عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-08-2024, 01:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ الْقَلَمِ
الحلقة (524)
صــ 325 إلى صــ 339




قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين

قوله تعالى: قل أرأيتم إن أهلكني الله بعذابه "ومن معي" من المؤمنين . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "معي" بفتح الياء . وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي: "معي" بالإسكان "أو رحمنا" فلم يعذبنا "فمن يجير الكافرين" أي: يمنعهم ويؤمنهم "من [ ص: 325 ] عذاب أليم" ومعنى الآية: إنا مع إيماننا، بين الخوف والرجاء: فمن يجيركم مع كفركم من العذاب؟! أي: لأنه لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين "قل هو الرحمن" الذي نعبد "فستعلمون" وقرأ الكسائي: "فسيعلمون" بالياء عند معاينة العذاب من الضال نحن أم أنتم .

قوله تعالى: إن أصبح ماؤكم غورا قد بيناه في [الكهف: 41] "فمن يأتيكم بماء معين" أي: بماء ظاهر تراه العيون، وتناله الأرشية .

سُورَةُ الْقَلَمِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّ فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

قوله تعالى: "ن" قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: "ن والقلم" النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو، وهذا اختيار الفراء . وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون من "نون" . وبها قرأ الكسائي، وخلف، ويعقوب، وهو اختيار الزجاج . وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وقتادة، والأعمش: "نون والقلم" بكسر النون . وقرأ الحسن، وأبو عمران، وأبو نهيك: "ن والقلم" برفع النون .

وفي معنى نون سبعة أقوال .

أحدها: أنها الدواة . روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ص: 327 ] "أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة" وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير، وبه قال الحسن وقتادة .

والثاني: أنه آخر حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث: أنه الحوت الذي على ظهر الأرض، وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن ابن عباس، وهو مذهب مجاهد، والسدي، وابن السائب، ومقاتل .

والرابع: أنه لوح من نور، قاله معاوية بن قرة .

والخامس: أنه افتتاح اسمه "نصير"، و"ناصر"، قاله عطاء .

والسادس: أنه قسم بنصرة الله للمؤمنين، قاله القرظي .

والسابع: أنه نهر في الجنة، قاله جعفر الصادق .

[ ص: 328 ] وفي "القلم" قولان .

أحدهما: أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ .

والثاني: أنه الذي يكتب به الناس . وإنما أقسم به، لأن كتبه إنما تكتب() و"يسطرون" بمعنى: يكتبون . وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الملائكة . وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان . أحدهما: أنه الذكر، قاله مجاهد، والسدي . والثاني: أعمال بني آدم، قاله مقاتل .

والقول الثاني: أنهم جميع الكتبة، حكاه الثعلبي "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" أي: ما أنت بإنعام ربك عليك بالإيمان والنبوة بمجنون . قال الزجاج: هذا جواب قولهم: إنك لمجنون . وتأويله: فارقك الجنون بنعمة الله .

قوله تعالى: وإن لك بصبرك على افترائهم عليك، ونسبتهم إياك إلى الجنون "لأجرا غير ممنون" أي: غير مقطوع ولا منقوص، "وإنك لعلى خلق عظيم" فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: دين الإسلام، قاله ابن عباس .

والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن .

والثالث: الطبع الكريم . وحقيقة "الخلق" ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، فسمي خلقا، لأنه يصير كالخلقة في صاحبه . فأما ما طبع عليه فيسمى: "الخيم" فيكون الخيم: الطبع الغريزي، والخلق: الطبع المتكلف . هذا قول الماوردي . وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ ص: 329 ] فقالت: كان خلقه القرآن . تعني: كان على ما أمره الله به في القرآن .

قوله تعالى: فستبصر ويبصرون يعني: أهل مكة . وهذا وعيد لهم بالعذاب . والمعنى: سترى ويرون إذا نزل بهم العذاب ببدر "بأيكم المفتون" وفيه أربعة أقوال .

أحدها: الضال، قاله الحسن . والثاني: الشيطان، قاله مجاهد . والثالث: المجنون، قاله الضحاك . والمعنى: الذي قد فتن بالجنون . والرابع: المعذب، حكاه الماوردي .

وفي الباء قولان .

أحدهما: أنها زائدة، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة . وأنشدوا:


نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج


[ ص: 330 ] والثاني: أنها أصلية، وهذا قول الفراء، والزجاج . قال الزجاج: ليس كونها لغوا بجائز في العربية في قول أحد من أهلها .

وفي الكلام قولان للنحويين .

أحدهما: أن المفتون ها هنا: الفتون . والمصادر تجيء على المفعول . تقول العرب ليس: هذا معقود رأي، أي: عقد رأي، وتقول: دعه إلى ميسوره، أي: يسره . والمعنى: بأيكم الجنون .

والثاني: بأيكم المفتون بالفرقة التي أنت فيها، أم بفرقة الكفار؟ فيكون المعنى: في أي الفرقتين المجنون . وقد ذكر الفراء نحو ما شرحه الزجاج . وقد قرأ أبي بن كعب ، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: "في أي المفتون" . ثم أخبر أنه عالم بالفريقين بما بعد هذا .

فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم

قوله تعالى: فلا تطع المكذبين وذلك أن رؤساء أهل مكة دعوه إلى دين آبائه، فنهاه الله أن يطيعهم "ودوا لو تدهن فيدهنون" فيه سبعة أقوال .

أحدها: لو ترخص فيرخصون، قاله ابن عباس .

والثاني: لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم، قاله الحسن .

[ ص: 331 ] والثالث: لو تكفر فيكفرون، قاله عطية، والضحاك، ومقاتل .

والرابع: لو تلين فيلينون لك، قاله ابن السائب .

والخامس، لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون، قاله زيد بن أسلم .

والسادس: ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم . وكانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدة، ويعبدوا الله مدة، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: هو من المداهنة .

والسابع: لو تقاربهم فيقاربونك، قاله ابن كيسان .

قوله تعالى: ولا تطع كل حلاف وهو كثير الحلف بالباطل "مهين" وهو الحقير . الدنيء وروى العوفي عن ابن عباس قال: المهين: الكذاب .

واختلفوا فيمن نزل هذا على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الوليد بن المغيرة، قاله ابن عباس، ومقاتل . والثاني: الأخنس بن شريق، قاله عطاء، والسدي . والثالث: الأسود بن عبد يغوث، قاله مجاهد . [ ص: 332 ] قوله تعالى: هماز قال ابن عباس: هو المغتاب . وقال ابن قتيبة: هو العياب .

قوله تعالى: مشاء بنميم أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهو نقل الكلام السيئ من بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم "مناع للخير" فيه قولان .

أحدهما: أنه منع ولده وعشيرته الإسلام، قاله ابن عباس .

والثاني: مناع للحقوق في ماله، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: معتد أي: ظلوم "أثيم" "فاجر" "عتل بعد ذلك" أي: مع ما وصفناه به . وفي "العتل" سبعة أقوال .

أحدها: أنه العاتي الشديد المنافق، قاله ابن عباس . والثاني: أنه المتوفر الجسم، قاله الحسن . والثالث: الشديد الأشر، قاله مجاهد . والرابع: القوي في كفره، قاله عكرمة . والخامس: الأكول الشروب القوي الشديد، قاله عبيد بن عمير . والسادس: الشديد الخصومة بالباطل، قاله الفراء . والسابع: أنه الغليظ الجافي، قاله ابن قتيبة .

[ ص: 333 ] وفي "الزنيم" أربعة أقوال .

أحدها: أنه الدعي في قريش وليس منهم، رواه عطاء عن ابن عباس، وهذا معروف في اللغة أن الزنيم: هو الملتصق في القوم وليس منهم، وبه قال الفراء، وأبو عبيدة، وابن قتيبة . قال حسان:


وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد


والثاني: أنه الذي يعرف بالشر، كما تعرف الشاة بزنمتها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث: أنه الذي له زنمة مثل زنمة الشاة . وقال ابن عباس: نعت فلم يعرف حتى قيل: زنيم، فعرف، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها . ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه من ذكر عيوب الوليد، لأنه وصفه بالحلف، والمهانة، والعيب للناس، والمشي بالنميمة، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء، والدعوة، فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة . والزنمتان: المعلقتان عند حلوق المعزى . وقال ابن فارس: يعني التي تتعلق من أذنها .

والرابع: أنه الظلوم، رواه الوالبي عن ابن عباس .

قوله تعالى: أن كان ذا مال وبنين قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وحفص عن عاصم: "أن كان" على الخبر، أي: لأن كان . والمعنى: لا تطعه لماله وبنيه . وقرأ ابن عباس بهمزتين، الأولى: مخففة . والثانية: ملينة، وفصل بينهما بألف أبو جعفر . وقرأ حمزة: "أأن كان" بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وله وجهان .

[ ص: 334 ] أحدهما: لأن كان ذا مال تطيعه؟!

والثاني: ألأن كان ذا مال وبنين؟! "إذا تتلى عليه آياتنا" يكفر بها؟ فيقول: "أساطير الأولين" ذكر القولين الفراء . وقرأ ابن مسعود: "أن كان" بهمزة واحدة مقصورة . ثم أوعده فقال تعالى: سنسمه على الخرطوم الخرطوم: الأنف . وفي هذه السمة ثلاثة أقوال .

أحدها: سنسمه بالسيف، فنجعل ذلك علامة على أنفه ما عاش، فقاتل يوم بدر فخطم بالسيف، قاله ابن عباس .

والثاني: سنلحق به شيئا لا يفارقه، قاله قتادة، واختاره ابن قتيبة .

والثالث: أن المعنى: سنسود وجهه . قال الفراء: و"الخرطوم" وإن كان قد خص بالسمة، فإنه في مذهب الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن البعض . وقال الزجاج: سنجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم . وجائز - والله أعلم - أن يفرد بسمة لمبالغته في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين بها عن غيره .

إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين . ولا يستثنون . فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون . فأصبحت كالصريم . فتنادوا مصبحين . أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين . فانطلقوا وهم يتخافتون . أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين . وغدوا على حرد قادرين . فلما رأوها قالوا إنا لضالون . بل نحن محرومون . قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون . قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين . فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون . قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين . عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون . كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون . [ ص: 335 ] إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم . أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون . أم لكم كتاب فيه تدرسون . إن لكم فيه لما تخيرون . أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون . سلهم أيهم بذلك زعيم . أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين .

قوله تعالى: إنا بلوناهم يعني: أهل مكة، أي: ابتليناهم بالجوع، والقحط كما بلونا أصحاب الجنة حين هلكت جنتهم .

وهذه الإشارة إلى قصتهم

ذكر أهل التفسير أن رجلا كان بناحية اليمن له بستان، وكان مؤمنا . وذلك بعد عيسى بن مريم عليهما السلام، وكان يأخذ منه قدر قوته، وكان يتصدق بالباقي . وقيل: كان يترك للمساكين ما تعداه المنجل، وما يسقط من رؤوس النخل، وما ينتثر عند الدراس، فكان يجتمع من هذا شيء كثير، فمات الرجل عن ثلاث بنين، فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير، وإنما كان أبونا يفعل هذا إذ كان المال كثيرا، والعيال قليلا، وأما الآن فلا نستطيع أن نفعل هذا . فعزموا على حرمان المساكين، وتحالفوا بينهم ليغدن قبل خروج الناس، فليصرمن نخلهم، فذلك قوله تعالى: إذ أقسموا أي: حلفوا "ليصرمنها" أي: ليقطعن نخلهم مصبحين أي: في أول الصباح . وقد بقيت من الليل ظلمة لئلا يبقى للمساكين شيء .

وفي قوله تعالى: ولا يستثنون قولان .

أحدهما: لا يقولون: إن شاء الله، قاله الأكثرون .

[ ص: 336 ] والثاني: لا يستثنون حق المساكين، قاله عكرمة "فطاف عليها طائف من ربك" أي: من أمر ربك . قال الفراء: الطائف لا يكون إلا بالليل . قال المفسرون: بعث الله عليها نارا بالليل، فاحترقت، فصارت سوداء، فذلك قوله تعالى: فأصبحت كالصريم وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: كالرماد الأسود، قاله ابن عباس .

والثاني: كالليل المسود، قاله الفراء . وكذلك قال ابن قتيبة: أصبحت سوداء كالليل محترقة . والليل: هو الصريم، والصبح أيضا: صريم، لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه .

والثالث: أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر، فكأنه قد صرم، أي: قطع، وجذ حكاه ابن قتيبة أيضا .

قوله تعالى: فتنادوا مصبحين أي: نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا "أن اغدوا على حرثكم" يعني: الثمار والزروع والأعناب "إن كنتم صارمين" أي: قاطعين للنخل، "فانطلقوا" أي: ذهبوا إلى جنتهم "وهم يتخافتون" قال ابن قتيبة: يتساررون بـ "أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد" فيه ثمانية أقوال .

أحدهما: على قدرة، قاله ابن عباس .

والثاني: على فاقة، قاله الحسن في رواية .

والثالث: على جد، قاله الحسن في رواية، وقتادة، وأبو العالية، والفراء، ومقاتل .

والرابع: على أمر مجمع قد أسسوه بينهم، قاله مجاهد، وعكرمة .

والخامس: أن الحرد: اسم الجنة، قاله السدي .

[ ص: 337 ] والسادس: أنه الحنق والغضب على المساكين، قاله الشعبي، وسفيان . وأنشد أبو عبيدة:


أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود


والسابع: أنه المنع مأخوذ من حاردت السنة فليس فيها مطر، وحاردت الناقة فليس لها لبن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة:

والثامن: أنه القصد . يقال: حردت حردك، أي: قصدت قصدك، حكاه الفراء، وأبو عبيدة، وابن قتيبة . وأنشدوا:


قد جاء سيل كان من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله


أي: يقصد قصدها . قال ابن قتيبة: وفيها لغتان: حرد، وحرد، كما يقال: الدرك، والدرك، [ ص: 338 ] وفي قوله تعالى: قادرين ثلاثة أقوال .

أحدها: قادرين على جنتهم عند أنفسهم، قاله قتادة .

والثاني: قادرين على المساكين، قاله الشعبي . والثالث: أن المعنى: منعوا وهم قادرون، أي: واجدون، قاله ابن قتيبة . قالوا: "فلما رأوها" محترقة "قالوا إنا لضالون" أي: قد ضللنا طريق جنتنا، فليست هذه . ثم علموا أنها عقوبة، فقالوا: "بل نحن محرومون" أي: حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المسكين "قال أوسطهم" أي: أعدلهم، وأفضلهم "لولا" أي: هلا "تسبحون" وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: هلا تستثنون عند قولكم: "ليصرمنها مصبحين" قاله ابن جريج والجمهور . والمعنى: هلا قلتم: إن شاء الله . قال الزجاج: وإنما قيل للاستثناء: تسبيح، لأن التسبيح في اللغة: تنزيه الله عز وجل عن السوء . والاستثناء تعظيم لله، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلا إلا بمشيئة الله .

والثاني: أنه كان استثناؤهم قول: "سبحان الله "قاله أبو صالح .

والثالث: هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم، حكاه الثعلبي .

وقوله تعالى: قالوا سبحان ربنا فنزهوه أن يكون ظالما فيما صنع، وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا: "إنا كنا ظالمين" بمنعنا المساكين "فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون" أي: يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم . يقول هذا [ ص: 339 ] لهذا: أنت أشرت علينا، ويقول الآخر: أنت فعلت، ثم نادوا على أنفسهم بالويل، فقالوا: "يا ويلنا إنا كنا طاغين" حين لم نصنع ما صنع آباؤنا، ثم رجعوا إلى الله تعالى فسألوه أن يبدلهم خيرا منها، فذلك قوله: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها . وقرأ قوم: "يبدلنا" بالتخفيف، وهما لغتان . وفرق قوم بينهما، فقالوا: التبديل: تغيير حال الشيء وصفته والعين باقية . والإبدال: إزالة الشيء ووضع غيره مكانه . ونقل أن القوم أخلصوا، فبدلهم الله جنة العنقود منها وقر بغل .

قوله تعالى: كذلك العذاب ما فعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا . وها هنا انتهت قصة أهل الجنة . ثم قال تعالى: ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يعني: المشركين . ثم ذكر ما للمتقين عنده بما بعد هذا فقال المشركون: إنا لنعطى في الآخرة أفضل مما تعطون، فقال تعالى مكذبا لهم أفنجعل المسلمين كالمجرمين قال الزجاج: هذه ألف الاستفهام مجازها ها هنا مجاز التوبيخ، والتقرير .

قوله تعالى: كيف تحكمون أي: كيف تقضون بالجور أم لكم كتاب أنزل من عند الله "فيه" هذا تدرسون أي: تقرؤون ما فيه "إن لكم" في ذلك الكتاب "لما تخيرون" أي: ما تختارون وتشتهون . وقرأ أبو الجوزاء، وعاصم الجحدري، وأبو عمران: أن لكم بفتح الهمزة . وهذا تقريع لهم، وتوبيخ على ما يتمنون من الباطل "سلهم أيهم بذلك زعيم" "أم لكم أيمان علينا بالغة" أي: ألكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تدعون بأيمان بالغة، أي: مؤكدة . وكل شيء متناه في الجودة والصحة فهو بالغ . ويجوز أن يكون المعنى: بالغة إلى يوم القيامة، أي: تبلغ تلك الأيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها "إن لكم لما تحكمون" لأنفسكم به من الخير والكرامة عند [ ص: 340 ] الله تعالى . قال الفراء: والقراء على رفع بالغة إلا الحسن فإنه نصبها على مذهب المصدر، كقوله تعالى: حقا [الروم: 47] . ومعنى الآية: هل لكم أيمان علينا بالغة بأن لكم ما تحكمون؟! . فلما كانت اللام في جواب "إن" كسرتها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.21%)]