عرض مشاركة واحدة
  #540  
قديم 24-08-2024, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء التاسع

سُورَةُ الْبَلَدِ
الحلقة (540)
صــ 119 إلى صــ 133





فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .

قوله تعالى: فأما الإنسان فيمن عنى به أربعة أقوال .

أحدها: عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني: أبي بن خلف، قاله ابن السائب .

والثالث: أمية بن خلف، قاله مقاتل .

[ ص: 119 ] والرابع: أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، قال الزجاج: وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر فأكرمه بالمال ونعمه بما وسع عليه من الإفضال فيقول ربي أكرمن فتح ياء " ربي " " أكرمني " " ربي " " أهانني " أهل الحجاز، وأبو عمرو ، أي: فضلني بما أعطاني، ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه وأما إذا ما ابتلاه بالفقر فقدر عليه رزقه وقرأ أبو جعفر، وابن عامر: " فقدر " بتشديد الدال، والمعنى: ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة فيقول ربي أهانن أي: هذا الهوان منه لي حين أذلني بالفقر .

واعلم أن من لا يؤمن بالبعث، فالكرامة عنده زيادة الدنيا، والهوان قلتها .

[ ص: 120 ] قوله تعالى: كلا أي: ليس الأمر كما يظن . قال مقاتل: ما أعطيت [من أغنيت] هذا الغنى لكرامته علي، ولا أفقرت [من] أفقرت لهوانه علي، وقال الفراء: المعنى: لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا، إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين: الفقر، والغنى . ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى: بل لا تكرمون اليتيم قرأ أهل البصرة " يكرمون " و " يحضون " و " يأكلون " و يحبون " بالياء فيهن، والباقون بالتاء . ومعنى الآية: إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم . والآية تحتمل معنيين .

أحدهما: أنهم كانوا لا يبرونه .

والثاني: لا يعطونه حقه من الميراث، وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان . ويدل على المعنى الأول قوله تعالى: ولا تحاضون على طعام المسكين قرأ أبو جعفر، وأهل الكوفة " تحاضون " بألف مع فتح التاء . وروى الشيرزي عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء . والمعنى: لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة . ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى: وتأكلون التراث أكلا لما قال ابن قتيبة: التراث: الميراث، والتاء فيه منقلبة عن واو، [ ص: 121 ] كما قالوا: تجاه، والأصل: وجاه، وقالوا: تخمة، والأصل: وخمة .

و لما أي: شديدا، وهو من قولك: لممت بالشيء: إذا جمعته، وقال الزجاج: هو ميراث اليتامى .

قوله تعالى: وتحبون المال أي: تحبون جمعه حبا جما أي: كثيرا فلا تنفقونه في خير كلا أي: ما هكذا ينبغي أن يكون [الأمر] . ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال تعالى: إذا دكت الأرض دكا دكا أي: مرة بعد مرة، فتكسر كل شيء عليها، وجاء ربك قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله [البقرة: 210] .

قوله تعالى: والملك صفا صفا أي: تأتي [ملائكة] كل سماء صفا [صفا] على حدة . قال الضحاك: يكونون سبعة صفوف، وجيء يومئذ بجهنم روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله [ ص: 122 ] صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع [كل زمام] سبعون ألف ملك يجرونها " . قال مقاتل: يجاء بها فتقام عن يسار العرش .

قوله تعالى: يومئذ أي: يوم يجاء بجهنم يتذكر الإنسان أي: يتعظ الكافر ويتوب . قال مقاتل: هو أمية بن خلف وأنى له الذكرى أي: كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع يقول يا ليتني قدمت العمل الصالح في الدنيا لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها فيومئذ لا يعذب عذابه أحد قرأ الكسائي، ويعقوب، والمفضل: " لا يعذب " بفتح الذال، والباقون بكسرها، فمن فتح، أراد: لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن كسر أراد: لا يعذب عذاب الله أحد، أي كعذابه، وهذه القراءة تختص بالدنيا، والأولى تختص بالآخرة .

[ ص: 123 ] قوله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال .

أحدها: في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أحد، قاله أبو هريرة، وبريدة الأسلمي .

والثاني: في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة، قاله الضحاك .

والثالث: في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة، قاله مقاتل .

والرابع: في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه الماوردي .

والخامس: [في] جميع المؤمنين، قاله عكرمة .

وفي معنى " المطمئنة " ثلاثة أقوال .

أحدها: المؤمنة، قاله ابن عباس . وقال الزجاج: المطمئنة بالإيمان .

والثاني: الراضية بقضاء الله، قاله مجاهد .

والثالث: الموقنة بما وعد الله، قاله قتادة .

واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين .

أحدهما: عند خروجها من الدنيا، قاله الأكثرون .

والثاني: عند البعث يقال لها: ارجعي إلى صاحبك، وإلى جسدك، فيأمر الله الأرواح أن تعود إلى الأجساد، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وعكرمة، والضحاك .

[ ص: 124 ] وفي قوله تعالى: ارجعي إلى ربك راضية أربعة أقوال .

أحدها: ارجعي إلى صاحبك الذي كنت في جسده، وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك .

والثاني: ارجعي إلى ربك بعد الموت في الدنيا، قاله أبو صالح .

والثالث: ارجعي إلى ثواب ربك، قاله الحسن .

والرابع: يا أيتها النفس المطمئنة [إلى الدنيا] ارجعي إلى الله تعالى بتركها، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: فادخلي في عبادي أي: في جملة عبادي المصطفين . قال أبو صالح: يقال لها عند الموت: ارجعي إلى ربك، فإذا كان يوم القيامة قيل لها: فادخلي في عبادي وقال الفراء: ادخلي مع عبادي . وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وأبو العالية، وأبو عمران: " في عبدي " على التوحيد . قال الزجاج: فعلى هذه القراءة -والله أعلم- [ ص: 125 ] يكون المعنى: ارجعي إلى ربك، أي: إلى صاحبك الذي خرجت منه، فادخلي فيه .

سُورَةُ الْبَلَدِ

وهي مكية كلها بإجماعهم

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين .

قوله تعالى: لا أقسم قال الزجاج: المعنى: أقسم . و " لا " دخلت توكيدا، كقوله تعالى: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد: 29] وقرأ عكرمة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو العالية: " لأقسم " قال الزجاج: وهذه القراءة بعيدة في العربية، وقد شرحنا هذا في أول " القيامة " .

قوله تعالى: وأنت حل بهذا البلد فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 127 ] و " البلد " هاهنا: مكة .

أحدها: حل لك ما صنعت في هذا البلد من قتل أو غيره، قاله ابن عباس، ومجاهد . قال الزجاج: يقال: رجل حل، وحلال، ومحل . قال المفسرون: والمعنى: إن الله تعالى وعد نبيه أن يفتح مكة على يديه بأن يحلها له، فيكون فيها حلا .

والثاني: فأنت محل بهذا البلد غير محرم في دخوله، يعني: عام الفتح، قاله الحسن، وعطاء .

والثالث: أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك، ويحرمون قتل الصيد، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: ووالد وما ولد فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه آدم وما ولد، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة .

[ ص: 128 ] والثاني: أولاد إبراهيم، وما ولد: ذريته، قاله أبو عمران الجوني .

والثالث: أنه عام في كل والد وما ولد، حكاه الزجاج .

قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم .

وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال .

أحدها: أنه اسم جنس، وهو معنى قول ابن عباس .

والثاني: أنه أبو الأشدين الجمحي، وقد سبق ذكره، [المدثر: 29، والانفطار: 5] قاله الحسن .

[ ص: 129 ] والثالث: أنه الحارث بن عامر بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنبا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فقال لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت في دين محمد، قاله مقاتل .

والرابع: آدم عليه السلام، قاله ابن زيد .

والخامس: الوليد بن المغيرة، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: في كبد فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: في نصب، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، فإنهم قالوا: في شدة . قال الحسن: يكابد الشكر على السراء والصبر على الضراء، لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة . قال ابن قتيبة: في شدة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته .

والثاني: أن المعنى: خلق منتصبا يمشي على رجلين، وسائر الحيوان [ ص: 130 ] غير منتصب، رواه مقسم عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك، وعطية، والفراء، فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة .

والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: " لقد خلقنا الإنسان " يعني: آدم " في كبد " أي: في وسط السماء .

قوله تعالى أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يعني الله عز وجل أي: [أيحسب أن] لن نقدر على بعثه، ومعاقبته؟! يقول أهلكت مالا لبدا أي: كثيرا، قال أبو عبيدة، هو فعل من التلبد، وهو المال الكثير بعضه على بعض . قال ابن قتيبة: وهو المال المتلبد، [ ص: 131 ] كأن بعضه على بعض . قال الزجاج: وهو فعل للكثرة، كما يقال: رجل حطم: إذا كان كثير الحطم . وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعائشة، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وأبو العالية، وأبو جعفر: " لبدا " بضم اللام، وتشديد الباء مفتوحة . وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو المتوكل، وأبو عمران: " لبدا " بفتح اللام وتسكين الباء خفيفة . وقرأ عثمان بن عفان، والحسن، ومجاهد: " لبدا " برفع اللام والباء وتخفيفهما . وقرأ علي، وابن أبي الجوزاء: " لبدا " بكسر اللام، وفتح الباء مخففة .

وفيما قال لأجله ذلك قولان .

أحدهما: أنه أراد: أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد، قاله ابن السائب، فكأنه استطال بما أنفق .

والثاني: أنفقت في سبيل الله وفي الكفارات مالا كثيرا، قاله مقاتل . فكأنه ندم على ما أنفق .

قوله تعالى: أيحسب أن لم يره أحد يعني الله عز وجل . والمعنى: أيظن أن الله لم ير نفقته، ولم يحصها؟! وكان قد ادعى ما لم ينفق .

[ ص: 132 ] قوله تعالى: ألم نجعل له عينين والمعنى: ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على بعثه؟!

قوله تعالى: وهديناه النجدين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: سبيل الخير والشر، قاله علي، والحسن، والفراء . وقال ابن قتيبة: يريد طريق الخير والشر . وقال الزجاج: النجدان: الطريقان الواضحان . والنجد: المرتفع من الأرض، فالمعنى: ألم نعرفه طريق الخير والشر كتبين الطريقين العاليين .

والثاني: سبيل الهدى والضلال، قاله ابن عباس . وقال مجاهد: هو سبيل الشقاوة والسعادة .

والثالث: الثديان ليتغذى بلبنهما، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال ابن المسيب، والضحاك، وقتادة .

فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة .

[ ص: 133 ] قوله تعالى: فلا اقتحم العقبة قال أبو عبيدة: فلم يقتحم العقبة [في الدنيا] . وقال ابن قتيبة: فلا هو اقتحم العقبة . قال الفراء: لم يضم إلى قوله تعالى: فلا اقتحم العقبة كلاما آخر فيه " لا " ، والعرب لا تكاد تفرد " لا " في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر، كقوله تعالى: فلا صدق ولا صلى [القيامة: 31]، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة: 62] . ومعنى " لا " مأخوذ من آخر هذا الكلام، فاكتفى بواحدة من الأخرى، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة، فقال: فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة ثم كان من الذين آمنوا ففسرها بثلاثة أشياء . فكأنه كان في أول الكلام: فلا فعل ذا، ولا ذا، وذهب ابن زيد في آخرين إلى أن المعنى: أفلا اقتحم العقبة؟ على وجه الاستفهام، والمعنى: فهلا أنفق ماله في فك الرقاب والإطعام ليجاوز بذلك العقبة؟! .

فأما: الاقتحام فقد بيناه في [ص: 59] .

وفي العقبة سبعة أقوال .

أحدها: أنه جبل في جهنم، قاله ابن عمر .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]