عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 24-08-2024, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ الْمُلْكِ
الحلقة (523)
صــ 310 إلى صــ 324




قوله تعالى: فلما نبأها به أي: أخبر حفصة بإفشائها السر "قالت من أنبأك هذا" أي: من أخبرك بأني أفشيت سرك؟ قال نبأني العليم الخبير ثم خاطب عائشة وحفصة، فقال: إن تتوبا إلى الله أي: من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء فقد صغت قلوبكما قال ابن عباس: زاغت، وأثمت . قال الزجاج: عدلت، وزاغت عن الحق . قال مجاهد: كنا نرى قوله تعالى: فقد صغت قلوبكما شيئا هينا حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود: فقد زاغت قلوبكما . وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة . وقد أشرنا إلى هذا في قوله تعالى: فإن كان له إخوة [النساء: 11] وقوله تعالى: إذ تسوروا المحراب [ص: 11] . قال المفسرون: وذلك أنهما أحبا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته، "وإن تظاهرا" وقرأ ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن ومجاهد، والأعمش "تظاهرا" بتخفيف الظاء، أي: تعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء "فإن الله هو مولاه" أي: وليه في العون، والنصرة "وجبريل" وليه "وصالح المؤمنين" وفي المراد بصالح المؤمنين ستة أقوال .

أحدها: أنهم أبو بكر وعمر، قاله ابن مسعود، وعكرمة، والضحاك .

والثاني: أبو بكر، رواه مكحول عن أبي أمامة .

والثالث: عمر، قاله ابن جبير، ومجاهد .

والرابع: خيار المؤمنين، قاله الربيع بن أنس .

[ ص: 311 ] والخامس: أنهم الأنبياء، قاله قتادة، والعلاء بن زياد العدوي، وسفيان .

والسادس: أنه علي رضي الله عنه، حكاه الماوردي . قاله الفراء: "وصالح المؤمنين" موحد في مذهب جميع، كما تقول: لا يأتيني إلا سائس الحرب، فمن كان ذا ساسة للحرب، فقد أمر بالمجيء، ومثله قوله تعالى: والسارق والسارقة [المائدة: 38]، وقوله تعالى: واللذان يأتيانها منكم [النساء: 16]، وقوله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعا [المعارج: 19] في كثير من القرآن يؤدي معنى الواحد عن الجميع .

قوله تعالى: والملائكة بعد ذلك ظهير أي: ظهرا، وهذا مما لفظه لفظ الواحد، ومعناه الجميع، ومثله يخرجكم طفلا [غافر: 67]، وقد شرحناه هناك . ثم خوف نساءه، فقال تعالى: عسى ربه إن طلقكن وسبب نزولها ما روى أنس عن عمر بن الخطاب قال: بلغني بعض ما آذى به رسول الله نساؤه، فدخلت عليهن، فجعلت أستقرئهن واحدة واحدة، فقلت: والله لتنتهن، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية . والمعنى: واجب من الله "إن طلقكن" رسوله "أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات" أي: خاضعات لله بالطاعة "مؤمنات" مصدقات بتوحيد الله "قانتات" أي: طائعات "سائحات" فيه قولان . [ ص: 312 ] أحدهما: صائمات، قاله ابن عباس، والجمهور . وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: السائحون [التوبة: 112] .

والثاني: مهاجرات، قاله زيد بن أسلم، وابنه . "والثيبات" جمع ثيب، وهي المرأة التي قد تزوجت، ثم ثابت إلى بيت أبويها، فعادت كما كانت غير ذات زوج . "والأبكار": العذارى .

يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير

قوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقاية النفس: بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، ووقاية الأهل: بأن يؤمروا بالطاعة، وينهوا عن المعصية . وقال علي رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم "وقودها الناس والحجارة" وقد [ ص: 313 ] ذكرناه في [البقرة: 24] عليها ملائكة غلاظ على أهل النار شداد عليهم .

وقيل: غلاظ القلوب شداد الأبدان . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: خزنة النار تسعة عشر، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، وقوته: أن يضرب بالمقمعة، فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفا، فيهوون في قعر جهنم "لا يعصون الله ما أمرهم" أي: لا يخالفون فيما يأمر "ويفعلون ما يؤمرون" فيه قولان .

أحدهما: لا يتجاوزون ما يؤمرون . والثاني: يفعلونه في وقته لا يؤخرونه، ولا يقدمونه . ويقال لأهل النار: "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم .

قوله تعالى: توبوا إلى الله توبة نصوحا قرأ أبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع "نصوحا" بضم النون . والباقون بفتحها . قال الزجاج: فمن فتح فعلى صفة التوبة، ومعناه: توبة بالغة في النصح، "وفعول" من أسماء الفاعلين التي تستعمل للمبالغة في الوصف . تقول: رجل صبور، وشكور . ومن قرأ بالضم، فمعناه: ينصحون فيها نصوحا، يقال: نصحت له نصحا، ونصاحة، ونصوحا . وقال غيره: من ضم أراد: توبة نصح لأنفسكم . وقال [ ص: 314 ] عمر بن الخطاب: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدث نفسه أنه لا يعود . وسئل الحسن البصري عن التوبة النصوح، فقال: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود . وقال ابن مسعود: التوبة النصوح تكفر كل سيئة، ثم قرأ هذه الآية .

قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي قد بينا معنى "الخزي" في [آل عمران: 192] وبينا معنى قوله تعالى: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم في [الحديد: 12] يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وذلك إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله تعالى أن يتمم لهم [نورهم]، ويبلغهم به الجنة . قال ابن عباس: ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة . فأما المنافق فيطفأ نوره، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق، فهم يقولون: "ربنا أتمم لنا نورنا" .

يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين

قوله تعالى: جاهد الكفار والمنافقين قد شرحناه في [براءة: 73] .

قوله تعالى: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح قال المفسرون منهم مقاتل: هذا المثل يتضمن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن عصيا ربهما لم يغن [ ص: 315 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما شيئا . قال مقاتل: اسم امرأة نوح "والهة" وامرأة لوط "والغة" .

قوله تعالى: كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين يعني: نوحا ولوطا عليهما السلام فخانتاهما قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين، كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف، فإذا نزل بلوط ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف . وقال السدي: كانت خيانتهما: كفرهما .

وقال الضحاك: نميمتهما . وقال ابن السائب: نفاقهما .

قوله تعالى: فلم يغنيا عنهما من الله شيئا أي: فلم يدفعا عنهما من عذاب الله شيئا . وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره .

ثم أخبر أن معصية الغير لا تضر المطيع بقوله تعالى: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها . وقال يحيى بن سلام: ضرب الله المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما . ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة . وكانت آسية قد آمنت بموسى .

قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتادا في يديها ورجليها، وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة، فقالت: "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة" فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها "ونجني من فرعون وعمله" فيه قولان .

[ ص: 316 ] أحدهما: أن عمله: جماعه . والثاني: أنه دينه رويا عن ابن عباس "ونجني من القوم الظالمين" يعني: أهل دين المشركين .

قوله تعالى: والتي أحصنت فرجها قد ذكرنا فيه قولين في سورة [الأنبياء: 92] فمن قال: هو فرج ثوبها، قال: "الهاء" في قوله تعالى: فنفخنا فيه يرجع إليه، وذلك أن جبريل مد جيب درعها، فدخل فيه . ومن قال هو مخرج الولد، قال: "الهاء" كناية عن غير مذكور، لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها .

قوله تعالى: وصدقت بكلمات ربها وفيه قولان .

أحدهما: أنها قول جبريل إنما أنا رسول ربك [مريم: 19] .

والثاني: أن الكلمات هي التي تضمنتها كتب الله المنزلة . وقرأ أبي ابن كعب ، وأبو مجلز، وعاصم الجحدري "بكلمة ربها" على التوحيد "وكتبه" قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم "وكتابه" على التوحيد، وقرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع "وكتبه" [ ص: 317 ] جماعة، وهي التي أنزلت على الأنبياء، ومن قرأ "وكتابه" فهو اسم جنس على ما بينا في خاتمة [البقرة: 285] وقد بينا فيها القنوت مشروحا [البقرة: 116] .

ومعنى الآية: وكانت من القانتين، ولذلك لم يقل: من القانتات .

سُورَةُ الْمُلْكِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير [ ص: 319 ] قوله تعالى: تبارك قد شرحناه في [الأعراف: 54] .

قوله تعالى: الذي بيده الملك قال ابن عباس: يعني: السلطان يعز ويذل .

قوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة قال الحسن: خلق الموت المزيل للحياة، والحياة التي هي ضد الموت ليبلوكم أيكم أحسن عملا قد شرحناه في [هود: 7] قال الزجاج: والمعلق بـ "أيكم" مضمر تقديره: ليبلوكم، فيعلم أيكم أحسن عملا، وهذا علم وقوع . وارتفعت "أي" بالابتداء، ولا يعمل فيها ما قبلها، لأنها على أصل الاستفهام، ومثله "أي الحزبين أحصى" [الكهف: 12] . والمعنى: خلق الحياة ليختبركم فيها، وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم . وقال غيره: اللام في "ليبلوكم" متعلق بخلق الحياة دون خلق الموت، لأن الابتلاء بالحياة، الذي خلق سبع سماوات طباقا أي: خلقهن مطابقات، أي: بعضها فوق بعض "ما ترى" يا ابن آدم "في خلق الرحمن من تفاوت" قرأ حمزة والكسائي: "من تفوت" بتشديد الواو من غير ألف . وقرأ الباقون بألف . قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة، كما تقول: تعاهدت الشيء، وتعهدته . والتفاوت: الاختلاف . وقال ابن قتيبة: التفاوت: الاضطراب والاختلاف، وأصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئا، فيقع الخلل، ولكنه متصل بعضه ببعض .

قوله تعالى: فارجع البصر أي: كرر البصر هل ترى من فطور [ ص: 320 ] وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي "هل ترى" بإدغام اللام في التاء، أي: هل ترى فيها فروجا وصدوعا .

قوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين أي: مرة بعد مرة "ينقلب إليك البصر خاسئا" قال ابن قتيبة: أي: مبعدا من قولك: خسأت الكلب: إذا باعدته "وهو حسير" أي: كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه . وقال الزجاج: قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا .

قوله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وقد شرحناه في [حم السجدة: 12] وجعلناها رجوما للشياطين أي: يرجم بها مسترقو السمع . وقد سبق بيان هذا المعنى [الحجر: 18] "وأعتدنا لهم" أي: في الآخرة "عذاب السعير" وهذا وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى: سمعوا لها شهيقا أي: صوتا مثل صوت الحمار . وقد بينا معنى الشهيق في [هود: 106] "وهي تفور" أي: تغلي بهم كغلي المرجل "تكاد تميز" أي: تتقطع من تغيظها عليهم "كلما ألقي فيها فوج" أي: جماعة منهم سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير؟! وهذا سؤال توبيخ .

قوله تعالى: إن أنتم أي: قلنا للرسل: "إن أنتم إلا في ضلال" أي: في ذهاب عن الحق بعيد . قال الزجاج: ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا: "لو كنا نسمع" أي: سماع من يعي ويفكر "أو نعقل" عقل من يميز وينظر "ما كنا" من أهل النار "فسحقا" أي: بعدا . وهو منصوب على المصدر، المعنى: أسحقهم الله سحقا، أي: باعدهم الله من رحمته مباعدة، والسحيق: البعيد . وكذلك روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس "فسحقا" أي: بعدا وقال سعيد بن جبير ، وأبو صالح: السحق: واد في جهنم يقال له: سحق .

[ ص: 321 ] إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور

قوله تعالى: إن الذين يخشون ربهم بالغيب قد شرحناه في سورة [الأنبياء: 49] "لهم مغفرة" لذنوبهم "وأجر كبير" وهو: الجنة . ثم عاد إلى خطاب الكفار، فقال تعالى: وأسروا قولكم أو اجهروا به قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخبره جبرائيل بما قالوا، فيقول بعضهم: أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمد .

قوله تعالى: ألا يعلم من خلق؟! أي: ألا يعلم ما في الصدور خالقها؟! واللطيف مشروح في [الأنعام: 103] والخبير في [البقرة: 234] .

قوله تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا أي: مذللة سهلة لم يجعلها ممتنعة بالحزونة والغلظ .

قوله تعالى: فامشوا في مناكبها فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: طرقاتها، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد .

والثاني: جبالها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، واختاره الزجاج، قال: لأن المعنى: سهل لكم السلوك فيها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ في التذليل .

[ ص: 322 ] والثالث: في جوانبها، قاله مقاتل، والفراء، وأبو عبيدة، واختاره ابن قتيبة، قال: ومنكبا الرجل: جانباه .

قوله تعالى: وإليه النشور أي: إليه تبعثون من قبوركم .

أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير

ثم خوف الكفار فقال: "أأمنتم" قرأ ابن كثير: "وإليه النشور وأمنتم" وقرأ نافع، وأبو عمرو: "النشورآمنتم" بهمزة ممدودة . وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "أأمنتم" بهمزتين "من في السماء" قال ابن عباس: أمنتم عذاب من في السماء، وهو الله عز وجل؟! "وتمور" بمعنى: تدور . قال مقاتل: والمعنى: تدور بكم إلى الأرض السفلى .

قوله تعالى: أن يرسل عليكم حاصبا وهي: الحجارة، كما أرسل على قوم لوط "فستعلمون كيف نذير" أي: كيف كانت عاقبة إنذاري لكم في الدنيا إذا نزل بكم العذاب "ولقد كذب الذين من قبلهم" يعني: كفار الأمم "فكيف كان نكير" أي: إنكاري عليهم بالعذاب .

"أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات" أي: تصف أجنحتها في الهواء، وتقبض أجنحتها بعد البسط، وهذا معنى الطيران، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط "ما يمسكهن" أن يقعن "إلا الرحمن" .

[ ص: 323 ] أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون

قوله تعالى: أمن هذا الذي هو جند لكم هذا استفهام إنكار . ولفظ "الجند" موحد، فلذلك قال تعالى: " هذا الذي هو " والمعنى: لا جند لكم "ينصركم" أي: يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم "إن الكافرون إلا في غرور" وذلك أن الشيطان يغرهم، فيقول: إن العذاب لا ينزل بكم أمن هذا الذي يرزقكم المطر وغيره "إن أمسك" الله ذلك عنكم "بل لجوا في عتو" أي: تماد في كفر "ونفور" عن الإيمان .

ثم ضرب مثلا، فقال تعالى: أفمن يمشي مكبا على وجهه قال ابن قتيبة: أي: لا يبصر يمينا، ولا شمالا، ولا من بين يديه . يقال: أكب فلان على وجهه بالألف، وكبه الله لوجهه، وأراد: الأعمى . قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، والكافر . و"السوي" المعتدل، أي: الذي يبصر الطريق . وقال قتادة: هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبا على وجهه، والمؤمن يمشي سويا .

قوله تعالى: قليلا ما تشكرون فيه قولان .

[ ص: 324 ] أحدهما: أنهم لا يشكرون، قاله مقاتل . والثاني: يشكرون قليلا، قاله أبو عبيد .

قوله تعالى ذرأكم أي: خلقكم "ويقولون متى هذا الوعد" يعنون بالوعد: العذاب "فلما رأوه زلفة" أي: رأوا العذاب قريبا منهم "سيئت وجوه الذين كفروا" قال الزجاج: أي: تبين فيها السوء . وقال غيره: قبحت بالسواد "وقيل هذا الذي كنتم به تدعون" فيه قولان .

أحدهما: أن "تدعون" بالتشديد، بمعنى تدعون بالتخفيف، وهو "تفتعلون" من الدعاء . يقال: دعوت، وادعيت، كما يقال: خبرت واختبرت، ومثله: يدكرون، ويدكرون هذا قول الفراء، وابن قتيبة .

والثاني: أن المعنى: هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأكاذيب، تدعون أنكم إذا متم لا تبعثون؟! وهذا اختيار الزجاج . وقرأ أبو رزين ، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وابن أبي عبلة، ويعقوب: "تدعون" بتخفيف الدال، وسكونها، بمعنى تفعلون من الدعاء . وقال قتادة: كانوا يدعون بالعذاب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.23%)]