عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24-08-2024, 04:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء التاسع

سُورَةُ النَّبَإِ
الحلقة (532)
صــ 3 إلى صــ 10




والثالث: أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات، وهذا معنى قول أبي صالح، ذكره الزجاج .

والرابع: الملائكة والريح، قاله أبو عبيدة . قال: ومعنى "عرفا": يتبع بعضها بعضا . يقال: جاؤوني عرفا . وفي "العاصفات" قولان .

أحدهما: أنها الرياح الشديدة الهبوب، قاله الجمهور .

والثاني: الملائكة، قاله مسلم بن صبيح . قال الزجاج: تعصف بروح الكافر . وفي "الناشرات" خمسة أقوال .

أحدها: أنها الرياح تنشر السحاب، قاله ابن مسعود، والجمهور .

والثاني: الملائكة تنشر الكتب، قاله أبو صالح .

والثالث: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد، قاله الضحاك .

والرابع: البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح، قاله الربيع .

والخامس: المطر ينشر النبات، حكاه الماوردي .

وفي "الفارقات" أربعة أقوال .

أحدها: الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، قاله الأكثرون .

والثاني: آي القرآن فرقت بين الحلال والحرام، قاله الحسن، وقتادة، وابن كيسان .

والثالث: الريح تفرق بين السحاب فتبدده، قاله مجاهد .

والرابع: الرسل، حكاه الزجاج .

"فالملقيات ذكرا" قولان .

أحدهما: الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء، وهذا مذهب ابن عباس، وقتادة، والجمهور .

والثاني: الرسل يلقون ما أنزل عليهم إلى الأمم، قاله قطرب .

قوله تعالى: عذرا أو نذرا قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم "عذرا" خفيفا "أو نذرا" مثقلا . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص، وخلف "عذرا أو نذرا" خفيفتان . قال الفراء: وهو مصدر، مثقلا كان أو مخففا . ونصبه على معنى: أرسلت بما أرسلت به إعذارا من الله وإنذارا . وقال الزجاج: المعنى: فالملقيات عذرا أو نذرا . ويجوز أن يكون المعنى: فالملقيات ذكرا للإعذار والإنذار . وهذه المذكورات مجرورات بالقسم . وجواب القسم "إنما توعدون لواقع" قال المفسرون:إن ما توعدون به من أمر الساعة، والبعث، والجزاء لواقع، أي: لكائن . ثم ذكر متى يقع فقال تعالى: فإذا النجوم طمست أي: محي نورها "وإذا السماء فرجت" أي: شقت "وإذا الجبال نسفت" قال الزجاج: أي: ذهب بها كلها بسرعة . يقال: انتسفت الشيء: إذا أخذته بسرعة .

قوله تعالى: وإذا الرسل أقتت قرأ أبو عمرو "وقتت" بواو مع تشديد القاف . ووافقه أبو جعفر ، إلا أنه خفف القاف . وقرأ الباقون: "أقتت" بألف مكان الواو مع تشديد القاف . قال الزجاج: وقتت وأقتت بمعنى واحد . فمن قرأ "أقتت" بالهمز، فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو . وكل واو انضمت، وكانت ضمتها لازمة، جاز أن تبدل منها همزة . وقال الفراء: الواو إذا كانت أول حرف، وضمت، همزت تقول: صلى القوم أحدانا . وهذه أجوه حسان . ومعنى "أقتت": جمعت لوقتها يوم القيامة . وقال ابن قتيبة: جمعت لوقت، وهو يوم القيامة . وقال الزجاج: جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمة .

قوله تعالى: لأي يوم أجلت أي: أخرت . وضرب الأجل لجمعهم، يعجب العباد من هول ذلك اليوم . ثم بينه فقال تعالى: ليوم الفصل وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق . ثم عظم ذلك اليوم بقوله: "وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين" بالبعث . ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذبة، فقال: "ألم نهلك الأولين" يعني بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم "ثم نتبعهم الآخرين" والقراء على رفع العين في "نتبعهم"، وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين . قال الفراء: "نتبعهم" مرفوعة . ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود "وسنتبعهم الآخرين: . ولو جزمت [ ص: 448 ] على معنى: ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجها جيدا . وقال الزجاج: الجزم عطف على "نهلك"، ويكون المعنى: لمن أهلك أولا وآخرا . والرفع على معنى: ثم نتبع الأول الآخر من كل مجرم . وقال مقاتل: ثم نتبعهم الآخرين: يعني"كفار مكة حين كذبوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جرير: الأولون: قوم نوح، وعاد، وثمود، والآخرون: قوم إبراهيم، ولوط، ومدين .

قوله تعالى: كذلك أي: مثل ذلك "نفعل بالمجرمين" يعني: المكذبين .

فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله تعالى: " ويل يومئذ للمكذبين " ؟

فالجواب: أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى، لأنه كلما ذكر شيئا قال: "ويل يومئذ للمكذبين" بهذا .

قوله تعالى: ألم نخلقكم قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف . وقرأ الباقون بإدغامها .

قوله تعالى: من ماء مهين أي: ضعيف "فجعلناه في قرار مكين" يعني: الرحم "إلى قدر معلوم" وهو مدة الحمل "فقدرنا" قرأ أهل المدينة، والكسائي "فقدرنا" بالتشديد . وقرأ الباقون: بالتخفيف . وهل بينهما فرق؟ .

فيه قولان .

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد . قال الفراء: تقول العرب: قدر عليه، وقدر عليه . وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال: لو كانت مشددة لقال: فنعم المقدرون، فأجاب الفراء فقال: قد تجمع العرب بين اللغتين،كقوله تعالى: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [الطارق: 17] . قال الشاعر:


وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا


يقول: ما أنكرت إلا ما يكون في الناس .

والثاني: أن المخففة من القدرة والملك، والمشددة من التقدير والقضاء . ثم بين لهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه . فقال تعالى: ألم نجعل الأرض كفاتا قال اللغويون: الكفت في اللغة: الضم . والمعنى: أنها تضم أهلها أحياء على ظهرها، وأمواتا في بطنها . قال ابن قتيبة: يقال: اكفت هذا إليك، أي: ضمه . وكانوا يسمون بقيع الغرقد: كفتة، لأنه مقبرة يضم الموتى .

وفي قوله تعالى: أحياء وأمواتا قولان .

أحدهما: أن المعنى: تكفتهم أحياء وأمواتا، قاله الجمهور . قال الفراء: وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات، فإذا نونت نصبت كما يقرأ "أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما" [البلد: 14] . وقال الأخفش: انتصب على الحال .

والقول الثاني: أن المعنى: ألم نجعل الأرض أحياء بالنبات والعمارة، وأمواتا بالخراب واليبس، هذا قول مجاهد، وأبي عبيدة .

قوله تعالى: وجعلنا فيها رواسي قد سبق بيان "شامخات" أي: عاليات "وأسقيناكم" قد سبق معنى "أسقينا"، [الحجر: 22: والجن: 16] ومعنى "الفرات" [الفرقان: 53، وفاطر: 12] والمعنى: إن هذه الأشياء أعجب من البعث . ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون" في الدنيا، وهو النار "انطلقوا إلى ظل" قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر . وقرأ أبي بن كعب وأبي عمران، ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي . قال ابن قتيبة: "والظل" هاهنا: ظل من دخان نار جهنم سطع، ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب، فيقال لهم: كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه، أو حيث شاء من الظل، ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار "لا ظليل" أي: يظلكم من حر هذا اليوم بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس . قال مجاهد: تكون شعبة فوق الإنسان، وشعبة عن يمينه، وشعبة عن شماله، فتحيط به . وقال الضحاك: الشعب الثلاث: هي الضريع، والزقوم، والغسلين . فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار .

قوله تعالى: ولا يغني من اللهب أي: لا يدفع عنكم لهب جهنم . ثم وصف النار فقال تعالى: إنها ترمي بشرر ، وهو جمع شررة ، وهو ما يتطاير من النار متفرقا "كالقصر" قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنية . وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو قول الجمهور . وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، ومجاهد، وأبو الجوزاء "كالقصر" بفتح الصاد . وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال: كنا نرفع الخشب [بقصر] ثلاثة أذرع أو أقل [فنرفعه] للشتاء، فنسميه: القصر . قال ابن قتيبة: من فتح الصاد أراد: أصول النخل المقطوعة . المقلوعة قال الزجاج: أراد أعناق الإبل . وقرأ سعد ابن أبي وقاص، وعائشة، وعكرمة، وأبو مجلز، وأبو المتوكل ، وابن يعمر "كالقصر" بفتح القاف، وكسر الصاد . وقرأ ابن مسعود، وأبو هريرة، والنخعي "كالقصر" برفع القاف والصاد جميعا . وقرأ أبو الدرداء، وسعيد بن جبير "كالقصر" بكسر القاف، وفتح الصاد، وقرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ "كالقصر" بضم القاف وإسكان الصاد .

قوله تعالى: كأنه جمالت قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم "جمالات" بألف، وكسر الجيم . وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم "جمالة" على التوحيد . وقرأ رويس عن يعقوب "جمالات" بضم الجيم . وقرأ أبو رزين ، وحميد، وأبو حيوة "جمالة" برفع الجيم على التوحيد . قال الزجاج: من قرأ "جمالات" بالكسر، فهو جمع جمال، كما تقول: بيوت، وبيوتات، وهو جمع الجمع، فالمعنى: كأن الشرارات كالجمالات . ومن قرأ "جمالات" بالضم، فهو جمع "جمالة" ومن قرأ جمالة" فهو جمع جمل وجمالة، كما قيل: حجر، وحجارة . وذكر، وذكارة . وقرئت "جمالة" على ما فسرناه في جمالات بالضم . و"الصفر" هاهنا: السود . يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة: إبل صفر . وقال الفراء: الصفر: سود الإبل لا يرى الأسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة، فلذلك سمت العرب سود الإبل: صفرا، كما سموا الظباء: أدما لما يعلوها من الظلمة في بياضها .

قوله تعالى: هذا يوم لا ينطقون قال المفسرون: هذا في بعض مواقف القيامة . قال عكرمة: تكلموا واختصموا، ثم ختم على أفواههم، فتكلمت أيديهم، وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون بحجة تنفعهم . وقرأ أبو رجاء، والقاسم ابن محمد، والأعمش، وابن أبي عبلة "هذا يوم لا ينطقون" بنصب الميم .

قوله تعالى: هذا يوم الفصل أي: بين أهل الجنة وأهل النار "جمعناكم" يعني مكذبي هذه الأمة "والأولين" من المكذبين الذين كذبوا أنبياءهم [ ص: 452 ] "فإن كان لكم كيد فكيدون" أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب أي: إن قدرتم على حيلة، فاحتالوا لأنفسكم . ثم ذكر ما للمؤمنين، فقال تعالى: "إن المتقين في ظلال" يعني: ظلال الشجر، وظلال أكنان القصور "وعيون" الماء، وهذا قد تقدم بيانه، إلى قوله تعالى كلوا أي: ويقال لهم: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله . ثم قال لكفار مكة: "كلوا وتمتعوا قليلا" في الدنيا إلى منتهى آجالكم "إنكم مجرمون" أي: مشركون بالله .

قوله تعالى: وإذا قيل لهم اركعوا فيه قولان .

أحدهما: أنه حين يدعون إلى السجود يوم القيامة، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم: اركعوا، أي: صلوا "لا يركعون" أي: لا يصلون . وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين، وهو الأصح . وقيل: نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقالوا: لا نحني، فإنها مسبة علينا، فقال: لا خير في دين ليس فيه ركوع .

قوله تعالى: فبأي حديث بعده يؤمنون أي: إن لم يصدقوا بهذا القرآن، فبأي كتاب بعده يصدقون، ولا كتاب بعده: !

تم - بعون الله تعالى وتوفيقه - الجزء الثامن من كتاب "زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي، ويليه الجزء التاسع ، وأوله تفسير سورة

سُورَةُ النَّبَإِ

ويقال لها: سورة التساؤل

وهي مكية كلها بإجماعهم

بسم الله الرحمن الرحيم

عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون [ ص: 4 ] منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا .

قوله تعالى: عم يتساءلون أصله " عن ما " فأدغمت النون في الميم، وحذفت ألف " ما " كقولهم: فيم، وبم . قال المفسرون: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المشركون يتساءلون بينهم، فيقولون: ما الذي أتى به؟ ويتجادلون، ويختصمون فيما بعث به، فنزلت هذه الآية . واللفظ لفظ استفهام، والمعنى: تفخيم القصة، كما يقولون: أي شيء زيد؟ إذا أردت تعظيم شأنه . ثم بين ما الذي يتساءلون عنه، فقال تعالى: عن النبإ العظيم يعني: عن الخبر العظيم الشأن . وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: القرآن، قاله مجاهد، ومقاتل، والفراء . قال الفراء: فلما أجاب صارت " عم " كأنها في معنى: لأي شيء يتساءلون عن القرآن .

والثاني: البعث، قاله قتادة .

والثالث: أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه الزجاج .

قوله تعالى: الذي هم فيه مختلفون من قال: إنه القرآن، فإن المشركين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: [ ص: 5 ] أساطير الأولين، إلى غير ذلك . وكذلك من قال: هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأما من قال: إنه البعث والقيامة، ففي اختلافهم فيه قولان .

أحدهما: أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به، فمنهم من صدق وآمن، ومنهم من كذب، وهذا معنى قول قتادة .

والثاني: أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه، فصدق به المسلمون، وكذب به المشركون، قاله يحيى بن سلام .

قوله تعالى: كلا قال بعضهم: هي ردع وزجر . وقال بعضهم: هي نفي لاختلافهم، والمعنى: ليس الأمر على ما قالوا سيعلمون عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر ثم كلا سيعلمون وعيد على إثر وعيد . وقرأ ابن عامر " ستعلمون " في الحرفين بالتاء . ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده، فقال تعالى: ألم نجعل الأرض مهادا أي: فراشا وبساطا والجبال أوتادا للأرض لئلا تميد وخلقناكم أزواجا أي: أصنافا، وأضدادا، ذكورا، وإناثا، سودا، وبيضا، وحمرا . وجعلنا نومكم سباتا قال ابن قتيبة: أي: راحة لأبدانكم . وقد شرحنا هذا في [الفرقان: 47] وشرحنا هناك قوله تعالى: وجعلنا الليل لباسا .

قوله تعالى: وجعلنا النهار معاشا أي: سببا لمعاشكم . والمعاش: العيش، وكل شيء يعاش به، فهو معاش . والمعنى: جعلنا النهار مطلبا للمعاش . وقال ابن قتيبة: معاشا، أي: عيشا، وهو مصدر وبنينا فوقكم سبعا شدادا قال مقاتل: هي السموات، غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك، وهي فوقكم يا بني آدم . فاحذروا أن تعصوا فتخر عليكم .

[ ص: 6 ] قوله تعالى: وجعلنا سراجا يعني: الشمس وهاجا قال ابن عباس: هو المضيء . وقال اللغويون: الوهاج: الوقاد . وقيل: الوهاج يجمع النور والحرارة .

قوله تعالى: وأنزلنا من المعصرات فيها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها السموات، قاله أبي بن كعب، والحسن، وابن جبير .

والثاني: أنها الرياح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، ومقاتل . وقال زيد بن أسلم: هي الجنوب . فعلى هذا القول تكون " من " بمعنى " الباء " فتقديره: بالمعصرات . وإنما قيل للرياح: معصرات، لأنها تستدر المطر .

والثالث: أنها السحاب، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية . والضحاك، والربيع . قال الفراء: السحابة المعصر: التي تتحلب بالمطر ولما يجتمع، مثل الجارية المعصر، قد كادت تحيض، ولما تحض . وكذلك قال ابن قتيبة: شبهت السحاب بمعاصير الجواري، والمعصر: الجارية التي قد دنت من الحيض . وقال الزجاج: إنما قيل للسحاب: معصرات، كما قيل: أجز الزرع، فهو مجز، أي: صار إلى أن يجز، فكذلك السحاب إذا صار إلى أن يمطر، فقد أعصر .

قوله تعالى: ماء ثجاجا قال مقاتل: أي: مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا . وقال غيره: يقال: ثج الماء يثج: إذا انصب لنخرج به أي: بذلك الماء حبا ونباتا وفيه قولان .

أحدهما: أن الحب: ما يأكله الناس، والنبات: ما تنبته الأرض مما يأكل [ ص: 7 ] الناس والأنعام، هذا قول الجمهور . وقال الزجاج: كل ما حصد حب، وكل ما أكلته الماشية من الكلإ، فهو نبات .

والثاني: أن الحب: اللؤلؤ، والنبات: العشب . قال عكرمة: ما أنزل الله من السماء قطرا، إلا أنبت به في البحر لؤلؤا، وفي الأرض عشبا .

قوله تعالى: وجنات يعني: بساتين ألفافا قال أبو عبيدة: أي: ملتفة من الشجر ليس بينها خلال، الواحدة: لفاء، وجنات لف، وجمع الجمع: ألفاف . قال المفسرون: فدل بذكر المخلوقات على البعث . ثم أخبر عن يوم القيامة فقال تعالى: إن يوم الفصل أي: يوم القضاء بين الخلائق كان ميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب . يوم ينفخ في الصور فتأتون من قبوركم أفواجا أي: زمرا زمرا من كل مكان وفتحت السماء قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر " وفتحت " بالتشديد . وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بالتخفيف، وإنما تفتح لنزول الملائكة فكانت أبوابا أي: ذات أبواب وسيرت الجبال عن أماكنها فكانت سرابا أي: كالسراب، لأنها تصير هباء منبثا فيراها الناظر كالسراب بعد شدتها وصلابتها إن جهنم كانت مرصادا قال المبرد: مرصادا يرصدون به، أي: هو معد لهم يرصد بها خزنتها الكفار . وقال الأزهري: المرصاد: المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو . ثم بين لمن هي مرصاد فقال تعالى: للطاغين قال ابن عباس: للمشركين مآبا أي: مرجعا .

قوله تعالى: لابثين وقرأ حمزة " لبثين " والمعنى: فيهما واحد . يقال: هو لابث بالمكان، ولبث . ومثله طامع، وطمع، وفاره، وفره . وأما الأحقاب فجمع حقب، وقد ذكرنا الاختلاف فيه في [الكهف: 60] .

[ ص: 8 ] فإن قيل: ما معنى ذكر الأحقاب، وخلودهم في النار لا نفاد له؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن هذا لا يدل على غاية، لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب . ولو أنه قال " لابثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة " دل على غاية، هذا قول ابن قتيبة، والجمهور . وبيانه أن زمان أهل الجنة والنار يتصور دخوله تحت العدد، وإن لم يكن لها نهاية .

والثاني: أن المعنى: أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا فأما خلودهم في النار فدائم . هذا قول الزجاج . وبيانه أن الأحقاب حد لعذابهم بالحميم والغساق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب . وفي المراد " بالبرد " ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه برد الشراب . روى أبو صالح عن ابن عباس قال: لا يذوقون فيها برد الشراب، ولا الشراب .

والثاني: أنه الروح والراحة، قاله الحسن، وعطاء .

والثالث: أنه النوم، قاله مجاهد، والسدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وأنشدوا:


فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا


قال ابن قتيبة: النقاخ: الماء، والبرد: النوم، سمي بذلك لأنه تبرد فيه الحرارة . [ ص: 9 ] وقال مقاتل: لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حرها، ولا شرابا ينفعهم من عطش إلا حميما وغساقا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر " غساقا " بالتخفيف . وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وحفص عن عاصم بالتشديد .

وقد تقدم ذكر الحميم، والغساق [ص: 57] جزاء وفاقا قال الفراء: وفقا لأعمالهم . وقال غيره: جوزوا جزاء وفاقا لأعمالهم على مقدارها فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار .

إنهم كانوا لا يرجون حسابا فيه قولان .

أحدهما: لا يخافون أن يحاسبوا، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الجمهور .

والثاني: لا يرجون ثواب حساب، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الزجاج .

قوله تعالى: وكذبوا بآياتنا كذابا قال الفراء: الكذاب بالتشديد لغة يمانية فصيحة، يقولون: كذبت به كذابا، وخرقت القميص خراقا، وكل " فعلت " فمصدره في لغتهم مشدد . قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك، أم القصار؟ وأنشدني بعض بني كلاب:


لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائيا


وأما أهل نجد، فيقولون: كذبت به تكذيبا . وقال أبو عبيدة: الكذاب أشد من الكذاب، وهما مصدر المكاذبة . قال الأعشى:





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-08-2024 الساعة 02:50 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 54.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.33 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]