
18-08-2024, 05:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 283)
من صــ 446 الى صـ 460
ومما يشبه ذلك أنه لما قدم تلامذته فركبوا السفينة وقال لهم: (امضوا فإني ألحق بكم، فأتاهم يمشي على البحر فلما رأوه في تلك الحال قالوا: ما هذا الحال ويح، ومن الغرق صاحوا. فقال لهم يسوع: اطمئنوا ولا تخافوا أنا هو، فأجابه شمعون الصفا وقال له: يا رب إن كنت أنت هو فأذن لي آتيك على الماء. فقال له: تعال، فنزل سمعان إلى الماء ليمشي عليه، فلم يستطع وجعل يغرق، فصاح وقال: يا رب أغثني، فبسط يده يسوع فأخذه وقال له: لم تشككت يا قليل الأمانة؟). قال: فبان بذلك عجز المسيح عن إتمام ما سأله شمعون الصفا، ومثله أمر الرجل الذي قال ليسوع خبر ابنته وما ينالها من الشيطان، وأنه قد قدمها إلى تلاميذه فلم يستطيعوا أن يخرجوه، وقد كان جعل لهم ذلك وغيره فأخرجه هو منها.
وقال في الإنجيل، وهو يذكر الأمثال التي ضربها لرؤساء الكهنة، أنهم لما سمعوها منه علموا أنها في شأنهم، فهموا أن يأخذوه ثم فرقوا
من الجموع، لأنهم كانوا ينزلونه مثل النبي.
وقال في الإنجيل لما جاءته أم ابني زندا، وكانت من تلامذته مع ابنيها، فقال لها: (ما تريدين؟ قالت: أريد أن تجلس ابناي أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك في ملكوتك. فقال: ليس إلى ذلك سبيل، لأنه ليس لي أن أعطيه، ولكن من وعد له من أبي).
قال الحسن بن أيوب: فما يكون يا هؤلاء أفصح وأبين وأوضح من اجتماع هذه الشواهد لكم في كتبكم، ما رضيتم بقوله في نفسه، ولا بقول تلامذته فيه، ولا بقول من تنبأ عليه من الأنبياء، ولا قول جموعه الذين تولوه لمن سألهم من مخالفيهم عنه وتركتم ذلك كله،
وأخذتم بآراء قوم تأولوا لكم على علمكم بأنهم قد اختلفوا أيضا في الرأي، فقال كل قوم في المسيح ما اختاروا، واتبع كلا منهم طائفة قالوا بقولهم، ثم سلك من بعدهم سبيل الآباء في الاقتداء بهم.
فبينوا لنا حجتكم في ذلك، وهيهات من حجة ونحن نستوهب الله العصمة والتوفيق منه.
قال: ومما يشبه ما تقدم قوله لتلاميذه في إنجيل لوقا 55: (فأما أنتم الذين صبرتم معي في بلائي وتجاربي فإني أعدكم كما وعدني أبي الملكوت لتأكلوا وتشربوا معي على مائدتي في ملكوتي) فبين أن الله - عز وجل ثناؤه وعده أن يجعله في ملكوت السماء يأكل ويشرب مع تلاميذه على مائدته، وهذا ما لا شك لكم فيه، وهو مخالف لقولكم فيما يصير إليه، وفي الأكل والشرب
والنعيم هناك، ثم قوله لشمعون حين أتته الجموع فأخذوه: (أم تظن أني لست قادرا أن أطلب إلى أبي فيقيم لي اثني عشر جندا من ملائكته أو أكثر، ولكن: كيف تتم الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون)، ولم يقل: إني قادر أن أدفعهم عن نفسي، ولا أني آمر الملائكة أن يمنعوا عني، كما يقول من له القدرة والأمر.
قال: ونجدكم تقولون في المسيح عليه السلام: إنه مولود من أبيه أزلي، ويجب على المدعي القول أن يثبت الحجة فيه ويعلم أنه مطالب بإيضاحها، لا سيما في مثل هذا الخطب الجليل الذي لا يقع التلاعب به، ولا تجترئ النفوس على ركوب الشبهات فيه، والويل الطويل لمن تأول في ذلك تأويلا لا حقيقة له، فإنه يهلك نفسه ومن كان من الناس معه ممن يتبع قوله، إن كان هذا الابن أزليا على ما في شريعة إيمانكم فليس هذا بمولود، وإن كان مولودا فليس بأزلي ; لأن اسم الأزلية إنما يقع على من لا أول له ولا آخر.
ومعنى المولود: أنه حادث مفعول، وكل مفعول فله أول، فكيف
ما أردتم القول فيه كان بطلان الشريعة.
قال: ونسألكم أيضا عن واحدة، لم سميتم الأب أبا والابن ابنا؟ فإنه إن كان وجب للأب اسم الأبوة لقدمه، فالابن أيضا يستحق هذا الاسم بعينه، إذ كان قديما مثله، وإن كان الأب عالما عزيزا فهو أيضا عالم عزيز تشهد شريعة الإيمان له بذلك في قولها: إنه خلق الخلائق كلها وأتقنت على يده، وأنه نزل لخلاصكم ومن قدر على ذلك لم يكن إلا عالما عزيزا، فهذه المعاني التي ذكرناها تبطل اسم الأبوة والبنوة وفي إبطالها بطلان الشريعة التي تقول: ولد من أبيه، وإلا فإن كان الأب والابن متكافئين في القدم والقدرة، فبأي فضل وسلطان للأب عليه أمره ونهاه، فصار الأب باعثا والابن مبعوثا، والأب متبوعا مطاعا والابن تابعا مطيعا؟.
ومما يشهد بصحة قولنا وبطلان ما تأوله أولوكم في عبودية المسيح، أن " متى " التلميذ حين بنى كتابه الإنجيل أول ما ابتدأ به أن قال: كتاب مولد يسوع المسيح ابن داود بن إبراهيم، فنسبه إلى من كان منه على الصحة، ولم يقل: إنه ابن الله، ولا إنه إله من إله كما يقولون: فإن قلتم: إن تسمية يسوع للناسوت الذي قد جعلتموه حجة بينكم وبين كل من التمس الحجة منكم عند الانقطاع فيما يعترف به للمسيح من العبودية، فقد نسق " متى " على اسم يسوع الذي هو عندكم اسم للناسوت المسيح الذي هو جامع الناسوت واللاهوت، فأي حجة في إبطال هذا التأويل أوضح من هذا؟.
ومما يصحح قولنا ويؤكده قول جبريل الملك لمريم عند مخاطبته إياها: إنه ابن داود على ما ثبت من ذلك في الإنجيل.
قال: ووجدناكم قد ذكرتم في شريعة الإيمان: أن يسوع المسيح بكر الخلائق، فإن كنتم ذهبتم في ذلك إلى أنه على نحو ما يسمى أول ولد الرجل وكبيرهم فجائز، وهو محقق لقولنا في عبوديته، وإن كنتم أردتم بذكر البكر أنه أول قديم، فلسنا نعرف للبكر معنى في لغة من اللغات إلا للأكبر من الإخوة والأول من الولد، وبكر الخلائق لا يكون إلا من الخلائق.
كما أن بكر الرجل والمرأة لا يكون إلا من جنسهما، وباكورة الثمار لا تكون إلا ثمرة، ولأن من المحال أن يقول قائل: بكر ولد آدم ملك من الملائكة، وكذلك من المحال أن يكون بكر المصنوعات ليس بمصنوع، وبكر المخلوقات ليس بمخلوق.
وقد قال الله تعالى في التوراة يا ابني بكري) أي إسرائيل، وقال في موضع آخر: (إنه نظر بنو الله إلى بنات الناس فشغفوا بهن). فهل يوجب لآل إسرائيل إلهية بهذا القول؟
قال: وقلتم: إن المسيح ولد من أبيه قبل العوالم وليس بمصنوع، فليس يخلو الأب من أن يكون أولد شيئا موجودا أو غير موجود، فإن كان لم يزل موجودا فإن الأب لم يلد شيئا، وإن كان غير موجود وإنما هو حادث، لم يكن، فهو مخلوق كما قلنا.
قال: ومما يبين قولنا في خلق المسيح: أن هذا الاسم إنما وقع له، لأنه مسح للنبوة والخير وماسحه الله تبارك وتعالى، وقد قال داود في زبوره قولا يشهد على ذلك بعينه: (من أجل هذا البر مسحك الله إلهك أكثر مما مسح به نظراءك) فأبان داود بهذه الآية معنى المسح بإنجيله، وأن ماسحه الله إلهه، وأنه مصطفى مكرم بزيادة على نظرائه، وقال داود أيضا في مزمور إحدى وثلاثين يخاطب الله: (من
أجل داود عبدك لا يغلب وجه مسيحك. عهد الرب لداود بالحق، ولا يرجع عنه) يعني بمسيحه نفسه، لأن الله مسحه للنبوة والملك، وقد قال مثل هذا في غير موضع من زبوره، فسمى نفسه مسيح الله.
قال: وإذا نظر في الإنجيل وكتب بولس وغيره ممن يحتج به النصارى، وجد نحوا من عشرين ألف آية مما فيه اسم المسيح وكلها تنطق بعبودية المسيح، وأنه مبعوث مربوب وأن الله اختصه بالكرامات، ما خلا آيات يسيرة مشكلات قد تأولها كل فريق من أولئك الذين وضعوا الشريعة باختيارهم على هواهم، فأخذوا بذلك التأويل الفاسد، وتركوا المعظم الذي ينطق بعبوديته، فلو كانوا قصدوا الحق لردوا تلك المشكلات الشاذة اليسيرة التي يوجد لها من التأويل خلاف ما يتأولونه على الواضحات الكثيرة التي قد بانت بغير تأويل، لأنه إنما يجب أن يقاس الجزء على الكل، ويستدل على ما غاب بما حضر، وعلى ما أشكل بما ظهر، فمن تلك الآيات المشكلات ما ذكرناه في
كتابنا هذا وبينا معناه والحجة فيه، وأنه ليس كما تأولوه.
ومنها ما يحكون عن المسيح أنه قال: (أنا بأبي)، وقد فسر المسيح عليه السلام ذلك وكشفه. قال " يوحنا " في إنجيله: (إن المسيح تضرع إلى الله في تلاميذه وقال: يا أيها الرب القدوس احفظهم باسمك الذي أعطيتني ليكونوا هم أيضا شيئا واحدا، كما أنا شيء واحد، وكما أنك أرسلتني إلى العالم، وكذلك أرسلهم أنا أيضا. ثم قال بعد هذا أيضا: إني قد منحتهم من المجد الذي أعطيتني ومنحتني ليكونوا أيضا شيئا واحدا، كما أنا شيء واحد، فأنا بهم وأنت بي)
قال: هو معنى ذلك أنه قال: أنت معي وأنت لي، كما أنا مع تلاميذي ولهم.
قلت: أو أراد أنك بي هديت الخلق وعلمتهم وأنا أهديهم
وأعلمهم. والباء للسببية، فإن الله برسله هدى عباده وعلمهم، والرسل علموا الغائبين عنهم بالحاضرين الذين بلغوا عنهم، وقوله: ليكونوا شيئا واحدا: أراد به اتفاق صدقهم وأمرهم ومرادهم، وهذا مفسر، وقد قال: ليكونوا هم شيئا واحدا، كما أنا شيء واحد، فقد طلب لهم مثل ما حصل له ولربه.
وهذا يبين أن قوله: كما أنا شيء واحد، أي أنا موافقك في أمرك ونهيك ومحبتك ورضاك، لم يرد بذلك اتحاد ذاته به، كما لم يرد أن تتحد ذوات بعضهم ببعض، فإنه طلب لهم مثل ما حصل له من الموافقة لأمر الله ونهيه ومحبته ورضاه.
قال: أو يكون ذهب فيه إلى معنى دقيق لا يعرفه إلا أنه قد بطل على كل حال بهذا القول تأويلكم ممازجته عز وجل في اللاهوت بقوله في تلاميذه أنه بهم، كما أن أباه به، لأنه إن تأول متأول في هذا المعنى أنه ذهب في وصفه أنه أبيه، وأن أباه به إلى مشاركته في
اللاهوت فقد قال في تلامذته مثل هذا القول، فيجب أن يكونوا على هذا القياس شركاء في المحل، وهذا ما لا يكون ولا يجترئ على القول به أحد.
قال: ومن أعجب العجب أن تكون أمة كتابها ودعوتها ومعبودها واحد يتمسكون بأمر المسيح عليه السلام، وتلامذته وإنجيله وسنته وشرائعه، وهم مع ذلك مختلفون فيه أشد الاختلاف، فمنهم من يقول: إنه عبد، ومنهم من يقول: إنه إله، ومنهم من يقول: إنه ولد، ومنهم من يقول: إنه أقنوم وطبيعة، ومنهم من يقول: إنه أقنومان وطبيعتان.
وكل منهم يكفر صاحبه ويقول: إن الحق في يده، وكلهم لا يأتي من الكتاب بحجة واضحة يثبت بها دعواه، ولا من قياسه لنفسه وتأوله بما يصح له عند المناظرة، وإنما يرجع في دينه واعتقاده إلى ما تأوله له المتأولون، بما يخالف إنجيلهم وكتبهم بالهوى والعناد من بعضهم لبعض، فهم يشركون بالله على التأويل ولا شريك له، ويدعون له ولدا من جهة ما أحدثوا لأنفسهم، سبحانه أنى يكون له ولد.
قال الحسن بن أيوب: وقد بينا الحجج في بطلان كل قول لكم
مما عقدتم به شريعة إيمانكم، ووجدنا قوما منكم إذا نوظروا في ذلك قالوا: قد وجدنا أكثر الأديان يختلف أهلها فيها، ويتفرقون على مقالات شتى هم عليها، وكل منهم يدعي أن الصواب في يده.
وهذا أيضا من سوء الاختيار، وذهاب القلوب عن رشدها وانصرافها عن سبيل حقها.
فلم يختلف أهل دين من الأديان في عقد معبودهم، ولا شكوا فيه ولا تفرقوا القول فيما اختاروه، إلا أهل ملل النصرانية فقط.
وسائر من سواهم إنما اختلفوا في فروع من فروع الدين وشرائعه، مثل اختلاف اليهود في أعيادهم وسنن لهم، ومثل اختلاف المسلمين في القدر.
فمنهم من قال به، ومنهم من دفعه.
وفي تفضيل قوم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على نظرائهم بعد اتفاق جماعتهم على إلههم ومعبودهم وخالقهم، وأن الله إله الخلق كلهم واحد لا شريك له ولا ولد.
ثم اتفاقهم بعد ذلك على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم لا يشكون فيه، وعلى القرآن وأنه كتاب الله المنزل على محمد المرسل لا يختلفون فيه.
فإذا صح اتفاقهم على هذه الأصول، كان ما سواها خللا لا يقع معه كفر ولا يبطل به دين.
والبلاء العظيم الاختلاف في المعبود.
فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ولا دينا، ثم عرض عليهم دين النصرانية، لوجب أن يتوقفوا عنه، إذ كان أهله لم يتفقوا على شيء فيه.
ودل اختلافهم في مقالاتهم ومباينتها ما في كتبهم على باطله.
فأما قولنا في باب التوحيد، واعترافنا بوحدانية الله تعالى ونفينا عنه الشركاء والأنداد والأمثال والأولاد، فهو قول لا يشكون في صحته ولا يشك فيه أحد من أهل الكتب وسائر الملل ولا غيرهم من أهل القول بالدهر وسائر عبدة الأصنام والأوثان، وكل منهم يقر به ويرجع إليه.
إلا أن منهم من يتابعنا على تحديد التوحيد. ومنهم من يدخل العلل فيه، بأن يقول: ثلاثة ترجع إلى واحد، وصنما نعبده إجلالا لله ليقربنا إلى ربنا وربه، ومدبر للأمور قديم لا بد أن نعترف به خالقها وباريها.
وكل منهم مقر بقولنا، وذاهب إلى مذهبنا على الاعتراف بالله على الجهة التي يذهب إليها، وأنه واحد لا شريك له.
فقد صح عقدنا بلا شك منكم، ولا من أحد من الأمم فيه،
ولا في شيء منه، بل تقودكم الضرورة إلى الإقرار به والاجتماع معنا عليه.
والحمد لله رب العالمين على توفيقه، وإياه نسأل أن يتم علينا فضله ويديم لنا تسديده بقدرته، وأن يحيينا ويميتنا على الإسلام غير مشركين ولا جاحدين ولا مبدلين، إنه على كل شيء قدير، وكل مستصعب عليه يسير، وهو بمن خافه واتقاه وطلب ما عنده ولم يلحد في دينه رءوف رحيم. اهـ.
قلت: هذا آخر ما كتبته من كلام الحسن بن أيوب، وهو ممن كان من أجلاء علماء النصارى وأخبر الناس بأقوالهم، فنقله لقولهم أصح من نقل غيره.
وقد ذكر في كتابه من الرد على ما يحتجون به من الحجج العقلية والسمعية، وما يبطل قولهم من الحجج السمعية والعقلية ما يبين ذلك.
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72)
[فصل: بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح]
وأما قولهم: وعلى هذا المثال نقول: في السيد المسيح طبيعتان:
طبيعة لاهوتية: التي هي طبيعة كلمة الله وروحه.
وطبيعة ناسوتية: التي أخذت من مريم العذراء واتحدت به.
فيقال لهم: كلام النصارى في هذا الباب مضطرب مختلف متناقض، وليس لهم في ذلك قول اتفقوا عليه، ولا قول معقول، ولا قول دل عليه كتاب، بل هم فيه فرق وطوائف كل فرقة تكفر الأخرى، كاليعقوبية والملكانية والنسطورية، ونقل الأقوال عنهم في ذلك مضطربة، كثيرة الاختلاف.
ولهذا يقال: لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا على أحد عشر قولا، وذلك أن ما هم عليه من اعتقادهم من التثليث والاتحاد، كما هو مذكور في أمانتهم، لم ينطق به شيء من كتب الأنبياء، ولا يوجد لا في كلام المسيح ولا الحواريين ولا أحد من الأنبياء، ولكن عندهم في الكتب ألفاظا متشابهة وألفاظا محكمة يتنازعون في فهمها، ثم القائلون منهم بالأمانة وهم عامة النصارى اليوم من الملكانية والنسطورية واليعقوبية مختلفون في تفسيرها، ونفس قولهم متناقض يمتنع تصوره على الوجه الصحيح.
فلهذا صار كل منهم يقول ما يظن أنه أقرب من غيره، فمنهم من يراعي لفظ أمانتهم وإن صرح بالكفر الذي يظهر فساده لكل أحد كاليعقوبية، ومنهم من يستر بعض ذلك كالنسطورية، وكثير منهم وهم الملكانية بين هؤلاء وهؤلاء، ولما ابتدعوا ما ابتدعوا من التثليث والحلول، كان فيهم من يخالفهم في ذلك.
وقد يوجد نقل الناس لمقالاتهم مختلفا، وذلك بحسب قول الطائفة التي ينقل ذلك الناقل قولها، والقول الذي يحكيه كثير من نظار المسلمين يوجد كثير منهم على خلافه، كما نقلوا عنهم ما ذكره أبو المعالي وصاحبه أبو القاسم الأنصاري، وغيرهما: أن القديم واحد بالجوهر، ثلاثة بالأقنوم، وأنهم يعنون بالأقنوم: الوجود والحياة والعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|