا: عندما لا نتفهم احتياجاتهم النمائية ولا نلبيها أو ننميها.
من المعلوم أن الإنسان في فترة المراهقة، يمر بمرحلة نمو سريع، ونتيجة لهذا النمو المتسارع تنقلب لديه كثير من الأمور والمسائل، وقد يلجأ إلى سلوكيات وتصرفات يرى أن من شأنها تلبية احتياجاته النمائية، ويقع الصدام مع المراهق عندما لا نتفهم تلك السلوكيات ودوافعها.
ولذلك عندما نلحظ سلوكا سلبيا عند المراهق ينبغي ألا نتدخل فورا لتعديل هذا السلوك، وإنما علينا أولا أن نفهم ونتفهم طبيعة هذا السلوك، وأنه قد يكون حاجة نفسية لدى المراهق تقتضيها مرحلة النمو، وبهذا التصرف الحكيم نكون قد أدركنا 90٪ من المشكلة (السلوك السلبي)، ويكون تدخلنا لتعديل السلوك بسيطا ومحددا.
الحاجة إلى الاختلاء بالنفس
من الحاجات النمائية للمراهق حاجته إلى الانفراد بنفسه بين فترة وأخرى، وأحيانا لا يجد مكانا يختلي به بنفسه؛، لذا يلجأ أحيانا إلى طول المكوث في الحمام، هذا السلوك (المكوث الطويل في الحمام) هو تعبير عن حاجة المراهق إلى الاختلاء بنفسه، إن كان المكان في نظر الأهل غير مناسب.
هذا السلوك (المكوث الطويل في الحمام) يقابله الأهل بالشك والظن السيئ، ويبدؤون بطرح الأسئلة على أنفسهم، ووضع الاحتمالات السلبية، لماذا يطيل المكوث في الحمام؟ عندما لا يجد الأهل إجابة واضحة لأسئلتهم، يواجهون المراهق بالاتهام والشك، فيقع الصدام مع المراهق، ولو نظرنا إلى الأمر على أنه حاجة نمائية عند المراهق لما حصل الصدام، ويحدث هذا غالبا لدى الأولاد الذين لا يتمتعون بغرفة خاصة بهم تمكنهم من إيجاد نوع من الخصوصية.
وأذكر أنه جاءني أحد الآباء يشكو طول مكث ولده في الحمام.
قلت له: من المؤكد أنه لا يملك غرفة مستقلة.
فقال الأب: نعم، إنها غرفة مشتركة بينه وبين أخيه.
وقس على هذه الحاجة باقي الحاجات النمائية للمراهق، التي إن لم يتفهمها الأهل ويسعوا إلى إشباعها، فإن الصدام مع المراهق واقع لا محالة.
اعداد: د. مصطفى أبو سعد