انفعالات المراهق(4)
15 أسلوبا سلبيا في ممارسات الوالــدين يســبب تـدمـيرا لشخصـية الابـن المراهـق
نستكمل هذه الحلقة الأساليب السلبية التي تمارس في تربية الأبناء من الطفولة إلى المراهقة سببا في تدمير الشخصيات النامية لدى الأطفال والمراهقين، وهي أساليب طالما حذرت منها وبينتها في معظم كتبي عن تربية الطفل والمراهق وأعيد تفصيلها هنا:
5- التفسير الذاتي لمواقف الأبناء
الأب الذي يفسر مواقف أبنائه وسلوكياتهم دون عناء الاستماع لمنطلقاتهم ومسوغاتهم، ودون محاولة فهم دوافع سلوكياتهم وخصائص النمو لديهم، ويؤول كل ما يصدر عنهم من سلوك من خلال فهمه الذاتي وتفسيراته الخاصة.
يشعر أبناءه عادة بالتبعية مقابل الاستقلالية، ويجعلهم يسقطون في الاعتمادية الدائمة على الكبار وهو بهذا يمارس عنفا مع أبنائه.
6- التهديد من أسوأ أنوع العنف
أ- التهديد اللطيف
التهديد سواء كان لطيفا أم شديدا يعد من أسوأ أنواع العنف المؤثر سلبا على الأبناء، والتهديد اللطيف من السلوكيات التي ينبغي الحذر من ممارستها في الحياة الأسرية ؛لأن آثارها السلبية على نفسيته أكبر بكثير من التهديد القاسي. وقد يتساءل بعضهم عن التهديد اللطيف وهل هناك تهديد يتسم باللطف؟!
وأقول نعم وهو الأكثر شيوعا في العلاقات الأسرية.. إن الأم التي تقول لابنها بكل هدوء وابتسامة: «إن لم تؤد واجباتك المدرسية لن أحبك مثل باقي إخوانك»، أو «..لن أحكي لك حكاية قبل النوم»، أو «لن تخرج معي اليوم».
إنها تمارس تهديدا لطيفا وعنفا خطيرا في علاقتها مع ابنها، إن مثل هذا التهديد يسحب من المراهق حاجاته النفسية، فهو يراها مهددة ومرتبطة بسلوك معين، وينشأ لديه نوع من الخوف وفقدان الشعور بالأمان.. إن ممارسة هذا النوع من العنف اللطيف ولو بأهداف إيجابية يعد نوعا من العنف غير المسموح به مع المراهق.
ب- التهديد الخفي
المراهقون يخضعون أحيانا لأنواع من التهديدات الخفية التي تصيبهم بالإحباط والشعور بالخطأ الدائم والذنب المستمر أو بالنقص والعجز والضعف؛ مما يشل حركة التفكير والإبداع لديهم.
إن الأم التي عودت ابنها على مساعدته في حل واجباته المنزلية حين توجه له كلاما من مثل: «سترى لو لم أكن معك كيف ستحل واجباتك؟!» أو من مثل: «لو لم أكن معك كيف كنت ستتصرف؟!» أو «من دوني ماذا تفعل؟!».
إن مثل هذه العبارات تحمل في طياتها تهديدات خفية ورسائل سلبية غير مباشرة، تؤكد قوة الأم وعجز الابن حتى لو كانت منطلقاتها حسنة، فعلم الاتصال يؤكد أن الكلام المباشر يشكل في أحسن الأحوال 7٪ من الرسالة وأن ما وراء الرسالة اللفظية أو الرسالة غير اللفظية هو الذي يشكل الحيز الأكبر من الرسائل الخفية 93٪.
إن الأبناء يميلون -عادة- إلى الشعور بالخطأ والضعف، وهو نوع من الحالة النفسية والصراع الداخلي الذي يعيشه الأبناء بين ميل للاستقلالية والاستمرار في الاعتماد على الآخرين، ومثل هذه التهديدات الخفية واللطيفة قد تغلب كفة الاستمرار في الاعتماد على الكبار، وعادة ما ينشأ من يخضع لهذا النوع من العنف ومعه شعور مستمر بالضعف والعجز وخوف دائم من الخطأ.
وما أكثر الكبار الذين يرددون باستمرار (لا أستطيع)، و(لا أقدر) أمام أشياء كثيرة يقوم به الكثيرون! لذلك نجد أن تهديد المراهق بأي نوع من أنواع التهديد يحمل رسالة أكيدة له بأنك لا تحبه لذاته وإنما حبك له مشروط بسلوك معين.
إشراقة
أصل المشكلات مع أبنائنا المراهقين
سلوكيات أبنائنا ليست انحرافات -في غالبها- وإنما تصرفات مزعجة تستفز الآباء والأمهات والمربين؛ لأن نظرتهم للمراهق تتسم بتناقض في المواقف، فهم ما زالوا يعدونه طفلا صغيرا، وفي الوقت نفسه يطالبونه أن يتصرف كما يتصرف الكبار.
12- المنّ:
كثرة المنّ على المراهق، وتذكيره بأعمالك وتعبك، يجعله في موقف ضعف وتأنيب عادة ما ينتهي بمحاولاته التخلص من ذلك المنّ المستمر، وقد يلجأ المراهق للسرقة لتوفير حاجياته أو الهروب من المنزل لاحقاً، والمنّ يتم بأشكال متعددة منها: «بعد كل ما عملته من أجلك تفعل هذا...» أو: «أنا أشتغل وأتعب من أجلك..».
قصة:
علاء مراهق ذكي يدافع نفسه
استدعاني صديقي للعشاء، وكانت جلسة ضيافة واستشارة، يشكو صديقي وزوجته عدم قدرتهما على التفاهم مع ابنهما علاء الأوسط بين إخوته، وكنت منصتا أكثر مني متحدثا.
بدأ الأب يصف ما يزعجه من سلوك علاء، وعلاء يرد بمنطق مفحم، مقارنة بينه وبين أخيه الذي يكبره بسنتين فقط.
كيف تمنعني من قيادة السيارة زاعما أنني لا أملك رخصة للقيادة بينما تسمح بها لأخي وهو أيضا لا يملك رخصة؟ وهكذا إلى أن أفحم الأب ولم يترك له حجة ولا منطقا أمامي، وأنا في قمة الإعجاب بالولد الذي يحمي نفسه ويدافع عنها.
فلما فقد الأب حججه تحول إلى أسلوب الابتزاز العاطفي مع علاء، قائلا: أنت ترى يا علاء أنني أشتغل صباحا مدرسا، وعصرا مصححا، وفي العديد من المناسبات مدرسا خاصا، كل هذا من أجلكم أنتم، أنت وإخوانك!
ولم يفقد علاء منطقا في الرد على أسلوب الابتزاز العاطفي، وبطبيعة الحال لا يستطيع هذا إلا شخص مدرب عاطفيا ووجدانيا على التخلص من تأثير الابتزاز العاطفي ولوم الذات والشعور بالذنب.
رد علاء الذكي وجدانيا بمنطق سليم: لماذا تزوجت يا أبي وخلفتنا، لترهق نفسك هكذا، أما كان الأحسن لك أن تبقى أعزب بلا أولاد لتعيش حياة بلا معاناة.
لقد استعمل صديقي أسلوب المن وهو أسلوب يمارس من خلاله الابتزاز العاطفي، ومن آثاره أنه يصيب وجدان الأولاد بمشاعر سلبية قد تتحول إلى أمراض نفسية وعضوية إذا ما تم تغذيتها باستمرار، مشاعر لوم الذات والشعور بالذنب، وأستسمح صديقي العزيز وأنا أنشر قصتي معه ومع ابنه الذكي (تبارك الله) معتقدا أنه سيكون أسعد بهذا النشر والاعتزاز بولد مثل علاء.
وكم عالجت مراهقين ومراهقات وأحيانا أطفالا انفصل آباؤهم عن أمهاتهم فحملوهم الذنب والسبب في هذا الانفصال!
13- التجريم:
وهو من الأساليب السلبية التي تجعل كل شيء أسود في عين الأب وكل سلوك يصدر الابن يعد جرما.
14- الانتقاد المستمر:
كل شيء لا يعجب الأب، وكل سلوك من المراهق لا بد وأن يجد له الأب ثغرات ينتقدها. وهذا الانتقاد يجعل الابن زاهداً في العمل والإنجاز، مفضلاً الاستكانة والانعزال.
15- التحذير:
أحيانا التحذير من الأشياء غير المقبولة التي لا تصدر – أصلاً – من المراهق تفتح ملفات التحذيرات في ذهنه وتفكيره.
فالحديث مثلاً مع الابن بأسلوب التحذير «لا تدخن! إياك والتدخين...» تنشئ ملفاً عن التدخين في ذهنه، يمكنه أن يفتحه في أية لحظة ضعف أو سوء تفاهم بين الوالد وابنه... ليجعل من لجوئه للتدخين ردة فعل أو تحدياً أو ميلاً للمعاكسة. أو الانتقام.
لا نعرف غيرها!
في دورة لي حول فنون التعامل مع المراهقين ومهاراتها بدأت حديثي عن تطلعات الوالدين وما يريدون من أبنائهم، وكانت تطلعات رائعة وجميلة وأحلاما وردية تبدأ بالتفوق الدراسي وتنتهي بالصلاح والقوة والشجاعة وتحمل المسؤولية، ثم طرحت الممارسات التربوية السلبية وسأل الحضور عن مدى سقوطهم في هذه الأساليب، وكان رد الجميع أنه يمارس أغلبها.
سألتهم لماذا؟ واختلفت الإجابات وتعددت، وأخيرا قلت لهم: الإجابة بكل بساطة وبلا تعقيد، إنكم لا تعرفون غيرها!
رد الجميع نعم، قلت حينها: لذلك أنتم هنا.. للتعلم واكتساب مهارات وأساليب جديدة تحقق طموحاتكم وتطلعاتكم، وتحافظ على راحة بالكم وطمأنينتكم، وتعيد العلاقة الطيبة بينكم وبين أبنائكم.
دستور المشاركة الأسرية
11 وسيلة لتحقيق المشاركة الفعالة بين الآباء والمراهقين
1- تخصيص وقت محدد لقضائه معهم يوميا.
2- الحرص على التجمع على مائدة العشاء أغلب الأيام.
3- إظهار الاهتمام بهم.
4- تحين الفرص لمصاحبتهم داخل المنزل أو خارجه.
5- إظهار الاهتمام بأفعالهم.
6- القيام بأعمال منزلية معا.
7- التعبير عن المشاعر والعواطف المتبادلة بينهم.
8- مناقشة القضايا والأفكار والأحاسيس المختلفة.
9- وضع حدود وتعليمات وتوضيح النتائج المترتبة على عدم الالتزام بها.
10- عرض قيم وأخلاقياتهم البالغين ومناقشتها معهم.
11- معرفة خط سيرهم والأماكن التي يترددون عليها والأفعال التي يقومون بها.
تذكر:
يكتسب المراهقون الأساليب التي نتبعها في التعامل معهم، وبتكرار استخدام هذه الأساليب مرة بعد مرة، فإنهم يتعملونها ويستخدمونها.
اعداد: د. مصطفى أبو سعد