عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-08-2024, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة الأنعام الآيات (131: 133)

تفسير سورة الأنعام الآيات (131: 133)

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف


﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ [الأنعام: 131]

﴿ ذَلِكَ أيْ: الْإِعْذَارُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ ﴿ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ أي: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ﴿ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَلَمْ يُنْذَرُوا، ولَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ[1].

وفي الآية فائدتان:
أحدها: أَنَّ فِيهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُهْلِكُ الْقُرَى إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِليهِمْ، وَارْتِفَاعِ الْغَفْلَةِ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَتَحَقُّقِ الْإِنْذَارِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴾ [الملك: 8، 9]، والْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ[2].

والثانيةُ: أَنَّ فِيهَا دَليلًا أَيْضًا عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُهْلِكُ الْقُرَى إِلَّا بِسَبَبِ ظُلْمِ أَهْلِهَا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ﴾ [النمل: 52].

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 132]
﴿ وَلِكُلٍّ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴿ دَرَجَاتٌ مَرَاتِبُ وَمَنَازِلُ ﴿ مِمَّا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ[3].

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بَلْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَليَهِ، وَلَا تَخْفَى عَلَيهِ مِنْهُ خَافِيةٌ، وَسَيُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمالِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرى: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأحقاف: 19][4].

﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133].

﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَعِبَادَتهِمْ[5] ﴿ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بِإِهْلَاكِكُمْ.

﴿ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ مِنَ الخَلْقِ ﴿ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَأي: كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَسْلِ خَلْقٍ آخرِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ[6].

وَالْآيَةُ فِيهَا قُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةُ عَلَى هَلَاكِ الْخَلقِ كُلِّهِمْ، وَاسْتِخْلَافِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ نَهْيَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [فاطر: 15، 16]، وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

[1] ينظر: تفسير البغوي (3/ 190).

[2] ينظر: جامع المسائل لابن تيمية (5/ 47-48).

[3] ينظر: تفسير الطبري (9/ 564)، تفسير ابن كثير (3/ 306).

[4] ينظر: تفسير القرطبي (7/ 87)، فتح القدير (2/ 186).

[5] ينظر: تفسير القرطبي (7/ 88)، تفسير ابن كثير (3/ 342)، تفسير الجلالين (ص185).

[6] ينظر: تفسير الطبري (7/ 581)، تفسير النسفي (3/ 187).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.37%)]