
16-09-2024, 03:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (583)
سُورَةُ عَبَسَ .
صـ 429 إلى صـ 438
قوله تعالى : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها العشية : ما بين الزوال إلى الغروب ، والضحى : ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ، وهذا تحديد بنصف نهار .
وقد جاء التحديد بساعة من نهار . وجاء : يوما أو بعض يوم [ 2 \ 259 ] . وجاء : إن لبثتم إلا عشرا [ 10 \ 103 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ذلك عند قوله تعالى في سورة [ ص: 429 ] " يونس " : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار [ 10 \ 45 ] ، وأحال على دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ، وسيطبع إن شاء الله مع هذه التتمة .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ عَبَسَ .
قوله تعالى : عبس وتولى أن جاءه الأعمى
سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين ، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولا بدعوة صناديد قريش ، فأتاه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى ، وقال : " أقرئني يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به - صلى الله عليه وسلم - ، وما يرجوه مما هو أعظم ، فعبس وتولى عنه منصرفا ، لما هو مشتغل به .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في دفع إيهام الاضطراب على قوله تعالى : أن جاءه الأعمى ما نصه : عبر تعالى عن هذا الصحابي الجليل - الذي هو عبد الله بن أم مكتوم - بلقب يكرهه الناس ، مع أنه قال : ولا تنابزوا بالألقاب [ 49 \ 11 ] .
والجواب : هو ما نبه عليه بعض العلماء : من أن السر في التعبير عنه بلفظ " الأعمى " ; للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه . اهـ منه بلفظه .
وقال الفخر الرازي : إنه وإن كان أعمى لا يرى ، فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكبا معصية ، فكيف يعاتب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذورا لعدم الرؤية ، فليس معذورا لإمكان سماعه ، ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به .
والظاهر - والله تعالى أعلم - : أن كلام الرازي ليس بعيدا عما ذكره الشيخ ; لأن معناه أنه عاتبه لعدم رفقه به . ومراعاة حالة عماه .
فعليه ، يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولئك الصناديد وسادة القوم ، وكأنه يقول لهم : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [ ص: 431 ] [ 22 \ 46 ] ، فهذا كفيف البصر ، ولكن وقاد البصيرة أبصر الحق وآمن ، وجاء مع عماه يسعى طلبا للمزيد ، وأنتم تغلقت قلوبكم وعميت بصائركم فلم تدركوا الحقيقة ولم تبصروا نور الإيمان ، كما في الآية الكريمة : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
والعلم عند الله تعالى .
تنبيه .
مما اتفق عليه المحدثون : جواز ذكر مثل هذه الأوصاف إذا كانت للتعريف لا للتنقيص ، فقالوا : الأعمى والأعور والأعرج . وفي الحرف قالوا : الخراز ، والخرقي ، ونحو ذلك ، وهذا ما فيه مصلحة لترجمة الرجال في السند .
ومثله ليس تنابزا بالألقاب في هذا الفن . والله تعالى أعلم .
ومثله إذا كان للتعريف في غرض سليم دون تنقص كما قدمنا .
وقوله تعالى : عبس وتولى ، فإن فيه مثل ما في قوله تعالى : أن جاءه الأعمى ; لأن العبوسة أمر لا يتفق في الظاهر مع قوله تعالى في حقه - صلى الله عليه وسلم - : وإنك لعلى خلق عظيم [ 68 \ 4 ] ، وقوله : واخفض جناحك للمؤمنين [ 15 \ 88 ] . ولم أقف على جواب لذلك ، ولم يتعرض له الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في دفع إيهام الاضطراب .
والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنه لا يتأتى معه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بما يسيء إلى هذا الصحابي في نفسه بشيء يسمعه فيزعجه ، كل ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو تقطيب الجبين ، وهذه حركة مرئية لا مسموعة .
والحال : أن هذا أعمى لا يرى تلك الحركة ، فكأنه لم يلق إساءة منه - صلى الله عليه وسلم - .
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - مطمئن له لما هو عليه من خير في دينه . كما قال في حنين : " وأكل أقواما إلى ما في قلوبهم " ، أي : لما أعطى المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار ما هو معروف في القصة ، فلم يعاتبه الله على ذلك . ورضي الأنصار ، وبكوا فرحا ورضا .
ثم إن تقطيب الجبين وانبساط أسارير الوجه لحزن أو فرح ، يكاد يكون جبليا مما [ ص: 432 ] كان منه - صلى الله عليه وسلم - ، فهو من باب الجبلية تقريبا ، كأن المثير له غرض عام من خصوص الرسالة ومهمتها .
ومع ذلك فقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان بعد نزولها يقول له : " مرحبا فيمن عاتبني فيه ربي " ، ويكرمه ، وقد استخلفه على المدينة مرتين .
وعلى هذا يكون المراد بهذا أمران :
الأول : التسامي بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - إلى ما لا نهاية له ، إلى حد اللحظ بالعين ، والتقطيب بالجبين ، ولو لمن لا يراه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين " وذلك في صلح الحديبية .
والثاني : تأديب للأمة وللدعاة خاصة ، في شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما علمهم في شخصيته في بر الوالدين ، في قوله تعالى : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [ 17 \ 23 ] .
وهذا السياق بكامله من أول السورة إلى قوله تعالى : كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره [ 80 \ 11 - 12 ] ، بيان ; لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يراعي في الدعوة إلى الله غنيا ولا فقيرا ، وأن يصبر على ضعفة المؤمنين ; لأن الرسالة تبليغ وليس عليه ما وراء ذلك في مسئولية ، فلا يتكلف لهم .
وقد حثه الله تعالى على الصبر مع المؤمنين ، لإيمانهم في قوله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ 18 \ 28 - 29 ] .
ومثله قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين [ 6 \ 52 ] .
وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - شيء من هذا البيان عند هذه الآية ، وبين أن هذا التنبيه قد وقع من نبي الله نوح إلى قومه ، حينما ازدروا ضعفة المؤمنين في [ ص: 433 ] قوله تعالى : فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي إلى قوله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون [ 11 \ 27 - 29 ] .
وقد دلت هذه الآية وأمثالها على صدق مقالة هرقل ، حينما سأل أبا سفيان عن أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : أهم سادة القوم أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم . فقال : هكذا هم أتباع الرسل .
وقال العلماء في ذلك : لأنهم أقرب إلى الفطرة ، وأبعد عن السلطان والجاه ، فليس لديهم حرص على منصب يضيع ، ولا جاه يهدر ، ويجدون في الدين عزا ورفعة ، وهكذا كان بلال وصهيب وعمار ، وهكذا هو ابن أم مكتوم - رضي الله عنهم - .
قوله تعالى : أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى
بيان لموقفه - صلى الله عليه وسلم - من جميع الأمة ، وحرصه على إسلام الجميع حتى من أعرض واستغنى ، شفقة بهم ورحمة ، كما بين تعالى حاله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم [ 9 \ 128 ] وكقوله : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] .
وقوله : وما عليك ألا يزكى ، بيان أنه - صلى الله عليه وسلم - ليس عليه ممن لا يتزكى ، وقد صرح تعالى بذلك في قوله : إنما أنت منذر [ 13 \ 7 ] ، وقوله : إن عليك إلا البلاغ [ 42 \ 48 ] ، وقوله : ليس عليك هداهم [ 2 \ 172 ] ، ومثل ذلك .
وقد جمع الأمرين من الجانبين في قوله تعالى عن نوح - عليه السلام - : وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين [ 26 \ 114 - 115 ] .
قوله تعالى : كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة
معلوم أن كلمة " كلا " : ردع عما سبق ، وهو في جملته منصب على التصدي لمن استغنى . والإلحاح عليهم والحرص على سماعهم منه ، ولكن الله تعالى يقول : إن منزلة القرآن والوحي والدين أعلى منزلة من أن تبذل لقوم هذه حالتهم ، فهي على ما هي عليه من [ ص: 434 ] تكريم ورفعة وطهرة وصيانة ، وما عليها من حفظة سفرة كرام بررة ، أحرى بأن يسعى إليها ، والخير لمن أتاها يطلبها .
فمن شاء ذكره ، وهذا للتهديد لا للتخيير بدليل ما بعده : قتل الإنسان ما أكفره [ 80 \ 17 ] ، " قتل الإنسان " : دعاء عليه ، والإنسان : للجنس الكافر ، و " ما أكفره " : أي ما أشد كفره بها ، بعد هذا كله من علو منزلتها .
وقوله تعالى : قتل الإنسان ما أكفره قيل : " ما أكفره " هنا ، ما أفعله ، أي : ما أشد كفره .
وقال الزمخشري : هي تعجب من إفراطه في كفران نعم الله .
وقيل : أي شيء حمله على التكذيب والكفر ؟ وكلها محتملة .
ولعل المعنى الأول أظهر ; لقوله قبله : " قتل الإنسان " ، ولمجيء هذا المعنى في مواضع أخر : " إن الإنسان لظلوم كفار " [ 14 \ 34 ] ، وكذلك فعول في قوله : وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور [ 22 \ 66 ] ، وهكذا صفة الجاحدين لآيات الله ، كما في قوله : وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور [ 31 \ 32 ] .
ثم رد تعالى عليه ذلك برده إياه إلى أصل خلقته ، ليتعظ من نفسه في قوله تعالى : من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره [ 80 \ 18 - 21 ] ; لأن هذه الثلاثة مسلم بها ، ورتب عليها الرابعة : ثم إذا شاء أنشره [ 70 \ 22 ] .
وقوله : من نطفة خلقه فقدره تقدم مرارا بيان أصل خلق الإنسان وأطواره .
وقوله : ثم السبيل يسره قيل : " السبيل " إلى خروجه من بطن أمه ، حيث أدار رأسه إلى جهة الخروج ، بدلا مما كان عليه إلى أعلى ، وهذا من التيسير في سبيل خروجه ، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره ، وهو اختيار ابن جرير .
وقيل : " السبيل " : أي الدين في وضوحه ، ويسر العمل به ، كقوله تعالى : [ ص: 435 ] إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا [ 76 \ 3 ] ، وهو مروي عن الحسن وابن زيد ، ورجحه ابن كثير .
ولعل ما رجحه ابن كثير هو الأرجح ; لأن تيسير الولادة أمر عام في كل حيوان ، وهو مشاهد ملموس ، فلا مزية للإنسان فيه على غيره ، كما أن ما قبله دال عليه أو على مدلوله وهو القدرة في قوله تعالى : من نطفة خلقه فقدره .
وقد يكون تيسير الولادة داخلا تحت قوله : " فقدره " . أي : قدر تخلقه وزمن وجوده وزمن خروجه ، وتقديرات جسمه وقدر حياته ، وقدر مماته ، كما هو معلوم .
أما تيسير سبيل الدين ، فهو الخاص بالإنسان . وهو المطلوب التوجه إليه . وهو الذي يتعلق بغيره ما بين تخلقه من نطفة وتقديره . وبين إماتته وإقباره . أي : فترة حياته في الدنيا ، أي : خلقه من نطفة وقدر مجيئه إلى الدنيا . ويسر له الدين في التكاليف . ثم أماته ليرى ماذا عمل : ثم إذا شاء أنشره .
ولذا جاء في النهاية بقوله : " كلا لما يقض ما أمره " [ 80 \ 23 ] . وليس هنا ما يدل على الأمر إلا السبيل يسره . والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا
بعد ما بين له مم خلق ، ، بين له هنا كيف يطعمه ، وفي كليهما آية على القدرة .
وقد اتفقت الآيتان على خطوات ثلاث متطابقة فيهما . فصب الماء من السماء إلى الأرض ، يقابل دفق الماء في الرحم . وشق الأرض للنبات يقابل خروجه إلى الدنيا . وإنبات أنواع النباتات ، يقابل تقادير الخلق المختلفة .
وفي التنصيص على أنواع النبات من : حب ، وقضب ، وعنب ، ورمان ، وزيتون ، ونخيل ، وفواكه متعددة ، وحدائق ملتفة ، لظهور معنى المغايرة فيها ، مع أنها من أصلين مشتركين : الماء من السماء . والتربة في الأرض ، يسقى بماء واحد .
ومرة أخرى ، يقال للشيوعيين والدهريين : قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه [ 80 \ 17 - 18 ] : [ ص: 436 ] أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما [ 56 \ 58 - 65 ] .
إنهم بلا شك لا يدعون لأنفسهم فعل شيء من ذلك . وإنهم ليعلمون أن لها خالقا مدبرا . ولكنهم يكابرون . وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [ 27 \ 14 ] ، صدق الله العظيم ، وكذب كل كفار أثيم .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان خلق الإنسان في مواطن متعددة سابقة ، آخرها في سورة " الرحمن " : خلق الإنسان من صلصال كالفخار [ 55 \ 14 ] ، وبيان طعامه في كل من سورتي " الواقعة " و " الجاثية " .
قوله تعالى : وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة
الإسفار : الإضاءة ، وهو تهلل الوجه بالسرور ، كما قال تعالى : ولقاهم نضرة وسرورا [ 76 \ 11 ] ، والاستبشار من تقدم البشرى في قوله تعالى : تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [ 41 \ 30 ] .
وقوله تعالى : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار [ 57 \ 12 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ذلك في سورة " الحديد " .
قوله تعالى : ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ، بينهم تعالى بأنهم هم الكفرة الفجرة .
وتقدم بيان ذلك للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الرحمن " على الكلام على قوله تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم [ 55 \ 41 ] .
وقد جمع لهم هنا بين الكفر والفجور ، وهما الكفر في الاعتقاد والفجور في الأعمال ، كما في قوله تعالى : ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ 71 \ 27 ] ، والعلم عند الله تعالى .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ التَّكْوِيرِ .
قوله تعالى : إذا الشمس كورت
اختلف في معنى " كورت " هنا أكثر من عشرة أقوال ، وكلها تدور على نهاية أمرها .
فقيل : " كورت " : لف بعضها على بعض ، فانطمس نورها .
وقيل : حجبت بكارة ، أي : لفت بها . وقيل : ألقيت في البحر . وقيل : دخلت في العرش . وقيل : اضمحلت . وقيل : نكست . وقال ابن جرير : نقول كما قال الله تعالى : كورت .
والذي يشهد له القرآن ، أن هذا كله راجع إلى تغير حالها في آخر أمرها ; لأن الله تعالى جعل لها أجلا مسمى ، ومعنى ذلك أنها تنتهي إليه على الوجه الذي يعلمه - سبحانه وتعالى - كما في قوله تعالى : وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى [ 31 \ 29 ] .
فمفهومه : أنه إذا جاء هذا الأجل توقفت عن جريانها .
وهو ما يشير إليها قوله تعالى : فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر [ 75 \ 7 - 9 ] ، أي : بعد أن لم يجتمعا قط ، وما كان لهما أن يجتمعا قبل ذلك الوقت ، كما في قوله تعالى : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون [ 36 \ 40 ] [ ص: 438 ]
ولعل أقرب الأقوال المنقولة في ذلك هو القول بأنه بمعنى : نكست . أي : ردت إلى حيث أتت ، كما في الحديث ، فتطلع من مغربها ، وعليه فتجتمع مع القمر .
قوله تعالى : وإذا النجوم انكدرت
قيل : " انكدرت " انصبت ، وقيل : تغيرت من الكدرة ، وكلها متلازمة ولا تعارض .
ويشهد للأول قوله تعالى : وإذا الكواكب انتثرت [ 82 \ 2 ] .
ويشهد للثاني : فإذا النجوم طمست [ 77 \ 8 ] ; لأنها إذا تناثرت وذهبت من أماكنها وتغير نظامها ، فقد ذهب نورها وطمست .
قوله تعالى : وإذا الجبال سيرت
أي : ذهب بها من مكانها .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان حالة الجبال في نهاية الدنيا في عدة مواطن . من أهمها عند قوله تعالى في سورة " طه " : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا [ 20 \ 105 ] ، وعند قوله تعالى من سورة " الكهف " : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة [ 18 \ 47 ] .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|