
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (173)
صـ 11 إلى صـ 18
والفرقة الثانية (1) من الزيدية: السليمانية أصحاب (2) سليمان بن جرير، يزعمون أن الإمامة شورى، وأنها تصلح (3) بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها قد تصلح في المفضول (4) ، وإن كان الفاضل أفضل في كل حال، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر، وقد قيل إنها كانت خطأ لا يفسق صاحبها لأجل التأويل (5) .
والثالثة: (6) البترية أصحاب كثير النواء، قيل: (7) سموا بترية ; لأن كثيرا (8) كان يلقب بالأبتر. يزعمون أن عليا أفضل الناس (9) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ; لأن عليا ترك ذلك لهما، ويقفون في عثمان وقتله، ولا يقدمون عليه بإكفار، كما يحكى عن السليمانية. وهذه الطائفة أمثل الشيعة، [ويسمون
_________
(1) م، ن: الثالثة.
(2) م فقط: هم السليمانية أتباع. . .
(3) م فقط: وأن الإمامة تصلح. . .
(4) ب، أ: للمفضول.
(5) السليمانية أو الجريرية أصحاب سليمان بن جرير الرقي، وقد ظهر في أيام المنصور، ومن آرائهم زيادة على ما ذكره ابن تيمية: أن سليمان طعن في عثمان رضي الله عنه للأحداث التي أحدثها وأكفره بذلك، وأكفر عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم لإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه، وطعن سليمان في الإمامية الرافضة في أمور. انظر عن سليمان والسليمانية أو الجريرية: فرق الشيعة للنوبختي، ص 30، 85 - 87، مقالات الإسلاميين 1/68، 70، 71 - 72، 73 ; الفرق بين الفرق، ص 24، الملل والنحل 1/141 - 142، نشأة الفكر الفلسفي 2/186 - 188.
(6) م فقط: والرابعة.
(7) ب، أ: الكثيرية أصحاب كثير التوصل ; ن، م: البترية: أصحاب النواقيل.
(8) ب (فقط) : سموا أبترية لأن كثيرا منهم وهو خطأ.
(9) ع فقط: أن عليا كان أفضل الناس
===============================
أيضا الصالحية ; لأنهم ينسبون (1) إلى الحسن بن صالح بن حي الفقيه] (2) .
وهؤلاء الزيدية فيهم من هو في القدر على قول أهل السنة والجماعة وفيهم من هو على قول القدرية.
الوجه الثاني: أن يقال: نقله عن الأكثر أن العبد لا تأثير له في الكفر والمعاصي نقل باطل، بل جمهور أهل السنة المثبتة (3) للقدر من جميع الطوائف يقولون (4) : " إن العبد فاعل لفعله (5) حقيقة، وأن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية، وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية، بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل (6) من أن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب، وينبت النبات بالماء، ولا يقولون: إن القوى والطبائع (7) الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها، بل يقرون أن لها تأثيرا (8) لفظا ومعنى، حتى جاء لفظ " الأثر " في (* مثل قوله تعالى {ونكتب ما قدموا وآثارهم}
_________
(1) ع فقط: ينتسبون.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) والبترية هم أصحاب كثير النواء الأبتر، ويتفقون مع الصالحية في مذهبهم، وانظر عن البترية والصالحية: فرق الشيعة ص 34 - 35، 77 - 78 مقالات الإسلاميين 1/68 - 69 الفرق بين الفرق، ص 24 - 25، الملل والنحل 1/142 - 143 نشأة الفكر الفلسفي 2/182 - 168.
(3) ع: المثبتون.
(4) ع: يقول، ن: تقول. وفي (م) الياء غير المعجمة.
(5) لفعله: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(6) أ: بما يدل عليه، والعقل: ب: بما يدل عليه العقل.
(7) ب: قوى الطبائع، أ: القوى الطبائع.
(8) م: بل يقولون إن لها أثرا، ن: بل يقرون إن لها أثرا
===================================
[سورة يس: 12] ، وإن كان التأثير هناك أعم منه في الآية، لكن يقولون: هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها، والله تعالى *) (1) خالق السبب والمسبب، ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه، ولا بد له من معارض يمانعه، فلا يتم أثره مع خلق الله له إلا بأن يخلق الله (2) السبب الآخر ويزيل الموانع (3) .
ولكن هذا القول الذي حكاه هو قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري، ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى ولا طبائع (4) ، ويقولون إن الله فعل عندها لا بها، ويقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل.
وأبلغ من ذلك قول الأشعري: إن الله فاعل فعل العبد، وإن عمل (5) العبد ليس فعلا للعبد بل كسبا له (6) ، وإنما هو فعل الله فقط (7) وجمهور
_________
(1) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
(2) ب: فلا يتم أثره إلا مع خلق الله له لا به بأن يخلق الله تعالى ; أ: فلا يتم أثره إلا مع خلق الله له إلا به بأن يخلق الله تعالى ; ن: فلا يتم أثره إلا مع خلق الله له بأن يخلق الله ; م: فلا يتم الأثر إلا مع خلق الله له بأن يخلق الله.
(3) م فقط: المانع.
(4) ب، أ: قوى الطبائع.
(5) ن، م: فعل.
(6) ب: بل كسب له، م: بل ولا كسبا له.
(7) ن: فعل لله فقط، وقد لخص مستجى زاده كلام ابن تيمية الذي يبدأ بعبارة: ولكن هذا القول الذي حكاه هو قول بعض المثبتة للقدر، إلى هذا الموضع ثم علق بقوله: قلت والعجب أن المعتزلة مع أنهم يقولون إن قدرة العبد على الإيجاد والتأثير ليست من الله تعالى فبذلك ينسبهم أكثر أهل الحق إلى الإشراك بالله، حتى قالوا: إن المجوس إنما يثبتون شريكا واحدا فقط وهو أهرمان، وأما المعتزلة فهم يثبتون لله تعالى شركاء لا تحصى من الإنس والجن والحيوانات لقولهم بأن لهم إيجاد أفعالهم الاختيارية
=============================
الناس من أهل السنة من جميع الطوائف على خلاف ذلك، وعلى أن (1) العبد فاعل لفعله حقيقة (2) .
وأما ما نقله من (3) نفي الغرض الذي هو الحكمة، وكون الله لا يفعل لمصلحة العباد، فقد قدمنا أن هذا (4) هو قول قليل منهم، كالأشعري، وطائفة توافقه في موضع، ويتناقضون في قولهم في موضع آخر (5) .
وجمهور أهل السنة يثبتون الحكمة في أفعال الله تعالى، وأنه يفعل لنفع عباده ومصلحتهم، ولكن لا يقولون بما تقوله المعتزلة ومن وافقهم: [بأن ما حسن منه حسن من خلقه، وما قبح من خلقه قبح منه] (6) فلا هذا ولا هذا. [وأما لفظ " الغرض " فتطلقه المعتزلة وبعض المنتسبين لأهل السنة، (7) ويقولون: إنه يفعل لغرض أي حكمة، وكثير من أهل السنة يقولون: " يفعل " (8) لحكمة ولا يطلقون لفظ " الغرض "] (9) .
وأما قوله: " وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر، ولا يريد منه الطاعة " فهذا قول طائفة منهم، وهم الذين يوافقون القدرية، فيجعلون
_________
(1) ب، أ: وأن.
(2) بعد كلمة: حقيقة. جاءت في (ب) ، (أ) عبارة: والله تعالى أعلم.
(3) ن، م: عن.
(4) م فقط: أن ذلك.
(5) ن، م: يوافقونه في موضع، ويناقضون قولهم في موضع آخر.
(6) أ: بأن ما حسن منه حسن من خلقه وما قبح من خلقه قبح من خلقه، ب: بأن ما حسن من خلقه حسن منه وما قبح من خلقه قبح منه، وسقطت هذه العبارات من (ن) ، (م) .
(7) ع: وبعض المنتسبين إلى السنة.
(8) يفعل: في (ع) فقط.
(9) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م)
==============================
المشيئة والإرادة والمحبة والرضا نوعا واحدا (1) ، ويجعلون المحبة والرضا والغضب بمعنى الإرادة، كما يقول ذلك الأشعري في المشهور عنه، وأكثر أصحابه، وطائفة ممن يوافقهم من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
وأما جمهور أهل السنة من جميع الطوائف، وكثير من أصحاب الأشعري وغيرهم (2) ، فيفرقون بين الإرادة وبين المحبة والرضا، فيقولون: إنه وإن كان يريد المعاصي فهو لا يحبها ولا يرضاها، بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها، وهؤلاء يفرقون بين مشيئة الله وبين محبته. وهذا قول السلف قاطبة.
وقد ذكر أبو المعالي الجويني أن هذا قول القدماء من أهل السنة وأن الأشعري خالفهم فجعل (3) الإرادة هي المحبة (4) ، فيقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما شاء الله فقد خلقه. وأما المحبة فهي متعلقة بأمره (5) ، فما أمر به فهو يحبه ولهذا اتفق الفقهاء (6) على أن الحالف لو قال: (7)
_________
(1) وهم الذين يوافقون القدرية. . . والمحبة والرضا نوعا واحدا: بدل هذه العبارات جاء في (ن) ، (م) : وهم الذين يجعلون الإرادة نوعا واحدا.
(2) وغيرهم: ساقط من (ب) ، (أ) ، (م) .
(3) م: وأن الأشعرية خلافهم فجعل، ن: وأن الأشعرية خالفتئهم فجعل.
(4) علق مستجى زاده على هذا الكلام بقوله: " وقد رأيت في كلام إمام الحرمين أن الله تعالى يحب الكفر ويرضاه، تعالى الله عن ذلك، وله - تجاوز الله [عنه]- آراء متباينة فيصرح في تأليف له بعقيدة وفي تأليف آخر بعقيدة متباينة لها فصرح في الإرشاد: أنا ندين الله تعالى بأن الأفعال الاختيارية للعبد ليس لقدرة العبد تأثير فيها، وإنما هي محض خلق الله تعالى وإيجاده وصرح في الرسالة النظامية بأن للعبد قدرة وتأثيرا فيها، حتى أن شارح " المقاصد " أنكر وقوع ذلك عن الإمام احتجاجا بكلامه في " الإرشاد " ولعله لم ير الرسالة النظامية
(5) ب، أ: فهي منفعلة من أمره، ن، م: فمتعلقة بأمره
(6) ب، أ، ن: العلماء.
(7) ب، أ: إذا قال
================================
" والله لأفعلن كذا إن شاء الله " لم يحنث إذا لم يفعله (1) وإن كان واجبا أو مستحبا ولو قال (2) إن أحب الله حنث إذا كان واجبا أو مستحبا.
والمحققون من هؤلاء يقولون: الإرادة في كتاب الله تعالى نوعان: إرادة خلقية (3) قدرية كونية، وإرادة دينية [أمرية] شرعية (4) فالإرادة الشرعية الدينية هي المتضمنة للمحبة والرضا والكونية هي [المشيئة] (5) الشاملة لجميع الحوادث، كقول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وهذا كقوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] وقوله عن نوح {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [سورة هود: 34] .
فهذه الإرادة (6) تعلقت بالإضلال والإغواء وهذه هي المشيئة فإن ما شاء الله كان.
[ومنها قوله: {ولكن الله يفعل ما يريد} [سورة البقرة: 253] أي ما شاء خلقه (7) لا ما يأمر به] (8) .
وقد يريد (9) بالإرادة المحبة، كما يقال لمن يفعل الفاحشة: هذا فعل (10) ما
_________
(1) أ، ن: والله لأفعلن هذا كذا إن شاء الله وفعله لم يحنث.
(2) بدلا من " ولو قال " جاء في (م) : وإن كان.
(3) خلقية: ساقطة من (ب) ، (أ) ، (م) . وفي (ن) : نوعية، وهو تحريف.
(4) ن، م: وإرادة شرعية دينية.
(5) المشيئة: ساقطة من (ن) ، (م) .
(6) ب، أ، م: فهذه الآية خطأ.
(7) ع (فقط) : أي ما يشاء خلقه.
(8) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(9) ب (فقط) : وقد يراد ; ن، م: فقد يريد.
(10) ن: يفعل ; م: الفعل
==================================
لا يريده الله تعالى وقد يريد المشيئة كما يقولون لما لم يكن: [هذا لم] يرده الله (1) .
وأما الدينية فقول الله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة البقرة: 185] . وقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم - والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} [سورة النساء: 26، 28] . وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] . وقوله {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . (2)
فهذه الإرادة في هذه الآيات ليست هي التي يجب مرادها (3) ، كما في قوله {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [سورة الأنعام: 120] وقول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، بل هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل (4) ما لا يريده الله، أي لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به.
وهذا التقسيم في الإرادة قد ذكره غير واحد من أهل السنة وذكروا أن
_________
(1) ن: لم يكن يرده الله ; وسقطت كلمة الجلالة من (أ) ، (ب) .
(2) بعد هذه الآية في (ب) ، (أ) : " وقوله: (ولكن الله يفعل ما يريد) أي ما شاء خلقه ". أقحمه الناسخ سهوا. وقد نبه محقق نسخة (ب) على ذلك فقال: ولا محل لهذه الآية هنا فإنها ذكرت قبل في الإرادة الكونية فلعلها هنا مكررة من الناسخ
(3) ن: ليست هي بحيث يجب مرادها ; م: ليست هي بحسب مرادها.
(4) ب، أ: فعل
=======================================
المحبة والرضا ليست هي الإرادة الشاملة لكل المخلوقات، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة [ومالك والشافعي] وأحمد وغيرهم (1) كأبي بكر عبد العزيز وغيره، وإن كان طائفة أخرى يجعلون المحبة والرضا هي الإرادة والأول أصح.
وأيضا فالفرق ثابت بين إرادة المريد (2) أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل (3) ، والأمر لا يستلزم الإرادة الثانية (4) دون الأولى ; فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر (5) ، فقد يريد إعانة المأمور على ما أمره به (6) وقد لا يريد ذلك وإن كان مريدا منه فعله (7) .
وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله: هل هو مستلزم لإرادته أم لا؟ فلما زعمت المعتزلة أنه لا بد أن يشاء ما يأمر به فيريده، وزعموا أن ما نهى عنه ما شاء وجوده ولا أراده قابلهم كثير (8) من متأخري المثبتين للقدر (9) ممن اتبع أبا الحسن من المصنفين في أصول الفقه [وغيرهم (10) ] من أصحاب
_________
(1) وأحمد: ساقطة من (ب) ، (أ) . وفي (ن) ، (م) : أحمد وأبي حنيفة وغيرهما ; وفي (ع) اختلف ترتيب الأسماء.
(2) ب، أ: بين الإرادة والمريد، وهو خطأ.
(3) ب، أ: من غير أن يفعل، وهو خطأ.
(4) ع، م: الثابتة.
(5) م (فقط) : إذا أقر العباد بأمر، وهو تحريف.
(6) ن: على فعل ما أمره به ; م: على فعل ما أمر به.
(7) ع: وإن كان مريدا فعله منه ; م: وإن كان مريدا منه لفعله.
(8) ب: ما شاء وجوده لإرادة ما قابله وكثير. . ; أ: ما شاء وجوده لإرادة قابلة وكثير. . . ; ن، م: فما شاء وجوده ولا إرادة قابلهم كثير.
(9) للقدر: ساقطة من (ب) فقط.
(10) ب، أ: وغيره. وهي ساقطة من (ن) ، (م)
=====================================