عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-08-2024, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ الْحَاقَّةِ
الحلقة (525)
صــ 340 إلى صــ 354




قوله تعالى: سلهم أيهم بذلك زعيم فيه قولان .

أحدهما: أنه الكفيل، قاله ابن عباس، وقتادة . والمعنى: أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير .

والثاني: أنه الرسول، قاله الحسن .

قوله تعالى: أم لهم شركاء يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى، والمعنى: ألهم أرباب يفعلون بهم هذا الذي زعموا . وقيل: يشهدون لهم بصدق ما ادعوا "فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين" في أنها شركاء الله . وإنما أضيف الشركاء إليهم لادعائهم أنهم شركاء الله .

يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون

"يوم يكشف" المعنى: فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق . قرأ الجمهور: "يكشف" بضم الياء، وفتح الشين . وقرأ ابن أبي عبلة، وعاصم الجحدري، وأبو الجوزاء، بفتح الياء، وبكسر الشين . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس: "تكشف" بتاء مفتوحة، وكسر الشين . وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وابن يعمر، والضحاك: "نكشف" بنون [ ص: 341 ] مفتوحة مع كسر الشين . وهذا اليوم هو يوم القيامة . وقد روى عكرمة عن ابن عباس: "يوم يكشف عن ساق" قال: يكشف عن شدة، وأنشد:


وقامت الحرب بنا على ساق


وهذا قول مجاهد، وقتادة .

قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه، شمر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة، واللغويين . وقد أضيف هذا الأمر إلى الله تعالى . فروي في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "يكشف عن ساقه"، وهذا إضافة إليه، لأن الكل له وفعله . وقال أبو عمر الزاهد: يراد بها النفس، ومنه قول علي رضي الله عنه: أقاتلهم ولو تلفت ساقي، أي: نفسي . فعلى هذا يكون المعنى يتجلى لهم .

قوله تعالى: ويدعون إلى السجود يعني: المنافقين "فلا يستطيعون" كأن في ظهورهم سفافيد الحديد . قال النقاش: وليس ذلك بتكليف لهم أن [ ص: 342 ] يسجدوا، وهم عجزة، ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود "خاشعة أبصارهم" أي: خاضعة "ترهقهم ذلة" أي: تغشاهم وقد كانوا يدعون إلى السجود يعني: بالأذان في دار الدنيا، ويؤمرون بالصلاة المكتوبة "وهم سالمون" أي: معافون ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد . وفي هذا وعيد لمن ترك صلاة الجماعة . وكان كعب يقول: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث" يعني: القرآن . والمعنى: خل بيني وبينه . قال الزجاج: أي: لا تشغل قلبك به، كله إلي فأنا أكفيك أمره . وذكر بعض المفسرين أن هذا القدر من الآية إلى قوله: "الحديث" منسوخ بآية السيف . وما بعد هذا مفسر في [الأعراف: 182 . 183] إلى قوله تعالى: أم تسألهم أجرا فإنها مفسرة والتي قبلها في [الطور: 40،39] .

فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين

قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك أي: اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت . وقيل: معنى الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى: ولا تكن كصاحب الحوت وهو يونس . وفيماذا نهي أن يكون مثله قولان .

أحدهما: أنه العجلة، والغضب، قاله قتادة .

والثاني: الضعف عن تبليغ الرسالة، قاله ابن جرير .

قال ابن الأنباري: وهذا لا يخرج يونس من أولي العزم، لأنها خطيئة . [ ص: 343 ] ولو قلنا: إن كل مخطئ من الأنبياء ليس من أولي العزم، خرجوا كلهم إلا يحيى . ثم أخبر عن عقوبته إذ لم يصبر، فقال تعالى: إذ نادى وهو مكظوم قال الزجاج: مملوء غما وكربا .

قوله تعالى: لولا أن تداركه وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وابن أبي عبلة: "لولا أن تداركته" بتاء خفيفة، وبتاء ساكنة بعد الكاف مع تخفيف الدال . وقرأ أبو هريرة، وأبو المتوكل : "تداركه" بتاء واحدة خفيفة مع تشديد الدال . وقرأ أبي بن كعب "تتداركه" بتاءين خفيفتين "نعمة من ربه" فرحمه بها، وتاب عليه من معاصيه "لنبذ بالعراء وهو مذموم" وقد بينا معنى " العراء " في [الصافات: 145] . ومعنى الآية: أنه نبذ غير مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة . وقال ابن جريج: ( نبذ بالعراء ) وهي: أرض المحشر، فالمعنى: أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة فاجتباه ربه أي: استخلصه واصطفاه، وخلصه من الذم "فجعله من الصالحين" فرد عليه الوحي، وشفعه في قومه ونفسه "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم" قرأ الأكثرون بضم الياء من أزلقته، وقرأ أهل المدينة، وأبان بفتحها من زلقته أزلقه، وهما لغتان مشهورتان في العرب . قال الزجاج: يقال: زلق الرجل رأسه وأزلقه: إذا حلقه . وفي معنى الآية للمفسرين قولان .

أحدهما: أن الكفار قصدوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئا، ثم يرفع جانب خبائه، فتمر به النعم، فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها عدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، فعصم الله نبيه، وأنزل هذه الآية، هذا قول الكلبي، وتابعه قوم من المفسرين [ ص: 344 ] تلقفوا ذلك من تفسيره، منهم الفراء .

والثاني: أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقه من شدته، أي: يلقيه إلى الأرض . وهذا مستعمل في كلام العرب . يقول القائل: نظر إلي فلان نظرا كاد يصرعني . وأنشدوا:


يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرا يزيل مواطن الأقدام


أي: ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة يكاد يزيل الأقدام، وإلى هذا ذهب المحققون، منهم ابن قتيبة، والزجاج . ويدل على صحته أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله تعالى: لما سمعوا الذكر والقوم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة، فيحدون النظر إليه بالبغضاء . وإصابة العين، إنما تكون مع الإعجاب والاستحسان، لا مع البغض، فلا يظن بالكلبي أنه فهم معنى الآية . "وما هو" يعني: القرآن "إلا ذكر" أي: موعظة .

سُورَةُ الْحَاقَّةِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية

"الحاقة": القيامة . قال الفراء: إنما قيل لها: حاقة، لأن فيها حواق الأمور . وقال الزجاج: إنما سميت الحاقة، لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر .

قوله تعالى: ما الحاقة هذا استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد، وما زيد؟ على التعظيم لشأنه . ثم زاد في التهويل بأمرها، فقال تعالى: وما أدراك ما الحاقة أي: لأنك لم تعاينها، ولم تدر ما فيها من الأهوال .

ثم أخبر عن المكذبين بها، فقال تعالى: كذبت ثمود وعاد بالقارعة قال ابن عباس: القارعة: اسم من أسماء يوم القيامة . قال مقاتل: وإنما سميت [ ص: 346 ] بالقارعة، لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب . وقال ابن قتيبة: القارعة: القيامة لأنها تقرع، يقال: أصابتهم قوارع الدهر . وقال الزجاج: لأنها تقرع بالأهوال . وقال غيرهم: لأنها تقرع القلوب بالفزع . فأما "الطاغية" ففيها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها طغيانهم وكفرهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبو عبيدة، وابن قتيبة . قال الزجاج : ومعنى الطاغية عند أهل اللغة: طغيانهم . و"فاعلة" قد يأتي بمعنى المصادر، نحو عاقبة، وعافية .

والثاني: بالصيحة الطاغية، قاله قتادة . وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم .

والثالث: أن الطاغية: عاقر الناقة، قاله ابن زيد . والريح الصرصر قد فسرناها في [حم السجدة: 16] . والعاتية: التي جاوزت المقدار . وجاء في التفسير أنها عتت على خزانها يومئذ، فلم يكن لهم عليها سبيل .

قوله تعالى: سخرها عليهم أرسلها وسلطها . والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار . وفي قوله تعالى: حسوما ثلاثة أقوال .

أحدها: تباعا قاله ابن عباس . قال الفراء: الحسوم: التباع، يقال في الشيء إذا تتابع، فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم . وإنما أخذ - والله أعلم - من حسم الداء: إذا كوي صاحبه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه .

والثاني: كاملة، قاله الضحاك . فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها . قال مقاتل: هاجت الريح غدوة، وسكنت بالعشي في اليوم الثامن، [ ص: 347 ] وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيرا أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر .

والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحدا، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد .

قوله تعالى: فترى القوم فيها أي: في تلك الليالي والأيام "صرعى" وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم كأنهم أعجاز نخل أي: أصول نخل "خاوية" أي: بالية . وقد بينا هذا في سورة [القمر: 20] .

قوله تعالى: فهل ترى لهم من باقية فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من بقاء، قاله الفراء .

والثاني: من بقية، قاله أبو عبيدة . قال: وهو مصدر كالطاغية .

والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة "وجاء فرعون ومن قبله" قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان : بكسر القاف، وفتح الباء .

والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء . فمن كسر القاف أراد: من يليه ويحف به من جنوده وأتباعه . ومن فتحها أراد: من كان قبله من الأمم الكافرة . وفي "المؤتفكات" ثلاثة أقوال .

أحدها: قرى قوم لوط . والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون .

والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك، وهو الكذب، قاله الزجاج .

والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: بالخاطئة قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: [ ص: 348 ] الخاطئة: الخطأ العظيم "فعصوا رسول ربهم" أي: كذبوا رسلهم "فأخذهم أخذة رابية" أي: زائدة على الأحداث "إنا لما طغى الماء" أي: تجاوز حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح "حملناكم" يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم "في الجارية" وهي: السفينة التي تجري في الماء "لنجعلها" أي: لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه "تذكرة" أي: عبرة، وموعظة "وتعيها أذن واعية" أي: أذن تحفظ ما سمعت، وتعمل به . وقال الفراء: لتحفظها كل أذن، فتكون عظة لمن يأتي بعده .

فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون

قوله تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وفيها قولان .

أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله عطاء .

والثاني: الأخيرة، قاله ابن السائب، ومقاتل . "وحملت الأرض [ ص: 349 ] والجبال" أي: حملت الأرض والجبال وما فيها "فدكتا دكة واحدة" أي: كسرتا، ودقتا دقة واحدة، لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيء، فتصير كالأديم الممدود . وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الأعراف] عند قوله تعالى: جعله دكا [آية: 143] . قال الفراء: وإنما قال: فدكتا، ولم يقل: فدككن، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد، كقوله تعالى: أن السماوات والأرض كانتا رتقا [الأنبياء: 30]، وأنشدوا:


هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما


والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت، أو تهيأت للولادة .

قوله تعالى: فيومئذ وقعت الواقعة أي: قامت القيامة وانشقت السماء لنزول من فيها من الملائكة فهي يومئذ واهية فيه قولان .

أحدهما: أن وهيها: ضعفها وتمزقها من الخوف، قاله مقاتل .

والثاني: أنه تشققها، قاله الفراء "والملك" يعني: الملائكة، فهو اسم جنس "على أرجائها" أي: على جوانبها . قال الزجاج: ورجاء كل شيء: ناحيته، مقصور . والتثنية: رجوان، والجمع: أرجاء . وأكثر المفسرين على أن [ ص: 350 ] المشار إليها السماء . قال الضحاك: إذا انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بها، ومن عليها . وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: على أرجاء الدنيا .

قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: فوق رؤوسهم، أي: العرش على رؤوس الحملة، قاله مقاتل .

والثاني: فوق الذين على أرجائها، أي: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجائها .

والثالث: أنهم فوق أهل القيامة، حكاهما الماوردي "يومئذ" أي: يوم القيامة "ثمانية" فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ثمانية أملاك . وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين، هذا قول الجمهور .

والثاني: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل، قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة .

[ ص: 351 ] والثالث: ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إلا الله، قاله مقاتل . وقد روى أبو داود في "سننه" من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" .

قوله تعالى: يومئذ تعرضون على الله لحسابكم (لا تخفى) عليه . قرأ حمزة، والكسائي: "لا يخفى" بالياء . وقرأ الباقون بالتاء . والمعنى: لا يخفى عليه (منكم خافية) أي: نفس خافية، أو فعلة خافية . وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال، ومعاذير وأما الثالثة، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، وكان عمر بن الخطاب يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية .

(فيقول هاؤم) قال الزجاج: "هاؤم" أمر من الجماعة . بمنزلة هاكم . تقول للواحد: ها يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان . وللثلاثة: هاؤم يا رجال .

[ ص: 352 ] قال المفسرون: إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته . وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد .

قوله تعالى: إني ظننت أي: علمت وأيقنت في الدنيا "أني ملاق حسابيه" أي: أبعث، وأحاسب في الآخرة (فهو في عيشة) أي: حالة من العيش "راضية" قال الفراء: أي: فيها الرضى .

وقال الزجاج: أي: ذات رضى يرضاها من يعيش فيها . وقال أبو عبيدة: مجازها مجاز مرضية "في جنة عالية" أي: عالية المنازل "قطوفها" أي: ثمارها "دانية" أي: قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف . والقطف: ما يقطف من الثمار . قال البراء بن عازب: يتناول الثمرة وهو نائم .

قوله تعالى: كلوا أي: يقال لهم: كلوا "واشربوا هنيئا بما أسلفتم" أي: قدمتم من الأعمال الصالحة في "الأيام الخالية" الماضية، وهي أيام الدنيا . (وأما من أوتي كتابه بشماله) قال مقاتل: نزلت في الأسود بن عبد الأسود، قتله حمزة ببدر، وهو أخو أبي سلمة . وقيل: نزلت في أبي جهل .

قوله تعالى يا ليتني لم أوت كتابيه وذلك لما يرى فيه من القبائح (ولم أدر ما حسابيه) لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب، إنما كله عليه . وكان ابن مسعود، وقتادة، ويعقوب، يحذفون الهاء من "كتابيه" و"حسابيه" في الوصل . قال الزجاج: والوجه أن يوقف على هذه الهاآت، ولا توصل، لأنها أدخلت للوقف . وقد حذفها قوم في الوصل، ولا أحب مخالفة المصحف، وكذلك قوله تعالى: وما أدراك ما هيه [القارعة: 10] .

قوله تعالى: يا ليتها يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا (كانت القاضية) [ ص: 353 ] أي: القاطعة للحياة، فكأنه تمنى دوام الموت، وأنه لم يبعث للحساب (هلك عني سلطانيه) فيه قولان .

أحدهما: ضلت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي .

والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: خذوه أي: يقول الله تعالى: خذوه فغلوه أي: اجمعوا يده إلى عنقه (ثم الجحيم صلوه) أي: أدخلوه النار . وقال الزجاج: اجعلوه يصلى النار (ثم في سلسلة) وهي حلق منتظمة (ذرعها سبعون ذراعا) قال ابن عباس: بذراع الملك . وقال نوف الشامي: كل ذراع سبعون باعا، الباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة . وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعا . وقال مقاتل: ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول . ويقال: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة .

قوله تعالى: فاسلكوه أي: أدخلوه . قال الفراء: وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها . والمعنى: ثم اسلكوا فيه السلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي . ويقال: الخاتم لا يدخل في يدي، وإنما اليد تدخل في الخاتم، وإنما استجازوا ذلك، لأن معناه معروف .

قوله تعالى: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم أي: لا يصدق بوحدانيته وعظمته (ولا يحض على طعام المسكين) أي: لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه [ ص: 354 ] (فليس له اليوم ها هنا حميم) أي: قريب ينفعه، أي: يشفع له (ولا طعام إلا من غسلين) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس . قال مقاتل: إذا سال القيح، والدم بادروا أكله قبل أن تأكله النار .

والثاني: شجر يأكله أهل النار، قاله الضحاك، والربيع: .

والثالث: أنه غسالة أجوافهم، قاله يحيى بن سلام . قال ابن قتيبة: وهو "فعلين" من "غسلت" كأنه غسالة .

وقوله تعالى: إلا الخاطئون يعني الكافرين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]