عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-08-2024, 03:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(2) التـــضحــيـــة والإيــثــــــار


التضحية الممزوجة بالبر تتجلى في أسمى معانيها عندما سلَّم إسماعيل عليه السلام رقبته لأبيه ولم يخف لحظة وهو يقترب من الموت

البيوت السعيدة المتماسكة التي ظهرت فيها روح التضحية والإيثار عند ارتفاع أذان الفجر يتحول البيت كله إلى خلية نحل نشيطة
الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلي تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم ، ونتناول اليوم المفهوم الثاني من هذه المفاهيم وهو (التضحية والإيثار) .

التضحية المتبادلة بين الزوجين ركن مهم من أركان السعادة الزوجية؛ ذلك لأن الحياة الزوجية بمعناها الحقيقي حياة عطاء، حياة قوامها واجبات على كل طرف من الأطراف قبل أن تكون حقوقًا لكل من الزوجين، ومن ذلك كان لزامًا على كل من الزوجين أن يتنازل طوعًا عن كل ما كان ينعم به من حرية شخصية ومن استقلال قبل الزواج، وعلى كل منهما أن يضحي عن طيب خاطر، وأن يكون شعار الحياة الزوجية التضحية المشتركة، فلا يشعر أحد الزوجين بأنه يضحي في حين أن الآخر يضن بالتضحية، ومن لم يكن لديه القدرة على التضحية، فعليه أن ينتحي ناحية من الجبل وينعزل عن الناس، وأن لا يطرق باب الزواج.

ولكي يتمكن الزوجان من الظفر بحياة زوجية سعيدة وهنيئة عليهما أن يتسما سويا بالتضحية؛ لأن التضحية تعد من بين أهم أسرار نجاح العلاقة الزوجية، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بالرجل، فنجاح العلاقة الزوجية يعود بالأساس إلى تضحية أحد الطرفين، حتى تستطيع السفينة أن ترسي على بر الأمان، وعلى الزوجين أن يتفقا على أنه لنجاح العلاقة الزوجية لابد من تواجد التضحية والتنازل في أحيان كثيرة، والتغافل في الكثير من الأحيان؛ لأن التفكير والتركيز والتدقيق في الأمور أو المشكلات الصغيرة يعد من بين الأشياء التي تلحق الضرر الكبير بالعلاقة الزوجية؛ كونها مشكلات لا تخدم البتة الزوجين.

التضحية في القرآن والسنة

أمثلة كثيرة، ونماذج رائعة ذكرها لنا القرآن الكريم لا يمكن أن تتكرر بحال من الأحوال في تاريخ البشرية إلا أن يشاء الله؛ لأنها نماذج ربانية رباها الله وصنعها على عينه.

أسرة نبوية تربت على التضحية

بيت نبوي، وأسرة ربانية تربت على التضحية فهذه هاجر الأم والزوجة لم تتردد رضي الله عنها في البقاء وحدها وفي رقبتها رضيع في صحراء مقفرة لا تعرف ما يحمل لها الغد، ولكنها توقن بمن يملك اليوم والغد فتقولها صادقة لزوجها إبراهيم عليه السلام بعد أن قال لها: إن الله هو الذي أمر بهذا، إذن لن يضيعنا وانصرف إبراهيم عليه السلام عنهم وهو يدعو ربه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}، (إبراهيم : 37، 38) .

وهذه التضحية الممزوجة بالبر تتجلى في أسمى معانيها عندما سلَّم إسماعيل عليه السلام رقبته لأبيه ولم يخف لحظة وهو يقترب من الموت، وتدنو منه سكين أبيه الذي اعتصر هو أيضاً مشاعر أبوته وضحى بها انصياعاً لأمر الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات : 102).

ولم يخلُ تاريخ النساء العظيم من روائــع بالتضحية والإيثار، فقد ضحت أم سلمة بشمل الأسرة ، وتحملت فراق الزوج والولد في سبيل الـهـــجـرة إلى الله تعالى.

ولا يـخفى جهد أسماء وعناؤها أثناء الهجــرة وتضحيتها بابنها عبد الله بن الزبير في سبيل نصرة الحق .

أسس التضحية

التضحية علاقة مشتركة بين الطرفين فلابد أن تكون من كلا الطرفين حتى لا تتسمى بالتضحية الغبية، ولابد أن تكون مقترنة بهدف سامٍ، وأن يتخللها شيء من الصبر والحكمة والعقل، وغالبًا إذا اقتصرت التضحية على طرف واحد تكون النتيجة سلبية؛ حيث تعود الشخص الذي يُضحَّى من أجله على الأنانية، فهناك أمور وحقوق أساسية للمرأة لا يمكن التنازل عنها، وكذلك الرجل، فلابد من التوازن بين الطرفين وعلى كل طرف أن يعرف حقوقه وواجباته ليؤديها على أكمل وجه دون انتقاص من حق الشريك.

أثر التضحية والإيثار في استقرار الأسرة وسعادتها

نجاح الحياة الزوجية يبنى على مقدار فهم كل طرف من أطراف هذه العلاقة للشريك الآخر، وعلى مقدار نجاح كلا الطرفين في تقديم التنازلات، وبذل التضحيات على كافة الأصعدة الجسديَّة والعقلية والعاطفية والنفسية والاجتماعية يكون قدر هذا النجاح، إلا أن بذل أحد الطرفين لهذه التضحيات والتنازلات بمعزلٍ عن مشاركة الآخر له قد يؤدي إلى عدم نجاح هذه العلاقة، ولاسيما عندما يكون ذلك في بداية الحياة الزوجية التي يكون فيها كل طرف غير قادرٍ على فهم الآخر وذلك لحداثة التجربة واختلاف طباع كلا منهما.

وقد أظهرت نتائج دراسة حديثة تم إجراؤها في جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية أن الدافع وراء التضحية الزوجية هو العامل الأساسي في نجاح العلاقة والشعور بالاستقرار وهذه النتيجة تم التوصل إليها بعد سؤال 162 شخصا عما إذا كانوا يشعرون بالاستقرار في حياتهم الزوجية، وإذا ما ازدادت سعادتهم مع شركاء حياتهم بعد تقديم التضحية من أجل شريك الحياة أم لا.

التضحية والإحساس بالآخر

البيوت السعيدة المتماسكة التي ظهرت فيها روح التضحية والإيثار عند ارتفاع أذان الفجر يتحول البيت كله إلى خلية نحل نشيطة، الكل يضحي براحته لأجل الله، فتكون بداية اليوم بصلاة جامعة يلفها الخشوع والأمل، وبعد الصلاة لا يعود الجميع إلى دفء الفراش ولذة النوم تاركين الأم وحدها تقوم بمهام اليوم، بل يؤدي كل فرد منهم عملاً، فتخف الأعباء عن الأم، ويموت شعورها بالظلم والقهر من أن الزوج والأبناء يستغلونها بلا رحمة ولا أحد يضحي من أجلها، وهي منبع التضحية والأبناء في هذه الصورة لا ينسون في غمرة طموحاتهم أنهم ينتمون إلى بيت وأسرة يستحقان منهم بعض الوقت والجهد فلا يتقوقعون على أنفسهم، ولا يتعاملون مع الأب بوصفه ممولا والأم بوصفها خادمة .. ويتنازلون عن مطالبهم إذا تعارضت مع مصلحة الأسرة وعن طيب خاطر، فالأسرة المسلمة تحتاج إلى هذا الإحساس السامي، وهذه الروح الراقية، ولا يكون ذلك إلا من خلال التضحية والإيثار.

فهيا نراجع أنفسنا، ونفسح في بيوتنا مكانًا أوسع للتضحية، ونسد السبل أمام الطمع والأنانية وكل الأخلاقيات الرديئة التي تؤدي إلى فرار البركة والمودة والسعادة من بيوتنا ونفوسنا، وإنه لما ضلت التضحية إلينا الطريق تفشى سرطان الأنانية في جسد الأسرة، وفتك بها، وأدى ذلك إلى تفككها وتمزيق صفوفها، وأبى الحب والنجاح والاستقرار أن يزور الأسرة؛ بسبب انتشار العداوة والكراهية الناجمة عن تضخيم الذات أو ترديد العبارات الانهزامية ، كـ«أنا ومن بعدي الطوفان»، أو «كل يبحث عن مصلحته»، فالتربية الصحيحة تتطلب التضحية بأشياء كثيرة في سبيل إسعاد الأسرة والمجتمع، بل هي تبلغ القمة بالتضحية بالنفس عند الاقتضاء لتحقيق السعادة بإيثار غيره على نفسه ، وتقديم مصلحة الأسرة على مصالحه الشخصية عندما تتعارض المصالح، امتثالاً لقوله[: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي) .



اعداد: إيمان الوكيل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]