
03-09-2024, 11:03 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام
كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود محمد شاكر
صفية الشقيفي
أسانيد الطبقات وأهميتها
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ) وترجمة ابن سلام في كتب تراجم الرجال والعلماء والأدباء، مختصرة موجزة لا تكاد تشفى، وقلما يذكر مؤلفوها زمان تألف العلماء كتبهم، فنحن نعتمد في ذلك على الاستظهار لا غير. وأنا في خلال تتبعي للكتب التي ألتمس فيها نقلاً من كتاب >طبقات فحول الشعراء<، لم أجد خبرًا عن ابن سلام يطابق نصه نص ما في كتاب >الطبقات<، إلا وهو مروى من طريق ابن أخته الحافظ مسند عصره أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي. فاستظهرت من ذلك أن ابن سلام لم يقرأ كتابه على أحد، ولم يروه عنه سماعًا وحفظًا سوى ابن أخته أبي خليفة الجمحي، وكان في آخر عمره ضريرًا ذاهب البصر. واستظهرت أيضًا أن كتاب الطبقات وكتاب الفرسان، وكتاب بيوتات العرب، لم يذع أمرها في حياة ابن سلام، ولم تكن عند أحد منها نسخة. واستظهرت أيضًا أن كتاب الطبقات، كان عند أهله ببغداد عند وفاته سنة 231، ثم آلت إلى أبي خليفة ونقلت إلى البصرة بعد زمان من وفاته، وأن أبا خليفة لم يخرج كتب خاله إلى الناس إلا بعد دهر طويل، فقرأها عليهم وأخذوها عنه.
ودليل ذلك أن عندنا اليوم نسختين عتيقتين من كتاب >طبقات فحول الشعراء<، أقدمهن نسختي التي نشرتها، والأخرى نسخة المدينة شرّفها الله
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 45]
وصلى الله على صاحبها صلاة طيبة وسلم، وهي على النصف من نسختي، لأن صاحبها اختصرها اختصارًا شديدًا. ولهاتين النسختين ثلاثة أسانيد عن أبي خليفة: إسنادان في نسختي، وإسناد نسخة المدينة.
والإسناد الأول: رواية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أسيد الأصفهاني (المتوفى سنة 336) عن القاضي أبي خليفة الجمحي. وأبو خليفة ولى قضاء البصرة في سنة 293، وابن أسيد الذي سمعها منه، رحل من أصفهان إلى بغداد، ومر في رحلته بالبصرة، فسمع من أبي خليفة، وذلك قبيل وفاة أبي خليفة سنة 305، فبين هذين التاريخين قرأ على القاضي كتاب الطبقات. (293 – 305) على أكثر تقدير.
والإسناد الثاني: رواية أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (260 – وتوفى سنة 360) عن القاضي أبي خليفة أيضًا، والطبراني نزل أصفهان واستوطنها ستين سنة إلى أن توفى، وذلك في سنة 300. وإذن، فهو قد قرأها على القاضي أبي خليفة ما بين سنة 293 وسنة 300.
والإسناد الثالث: رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير الذهلي القاضي، عن أبي خليفة. وأبو طاهر ولد سنة 279 وتوفى سنة 367 بمصر، وانتقل إلى بغداد في خلال ذلك وولى قضاءها سنة 329. وظاهرٌ من تأخر ميلاده إلى سنة 279، يدل على أنه قرأ على أبي خليفة هو أيضًا قبل سنة 300 بقليل، أي في نفس الوقت الذي قرأها على الناس أبو خليفة، وسمعها منه ابن أسيد والطبراني.
وفقداننا رواية عن كتاب الطبقات أو نقلاً عنه، إلا من طريق أبي خليفة وحده، ودلالة الأسانيد الثلاثة السالفة الدالة على أن القاضي أبا خليفة قرأ الكتاب على الناس بالبصرة ما بين سنة 295 وسنة 300، يوفقنا على مثل اليقين بأن كتب ابن سلام الثلاثة، وكتاب الطبقات خاصة، لم يذع ذكره في
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 46]
الناس إلا بعد وفاة ابن سلام سنة 231، بأكثر من خمس وستين سنة. ويزيدني ثقة بهذا الاستظهار أن أبا الفرج الأصفهاني المولود بأصبهان سنة 284 (وتوفى سنة 356) والذي نشأ فيها، ثم هاجر بعد إلى بغداد سمع بكتب ابن سلام، فأرسل إلى القاضي أبي خليفة يستجيزه ويسأله أن يرسل إليه نسخة من كل كتاب من كتب ابن سلام، فكتب إليه بها وأجازه، كما هو ظاهر من أسانيده في كتاب الأغاني إلى كتاب الطبقات، التي جمعتها في مقدمة الكتاب. وأشبه باليقين أن يكون ذلك كان، وأبو الفرج بأصبهان في حدود السادسة عشرة من عمره سنة 300 أيضًا، أي قبل أن يعودَ ابن أُسيد إلى أصبهان بعد وفاة والده سنة 310، وقبل أن يستوطن الطبراني أصبهان في سنة 300هـ، وإلا لكان في غنى عن الكتابة إلى أبي خليفة يستجيزه ولأخذ الكتاب عن أحدهما، بلا مؤونة عليه في ذلك.
وأنا أظن ظنًا، أنا أبا خليفة كان قد لحق بخاله حتى رحل إلى بغداد سنة 222، وبقى معه قليلاً وهو يؤلف هذه الكتب، وقرأها عليه، ثم رحل عنها بعد وفاته سنة 231، وشغل بطلب العلم وروايته، ثم عاد إلى البصرة لا يحمل معه شيئًا من الكتب إلا ما سمع من خاله لأنه كان ضريرًا كما قلت، ولكني لا أحقق هذا الظن لأسباب كثيرة وبقيت كتب ابن سلام خاله عند أهله ببغداد، ثم مضى دهر طويل جدًا، فنقلت هذه الكتب إلى البصرة بعد ولاية أبي خليفة القضاء سنة 293، وعندئذ قعد أبو خليفة للإقراء، وأجلس قارئًا يقرأ كتب ابن سلام، ولذلك جاء في إسناد ابن أُسيد والطبراني كليهما: >قرئ على القاضي أبي خليفة، وأنا أسمع<، فهذا أول ذيوع خبر كتاب >طبقات فحول الشعراء< وغيره من كتب ابن سلام ما بين سنة 295، إلى سنة 300، حين نقلت كتبه من بغداد إلى البصرة، والله أعلم ولكني أستظهر) [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 46-47]
تاريخ تأليف ابن سلام كتبه
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ)
أما متى ألف ابن سلام كتبه هذه؟ فنحن على يقين أنه لم يؤلفها في صدر حياته، ولا في أوسطها، ولكنه ألفها بأخرة. ودليل ذلك أن أبا الطيب علي بن عبد الواحد الحلبي اللغوي (المتوفى 351) حدثنا في كتابه >مراتب النحويين< عن الحسين بن صالح، عن أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: كان
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 47]
الرياشي (وهو العباس بن الفرج، المتوفى سنة 257) يختلف إلى أبي عبد الله (يعني ابن سلام)، ليستعير منه كتابه في الطبقات، فكنت أخرج له منه جزءًا جزءًا. فقيل للرياشي في ذلك فقال: لو عاش يومين لسمعته منه<. والرياشي بصري، وابن سلام بصري رحل عن البصرة سنة 222هـ، إلى بغداد، وكانت وفاتها بها = فلو كان ابن سلام ألف الكتاب وإخوته، وهو بالبصرة، لعرف ذلك الرياشي، ولم يؤجل ذلك إلى أن يصير ابن سلام في بغداد سنة 231، فيزوره ليأخذ منه جزءًا جزءًا. ونستظهر من هذا الخبر أيضًا أن ابن سلام كان قد فرغ قبل قليل جدًا من وفاته، من تأليف هذه الكتب، وأنه كان قد عزم على إقرائها للناس، ولكن المنية فاتتهم به، فلم يسمعوا منه شيئًا، ولم يسمع منه سوى ابن أخته أبي خليفة وحده، لأنه كان يومئذ معه ببغداد.
وبين أيدينا خبر آخر يدل على أن ابن سلام كان في آخر حياته، قد أهمه أمر شعر العرب وشعرائها وأخبارها؛ وأنه رأى أنه قد قضى عمره كله في السماع من العلماء على اختلاف علومهم، من نحو ولغة وشعر وحديث وأخبار، حتى بلغ إمامة العلم في بعض ذلك، وأخذ الناس عنه فأكثروا وأكثر، حتى بلغ الثانية والثمانين من عمره، وبدا له أن يرحل إلى بغداد، كما رحل كثير من علماء البصرة، فيحدثنا الخطيب البغدادي، عن الحسين بن فهم، (وهو صاحب محمد بن سعد كاتب الواقدي، وصاحب الطبقات الكبير) (ولد الحسين بن فهم سنة 211، وتوفى سنة 289)، وهو أيضًا أحد أصحاب (ابن سلام والرواة عنه)، فيقول الحسين بن فهم: >قدم علينا (أي قدم عليهم ببغداد) سنة اثنتين وعشرين ومئتين، فاعتل علة شديدة، فما تخلف عنه أحد، وأهدى إليه الأجلاء أطباءهم، وكان ابن ماسويه الطبيب ممن أهدى إليه (يوحنا بن ماسويه طبيب الخلفاء، وكان يومئذ طبيب المعتصم، توفى سنة 243)، فلما جسه ونظر إليه قال: ما ارى من العلة كما أرى من الجزع!! فقال ابن سلام: والله ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة، ولكن الإنسان في غفلة حتى وقظ بعلة. ولو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء في نفسي، لرأيت ما اشتد علي من هذا قد
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 48]
سهل. فقال له ابن ماسويه: فلا تجزع، فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها، ما إن سلمك الله من العوارض، بلغك عشر سنين أخرى، قال الحسين بن فهم: فوافق كلامه قدرًا، فعاش محمد بن سلام عشر سنين بعد ذلك، ومات سنة اثنتين وثلاثين ومئتين<.
فقول ابن سلام رحمه الله: >ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة<، وقوله: >لو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء في نفسي، لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل<، يدل على أن هذه العلة الشديدة قد أهبته من غفلة عن أشياء كانت في نفسه، ويتمنى أن يكتب الله لو أن يقف حيث يستجاب الدعاء، فيسأل ربه أن ييسر له قضاءها والفروغ منها وتقر عينه، فلا يأخذه من أمر هذه الدنيا جزع. وأكبر ظني أن هذه الأشياء التي كان يتمنى قضاءها هي تأليف كتب جامعة، كان يحب أن يتعجل كتابتها، بعد أن قضى اثنتين وثمانين سنة لم يؤلف كتابًا، ولا يبقى من علمه عند الناس إلا الشيء من الأحاديث التي أثرت عنه، والأخبار سماعًا ورواية. والكتابة قيد العلم ووعاؤه. فلما أبل من علته قليلاً أجمع رأيه على أن يعد منهجه لكتبه التي كان يحب أن يؤلفها، بعد دهر طويل جدًا من انتياب خواطر تلم ساعات ثم تذهب غير محققة ولا مثبتة في كتاب. ففي المدة التي قضاها بين سنة 222هـ وسنة 231، بدأ كتابه في الشعر، وهو كتاب الطبقات، ثم كتاب شعراء الفرسان، ثم كتاب سادات العرب وأشرافها وما قالوا من شعر، ثم كتاب أيام العرب، وغير ذلك مما وصل إلينا خبر عنه أو لم يصل. ثم اخترمته المنية هو وأخوه المحدث المشهور >عبد الرحمن بن سلام الجمحي< سنة 231، وبقى كل ما كتبه من كتب عند أهله ببغداد، حتى رحلوا إلى البصرة عائدين، أو حتى حملوها إلى ابن أخته أبي خليفة قاضي البصرة، فآلت إليه وصارت في حوزته، فيما أرجح، بعد توليه قضاء البصرة في سنة 293هـ. والله أعلم أي ذلك كان؟ وعرفها الناس من يومئذ). [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 47-49]
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|