
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (172)
صـ 5 إلى صـ 10
محدث، لأن الجسم لا يخلو من الحوادث [وما لا يخلو من الحوادث] (1) فهو حادث.
وكل هذه المقدمات فيها نزاع: فمن الناس من يقول: قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ; فإذا قيل له: هذا خلاف المعقول، قال: هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا بطريق الأولى، وإن رد هذا رد ذاك بطريق الأولى، وإذا رد ذاك تعين أن يكون في الجهة، [فثبت أنه في الجهة] (2) على التقديرين.
ومن الناس من لا يسلم أن كل جسم محدث، كسلفه من الشيعة والكرامية وغيرهم، والكلام معهم.
وهؤلاء لا يسلمون [له] (3) أن الجسم لا يخلو من الحوادث، بل يجوز عندهم خلو الجسم عن الحركة وكل حادث، كما يجوز منازعوهم خلو الصانع من الفعل إلى أن فعل (4) .
وكثير من أهل الحديث والكلام والفلسفة (5) ينازعهم (6) في قولهم: إن ما لا يخلو عن الحادث (7) فهو حادث.
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (ب) .
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
(3) له: ساقطة من (ن) ، (م) .
(4) ن، م: إلى أن يفعل.
(5) ب، أ: من أهل الكلام والفلسفة.
(6) ب (فقط) : ينازعونهم.
(7) ن، م: الحوادث
==================================
وكل مقام من هذه المقامات تعجز شيوخ الرافضة [الموافقين] للمعتزلة (1) عن تقرير قولهم فيه على إخوانهم القدماء من [الرافضة] (2) فضلا، عن غيرهم من الطوائف.
تم الجزء الثاني بحمد الله ويليه الجزء الثالث إن شاء الله وأوله: (فصل) : قال الرافضي: وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد.
_________
(1) ب، أ، ن، م: شيوخ الرافضة والمعتزلة.
(2) من الرافضة: في (ع) فقط
=============================
[فصل قول الرافضي إن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العباد والرد عليه]
فصل.
قال الرافضي (1) : " وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العباد " (2) .
فيقال له: هذه المسألة من دقيق الكلام، وليست من خصائص أهل السنة ولا القائلون (3) بخلافة الخلفاء متفقون عليها (4) [بل بعض القدرية يقول بذلك، وأما أهل السنة المثبتون للقدر فليس فيهم من يقول بذلك، وإنما يقوله من يقوله من شيوخ القدرية الذين هم شيوخ هؤلاء الإمامية المتأخرين في مسائل التوحيد والعدل (5) ، (فإن جميع ما يذكره هؤلاء الإمامية المتأخرون في مسائل التوحيد والعدل) (6) ، كابن النعمان والموسوي الملقب بالمرتضى وأبي جعفر الطوسي (7) وغيرهم، هو (8) مأخوذ من
_________
(1) قال الرافضي: كذا في (ع) والكلام التالي في (ك) منهاج الكرامة، ص 85 (م)
(2) ب: العبد ; م: على مثل مقدورات العباد، وفي (أ) سقطت عبارة: لا يقدر على مثل مقدور العباد ; وفي (ك) في 85 (م) : على مثل مقدور العبد، وآخرون إلى أنه لا يقدر على عين مقدور العبد، وليست " تعالى " في ك.
(3) ع: ولا القائلين
(4) الكلام بعد عبارة (متفقون عليها) وإلى بداية الفصل التالي ساقط من (ن) وفي (م) عبارة واحدة بدلا من كل الكلام التالي وهي: بل منهم من يقول بذلك ومنهم من لا يقول به
(5) ع: العدل والتوحيد
(6) ما بين القوسين في (ع) فقط.
(7) ابن النعمان هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي الملقب بالشيخ المفيد. والمرتضى هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد، والطوسي هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي شيخ الإمامية ورئيس الطائفة وسبقت ترجمة الثلاثة 1/58، 2/83
(8) هو: كذا في (أ) وفي (ب) : وهو ; و " هو " ساقطة من (ع)
==============================
كتب المعتزلة، بل كثير منه منقول نقل المسطرة وبعضه قد تصرفوا فيه.
وكذلك ما يذكرونه من (1) تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك، هو منقول من تفاسير المعتزلة كالأصم (2) والجبائي (3) وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني (4) والرماني (5) وأبي مسلم الأصبهاني (6) وغيرهم، لا ينقل عن قدماء الإمامية من هذا حرف واحد، لا في الأصول العقلية ولا في
_________
(1) من: كذا في (ع) وفي (ب) ، (أ) : في.
(2) ب، أ: كالاسم، وهو تحريف، وهو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم، ذكره القاضي عبد الجبار ضمن الطبقة السادسة من طبقات المعتزلة في كتابه: (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) ص 267 - 268، تحقيق الأستاذ فؤاد سيد، طبعة الدار التونسية للنشر، تونس 1393 1974 وسبقت ترجمة الأصم والكلام على آرائه 2/569.
(3) يطلق اسم الجبائي على أبي علي محمد بن عبد الوهاب، والفرقة التي تنسب إليه هي الجبائية، سبق الكلام عليه 1/395، كما يطلق على ابنه أبي هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد، والفرقة التي تنتسب إليه هي البهشمية، وسبق الكلام عليه 1/270، 2/124، وذكر القاضي عبد الجبار أبا علي ضمن الطبقة الثامنة في المرجع الذي سبق ذكره، ص 287 - 296، وذكر ابنه أبا هاشم في الطبقة التاسعة، ص 304 - 308.
(4) هو القاضي أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد الهمذاني الأسدآبادي، المتوفى سنة 415، سبقت ترجمته 1/15، وانظر ترجمته أيضا في كتاب " فضل الاعتزال " ص 121 - 127، وانظر كتاب (قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني) تأليف الدكتور عبد الكريم عثمان (رحمه الله) ، ط. دار العربية، بيروت 1386 1967.
(5) أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني، من مفسري المعتزلة، ومن كبار النحاة، ولد ببغداد سنة 296 وتوفي بها 384، انظر ترجمته في: المنية والأمل لابن المرتضى، ص 65 - 66، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص 333 ; بغية الوعاة للسيوطي، 344 - 345 ط الخانجي، 1326، وفيات الأعيان 2/461، تاريخ بغداد 12/16 - 17، الأعلام 5/134.
(6) هو أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، ذكره القاضي عبد الجبار في كتابه المشار إليه مرتين ص 299، 323: وذكره ابن المرتضى اليماني في ((المنية والأمل)) ص 53، وقال عنه: ((صاحب التفسير والعلم الكبير)) وقد ولد الأصفهاني عام 254 وتوفي سنة 322، وله شعر، وولي أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسي، وانظر ترجمته في الأعلام 6/273، معجم المؤلفين 9/97 لسان الميزان 5/89 ; بغية الوعاة للسيوطي ص 23، وقد علق مستجى زاده عند هذا الموضع بقوله: ((وعندي تفسير يقال له تفسير (الكلمة غير واضحة) ينقل عن الأصم والجبائي، وقد كان الإمام الرازي ينقل في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني أشياء ويستحسن أكثرها ويروجها ويؤيدها حتى إنه نقل عنه في تفسير قوله تعالى رب أرني كيف تحي الموتى كلمات هي خارجة عن إجماع المسلمين، بل عن إجماع اليهود والنصارى، واستحسنها الإمام وأيدها، وقد بينت فسادها وبطلانها وكونها خارقة لإجماع أهل التفسير في حاشيتي على تفسير القاضي))
=======================================
تفسير القرآن، وقدماؤهم كانوا أكثر اجتماعا بالأئمة من متأخريهم، يجتمعون بجعفر الصادق وغيره، فإن كان هذا هو الحق فقدماؤهم كلهم ضلال، وإن كان ضلالا (1) فمتأخروهم هم الضلال] (2) .
[فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أن الله عز وجل يفعل القبائح]
[فصل] قال الرافضي (3) : " وذهب الأكثر منهم إلى أن الله عز وجل (4) يفعل القبائح، وأن جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء الله وقدره، وأن العبد لا تأثير له في ذلك، وأنه لا غرض لله في أفعاله، وأنه لا يفعل (5) لمصلحة العباد (6) شيئا،
_________
(1) ع: وإن كانوا ضلالا.
(2) هنا ينتهي السقط في نسختي (ن) ، (م) .
(3) ن، م: الإمامي. والكلام التالي في (ك) ص [0 - 9] 5 (م) .
(4) عز وجل: في (ع) فقط، وفي (ك) : إلى أنه تعالى.
(5) ك: ولا يفعل.
(6) ن، م: العبد
=================================
وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة وهذا يستلزم أشياء شنيعة ".
فيقال: الكلام على هذا من وجوه.
أحدها: أنه قد تقدم غير مرة أن مسائل القدر والتعديل والتجوير (1) ليست ملزومة (2) لمسائل الإمامة ولا لازمة، فإن كثيرا من الناس يقر بإمامة الخلفاء الثلاثة، ويقول (3) ما قاله في القدر، وكثير من الناس بالعكس، وليس أحد من الناس (4) مرتبطا بالآخر أصلا وقد تقدم النقل (5) عن الإمامية: هل أفعال العباد خلق الله [تعالى] ؟ على قولين (6) ، وكذلك الزيدية.
قال الأشعري (7) : " واختلفت الزيدية في [خلق] الأفعال (8) وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن أفعال (9) العباد مخلوقة لله، خلقها وأبدعها واخترعها بعد أن لم تكن، فهي (10) محدثة له مخترعة. والفرقة الثانية
_________
(1) ب، أ، ع، م: والتجويز، وهو خطأ.
(2) ب، أ: مستلزمة.
(3) ب، أ: ويقولون.
(4) ع: وليس واحد من الناس، م: وليس أحد التأثير، وهو تحريف.
(5) النقل: ساقطة من (ب) ، (أ) ، وفي (م) : العقل وهو تحريف.
(6) ن، م: خلق لله على قولين.
(7) في مقالات الإسلاميين (ط ريتر، استانبول، 1929) 1/72.
(8) ن، م: في الأفعال ; المقالات: في خلق الأعمال.
(9) المقالات: أعمال.
(10) ع: وهي
================================
منهم يزعمون أنها غير مخلوقة لله (1) ولا محدثة، وأنها كسب (2) للعباد (3) أحدثوها واخترعوها [وابتدعوها] (4) وفعلوها ".
قلت: بل غالب الشيعة الأولى كانوا مثبتين للقدر، وإنما ظهر إنكاره في متأخريهم كإنكار الصفات، فإن غالب متقدميهم كانوا يقرون بإثبات الصفات، والمنقول عن أهل البيت في إثبات الصفات والقدر لا يكاد يحصى، وأما المقرون بإمامة الخلفاء [الثلاثة] (5) مع كونهم قدرية فكثيرون في (6) المعتزلة وغير المعتزلة. (7) فعامة القدرية تقر بإمامة الخلفاء (8) ، ولا يعرف أحد من متقدمي القدرية كان ينكر خلافة الخلفاء، وإنما ظهر هذا لما صار بعض الناس رافضيا قدريا جهميا، فجمع أصول البدع كصاحب هذا الكتاب وأمثاله.
والزيدية المقرون (9) بخلافة الخلفاء الثلاثة هم (10) من الشيعة، وفيهم قدرية وغير قدرية، والزيدية خير من الإمامية، وأشبههم بالإمامية هم (11)
_________
(1) لله: كذا في (ع) ، (أ) ، و ((المقالات)) وفي (ن) ، (م) : لله تعالى وفي (ب) : له.
(2) المقالات: ولا محدثة له مخترعة وإنما هي كسب.
(3) للعباد: كذا في (ع) ، (ن) ، (م) والمقالات: وفي: أ: العبد، ب: العبيد.
(4) وابتدعوها: ساقطة من (ن) . وفي المقالات: وأبدعوها. وفي (م) : أحدثوها واخترعوها وفعلوها وأبدعوها.
(5) الثلاثة: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(6) ب، أ: من.
(7) وغير المعتزلة: زيادة في (ن) ، وفي (م) : وغيرهم.
(8) ب، أ: يقرون بخلافة الخلفاء: م: مقرون بإمامة الخلفاء.
(9) ب (فقط) : مقرون.
(10) ب، أ: وهم.
(11) هم: ساقطة من (ع) ، (م)
================================
الجارودية أتباع أبي الجارود (1)
الذين يزعمون (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي [بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده] (3) ، وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الحسن هو الإمام، ثم الحسين.
ثم من هؤلاء من يقول: إن عليا نص على إمامة الحسن، والحسن نص على إمامة الحسين، ثم هي شورى في ولدهما، فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه، وكان عالما (4) فاضلا، فهو الإمام (5)
_________
(1) ب، أ، ن، م: ابن الجارود ; ع: ابن أبي الجارود. والصواب ما أثبته، وهو أبو الجارود زياد بن أبي زياد المنذر الهمذاني الخراساني العبدي ويكنى أبا النجم ويقال له أحيانا النهدي والثقفي الكوفي توفي ما بين سنة 150، 160 هـ، وهو رأس فرقة الجارودية من الزيدية. ويذكر الشهرستاني أن جعفر الصادق سماه سرحوبا، وفسر الباقر ذلك بأن سرحوبا شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود - كما يقول النوبختي - أعمى البصر أعمى القلب. ويزعم الجارودية أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالوصف دون التسمية، فكان الإمام من بعده، وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. والإمام بعد علي عندهم هو الحسن ثم الحسين، ثم إن الإمامة شورى في أولاد الحسن والحسين، وقال الجارودية بالمهدية، وقال بعضهم: إن علم أولاد الحسن والحسين كعلم النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر عن الجارود والجارودية: فرق الشيعة للنوبختي (ط. الحيدرية، النجف، 1379/1959) ص 75 - 78؛ مقالات الإسلاميين 1/66 - 67؛ الملل والنحل 1/140 - 141؛ الفرق بين الفرق، ص 22 - 24؛ نشأة الفكر الفلسفي لعلي سامي النشار 2/177 - 181.
(2) ب، أ: الذين زعموا.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(4) عالما: ساقطة من (ب) ، وفي (أ) : وكان فصلا، وهو تحريف.
(5) ب، أ: فهو إمام
==================================