تخريج حديث: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أو - فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ
الشيخ محمد طه شعبان
عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أو - فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ». ورواه أبو بكر الخلال بإسناده، وفيه: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ»، وفيه: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ». (1/ 195).
قلت: فأما اللفظة الأولى: فهي عند مسلم (234)، عن محمد بن حاتم بن ميمون، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر. ح، وحدثني أبو عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يحدِّث الناس، فأدركت من قوله: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، قال فقلت: ما أجود هذه، فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إني قد رأيتك جئت آنفًا، قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ - فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
وأما اللفظة الثانية: فأخرجها أحمد (121)، و (17363)، وأبو داود (170)، والدارمي (743)، والبزار (242)، والنسائي في «الكبرى» (9832)، وفي «عمل اليوم والليلة» (84)، وأبو يعلى (180) و (249)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (1289)، والفاكهي في «فوائده» (228)، وابن السني في «اليوم والليلة» (31)، من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر ﭬ، بنحو لفظ مسلم، ولكن قال فيه: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قال المنذري في «مختصر السنن» (1/ 66)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (2/ 66): «في إسناد هذا رجل مجهول» اهـ.
قلت: هذه اللفظة منكرة؛ حيث تفرد بها ابن عم أبي عقيل، وهو مجهول، وقد خالف الثقات الذين رووا الحديث ولم يذكروا هذه اللفظة.
وقد رُوِي لها شاهد.
أخرجه البزار كما في «الإمام» (2/ 66)، من حديث شجاع بن الوليد، قال: حدثنا أبو سعد، عن أبي سلمة، عن ثوبان ﭬ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قال ابن دقيق العيد: «ورواه عن محمد بن المثنى، عن شجاع بن الوليد، عن أبي سعد، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه» اهـ.
وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 287): «رواه أبو بكر البزار في «سننه»، كما أفاده الشيخ تقي الدين في «الإمام»، قال البزار: لا نعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه. قلت: ورأيته في أوائل الجزء الثاني انتقاء الدارقطني، ثم قال عقبه: هذا حديث غريب من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، تفرد به أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان» اهـ.
قلت: أبو سعد البقال ضعيف، ومدلس.
وأما اللفظة الثالثة: فأخرجها الترمذي (55)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، قال: حدثنا زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني، وأبي عثمان، عن عمر بن الخطاب ﭬ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قلت: هذا ضعيف.
قال الترمذي: «وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا» اهـ.
وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 382): «وذكر من طريق الترمذي، عن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء»، الحديث، بزيادة: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين»، وسكت عنه، مصححًا له، وهو منقطع، فإنه من رواية أبي إدريس، وأبي عثمان، عن عمر. قال الترمذي في «كتاب العلل»: سألت محمدًا عنه، فقال: هذا خطأ، وإنما هو معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة، عن عمر. ومعاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر. قال: وليس لأبي إدريس سماع من عمر. قلت: من أبو عثمان هذا؟ قال: شيخ لم أعرف اسمه.
وقد نص الترمذي في جامعه على أن أبا إدريس لم يسمع من عمر، والقول بأن أبا عثمان لم يسمعه من عمر، هو لأجل إدخال جبير بن نفير بينهما» اهـ.