عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 24-08-2024, 04:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء التاسع

سُورَةُ النَّازِعَاتِ
الحلقة (533)
صــ 10 إلى صــ 24




فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه


قوله تعالى: وكل شيء أحصيناه قال الزجاج: " كل " منصوب بفعل مضمر تفسيره: أحصيناه، والمعنى: أحصينا كل شيء، و كتابا توكيد لـ " أحصيناه " ، لأن معنى " أحصيناه " و " كتبناه " فيما يحصل ويثبت واحد . فالمعنى: كتبناه كتابا . قال المفسرون: وكل شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ فذوقوا أي: فيقال لهم: ذوقوا جزاء فعالكم فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين الذين لم يشركوا مفازا وفيه قولان .

أحدهما: متنزها، قاله ابن عباس، والضحاك .

والثاني: فازوا بأن نجوا من النار بالجنة، ومن العذاب بالرحمة، قاله قتادة . قال ابن قتيبة: " مفازا " في موضع " فوز " حدائق قال ابن قتيبة: الحدائق: بساتين نخل، واحدها: حديقة .

قوله تعالى: وكواعب قال ابن عباس: الكواعب: النواهد . قال ابن فارس: يقال: كعبت المرأة كعابة، فهي كاعب: إذا نتأ ثديها . وقد ذكرنا معنى " الأتراب " في [ص: 52] .

قوله تعالى: وكأسا دهاقا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الملأى، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد .

[ ص: 11 ] والثاني: أنها المتتابعة . رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير . وعن مجاهد كالقولين .

والثالث: أنها الصافية، قاله عكرمة .

قوله تعالى: لا يسمعون فيها أي: في الجنة إذا شربوها لغوا وقد ذكرناه في [الطور: 23] وغيرها ولا كذابا أي: لا يكذب بعضهم بعضا، لأن أهل الدنيا إذا شربوا الخمر تكلموا بالباطل، وأهل الجنة منزهون عن ذلك .

قال الفراء: وقراءة علي رضي الله عنه " كذابا " بالتخفيف، كأنه -والله أعلم- لا يتكاذبون فيها . وكان الكسائي يخفف هذه ويشدد، " وكذبوا بآياتنا كذابا " لأن " كذبوا " يقيد " الكذاب " بالمصدر، وهذه ليست مقيدة بفعل يصيرها مصدرا . وقد ذكرنا عن أبي عبيدة أن الكذاب بالتشديد والتخفيف مصدر المكاذبة . وقال أبو علي الفارسي: " الكذاب " بالتخفيف مصدر " كذب " ، مثل " الكتاب " مصدر " كتب " .

قوله تعالى: جزاء قال الزجاج: المعنى: جازاهم بذلك جزاء، وكذلك " عطاء " ، لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد . و حسابا معناه: ما يكفيهم، أي: فيه كل ما يشتهون . يقال: أحسبني كذا بمعنى كفاني . رب السماوات قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو ، والمفضل: " رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن " برفع الباء من " رب " والنون من " الرحمن " على معنى: هو رب السموات . وقرأ عاصم، وابن عامر بخفض الباء والنون على الصفة من " ربك " . وقرأ حمزة والكسائي بكسر الباء ورفع النون، واختار هذه القراءة الفراء، ووافقه على هذا جماعة، وعللوا بأن الرب قريب من المخفوض، والرحمن بعيد منه .

[ ص: 12 ] قوله تعالى: لا يملكون منه خطابا فيه قولان .

أحدهما: لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه قاله ابن السائب . والثاني: لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب إلا بإذنه، قاله مقاتل .

قوله تعالى: يوم يقوم الروح فيه سبعة أقوال .

أحدها: أنه جند من جند الله تعالى، وليسوا بملائكة، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد: هم خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون .

والثاني: أنه ملك أعظم من السموات والجبال، والملائكة، قاله ابن مسعود، ومقاتل بن سليمان . وروى عطاء عن ابن عباس قال: الروح: ملك ما خلق الله أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا، وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم .

والثالث: أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجسام، رواه عطية عن ابن عباس .

والرابع: أنه جبريل عليه السلام قاله الشعبي، وسعيد بن جبير، والضحاك .

[ ص: 13 ] والخامس: أنهم بنو آدم، قاله الحسن، وقتادة .

والسادس: أنه القرآن، قاله زيد بن أسلم .

والسابع: أنهم أشرف الملائكة، قاله مقاتل بن حيان .

قوله تعالى: والملائكة صفا قال الشعبي: هما سماطان، سماط من الروح، وسماط من الملائكة . فعلى هذا يكون المعنى: يوم يقوم الروح صفا، والملائكة صفا . وقال ابن قتيبة: معنى قوله تعالى: صفا صفوفا .

قوله تعالى: لا يتكلمون يعني: الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن في الكلام وقال صوابا أي: قال في الدنيا صوابا، وهو الشهادة بالتوحيد عند أكثر المفسرين . وقال مجاهد: قال حقا في الدنيا، وعمل به ذلك اليوم الحق الكائن الواقع بلا شك فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا أي: مرجعا إليه بطاعته . ثم خوف كفار مكة، فقال تعالى: إنا أنذرناكم عذابا قريبا وهو عذاب الآخرة، وكل آت قريب يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي: يرى عمله مثبتا في صحيفته خيرا كان أو شرا ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يا ليتني لم أبعث . وحكى الثعلبي عن بعض أشياخه أنه رأى في بعض التفاسير أن الكافر هاهنا: إبليس، وذلك أنه عاب آدم، لأنه خلق من التراب، فتمنى يوم القيامة أنه كان بمكان آدم، فقال: يا ليتني كنت ترابا .

سُورَةُ النَّازِعَاتِ

مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بسم الله الرحمن الرحيم

والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة يقولون أإنا لمردودون في الحافرة أإذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة .

قوله تعالى: والنازعات فيه سبعة أقوال .

أحدها: أنها الملائكة تنزع أرواح الكفار، قاله علي، وابن مسعود . وروى عطية عن ابن عباس قال: هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم، وبه قال مسروق .

والثاني: أنه الموت ينزع النفوس، قاله مجاهد .

والثالث: أنها النفس حين تنزع، قاله السدي .

والرابع: أنها النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب، قاله الحسن، وقتادة، وأبو عبيدة، والأخفش، وابن كيسان .

[ ص: 15 ] والخامس: أنها القسي تنزع بالسهم، قاله عطاء، وعكرمة .

والسادس: أنها الوحوش تنزع وتنفر، حكاه الماوردي .

والسابع: أنها الرماة، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: غرقا اسم أقيم مقام الإغراق . قال ابن قتيبة: والمعنى: والنازعات إغراقا، كما يغرق النازع في القوس، يعني: أنه يبلغ به غاية المد .

قوله تعالى: والناشطات نشطا فيه خمسة أقوال .

أحدها: أنها الملائكة . ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغم، قاله علي رضي الله عنه . قال مقاتل: ينزع ملك الموت روح الكافر، فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه، فيعذبه في حياته، ثم ينشطها من حلقه أي: يجذبها- كما ينشط السفود من الصوف المبتل . والثاني: أنها تنشط أرواح المؤمنين بسرعة، كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها، قاله ابن عباس . وقال الفراء: الذي سمعته من العرب: كما أنشط من عقال بألف . تقول: إذا ربطت الحبل في يد البعير: نشطته، فإذا حللته قلت: أنشطته .

والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا . وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك .

[ ص: 16 ] والثالث: أن الناشطات: الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد .

والرابع: النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي: تذهب، قاله قتادة، وأبو عبيدة، والأخفش . ويقال لبقر الوحش: نواشط، لأنها تذهب من موضع إلى موضع . قال أبو عبيدة: والهموم تنشط بصاحبها . قال هميان بن قحافة:


أمست همومي تنشط المناشطا الشام بي طورا وطورا واسطا


والخامس: أنها النفس حين تنشط بالموت، قاله السدي .

قوله تعالى: والسابحات سبحا فيه ستة أقوال .

أحدها: أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين، قاله علي رضي الله عنه . قال ابن السائب: يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء . فأحيانا ينغمس، وأحيانا يرتفع، يسلونها سلا رفيقا، ثم يدعونها حتى تستريح .

والثاني: أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، كما يقال للفرس الجواد: سابح: إذا أسرع في جريه، قاله مجاهد، وأبو صالح، والفراء .

والثالث: أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم، روي عن مجاهد أيضا .

والرابع: أنها السفن تسبح في الماء، قاله عطاء .

والخامس: أنها النجوم، والشمس، والقمر، كل في فلك يسبحون، قاله قتادة، وأبو عبيدة .

والسادس: أنها الخيل، حكاه الماوردي .

[ ص: 17 ] قوله تعالى: فالسابقات سبقا فيه خمسة أقوال .

أحدها: أنها الملائكة . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله علي، ومسروق . والثاني: أنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، قاله مجاهد، وأبو روق . والثالث: أنها سبقت بني آدم إلى الإيمان، قاله الحسن .

والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقا إلى لقاء الله، فيقبضونها وقد عاينت السرور، قاله ابن مسعود .

والثالث: أنه الموت يسبق إلى النفوس، روي عن مجاهد أيضا .

والرابع: أنها الخيل، قاله عطاء .

والخامس: أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير، قاله قتادة .

قوله تعالى: فالمدبرات أمرا قال ابن عباس: هي الملائكة . قال عطاء: وكلت بأمور عرفهم الله العمل بها . وقال عبد الرحمن بن سابط: يدبر أمر الدنيا أربعة أملاك: جبريل، وهو موكل بالرياح والجنود . وميكائيل، وهو موكل بالقطر والنبات . وملك الموت، وهو موكل بقبض الأنفس . وإسرافيل، وهو ينزل بالأمر عليهم . وقيل: بل جبريل للوحي، وإسرافيل للصور . وقال ابن قتيبة: فالمدبرات أمرا: تنزل بالحلال والحرام .

فإن قيل: أين جواب هذه الأقسام، فعنه جوابان .

أحدهما: أن الجواب قوله تعالى: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ، قاله مقاتل .

[ ص: 18 ] والثاني: أن الجواب مضمر، تقديره: لتبعثن، ولتحاسبن، ويدل على هذا قوله تعالى: أإذا كنا عظاما نخرة قاله الفراء .

قوله تعالى: يوم ترجف الراجفة ، وهي النفخة الأولى التي يموت منها جميع الخلائق . و " الراجفة " صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمحض . و " ترجف " بمعنى: تتحرك حركة شديدة تتبعها الرادفة وهي: النفخة الثانية ردفت الأولى، أي: جاءت بعدها . وكل شيء جاء بعد شيء فهو يردفه قلوب يومئذ واجفة أي: شديدة الاضطراب لما عاينت من أهوال القيامة أبصارها خاشعة أي: ذليلة لمعاينة النار . قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام . ويدل على هذا أنه ذكر منكري البعث، فقال تعالى: يقولون أإنا لمردودون في الحافرة قرأ ابن عامر وأهل الكوفة " أئنا " بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية، وفصل بينهما بألف نافع وأبو عمرو .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الحافرة: الحياة بعد الموت . فالمعنى: أنرجع أحياء بعد موتنا؟! وهذا قول ابن عباس، وعطية، والسدي . قال الفراء: يعنون: أنرد إلى أمرنا الأول إلى الحياة؟! والعرب تقول: أتيت فلانا، ثم رجعت على حافرتي، أي: رجعت من حيث جئت . قال أبو عبيدة: يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته: إذا رجع من حيث جاء، وهذا قول الزجاج .

والثاني: أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فسميت حافرة، والمعنى: محفورة، كما يقال: ماء دافق [الطارق: 6] و عيشة راضية [الحاقة: 21] وهذا قول مجاهد، والخليل . فيكون المعنى: أئنا لمردودون إلى الأرض خلقا جديدا؟!

[ ص: 19 ] قال ابن قتيبة: " في الحافرة " أي: إلى أول أمرنا . ومن فسرها بالأرض، فإلى هذا يذهب، لأنا منها بدئنا . قال الشاعر:


أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وعار


[كأنه قال: أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصبا " بعد ما شبت وصلعت؟! " .

والثالث: أن الحافرة: النار، قاله ابن زيد] .

قوله تعالى: أإذا كنا عظاما نخرة وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم " ناخرة " . قال الفراء: وهما بمعنى واحد في اللغة . مثل طمع، وطامع . وحذر، وحاذر . وقال الأخفش: هما لغتان . وقال الزجاج: يقال: نخر العظم ينخر، فهو نخر . مثل عفن الشيء يعفن، فهو عفن . وناخرة على معنى: عظاما فارغة، يجيء فيها من هبوب الريح كالنخير . قال المفسرون: والمراد أنهم أنكروا البعث، وقالوا: نرد أحياء إذا متنا وبليت عظامنا؟! تلك إذا كرة خاسرة أي: إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا مما يعدنا به محمد، فأعلمهم الله بسهولة البعث عليه، فقال تعالى: فإنما هي يعني النفخة الأخيرة زجرة واحدة أي: صيحة في الصور يسمعونها من إسرافيل وهم في الأرض فيخرجون فإذا هم بالساهرة وفيها أربعة أقوال .

[ ص: 20 ] أحدها: أن الساهرة: وجه الأرض، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، واللغويون . قال الفراء: كأنها سميت بهذا الاسم، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم .

والثاني: أنه جبل عند بيت المقدس، قاله وهب بن منبه .

والثالث: أنها جهنم، قاله قتادة .

والرابع: أنها أرض الشام، قاله سفيان .

هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم .

قوله تعالى: هل أتاك حديث موسى أي: قد جاءك . وقد بينا هذا في [طه: 9] وما بعده إلى قوله تعالى: طوى اذهب قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : " طوى اذهب " غير مجراة . وقرأ الباقون " طوى " منونة فقل هل لك إلى أن تزكى وقرأ ابن كثير، ونافع: " تزكى " بتشديد الزاي، أي: تطهر من الشرك وأهديك إلى ربك أي: أدعوك إلى توحيده، وعبادته فتخشى عذابه فأراه الآية الكبرى وفيها قولان .

[ ص: 21 ] أحدهما: أنها اليد والعصا، قاله جمهور المفسرين . والثاني: أنها اليد، قاله الزجاج .

قوله تعالى: فكذب أي بأنها من الله، وعصى نبيه ثم أدبر أي: أعرض عن الإيمان يسعى أي: يعمل بالفساد في الأرض فحشر أي: فجمع قومه وجنوده فنادى لما اجتمعوا فقال أنا ربكم الأعلى أي: لا رب فوقي . وقيل: أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربها وربكم . وقيل: أراد: أنا رب السادة والقادة .

قوله تعالى: فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فيه أربعة أقوال .

أحدها: أن الأولى قوله: " ما علمت لكم من إله غيري " [القصص: 38] والآخرة قوله: " أنا ربكم الأعلى " ، قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومقاتل، والفراء . ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد . قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة . قال السدي: فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة . قال الفراء: فالمعنى: أخذه الله أخذا نكالا للآخرة والأولى .

والثاني: المعنى: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، وعذبه في الآخرة، قاله الحسن، وقتادة . وقال الربيع بن أنس: عذبه الله في أول النهار بالغرق، وفي آخره بالنار .

والثالث: أن الأولى: تكذيبه وعصيانه . والآخرة قوله: " أنا ربكم الأعلى " ، قاله أبو رزين .

والرابع: أنها أول أعماله وآخرها، رواه منصور عن مجاهد . قال الزجاج: النكال: منصوب مصدر مؤكد، لأن معنى أخذه الله: نكل الله به نكال الآخرة [ ص: 22 ] والأولى: فأغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة .

قوله تعالى: إن في ذلك الذي فعل بفرعون لعبرة أي: لعظة لمن يخشى الله .

ثم خاطب منكري البعث، فقال تعالى: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها قال الزجاج: ذهب بعض النحويين إلى أن قوله تعالى: بناها من صفة السماء، فيكون المعنى: أم السماء التي بناها . وقال قوم: السماء ليس مما توصل، ولكن المعنى: أأنتم أشد خلقا، أم السماء أشد خلقا . ثم بين كيف خلقها، فقال تعالى: بناها قال المفسرون: أخلقكم بعد الموت أشد عندكم، أم السماء في تقديركم؟ وهما في قدرة الله واحد . ومعنى: " بناها " رفعها . وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء . ومعنى: رفع سمكها رفع ارتفاعها وعلوها في الهواء فسواها بلا شقوق، ولا فطور، ولا تفاوت، يرتفع فيه بعضها على بعض وأغطش ليلها أي: أظلمه فجعله مظلما . قال الزجاج: يقال: غطش الليل وأغطش، وغبش وأغبش، وغسق وأغسق، وغشي وأغشى، كله بمعنى أظلم .

قوله تعالى: وأخرج ضحاها أي: أبرز نهارها . والمعنى: أظهر نورها بالشمس . وإنما أضاف النور والظلمة إلى السماء لأنهما عنها يصدران والأرض بعد ذلك أي: بعد خلق السماء دحاها أي: بسطها . وبعض من يقول: إن الأرض خلقت قبل السماء يزعم أن " بعد " هاهنا بمعنى " قبل " كقوله [ ص: 23 ] تعالى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [الأنبياء: 105] . وبعضهم يقول: هي بمعنى " مع " كقوله تعالى: عتل بعد ذلك زنيم [القلم: 13]، ولا يمتنع أن تكون الأرض خلقت قبل السماء، ثم دحيت بعد كمال السماء، وهذا مذهب عبد الله بن عمرو بن العاص . وقد أشرنا إلى هذا الخلاف في [البقرة: 29] . ونصبت الأرض بمضمر تفسيره قوله تعالى: دحاها .

أخرج منها ماءها أي: فجر العيون منها ومرعاها وهو ما يأكله الناس والأنعام والجبال أرساها قال الزجاج: أي: أثبتها متاعا لكم أي: للإمتاع، لأن معنى أخرج منها ماءها ومرعاها: أمتع بذلك . وقال ابن قتيبة: " متاعا لكم " أي: منفعة [لكم] .

فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها .

قوله تعالى: فإذا جاءت الطامة الكبرى والطامة: الحادثة التي تطم على ما سواها، أي: تعلو فوقه . وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها: النفخة الثانية التي فيها البعث .

[ ص: 24 ] والثاني: أنها حين يقال لأهل النار; قوموا إلى النار .

والثالث: أنها حين يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار .

قوله تعالى: يتذكر الإنسان ما سعى أي: ما عمل من خير وشر وبرزت الجحيم لمن يرى أي: لأبصار الناظرين . قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق . وقرأ أبو مجلز، وابن السميفع " لمن ترى " بالتاء . وقرأ ابن عباس، ومعاذ القاريء " لمن رأى " بهمزة بين الراء والألف .

قوله تعالى: فأما من طغى في كفره وآثر الحياة الدنيا على الآخرة فإن الجحيم هي المأوى قال الزجاج: أي هي المأوى له . وهذا جواب " فإذا جاءت الطامة " فإن الأمر كذلك .

قوله تعالى: وأما من خاف مقام ربه قد ذكرناه في سورة [الرحمن: 46] .

قوله تعالى: ونهى النفس عن الهوى أي: عما تهوى من المحارم . قال مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب، فيتركها .

قوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قد سبق في [الأعراف: 187] فيم أنت من ذكراها أي: لست في شيء من علمها وذكرها . والمعنى: أنك لا تعلمها إلى ربك منتهاها أي: منتهى علمها إنما أنت منذر من يخشاها وقرأ أبو جعفر " منذر " بالتنوين . ومعنى الكلام: إنما أنت مخوف من يخافها . والمعنى: إنما ينفع إنذارك من يخافها، وهو المؤمن بها . وأما من لا يخافها فكأنه لم ينذر كأنهم يعني: كفار قريش يوم يرونها أي: يعاينون القيامة لم يلبثوا في الدنيا . وقيل: في قبورهم إلا عشية أو ضحاها أي: قدر آخر النهار من بعد العصر، أو أوله إلى أن ترتفع [ ص: 25 ] الشمس . قال الزجاج: والهاء والألف في " ضحاها " عائدان إلى العشية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 54.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.16%)]