عرض مشاركة واحدة
  #479  
قديم 12-08-2024, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,189
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (479)
صــ 351 إلى صــ 365






القول في تأويل قوله ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه إن الله لا يحب المختال الفخور الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل .

ف الذين يحتمل أن يكون في موضع رفع ردا على ما في قوله فخورا من ذكر ، ويحتمل أن يكون نصبا على النعت ل من [ ص: 351 ]

والبخل في كلام العرب : منع الرجل سائله ما لديه وعنده ما فضل عنه كما

9493 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه والشح أن يشح على ما في أيدي الناس . قال يحب أن يكون له ما في أيدي الناس بالحل والحرام لا يقنع

واختلفت القرأة في قراءة قوله ويأمرون الناس بالبخل .

فقرأته عامة قرأة أهل الكوفة بالبخل بفتح الباء والخاء

وقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين بضم الباء بالبخل

قال أبو جعفر : وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته .

وقد قيل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الذين كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود ولم يبينوه للناس وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

ذكر من قال ذلك

9494 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله [ ص: 352 ] قال هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم وكتموا ذلك

9495 - حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " إلى قوله وكان الله بهم عليما ما بين ذلك في يهود .

9496 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله

9497 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : وهم أعداء الله أهل الكتاب بخلوا بحق الله عليهم وكتموا الإسلام ومحمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

9498 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : أما الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : فهم اليهود " ويكتمون ما آتاهم الله من فضله : اسم محمد صلى الله عليه وسلم - وأما يبخلون ويأمرون الناس بالبخل : يبخلون باسم محمد صلى الله عليه وسلم ويأمر بعضهم بعضا بكتمانه

9499 - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال حدثني أبو جعفر الرازي قال حدثنا يحيى عن عارم عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال هذا للعلم ليس للدنيا منه شيء

9500 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل قال هؤلاء يهود . وقرأ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله قال يبخلون بما آتاهم الله من الرزق [ ص: 353 ] ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه وقرأ : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) [ سورة النساء 53 ] من بخلهم

9501 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ، وكانوا يخالطونهم ينتصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله " أي من النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا إلى قوله وكان الله بهم عليما " .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية على التأويل الأول والله لا يحب ذوي الخيلاء [ ص: 354 ] والفخر الذين يبخلون بتبيين ما أمرهم الله بتبيينه للناس من اسم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته التي أنزلها في كتبه على أنبيائه وهم به عالمون ، ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك مثل علمهم بكتمان ما أمرهم الله بتبيينه له ويكتمون ما آتاهم الله من علم ذلك ومعرفته من حرم الله عليه كتمانه إياه .

وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد : إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا : الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما قاله الذين قالوا إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية بالبخل بتعريف من جهل أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق وأن محمدا لله نبي مبعوث وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بينه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه فبخل بتبيينه للناس هؤلاء وأمروا من كانت حاله حالهم في معرفتهم به أن يكتموه من جهل ذلك ولا يبينوه للناس

وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة ولا تخلقا بل ترى ذلك قبيحا وتذم فاعله وتمتدح - وإن هي تخلقت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود وتعده من مكارم [ ص: 355 ] الأفعال وتحث عليه ولذلك قلنا إن بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه دون البخل بالأموال إلا أن يكون معنى ذلك الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وسبله ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك فيكون بخلهم بأموالهم وأمرهم الناس بالبخل بهذا المعنى - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهوم في وصفهم بالبخل وأمرهم به .
القول في تأويل قوله ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ( 37 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأعتدنا وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم من المعرفة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم المكذبين به بعد علمهم به الكاتمين نعته وصفته من أمرهم الله ببيانه له من الناس عذابا مهينا يعني العقاب المذل من عذب بخلوده فيه عتادا له في آخرته إذا قدم على ربه وجده بما سلف منه من جحوده فرض الله الذي فرضه عليه .
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله ( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأعتدنا للكافرين بالله من اليهود الذين وصف الله صفتهم عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس . "

والذين في موضع خفض عطفا على الكافرين .

وقوله رئاء الناس يعني ينفقه مراءاة الناس في غير طاعة الله أو غير سبيله ولكن في سبيل الشيطان ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر يقول ولا يصدقون بوحدانية الله ، ولا بالمعاد إليه يوم القيامة - الذي فيه جزاء الأعمال - أنه كائن .

وقد قال مجاهد إن هذا من صفة اليهود . وهو بصفة أهل النفاق الذين كانوا أهل شرك فأظهروا الإسلام تقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به وهم على كفرهم مقيمون أشبه منه بصفة اليهود ؛ لأن اليهود كانت توحد الله وتصدق بالبعث والمعاد وإنما كان كفرها تكذيبها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 357 ]

وبعد ففي فصل الله بين صفة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وصفة الفريق الآخر الذين وصفهم في الآية قبلها وأخبر أن لهم عذابا مهينا ب " الواو الفاصلة بينهم ما ينبئ عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني وإن كان جميعهم أهل كفر بالله ولو كانت الصفتان كلتاهما صفة نوع من الناس لقيل إن شاء الله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولكن فصل بينهم ب الواو لما وصفنا .

فإن ظن ظان أن دخول الواو غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في كلام العرب فإن ذلك وإن كان كذلك - فإن الأفصح في كلام العرب إذا أريد ذلك ترك إدخال الواو وإذا أريد بالثاني وصف آخر غير الأول ، إدخال الواو وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه كتابه أولى بنا من توجيهه إلى الأنكر من كلامهم .
[ ص: 358 ] القول في تأويل قوله ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( 38 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه ومن يكن الشيطان له خليلا وصاحبا يعمل بطاعته ويتبع أمره ويترك أمر الله في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته وجحوده وحدانية الله والبعث بعد الممات فساء قرينا " يقول فساء الشيطان قرينا .

وإنما نصب القرين لأن في ساء ذكرا من الشيطان كما قال جل ثناؤه ( بئس للظالمين بدلا ) [ سورة الكهف 50 ] وكذلك تفعل العرب في " ساء ونظائرها ومنه قول عدي بن زيد :
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه فإن القرين بالمقارن مقتد
يريد ب " القرين الصاحب والصديق .
[ ص: 359 ] القول في تأويل قوله ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما ( 39 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وأي شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لو آمنوا بالله واليوم الآخر لو صدقوا بأن الله واحد لا شريك له وأخلصوا له التوحيد وأيقنوا بالبعث بعد الممات وصدقوا بأن الله مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة وأنفقوا مما رزقهم الله " يقول وأدوا زكاة أموالهم التي رزقهم الله وأعطاهموها طيبة بها أنفسهم ولم ينفقوها رئاء الناس التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله والمحمدة بالباطل عند الناس وكان الله بهؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقا وهم بالله واليوم الآخر مكذبون عليما " يقول ذا علم بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بإنفاقهم ما ينفقون من أموالهم وأنهم يريدون بذلك الرياء والسمعة والمحمدة في الناس وهو حافظ عليهم أعمالهم لا يخفى عليه شيء منها حتى يجازيهم بها جزاءهم عند معادهم إليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( 40 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم [ ص: 360 ] الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله فإن الله لا يبخس أحدا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه من ثواب نفقته في الدنيا ولا من أجرها يوم القيامة مثقال ذرة " أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن ولكنه يجازيه به ويثيبه عليه كما

9502 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة : أنه تلا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها قال لأن تفضل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها .

9503 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال كان بعض أهل العلم يقول لأن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرة أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعا .

وأما الذرة فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها كما

9504 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله مثقال ذرة قال رأس نملة حمراء .

قال أبو جعفر : قال لي إسحاق بن وهب : قال يزيد بن هارون : زعموا أن هذه [ ص: 361 ] الذرة الحمراء ليس لها وزن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

9505 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا هشام بن سعد قال أخبرنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : والذي نفسي بيده ما أحدكم بأشد مناشدة في الحق يراه مصيبا له من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النار . يقولون أي ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ويجاهدون معنا قد أخذتهم النار فيقول الله لهم اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه ويحرم صورتهم على النار فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون ، فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم [ ص: 362 ] يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول لهم ذلك حتى يقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه . فكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث قال إن لم تصدقوا فاقرأوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " فيقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا .

9507 - وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثني أبي وشعيب بن الليث عن الليث عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال آخرون في ذلك بما :

9508 - حدثني به المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا صدقة بن أبي سهل قال حدثنا أبو عمرو عن زاذان قال أتيت ابن مسعود فقال [ ص: 363 ] إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد من عند الله ألا من كان يطلب مظلمة فليجئ إلى حقه فليأخذه قال فيفرح - والله المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته فيأخذ منه وإن كان صغيرا . ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون : 101 ] فيقال له ائت هؤلاء حقوقهم ، أي أعطهم حقوقهم فيقول : أي رب من أين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله لملائكته أي ملائكتي انظروا في أعماله الصالحة وأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها يا ربنا أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة فيقول للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة . ومصداق ذلك في كتاب الله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما : أي الجنة يعطيها وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة وهو أعلم بذلك إلهنا فنيت حسناته وبقي سيئاته وبقي طالبون كثير فيقول الله ضعفوا عليها من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النار قال صدقة أو صكا إلى جهنم شك صدقة أيتهما قال [ ص: 364 ]

9509 - وحدثت عن محمد بن عبيد عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب قال سمعت زاذان يقول قال عبد الله بن مسعود : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها أو على ابنها أو على أخيها أو على زوجها ثم قرأ ابن مسعود : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون 101 ] فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب للناس فيقول ائتوا إلى الناس حقوقهم ، فيقول رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم ؟ فيقول خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ علينا إن الله لا يظلم مثقال ذرة . وإن كان عبدا شقيا قال الملك رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير . فيقول خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار [ ص: 365 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية على تأويل عبد الله هذا إن الله لا يظلم عبدا وجب له مثقال ذرة قبل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه ولكنه يأخذه منه له ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تبعته قبله وإن تك حسنة يضاعفها يقول : وإن توجد له حسنة يضاعفها بمعنى يضاعف له ثوابها وأجرها ويؤت من لدنه أجرا عظيما يقول ويعطه من عنده أجرا عظيما والأجر العظيم : الجنة على ما قاله عبد الله .

ولكلا التأويلين وجه مفهوم ، أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود والذي قاله قتادة وإنما اخترنا التأويل الأول لموافقته الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته إذ كان في سياق الآية التي قبلها التي حث الله فيها على النفقة في طاعته وذم النفقة في طاعة الشيطان . ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]