عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-08-2024, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [122]
الحلقة (153)





شرح سنن أبي داود [122]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وكل ما ورد عن الصحابة من صيغ للتشهد صحيحة يمكن أن تقال، على ألا يجمع بينها بل تذكر كل واحدة منفردة.

ما جاء في التشهد


شرح تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء


قال المصنف رحمه الله: [ باب التشهد: حدثنا تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف- عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم فذكر نحوه. قال شريك : وحدثنا جامع -يعني: ابن شداد - عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه بمثله قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: (اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها، وأتمها علينا) ]. مر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الطريق الأولى التي فيها أنهم كانوا يقولون: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وقد مر الكلام عليه، وبيان ما يتعلق به من أحكام. ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى لهذا الحديث، وأحال على الحديث المتقدم فقال: [ عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم.. فذكر نحوه ]، أي: كنا لا ندري ما نقول في الصلاة من الدعاء والذكر في التشهد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم. قوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو متن الحديث المتقدم، والمعنى وجود اتفاق في المعنى مع اختلاف في بعض الألفاظ. وقوله: [ وكان رسول الله صلى لله عليه وسلم قد علم ]، أي: علمه الله عز وجل، وهذا يدل على أن سنة رسول الله صلى لله عليه وسلم وحي من الله تعالى، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فما يأتي به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو من ربه سبحانه وتعالى، سواء كان قرآناً أو سنة، إلا أن القرآن يتعبد بتلاوته والعمل به، والسنة يتعبد بالعمل بها، فالقرآن والسنة يتعبد بالعمل بهما ولا يفرق بينهما، ومن لا يعمل بالسنة لا يعمل بالقرآن، ومن يلتزم بالسنة فهو ملتزم بالقرآن؛ لأن السنة شارحة للقرآن ومفسرة له، ودالة عليه، ومبينة لما أجمل فيه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السنة إنما هي من الله؛ فمن ذلك حديث أنس في فرائض الصدقة، حيث قال أبو بكر : (هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على رسوله)، ثم ذكر التفاصيل التي جاءت فيها، أي: أن ما جاء في السنة إنما هو من الله. وكذلك الحديث الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء)، ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)، يعني نزل جبريل باستثناء الدين، فهذا يوضح أن السنة وحي من الله سبحانه وتعالى. وقوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو حديث عبد الله بن مسعود المتقدم في الطريق الأولى المشتملة على التشهد المشهور المعروف الذي قال به أكثر العلماء، وقدموه على غيره، وقد عرفنا أن كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ التشهد فإن الأخذ به حق وصحيح، وللإنسان أن يأتي بهذا أو بهذا، ولكن لا يجمع بينها بأن يأتي بصيغة التشهد التي رواها ابن مسعود ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عباس ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عمر ، وصيغة التشهد التي رواها أبو موسى ، وصيغة التشهد التي رواها عمر ، وإنما يأتي بصيغة واحدة، ولكن كل صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأخذ بها أخذ بالحق، وسبق أن ذكرت أن هذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن هذه أنوع للحق، فالذي أخذ بتشهد ابن مسعود قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد ابن عباس قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد فلان أو فلان مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب. ثم بعد ذلك ذكر الطريق الأخرى التي عن شريك والتي فيها ما تقدم إلا أن فيها زيادة دعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياه، ولكن لم يكن يعلمهموه كما يعلمهم التشهد، أي أن الاهتمام والعناية به أخف وأقل من عنايته بالتشهد.
تراجم رجال إسناد تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء

قوله: [ حدثنا تميم بن المنتصر ]. ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف - ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [يعني] أتى بها من دون تميم بن المنتصر تلميذ إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو إما أبو داود أو من دون أبي داود ، وأتى بها لأن تميم بن المنتصر لما حدث عن شيخه إسحاق لم يزد على كلمة [عن إسحاق ] وهذا ما يسمونه في علم المصطلح بالمهمل، أي: الذي ذكر اسمه ولم ينسب، وهو نوع من أنواع علوم الحديث. فتلميذه ما زاد على كلمة [ عن إسحاق ] ولكن من دونه أراد أن يبين من هو إسحاق وأتى بكلمة [يعني] ولم يقل: إسحاق بن يوسف ؛ لأنه لو قال: إسحاق بن يوسف لفهم أن هذا كلام تلميذه تميم بن المنتصر ، وكلمة [يعني] فعل مضارع فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى إسحاق بن يوسف الأزرق ، وقائلها أبو داود أو من دون أبي داود . [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. لكن الرواية المتقدمة التي أحال عليها في الحديث السابق قد جاءت من الطريق السابقة ومن غيرها، فهي ثابتة من هذه الطريق ومن الطرق الأخرى، وأما زيادة الدعاء التي جاءت بعد ذلك فلم تأت إلا من هذه الطريق، ولا أدري هل يرويها أبو داود يرويها عن شريك بالإسناد المتقدم إليه، أو أنه معلق وأن الواسطة بينه وبين شريك بالنسبة للزيادة التي زادها سقطت. [ عن أبي إسحاق ]. وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. هو عوف بن مالك ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهذا غير أبي الأحوص الذي سبق أن مر في حديثين حيث روى عن أبي ذر حديث: (لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) وحديث بعده وهو حديث النهي عن مسح المصلي الحصى فإن الرحمة تواجهه، يرويه أبو الأحوص شيخ من أهل المدينة عن أبي ذر ، وفي رواية أنه مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو الذي لم يرو عنه إلا الزهري ، وهو يروي عن أبي ذر ، وهو مجهول، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، فهذا غير ذاك، هذا ثقة وذاك إما مجهول وإما مقبول، وحديثه لا يصح، والاثنان في طبقة التابعين. وهناك شخص يقال له أبو الأحوص وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة. [ عن عبد الله بن مسعود ] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحيح كما قاله بعض أهل العلم أن ابن مسعود ليس معهم، وإنما هم من صغار الصحابة وهم متقاربون في السن، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فقد توفي قديماً سنة اثنتين وثلاثين، وأما وفاة هؤلاء فكانت بعد الستين، والعبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. [ قال شريك : وحدثنا جامع -يعني ابن شداد - ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. وهو شقيق بن سلمة ، يأتي ذكره في بعض الروايات باسمه، ويأتي ذكره بكنيته كما هنا، وهو ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بمثله ]. أي: مثل حديث ابن مسعود المتقدم؛ فالأول قال (نحوه)، والثاني قال (بمثله)، وكلمة (بمثله) تعني المماثلة في الألفاظ والمعاني، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة في المعاني مع اختلاف في شيء من الألفاظ. [ قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد ]. أي: أنه كان يعلمهم كلمات، لكن تعليمهم إياها كان دون تعليمهم التشهد في الاهتمام والعناية، ولذا جاء في بعض الروايات عن ابن مسعود في التشهد: أن كفه كانت بين كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على الاهتمام والعناية، وأيضاً كون ابن مسعود يخبر بهذا يدل على ضبطه لما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من يتقن الهيئة التي كان عليها عند التحديث بالحديث فذلك يدل على أنه قد ضبط الحديث، ويقولون: إن الحديث إذا كان له قصة فذلك يدل على ضبط الراوي، وذلك مثل قول ابن عمر رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب) فكذلك ابن مسعود يقول: ( كانت كفي بين كفيه) يعني علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه، ثم ذكر هذا الدعاء، ومعناه واضح. و الألباني ضعف هذه الزيادة التي فيها الدعاء، وأما معناه فهو مستقيم، والإنسان يدعو بأي دعاء مستقيم، لكنه يختار الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل دعاء حديث الأعمش : إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ] أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى، ولم يذكر لفظها ولكن أحال على الطريق الأولى التي جاءت من طريق الأعمش ، وقال بعد ذلك: [ فإذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ]. وهذا الكلام لا يعني أن الصلاة انتهت بالتشهد؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فلا يتحلل الإنسان من الصلاة إلا بالتسليم الذي هو ركن من أركان الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) أي: بدايتها التكبير ونهايتها التسليم، ومعنى: (تحريمها التكبير) ، أي: أنه إذا قال: (الله أكبر) فقد حرم عليه كل ما كان حلالاً قبل ذلك من الأكل والشرب والكلام والذهاب والإياب والحركة وغير ذلك، ويستمر كذلك إلى أن يسلم، فإذا سلم حل له ما حرم عليه بسبب تكبيرة الإحرام، وهذا معنى (تحليلها التسليم) أي: إذا سلم فقد انتهت الصلاة، وحل له أن يأكل ويشرب ويتكلم ويلتفت؛ لأنه فرغ من صلاته. إذاً: قوله: [ (إذا قضيت ذلك فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد) ]، يعني: إذا قضيت معظم صلاتك؛ لأن الصلاة نهايتها بالتسليم، ولا يكون الانتهاء من الصلاة قبل ذلك، ولو أحدث قبل أن يسلم فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة. وذكر بعض أهل العلم: أن هذا مدرج من كلام ابن مسعود ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن بن الحر ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن القاسم بن مخيمرة ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ قال: أخذ علقمة بيدي ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علقمة و الأسود من أصحاب ابن مسعود ، ومكثران من الرواية عنه. [ أن عبد الله بن مسعود ]. وقد مره ذكره، وفيه: أن ابن مسعود حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده، وابن مسعود حدث علقمة وهو آخذ بيده، وعلقمة حدث القاسم بن مخيمرة وهو آخذ بيده، وهذا يسمونه المسلسل، وهو هنا مسلسل بالأخذ باليد.
شرح حديث تشهد ابن عمر

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا نصر بن علي حدثني أبي حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: (التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -قال: قال ابن عمر : زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر : زدت فيها: وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ]. بعد أن فرغ من ذكر طرق تشهد ابن مسعود انتقل إلى التشهد الذي رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشهد ابن عمر هو: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). ففي أوله اختلاف عن تشهد ابن مسعود ، حيث يقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ففيه عطف بواو العطف بين الصلوات والطيبات والتحيات، وأما تشهد ابن عمر فليس فيه واو عطف. وقد قيل: إن واو العطف محذوفة، وقيل: إن بعضها صفة لبعض، فالطيبات تكون صفة للصلوات. وواو العطف جاء حذفها في القرآن والسنة، ومما جاء في القرآن قول الله عز وجل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:1-8] فقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) معطوفة على قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) ولكن حذفت واو العطف، ومما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث: (يخرج الإنسان من صلاته لم يكتب له إلا تسعها إلا ثمنها) يعني: إلا كذا وإلا كذا وإلا كذا، فحذفت واو العطف. وبعض أهل العلم اختار تشهد ابن مسعود لأن فيه عطف تلك الكلمات بعضها على بعض، بما يفيد أن معانيها مختلفة، بخلاف ما حذف منه واو العطف لاحتمال أن تكون صفات، ومن المعلوم أنها إذا كانت صفات قلت الكلمات وقلت المعاني، فيكون تشهد ابن مسعود أولى. قال: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ]، وهذا متفق عليه في جميع صيغ التشهد. وفي هذا الحديث: أن ابن عمر قال: [ زدت: وبركاته ]، أي: في السلام على النبي، والمقصود: أن الذي حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بدون [وبركاته] . ثم قال: [ (أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر : زدت: وحده لا شريك له) ] وهذه أيضاً زادها على ما حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تأكيد لـ: (لا إله إلا الله) ، فكلمة: (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، وكلمة (لا شريك له) مؤكدة لـ(لا إله)، فقدم المؤكد الخاص على المؤكد العام، مثل قول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فهي تعادل (لا إله إلا الله)؛ لأن (اجتنبوا الطاغوت) معناها: لا إله، و(اعبدوا الله) معناها: إلا الله، فكل رسول يدعو إلى كلمة الإخلاص والتوحيد، وإلى إفراد الله بالعبادة ونفي العبادة، عن كل من سوى الله. قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ]. هذا مطابق لما تقدم في حديث ابن مسعود المتقدم، ومعناه أن الاختلاف الذي بين تشهد ابن عمر وتشهد ابن مسعود كائن في الكلمات الأولى وذلك بإثبات وحذف واو العطف، ويختلف عنه أيضاً في زيادة: (وحده لا شريك له) بعد قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله).

تراجم رجال إسناد حديث تشهد ابن عمر


قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، اسمه واسم أبيه مطابق لاسم جده وجد أبيه وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو علي بن نصر بن علي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، يقال له: ابن أبي وحشية وهو مشهور بكنيته: أبو بشر ، وأيضاً مشهور بنسبته: ابن أبي وحشية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت مجاهداً ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث تشهد أبي موسى

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فلما جلس في آخر صلاته قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة، فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، قال: فلعلك يا حطان أنت قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، قال: فقال رجل من القوم: أنا قلتها، وما أردت بها إلا الخير، فقال أبو موسى : أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين، يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لم يقل أحمد : وبركاته، ولا قال: وأشهد، قال: وأن محمداً ]. أورد أبو داود تشهد أبي موسى الأشعري ، لأن أبا داود ذكر تشهد ابن مسعود أولاً، ثم ذكر تشهد ابن عمر ، ثم ثلث بتشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ويرويه حطان بن عبد الله الرقاشي . قوله: [ فأرم القوم ] أي: سكتوا وما تكلم أحد. قول حطان : [ ولقد رهبت أن تبكعني بها ] أي: خفت أن تلصقها بي وتضيفها إلي. قول أبي موسى : [ أما تعلمون ما تقولون في صلاتكم؟! ] أي: عليكم أن تتعلموا الأمور المطلوبة منكم في الصلاة، ثم إن أبا موسى رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا. قوله: [ وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا ] يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبين الأحكام في الخطب، وهذا من كمال البيان، ويدلنا على الاهتمام بتعليم أمور الدين، وأن ذلك يكون في الخطب كما يكون في غير الخطب. قوله: [ (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم.) ] كان مما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم) أي: سووا صفوفكم حتى لا يكون فيها فرج، وتسوية الصفوف يكون بملء الصف الأول أولاً، ولا ينشأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا امتلأ الثاني، وهكذا، وإقامة الصفوف إنما يكون بتسويتها والتراص فيها، وألا يكون فيها فرج، وتكون التسوية إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام من جهة اليسار وكانوا عن يمينه تراصوا إلى اليمين، وإذا كانوا عن يساره تراصوا إلى جهة الإمام ولا يذهبون إلى طرف الصف، والصف إنما يبدأ من وراء الإمام، لا من طرف الصف. هذه صفة إقامة الصفوف. قوله: [ (فإذا كبر فكبروا) ] معناه: تابعوه كما قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ) أي: ليكن تكبيركم بعد تكبيره، لا قبله ولا معه ولا بعده بوقت طويل؛ لأن أحوال الائتمام أربع حالات: إما التقدم والمسابقة، وإما الموافقة له بحيث يكون الإمام والمأموم على حد سواء، فلا يسبق هذا هذا ولا يتأخر هذا عن هذا، وإما المتابعة فإذا فرغ الإمام تبعه المأموم، وإما التخلف عنه مدة، هذه أحوال أربعة المشروع منها هو المتابعة التي يدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كبر فكبروا) أي: فيكون تكبيركم بعد تكبيره مباشرة، لا تسبقونه ولا توافقونه ولا تتأخروا عنه، فلا موافقة ولا تأخر ولا مسابقة. وإذا دخل الإنسان دخل في الصلاة قبل إمامه فإنه لا يعتبر مؤتماً بالإمام وصلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام هي تحريم الصلاة، فلو كبر قبل الإمام أو معه لم تصح صلاته؛ لأنه ما دخل مع الإمام بالمتابعة وإنما بالمسابقة والموافقة، والدخول في الصلاة يجب أن يكون وراء الإمام. ثم جميع الأفعال يجب أن تكون وراء الإمام، كما قال: (إذا كبر فكبروا)؛ لأن كلمة (فكبروا) تفيد المتابعة مع عدم الموافقة وعدم التأخر. قوله: [ (وإذا قال : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين يجيكم الله) ] لأن آمين معناها: اللهم استجب، فالمعنى: ادعوا بكلمة آمين التي معناها اللهم استجب، يجبكم الله. الملقي: (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] قوله: [ (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا) ] أي كبروا بالركوع واركعوا وراءه ولا تتأخروا عنه، ولا تسابقوه أو تلاحقوه أو تكونوا موافقين له لئلا يكون هو أزيد منكم في وقت الركوع، لأنه يسبقكم في الركوع والقيام، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع والقيام فيكون مقدار ركوعكم مثل مقدار ركوعه؛ لأن اللحظة التي سبقكم بها عندما ركع أنتم أخذتموها عندما رفع، لأنكم تأخرتم بعده. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [ (فتلك بتلك) ]. قوله: [ (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده)] لأن سمع الله لمن حمده معناها: استجاب الله لمن حمده، ولهذا جاء بعدها: ربنا ولك الحمد، ومن الكلمات الطيبة الحسنة التي قالها بعض السلف في حق أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: أنه لما قيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد! يعني: هذه فضيلة وميزة يتميز بها الصحابة؛ لأنهم صلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنوا على دعائه. قوله: [ (يسمع الله لكم) ] معناه: يجبكم، وليس معنى ذلك صفة السمع، لأن السمع يتعدى بالفعل، كما في قوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] المقصود به سمع الكلام، وإنما هنا ( يسمع الله لكم ) يعني: يجبكم. قوله: [ (فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده) ] وهذا يدلنا على أن التعبير بمثل: قال الله على لسان كذا، أنه تعبير صحيح، وأن ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستعمله العلماء في كلامهم لا سيما عندما يذكرون بعض القصص فيقولون: قال الله على لسان فلان كذا كذا. قوله: [ (وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] وهذا مثلما مر في الركوع، يعني: مقدار سجودكم هو مقدار سجوده، فإذا كبر وسجد فإنكم تكبرون وتسجدون، وعندما يقوم من السجود أنتم تبقون، يعني حتى يفرغ من قول الله أكبر، فاللحظة التي سبقكم بها عند السجود عوضتموها عند قيامه من السجود، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فتلك بتلك)، أي: هذه اللحظة بهذه اللحظة. قوله: [ (فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله) ] يعني: قعدة التشهد. وهذا التشهد الذي ذكره مثل تشهد ابن عمر إلا أن فيه تقديم الصلوات على الطيبات، وهنا قال: التحيات الطيبات الصلوات لله، وهناك قدم لله بعد التحيات، قال: التحيات لله الصلوات الطيبات. قوله: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] هذا متفق مع تشهد ابن مسعود .

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]