
16-09-2024, 03:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (585)
سُورَةُ الِانْفِطَارِ .
صـ 449 إلى صـ 458
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ الِانْفِطَارِ .
قوله تعالى : إذا السماء انفطرت
أي : انشقت ، كما في سورة " الانشقاق " : إذا السماء انشقت [ 84 \ 1 ] ، قيل : هيبة لله .
وقيل : لنزول الملائكة ، كقوله تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا [ 25 \ 25 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الشورى " عند الكلام على قوله تعالى في وصف أهوال القيامة : يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به [ 73 \ 17 - 18 ] .
ومثل الانفطار والتشقق : الانفراج ، كقوله : فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت [ 77 \ 8 - 9 ] .
قوله تعالى : وإذا القبور بعثرت
أي : بعثر من فيها . كما في قوله تعالى : أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور [ 100 \ 9 - 10 ] .
وقد دل هذا اللفظ على سرعة الانتشار ، كبعثرة الحب من الكف كما في قوله تعالى : يوم يخرجون من الأجداث سراعا [ 70 \ 43 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " ق " عند قوله تعالى : يوم تشقق الأرض عنهم سراعا [ 50 \ 44 ] .
قوله تعالى : علمت نفس ما قدمت وأخرت
[ ص: 450 ] أي كل نفس ، كما تقدم في سورة " التكوير " .
وقد تكلم الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - على ذلك في دفع إيهام الاضطراب في سورة " الانفطار " هذه ، عند نفس الآية .
قوله تعالى : الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك
تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ذلك في سورة " الكهف " عند قوله تعالى : قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا [ 18 \ 37 ] ، أي : هذه أطوار الإنسان في خلقته .
ومما يشهد لحسن الخلقة وكمال الصورة قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [ 95 \ 4 ] .
واختلاف الصور إنما هو من آيات الله وابتداء من الرحم ، كما قال : هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء [ 3 \ 6 ] .
وتقدم في صورة " الحشر " : هو الله الخالق البارئ المصور [ 59 \ 24 ] .
وفي اختلاف الصور على تشابهها من أعظم آيات الله تعالى .
قوله تعالى : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون
تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ذلك في سورة " ق " عند الكلام على قوله تعالى : إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ 50 \ 17 - 18 ] .
وأحال عندها على بعض ما جاء في سورة " مريم " عند قوله تعالى : كلا سنكتب ما يقول [ 19 \ 79 ] .
وبين - رحمة الله تعالى علينا وعليه - أن هذه الكتابة لإقامة الحجة على الإنسان ، كما في قوله : ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 - 14 ] .
وقيل في " حافظين " : يحفظون بدن الإنسان .
[ ص: 451 ] وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الأنعام " عند الكلام على قوله تعالى : ويرسل عليكم حفظة [ 6 \ 61 ] مستدلا بقوله تعالى : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله [ 13 \ 11 ] .
ومما تجدر الإشارة إليه ، أن في وصف الحفظة هنا بهذه الصفات ، من كونهم حافظين كراما يعلمون ، فاجتمعت لهم كل صفات التأهيل ، لا على درجات الكناية من حفظ وعلو منزلة ، وعلم بما يكتبون .
وكأنه توجيه لما ينبغي لولاة الأمور مراعاته في استكتاب الكتاب والأمناء .
ولذا قالوا : على القاضي أن يتخير كاتبا أمينا حسن الخط فاهما .
ومن هذا الوصف يعلم أنه لا يختلط عليهم عمل يعمل ، وكونهم حفظة لا يضيعون شيئا ، ولو كان مثقال الذرة : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية [ 99 \ 7 ] .
قوله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم
أي : دائم ، كما في قوله تعالى : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا [ 9 \ 21 - 22 ] .
قوله تعالى : وما هم عنها بغائبين
دليل من أدلة خلود الكفار في النار ; لقوله : وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين [ 82 \ 14 - 16 ] .
كقوله تعالى : وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار [ 2 \ 167 ] .
وهكذا غالبا أسلوب المقابلة بين الفريقين ومهلهما .
ثم بين أن ذلك يوم الدين وهو يوم الجزاء ، كما تقدم في سورة " الفاتحة " : مالك يوم الدين [ 1 \ 4 ] .
ثم بين تعالى شدة الهول في ذلك اليوم : وما أدراك ما يوم الدين [ 82 \ 17 ] .
[ ص: 452 ] وتقدم في : الحاقة ما الحاقة [ 101 \ 1 - 2 ] .
ومثله قوله تعالى : القارعة ما القارعة [ 101 \ 1 - 2 ] .
قوله تعالى : يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله
أي : لشدة هوله وضعف الخلائق ، كما تقدم في قوله تعالى : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه [ 80 \ 34 - 35 ] ، وقوله : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [ 80 \ 37 ] .
ولحديث الشفاعة : " كل نبي يقول : نفسي نفسي ، إلى أن تنتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول : " أنا لها " .
وحديث فاطمة : " اعملي . . . . " .
وقوله تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ 2 \ 255 ] ، ونحو ذلك .
وقوله : والأمر يومئذ لله ، ظاهر هذه الآية تقييد الأمر بالظرف المذكور ، ولكن الأمر لله في ذلك اليوم ، وقيل ذلك اليوم ، كما في قوله تعالى : لله الأمر من قبل ومن بعد [ 30 \ 4 ] .
وقوله : ألا له الخلق والأمر [ 7 \ 54 ] ، أي : يتصرف في خلقه بما يشاء من أمره لا يشركه أحد ، كما لا يشركه أحد في خلقه .
ولذا قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : قل إن الأمر كله لله [ 3 \ 154 ] .
وقال : ليس لك من الأمر شيء [ 3 \ 128 ] ونحو ذلك .
ولكن جاء الظرف هنا لزيادة تأكيد ، لأنه قد يكون في الدنيا لبعض الناس بعض الأوامر ، كما في مثل قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة [ 20 \ 132 ] .
وقوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ 4 \ 59 ] .
وقوله : فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد [ 11 \ 97 ] ، وهي كلها في الواقع أوامر نسبية : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " [ 76 \ 30 ] .
[ ص: 453 ] ولكن يوم القيامة حقيقة الأمر كله ، والملك كله لله تعالى وحده ; لقوله تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 16 ] .
فلا أمر مع أمره ، ولا متقدم عليه حتى ولا بكلمة ، إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، وهو كقوله : الملك يومئذ الحق للرحمن [ 25 \ 26 ] ، مع أن هنا في الدنيا ملوكا ، كما في قصة يوسف : وقال الملك ائتوني به [ 12 \ 50 ] .
وفي قصة الخضر وموسى : وكان وراءهم ملك [ 18 \ 79 ] .
أما يوم القيامة فيكونون كما قال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم [ 6 \ 94 ] .
وكقوله : هلك عني سلطانيه [ 69 \ 29 ] ، فقد ذهب كل سلطان وكل ملك ، والملك يومئذ لله الواحد القهار .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ .
قوله تعالى : ويل للمطففين .
التطفيف : التنقيص من الطفيف ، وهو الشيء القليل .
وقد فسره ما بعده في قوله تعالى : الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون [ 83 \ 2 - 3 ] .
قالوا : نزلت في رجل كان له مكيالان : كبير وصغير ، إذا اكتال لنفسه على غيره ، اكتال بالمكيل الكبير ، وإذا كال من عنده لغيره ، اكتال بالمكيل الصغير ، ففي كلتا الحالتين تطفيف ، أي : تنقيص على الناس من حقوقهم .
والتقديم في افتتاحية هذه السورة بالويل للمطففين ، يشعر بشدة خطر هذا العمل ، وهو فعلا خطير ; لأنه مقياس اقتصاد العالم وميزان التعامل ، فإذا اختل أحدث خللا في اقتصاده ، وبالتالي اختلال في التعامل ، وهو فساد كبير .
وأكبر من هذا كله ، وجود الربا إذا بيع جنس بجنسه ، وحصل تفاوت في الكيل أو الوزن .
وفيه كما قال تعالى : فأذنوا بحرب من الله ورسوله [ 2 \ 279 ] .
ولذا فقد ورد ذكر الكيل والوزن ، والحث على العناية بهما في عدة مواطن ، بعدة أساليب منها الخاص ومنها العام .
فقد ورد في " الأنعام " و " الأعراف " و " هود " و " بني إسرائيل " و " الرحمن " و " الحديد " ، أي : في ست سور من القرآن الكريم .
أولا في سورة " الأنعام " في سياق ما يعرف بالوصايا العشر : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا [ ص: 455 ] [ 6 \ 151 ] .
وذكر بر الوالدين والنهي عن قتل الأولاد والقرب من الفواحش ، وقتل النفس التي حرم الله ، والنهي عن مال اليتيم .
ثم قال : وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا [ 6 \ 152 ] .
وتكلم الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عندها كلاما موجزا مفيدا ، بأن الأمر هنا بقدر الوسع ، ومن أخل من غير قصد التعدي لا حرج عليه .
وقال : ولم يذكر هنا عقوبة لمن تعمد ذلك ، ولكنه توعده بالويل في موضع آخر ، وساق أول هذه السورة : ويل للمطففين .
كما بين عاقبة الوفاء بالكيل بقوله : ذلك خير وأحسن تأويلا [ 4 \ 59 ] ، أي : مآلا .
وهنا يلفت كلامه - رحمه الله - النظر إلى نقطة هامة ، وهي في قوله تعالى : لا نكلف نفسا إلا وسعها [ 6 \ 152 ] ، حيث إن التطفيف : الزيادة الطفيفة ، والشيء الطفيف : القليل .
فكأن الآية هنا تقول : تحروا بقدر المستطاع من التطفيف ولو يسيرا .
وبعد بذل الجهد " لا نكلف نفسا إلا وسعها " ، وهذا غاية في التحري مع شدة التحذير والتوعد بالويل ، وإذا كان الوعيد بالويل على الشيء الطفيف ، فما فوقه من باب أولى .
الموضع الثاني في سورة " الأعراف " من قوله تعالى : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين [ 7 \ 85 ] .
فاقترن الأمر بالوفاء بالكيل بالأمر بعبادة الله وحده ; لأن في الأمرين إعطاء كل ذي حق حقه من غير ما نقص .
[ ص: 456 ] وبين أن في عدم الإيفاء المطلوب بخس الناس أشياءهم ، وفسادا في الأرض بعد إصلاحها .
الموضع الثالث في سورة " هود " ، ومع شعيب أيضا : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ [ الآية \ 84 - 86 ] .
وبنفس الأسلوب أيضا كما تقدم ، ربطه بعبادة الله تعالى وحده ، وتكرار الأمر بعد النهي : " ولا تنقصوا المكيال والميزان " ، ثم : " أوفوا المكيال والميزان بالقسط " نهي عن نقصه ، وأمر بإيفائه ، نص على المفهوم بالتأكيد : " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " مع التوجيه بأن ما عند الله خير لهم .
الموضع الرابع في سورة " بني إسرائيل " : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط [ 17 \ 29 ] ، أي : اعتدال في الإنفاق مع نفسه ، فضلا عن غيره ، ثم إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ، ثم : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق [ 17 \ 32 ] ، وكلها في مجال الاقتصاد وبعدها : ولا تقربوا الزنا [ 17 \ 32 ] ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق [ 17 \ 33 ] .
وقد يكون الباعث عليهما أيضا غرض مالي : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ 17 \ 34 ] ، وهو من أخص أبواب المال .
ثم الوفاء بالعهد ، ثم : وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا [ 17 \ 35 ] ، فمع ضروريات الحياة حفظ النفس والعرض والمال يأتي الحفاظ على الكيل والوزن .
الموضع الخامس في سورة " الشورى " وهو أعم مما تقدم ، وجعله مقرونا بإنزال الكتاب في قوله تعالى : الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب [ 42 \ 17 ] .
[ ص: 457 ] وتكلم الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند هذه الآية بما أشرنا إلى أنه عام ، فقال : الميزان هنا مراد به العدل والإنصاف ، وأن هذا المعنى متضمن آلة الوزن وزيادة .
وأورد بقية الآيات هنا في مبحث مفصل ، فذكر آية " الرحمن " ، وآية " الحديد " ، وتكلم على الجميع بالتفصيل .
وفي قوله تعالى في سورة " الرحمن " : والسماء رفعها ووضع الميزان [ 55 \ 7 ] ، مقابلة عظيمة بين رفع السماء الذي هو حق وعدل وقدرة ، والميزان وضعه في الأرض ، لتقوموا بالعدل والإنصاف ، وبهذا العدل قامت السماوات والأرض .
وفي سورة " الحديد " اقتران الميزان بإرسال الرسل وإنزال الكتب : لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط [ 57 \ 25 ] .
ومعلوم أن الميزان الذي أنزل مع الكتاب هو ميزان الحق والعدل ، والنهي عن أكل أموال الناس بغير حق ، وعدم بخس الناس أشياءهم .
فكانت هذه الآية أعم وأشمل آيات الوفاء في الكيل والوزن ، بمثابة قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [ 4 \ 58 ] .
وقد جمع لفظ الأمانة ; ليعم به كل ما يمكن أن يؤتمن الإنسان عليه .
وكذلك هنا الميزان مع الكتاب المنزل ، وبه يستوفي كل إنسان حقه في أي نوع من أنواع التعامل ، فكل من غش في سلعة أو دلس أو زاد في عدد ، أو نقص أو زاد في ذرع ، أو نقص فهو مطفف للكيل ، داخل تحت الوعيد بالويل .
فمن باع ذهبا مثلا على أنه صاف من الغش وزن درهم ، وفيه من النحاس عشر الدرهم ، فقد نقص وطفف لنفسه ، فأخذ حق درهم كامل ذهبا ، ونقص حيث أعطى درهما إلا عشرا .
ومن باع رطلا سمنا وفيه عشر الرطل شحما ، فقد طفف بمقدار هذا العشر لنفسه ، ونقص وبخس المشتري بمقدار ذلك .
[ ص: 458 ] وهكذا من باع ثوبا عشر أمتار وهو ينقص ربع المتر ، فقد طفف وبخس بمقدار هذا الربع .
وهكذا في القسمة بين الناس وبين الأولاد ، وبين الأهل ، وكل ما فيه عطاء وأخذ بين اثنين ، والله تعالى أعلم .
ومن باب ما يذكره العلماء في مناسبات السور بعضها من بعض .
فقد قال أبو حيان لما ذكر السورة التي قبلها مصير الأبرار والفجار يوم القيامة ذكر هنا من موجبات ذلك وأهمها : تطفيف الكيل ، وبخس الوزن ، وهذا في الجملة متوجه ، ولكن صريح قوله تعالى في السورة السابقة : وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت [ 82 \ 4 - 5 ] ، فهو وإن كان عاما في كل ما قدمه لنفسه من عمل الخير ، وما أخر من أداء الواجبات عليه ، فإنه يتضمن أيضا خصوص ما قدم من وفاء في الكيل ورجحان في الوزن ، وما أخر في تطفيف في الكيل وبخس طمعا في المال وجمعا للتراث ، كما قال تعالى : وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتني قدمت لحياتي [ 89 \ 19 - 24 ] .
ومن هنا يعلم للعاقل أن ما طفف من كيل أو بخس من وزن مهما جمع منه ، فإنه يؤخره وراءه ومسئول عنه ، ونادم عليه ، وقائل : " ياليتني قدمت لحياتي " ، ولات ساعة مندم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|