عرض مشاركة واحدة
  #521  
قديم 24-08-2024, 12:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ الطَّلَاقِ
الحلقة (521)
صــ 280 إلى صــ 294






[ ص: 280 ] والأحاديث تعضد هذا القول،كقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق فرعون في بطن أمه كافرا، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا"، وقوله: "فيؤمر الملك بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد .

والثاني: أن تمام الكلام عند قوله تعالى: خلقكم ثم وصفهم، فقال تعالى: فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال .

أحدها: فمنكم كافر يؤمن، ومنكم مؤمن يكفر، قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثاني: فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة، قاله أبو سعيد الخدري .

والثالث: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر [ ص: 281 ] بالكواكب، قاله عطاء بن أبي رباح، وعنى بذلك شأن الأنواء .

والرابع: فمنكم كافر بالله خلقه، ومؤمن بالله خلقه، حكاه الزجاج . والكفر بالخلق مذهب الدهرية، وأهل الطبائع . وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى: وصوركم فأحسن صوركم قال الزجاج: أي: خلقكم أحسن الحيوان كله . وقرأ الأعمش (صوركم) بكسر الصاد . ويقال في جمع صورة: صور، وصور، كما يقال في جمع لحية: لحى، ولحى . وذكر ابن السائب أن معنى فأحسن صوركم أحكمها . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: ويعلم ما تسرون وروى المفضل عن عاصم ( يسرون ) و ( يعلنون ) بالياء فيهما ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفار قبلهم، فذلك قوله تعالى: فذاقوا وبال أمرهم أي: جزاء أعمالهم، وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا ولهم عذاب أليم في الآخرة "ذلك" الذي أصابهم بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فينكرون ذلك، ويقولون: أبشر أي: ناس مثلنا يهدوننا؟! والبشر اسم جنس معناه الجمع، وإن كان لفظه واحدا فكفروا وتولوا أي: أعرضوا عن الإيمان واستغنى الله عن إيمانهم وعبادتهم .

زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين [ ص: 282 ] فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم

قوله تعالى: زعم الذين كفروا كان ابن عمر يقول: ( زعموا ) كناية الكذب . وكان مجاهد يكره أن يقول الرجل: زعم فلان .

قوله تعالى: وذلك على الله يسير يعني: البعث ، "والنور" هو القرآن، وفيه بيان أمر البعث والحساب والجزاء .

قوله تعالى: يوم يجمعكم هو منصوب بقوله تعالى: لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم يوم يجمعكم ليوم الجمع وهو يوم القيامة . وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس، وأهل السموات، وأهل الأرض ذلك يوم التغابن تفاعل من الغبن، وهو فوت الحظ . والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه ليس من كافر، إلا وله منزل وأهل في الجنة فيرث ذلك المؤمن، فيغبن حينئذ الكافر، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس .

[ ص: 283 ] والثاني: غبن أهل الجنة أهل النار، قاله مجاهد، والقرظي . والثالث: أنه يوم غبن المظلوم الظالم، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبونا، فصار في الآخرة غابنا، ذكره الماوردي .

والرابع: أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، ذكره الثعلبي . قال الزجاج: وإنما ذكر ذلك مثلا للبيع والشراء، كقوله تعالى: فما ربحت تجارتهم [البقرة: 16]، وقوله تعالى: هل أدلكم على تجارة [الصف: 10] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: يكفر عنه سيئاته قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن عاصم "نكفر" "وندخله" بالنون فيهما . والباقون: بالياء ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله قال ابن عباس: بعلمه وقضائه ومن يؤمن بالله يهد قلبه فيه ستة أقوال .

أحدها: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من قبل الله تعالى، فيسلم، ويرضى .

والثاني: يهد قلبه للاسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون قاله مقاتل .

والثالث: أنه إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر، قاله ابن السائب، وابن قتيبة .

والرابع: يهد قلبه، أي: يجعله مهتديا، قاله الزجاج . والخامس: [يهد وليه بالصبر والرضى، قاله أبو بكر الوراق . والسادس: ] يهد قلبه لاتباع السنة إذا صح إيمانه، قاله أبو عثمان الحيري . وقرأ أبو بكر الصديق، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: "يهد" بياء مفتوحة . [ ص: 284 ] ونصب الدال "قلبه" بالرفع . قال الزجاج: هذا من هدأ يهدأ: إذا سكن .

فالمعنى: إذا سلم لأمر الله سكن قلبه . وقرأ عثمان بن عفان، والضحاك، وطلحة بن مصرف، والأزرق عن حمزة: "نهد" بالنون . وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن: "يهد" بضم الياء، وفتح الدال "قلبه" بالرفع . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم سبب نزولها أن الرجل كان يسلم . فإذا أراد الهجرة منعه أهله، وولده، وقالوا: ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال . فمنهم من يرق لهم، ويقيم فلا يهاجر، فنزلت هذه الآية . فلما هاجر أولئك، ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهلهم الذين منعوهم، فأنزل الله تعالى: وإن تعفوا وتصفحوا إلى آخر الآية، هذا قول ابن عباس . وقال الزجاج: لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم، وأولادهم: قد صبرنا لكم على مفارقة الدين ولا نصبر لكم على مفارقتكم، ومفارقة الأموال، والمساكن، فأعلم الله عز وجل أن من كان بهذه الصورة، فهو عدو، وإن كان ولدا، أو كانت زوجة . وقال مجاهد: كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه . وقال قتادة: كان من أزواجهم، وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام، ويثبطهم عنه، فخرج في قوله تعالى: عدوا لكم ثلاثة أقوال .

[ ص: 285 ] أحدها: بمنعه من الهجرة، وهذا على قول ابن عباس . والثاني: بكونهم سببا للمعاصي، وعلى هذا قول مجاهد . والثالث: بنهيهم عن الإسلام، وهذا على قول قتادة .

قوله تعالى: فاحذروهم قال الفراء: لا تطيعوهم في التخلف .

قوله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي: بلاء وشغل عن الآخرة . فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمه الله . وقال ابن قتيبة: أي: إغرام . يقال: فتن فلان بالمرأة، وشغف بها، أي: أغرم بها . وقال الفراء: قال أهل المعاني: إنما دخل "من" في قوله تعالى: إن من أزواجكم لأنه ليس كل الأزواج، والأولاد أعداء . ولم يذكر "من" في قوله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنها لا تخلو من الفتنة، واشتغال القلب بها . وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب، فجاء الحسن، والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، فنزل من المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: "صدق الله عز وجل: إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي، ورفعتهما .

قوله تعالى: والله عنده أجر عظيم أي: ثواب جزيل وهو الجنة . [ ص: 286 ] والمعنى: لا تعصوه بسبب الأولاد، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم فاتقوا الله ما استطعتم أي: ما أطقتم "واسمعوا" ما تؤمرون به "وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم" وفي هذه النفقة ثلاثة أقوال .

أحدها: الصدقة، قاله ابن عباس .

والثاني: نفقة المؤمن على نفسه، قاله الحسن .

والثالث: النفقة في الجهاد، قاله الضحاك ومن يوق شح نفسه حتى يعطي حق الله في ماله . وقد تقدم بيان هذا في [الحشر: 9] وما بعده قد سبق بيانه إلى آخر السورة [البقرة: 254، والحديد: 18،11، والحشر: 24،23] .

سُورَةُ الطَّلَاقِ
وتسمى سورة النساء القصرى، وهي مدنية كلها بإجماعهم

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . والمؤمنون داخلون معه فيه . ومعناه: إذا أردتم طلاق النساء، كقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة [المائدة: 6] وفي سبب نزول هذه الآية قولان .

أحدهما: أنها نزلت حين طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، وقيل له: راجعها، فإنها صوامة قوامة، وهي من إحدى زوجاتك في الجنة، قاله أنس بن مالك .

والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضا، [ ص: 288 ] فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، قاله السدي .

قوله تعالى لعدتهن أي: لزمان عدتهن، وهو الطهر . وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها .

والطلاق على ضربين: سني، وبدعي .

فالسني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، وذلك هو الطلاق للعدة ، لأنها تعتد بذلك الطهر من عدة وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة .

والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم . وإن جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد، فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة .

قوله تعالى: وأحصوا العدة أي: زمان العدة . وفي إحصائها فوائد . منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسكنى، وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلق ثلاثا، وليعلم أنها قد بانت، فيتزوج بأختها، وأربع سواها .

[ ص: 289 ] قوله تعالى: واتقوا الله ربكم أي: فلا تعصوه فيما أمركم به . و لا تخرجوهن من بيوتهن فيه دليل على وجوب السكنى . ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة . فإن خرجت أثمت إلا أن يأتين بفاحشة وفيها أربعة أقوال .

أحدها: المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة فخروجهن هو الفاحشة المبينة، وهذا قول عبد الله بن عمر، والسدي، وابن السائب .

والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك . فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن .

والثالث: الفاحشة: أن تبذؤ على أهلها، فيحل لهم إخراجها، رواه محمد ابن إبراهيم عن ابن عباس .

والرابع: أنها إصابة حد، فتخرج لإقامة الحد عليها، قاله سعيد ابن المسيب .

قوله تعالى: وتلك حدود الله يعني: ما ذكر من الأحكام ومن يتعد [ ص: 290 ] حدود الله التي بينها، وأمر بها فقد ظلم نفسه أي: أثم فيما بينه وبين الله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي: يوقع في قلب الزوج المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين . وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث .

فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا

قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن أي: قاربن انقضاء العدة "فأمسكوهن بمعروف" وهذا مبين في [البقرة: 231] "وأشهدوا ذوي عدل منكم" قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة . واختلف العلماء: هل الإشهاد على المراجعة واجب، أم مستحب؟ وفيه عن أحمد روايتان، وعن الشافعي قولان ثم قال للشهداء: "وأقيموا الشهادة لله" أي: اشهدوا بالحق، وأدوها على الصحة، طلبا لمرضاة الله، وقياما بوصيته . وما بعده قد سبق بيانه [البقرة: 232] إلى قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا فذكر أكثر [ ص: 291 ] المفسرين أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسر العدو ابنا له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه الفاقة، فقال: اتق الله، واصبر، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم، وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية .

وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال .

أحدها: ومن يتق الله ينجه من كل كرب في الدنيا والآخرة، قاله ابن عباس .

والثاني: بأن مخرجه: علمه بأن ما أصابه من عطاء أو منع، من قبل الله، وهو معنى قول ابن مسعود .

والثالث: ومن يتق الله، فيطلق للسنة، ويراجع للسنة، يجعل له مخرجا، قاله السدي .

والرابع: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة، يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة، قاله ابن السائب .

والخامس: يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال، قاله الزجاج . والصحيح أن هذا عام، فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجا من كل ما يضيق عليه . ومن لا يتقي، يقع في كل شدة . قال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجا من كل ما يضيق [ ص: 292 ] على الناس "ويرزقه من حيث لا يحتسب" أي: من حيث لا يأمل، ولا يرجو . قال الزجاج: ويجوز أن يكون: إذا اتقى الله في طلاقه، وجرى في ذلك على السنة، رزقه الله أهلا بدل أهله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" أي: من وثق به فيما نابه، كفاه الله ما أهمه "إن الله بالغ أمره " وروى حفص، والمفضل عن عاصم بالغ أمره مضاف . والمعنى: يقضي ما يريد "قد جعل الله لكل شيء قدرا" أي: أجلا ومنتهى ينتهي إليه، قدر الله ذلك كله فلا يقدم ولا يؤخر . قال مقاتل: قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدرا، فقدر متى يكون هذا الغني فقيرا، وهذا الفقير غنيا .

واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا

قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض في سبب نزولها قولان . [ ص: 293 ] أحدهما: أنها لما نزلت عدة المطلقة، والمتوفى عنها زوجها في [البقرة: 227، 232] قال أبي بن كعب : يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء . قال: "وما هو؟" قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية، قاله عمرو بن سالم .

والثاني: أنه لما نزل قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن . . . الآية [البقرة: 228] قال خلاد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عدة التي لا تحيض، وعدة التي لم تحض، وعدة الحبلى؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل . ومعنى الآية: "إن ارتبتم" أي: شككتم فلم تدروا ما عدتهن "فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن" كذلك .

فصل

قال القاضي أبو يعلى: والمراد بالارتياب ها هنا: ارتياب المخاطبين في مقدار عدة الآيسة والصغيرة كم هو؟ وليس المراد به ارتياب المعتدات في اليأس من المحيض، أو اليأس من الحمل للسبب الذي ذكر في نزول الآية . ولأنه لو أريد [ ص: 294 ] بذلك النساء لتوجه الخطاب إليهن، فقيل: إن ارتبتن، أو ارتبن، لأن الحيض إنما يعلم من جهتهن .

وقد اختلف في المرأة إذا تأخر حيضها لا لعارض كم تجلس؟ فمذهب أصحابنا أنها تجلس غالب مدة الحمل، وهو تسعة أشهر، ثم ثلاثة . والعدة: هي الثلاثة التي بعد التسعة . فإن حاضت قبل السنة بيوم، استأنفت ثلاث حيض، وإن تمت السنة من غير حيض، حلت، وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة، والشافعي في الجديد: تمكث أبدا حتى يعلم براءة رحمها قطعا، وهي أن تصير في حد لا يحيض مثلها، فتعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر .

قوله تعالى: واللائي لم يحضن يعني: عدتهن ثلاثة أشهر أيضا، لأنه كلام لا يستقل بنفسه، فلا بد له من ضمير، وضميره تقدم ذكره مظهرا، وهو العدة بالشهور . وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض: أنها تعتد ثلاثة أشهر . فأما من أتى عليها زمان الحيض، ولم تحض، فإنها تعتد سنة .

قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن عام في المطلقات، والمتوفى عنهن أزواجهن، وهذا قول عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وفقهاء الأمصار . وقد روي عن ابن عباس أنه قال: تعتد آخر الأجلين . ويدل على قولنا عموم الآية . وقول ابن مسعود: من شاء لاعنته، ما نزلت "وأولات الأحمال" إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها، [ ص: 295 ] وقول أم سلمة: إن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج .

قوله تعالى: ومن يتق الله أي: فيما أمر به "يجعل له من أمره يسرا" يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة، وهذا قول الأكثرين . وقال الضحاك: ومن يتق الله في طلاق السنة، يجعل الله له من أمره يسرا في الرجعة "ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله" بطاعته "يكفر عنه سيئاته" أي: يمح عنه خطاياه "ويعظم له أجرا" في الآخرة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]