
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (174)
صـ 19 إلى صـ 26
مالك والشافعي وأحمد، فقالوا: إن الله يأمر بما لا يريده (1) ، كالكفر والفسوق والعصيان.
واحتجوا على ذلك بما أنه لو حلف على واجب ليفعلنه (2) وقال: " إن شاء الله " [فإنه] لا يحنث (3) ، وبأن الله أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه (4) ، بل نسخ ذلك قبل فعله، وكذلك الخمسون صلاة ليلة المعراج.
وحقيقته أنه يأمر بما لا يشاء أن يخلقه، لكن لا يأمر إلا بما يحبه ويرضاه فيريد من العبد أن يفعله، بمعنى أنه يحب ذلك ولا يريد (5) هو أن يخلقه فيعين العبد عليه، [وهذا كالكفر والفسوق والعصيان] (6) ، ولو حلف الحالف: " ليفعلن كذا إن شاء الله " لم يحنث وإن كان واجبا.
ولو قال: " إن أحب الله " (7) حنث، كما لو قال: [إن أمر الله، ولو قال] لأفعلنه إذا أراد الله (8) ، [فقد يريد بالإرادة المحبة، كما يقولون لمن يفعل القبائح: يفعل ما لا يريده الله (9) ، وقد يريد المشيئة كما يقولون لما لم يكن: هذا لم يرده الله تعالى (10) ، فإن أراد هذا حنث 0
_________
(1) ب، أ: إن الله يأمر بما لا يريد، ن: إن الله لا يأمر بما لا يريده ; م: إن الله لا يأمر بما لا يريد.
(2) ب، أ: ليفعله.
(3) ب، أ: إن شاء الله لا يحنث ; ن: إن شاء الله لم يحنث ; م: إن شاء الله لم يجب.
(4) ن، م: وبأن الله أمر إبراهيم بذبح ابنه ولم يرده.
(5) ع، م: لا يريد.
(6) وهذا كالكفر والفسوق والعصيان: هذه الكلمات ساقطة من (ن) ، (م) .
(7) ع: وإن قال إن أحب الله ; م: ولو كان إن أحب الله.
(8) إن أمر الله ولو قال: ساقطة من (ن) ، (م) .
(9) ن، م: لا أفعله إن أراد الله. وبعد هذه العبارات يوجد سقط في (ن) ، (م) حتى كلمة " فصل " وتوجد عبارة قبل ذلك هي: " والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر ".
(10) الله تعالى: في (ع) فقط
=================================
وأما أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم بذبح ابنه، فإنه كان الذي يحبه ويريده منه في نفس الأمر: أن قصد إبراهيم الامتثال وعزم (1) على الطاعة، فأظهر (2) الأمر امتحانا له وابتلاء، فلما أسلما وتله للجبين ناداه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. وكذلك الأمر بالخمسين] (3) .
[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يستلزم أشياء شنيعة منها أن يكون الله أظلم من كل ظالم والرد عليه]
[فصل]
قال المصنف (4) الرافضي (5) : " وهذا يستلزم أشياء شنيعة منها: أن يكون الله أظلم من كل ظالم، لأنه يعاقب الكافر على كفره وهو قدره عليه، ولم يخلق فيه قدرة على الإيمان، فكما أنه يلزم الظلم لو عذبه على لونه وطوله وقصره لأنه لا قدرة له فيها، كذا (6) يكون ظالما لو عذبه على المعصية التي فعلها فيه ".
فيقال: الظلم قد تقدم أن للجمهور المثبتين للقدر في تفسيره قولين: (7) أحدهما: أن الظلم ممتنع لذاته غير مقدور، كما يصرح بذلك الأشعري، والقاضي أبو بكر، وأبو المعالي، والقاضي أبو يعلى، وابن الزاغوني (8) ، وغير
_________
(1) ع: وعزمه.
(2) ب، أ: وأظهر.
(3) وكذلك الأمر بالخمسين: في (ع) فقط. وما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(4) المصنف: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(5) ن، م: الإمامي. والعبارات التالية في (ك) 1/85 (م) - 86 (م) .
(6) ب، أ: كذلك.
(7) ع، أ: قولان، وهو خطأ.
(8) م (فقط) : وابن الزعفراني، وهو تحريف
==================================
هؤلاء: (1) يقولون: (2) إنه يمتنع أن يوصف بالقدرة على الكذب (3) والظلم وغيرهما من أنواع (4) القبائح، ولا يصح وصفه بشيء من ذلك.
قالوا: والدلالة على استحالة وقوع الظلم والقبيح (5) منه [أن الظلم والقبيح] (6) ما شرع الله وجوب ذم فاعله، وذم الفاعل لما ليس له فعله، ولن يكون كذلك حتى يكون متصرفا فيما غيره أملك به وبالتصرف فيه منه، فوجب استحالة ذلك في حقه من حيث [إنه] (7) لم يكن آمرا لنا (8) بذمه، ولا كان ممن يجوز دخول أفعاله تحت تكليف من نفسه لنفسه (9) ، ولا يكون فعله تصرفا في شيء غيره أملك به (10) ، فثبت [بذلك] (11) استحالة تصوره في حقه.
وحقيقة قول هؤلاء أن الذم إنما يكون لمن تصرف في ملك غيره ومن عصى الآمر (12) [الذي فوقه] (13) ، والله سبحانه وتعالى يمتنع أن يأمره أحد، ويمتنع أن يتصرف في ملك غيره، فإن له كل شيء.
_________
(1) ب، أ: وغيرهم.
(2) ب، أ: ولا يقولون، وهو خطأ.
(3) ن، م: ويقولون إنه غير قادر على الكذب.
(4) أنواع: زيادة في (ن) ، (م) .
(5) ع: والقبح.
(6) والقبيح: في (ع) ، (م) فقط. وسقطت عبارة " أن الظلم والقبيح " من (ن) .
(7) إنه: في (ع) فقط.
(8) ب، أ: لم يكن أمر الناس ; ن، م: لم يكن لنا آمرا.
(9) لنفسه: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(10) ن: منه.
(11) بذلك: ساقطة من (ن) ، (م) .
(12) ب (فقط) : أمر.
(13) الذي فوقه: ساقطة من (ن) ، (م)
==================================
وهذا القول يروى عن (1) إياس بن معاوية (2) ، قال: ما خاصمت بعقلي كله إلا القدرية، قلت: لهم (3) أخبروني ما الظلم؟ قالوا: (4) أن يتصرف الإنسان في ما ليس له. قلت: فلله كل شيء.
وهم (5) لا يسلمون أنه لو عذبه بسبب لونه وطوله وقصره كان ظالما حتى يحتج عليهم بهذا القياس، بل يجوزون التعذيب لا بجرم (6) سابق ولا لغرض لاحق. وهذا المشنع لم يذكر دليلا على بطلانه، فلم يذكر دليلا على بطلان قولهم.
والقول الثاني: أن الظلم مقدور، والله تعالى منزه عنه. وهذا قول الجمهور [من المثبتين للقدر ونفاته، وهو قول كثير من النظار المثبتة للقدر، كالكرامية، وغيرهم، وكثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وهو قول القاضي أبي خازم (7) . (8) وغيره وهذا] (9) كتعذيب الإنسان بذنب غيره، كما قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} [سورة طه 112] .
_________
(1) ب، أ: يرد على، وهو تحريف.
(2) أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني، سبقت ترجمته 2/304.
(3) لهم: زيادة في (ب) ، (أ) فقط.
(4) ع: قال، وهو خطأ.
(5) ن، م: وهؤلاء.
(6) ع: بلا ظلم ; م: بلا جرم.
(7) ب، أ، ع،: أبي حازم. وهو محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء. سبقت ترجمته 1/143، 2/286
(8) بن القاضي أبي يعلى
(9) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م)
============================
وهؤلاء يقولون: الفرق بين تعذيب الإنسان على فعله الاختياري وغير فعله الاختياري مستقر في فطر العقول، فإن الإنسان لو كان له ابن (1) في جسمه مرض (2) أو عيب خلق فيه لم يحسن (3) ذمه ولا عقابه على ذلك، ولو ظلم ابنه أحدا لحسن (4) عقوبته على ذلك.
ويقولون: الاحتجاج بالقدر على الذنوب مما يعلم بطلانه بضرورة العقل، فإن الظالم لغيره لو احتج بالقدر لاحتج ظالمه بالقدر أيضا (5) ، فإن كان القدر حجة لهذا فهو حجة لهذا، وإلا فلا. (6)
والأولون أيضا يمنعون الاحتجاج بالقدر، فإن الاحتجاج به باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به.
ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم (7) أحد أحدا، ولا يعاقب أحد أحدا، فكان (8) للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه (9) من المظالم والقبائح، ويحتج بأن ذلك مقدر عليه (10) .
_________
(1) له ابن: ساقطة من (ب) ، (أ) . وفي (م) ، (ن) : له أثر، وهو تحريف.
(2) ب، أ: برص.
(3) ب، أ: يستحسن.
(4) ب، أ: يحسن.
(5) ب، أ: أيضا بالقدر.
(6) عبارة: " وإلا فلا " ساقطة من (ع) فقط.
(7) ن: أن يلزم ; م: أن يلزمه.
(8) ن، م، ب: وكان.
(9) م: ما شاء.
(10) ع، م: مقدر علي ; ن: مقدور علي
===================================
والمحتجون على المعاصي بالقدر أعظم بدعة وأنكر قولا وأقبح طريقا من المنكرين للقدر، فالمكذبون بالقدر من المعتزلة والشيعة وغيرهم المعظمون للأمر (1) والنهي والوعد والوعيد، خير من الذين يرون القدر حجة لمن ترك المأمور وفعل المحظور، كما يوجد ذلك (2) في كثير من المدعين للحقيقة (3) الذين يشهدون القدر (4) ، ويعرضون عن الأمر والنهي، من الفقراء والصوفية والعامة وغيرهم، فلا عذر لأحد في ترك مأمور ولا فعل محظور (5) بكون ذلك مقدرا (6) عليه، بل لله الحجة البالغة على خلقه.
والقدرية المحتجون بالقدر على المعاصي شر من القدرية المكذبين بالقدر، وهم أعداء الملل. وأكثر ما أوقع الناس في التكذيب بالقدر احتجاج هؤلاء به. ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد ولم يكونوا قدرية، بل كانوا (7) لا يقبلون الاحتجاج على المعاصي بالقدر (8) ، كما قيل للإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب قدريا، فقال: الناس (9) كل من شدد عليهم المعاصي، قالوا هذا قدري (10) وقد قيل إنه بهذا السبب (11) نسب إلى
_________
(1) ن، م: المعطلون الأمر، ع: المعصمون للأمر، وهو تحريف.
(2) ذلك: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(3) للحقيقة: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(4) ب، أ: للقدر، وهو تحريف.
(5) ب، أ: في ترك المأمور ولا فعل المحظور.
(6) ب، أ، م: مقدورا.
(7) ن، م، ع: ولكن كانوا.
(8) ع: على المعاصي للمعاصي بالقدر.
(9) الناس: ساقطة من (ع) فقط.
(10) ن، م: هو قدري، وابن أبي ذئب من أهل المدينة، وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ابن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، توفي سنة 158، قال مالك بن أنس: لو برئ ابن أبي ذئب من القدر، ما كان على وجه الأرض خير منه، انظر ترجمته في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص [0 - 9] 8، 335، تهذيب التهذيب 9/303 - 307 الأعلام 7/61.
(11) ب، أ: وقد قيل لهذا السبب
===============================
الحسن (1) القدر، لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي ناهيا عنها، ولذلك نجد الواحد من هؤلاء ينكر على من ينكر المنكر، ويقول: هؤلاء قدر عليهم ما فعلوه (2) . فيقال لهذا (3) : وإنكار هذا المنكر أيضا بقدر الله، فنقضت قولك بقولك.
وهؤلاء يقول بعض مشايخهم: أنا كافر برب يعصى، ويقول: لو قتلت سبعين نبيا لم أكن مخطئا (4) ويقول بعض شعرائهم: أصبحت منفعلا لما يختاره مني ففعلي كله طاعات (5) .
ومن الناس من يظن أن احتجاج آدم على موسى بالقدر كان من هذا الباب، وهذا (6) جهل عظيم، فإن الأنبياء من أعظم الناس أمرا بما أمر الله به، ونهيا عما نهى الله عنه، وذما لمن ذمه الله، وإنما بعثوا بالأمر بالطاعة لله (7) ، والنهي عن معصية الله، فكيف يسوغ أحد منهم (8) أن يعصي عاص لله محتجا بالقدر؟ ولأن آدم عليه السلام كان قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأنه لو كان القدر حجة لكان حجة لإبليس وفرعون وسائر الكفار، ولكن كان ملام موسى لآدم [عليهما السلام] (9) لأجل المصيبة (10)
_________
(1) وهو الحسن البصري.
(2) ما فعلوه: زيادة في (ب) ، (أ) .
(3) أ: فيقال هذا المنكر، ب: فيقال لهذا المنكر.
(4) ن، م، ع: ما كنت مخطئا.
(5) ع فقط: طاعاتي.
(6) ب: وهو. وسقطت من (أ) .
(7) ن، م، ع: بطاعة الله.
(8) ب، أ: واحد منهم.
(9) عليهما السلام: زيادة في (ع) فقط.
(10) ب، أ: لأجل المعصية، م: بسبب المصيبة
===================================