عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30-07-2024, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حل إشكالات الإنتصار

حل إشكالات الإنتصار


وضاح أحمد الحمادي

قال رحمه الله ص 141 : (مسألة : وذكر هذا الرجل حديث : "إذا أرسل الرجل كلبه ، وأكل ، لا يؤكل ، لأنه أمسك لنفسه" )
وقال المحقق في الحاشية : (حديث عدي هذا مشهور ، روي بألفاظ مختلفة ، ليس هذا منها ، ولعل المصنف ذكره بالمعنى. واللفظ القريب هو : عن عدي بن حاتم رضي الله عنه : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : إن قوم نصيد بهذه الكلاب؟ قال : "إن أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك ، وإن قتلن ، إلا أن يأكل الكلب ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه ، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل" ... )
وعزاه للصحيحين مع تنبيهه أن اللفظ للبخاري.
أقول : هذا اللفظ ليس هو أقرب الألفاظ إلى لفظ المصنف ، وأقرب منه ما رواه الشيخان بلفظ : "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ" وهذا لفظ متفق عليه ، ووجه كونه أقرب أن المصنف نقل الجزم بالتعليل ، وهو هنا كذلك.

قال ابن الفخار : (وقال : إن مالكاً خالف الحديث الثابت ، فكيف جاز له مخالفته ؟ وقال : إذا أكل .. فيؤكل. ... فالجواب عن ذلك ـ وبالله التوفيق ـ : أن عدياً روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا أكل الكلب فلا تأكل" ورواه عدي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا أرسلت كلابك المعلمة ، وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك ، [وإن قتلن] إلا إن أكله الكلب ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه"
وقال حذاق أئمة الحديث ، وأهل العلل : لما وردت هذه اللفظة في الحديث : "فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه" وجاء [لعل الصواب وها] الحديث بذلك؛ لأنه لا يجوز أن يكون قالٌ من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه شك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق بالشك ، وإنما يحل ويحرم بيقين من الله عز وجل ، لأنه لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى، فلما وهى الحديث بهذه الألفاظ ، لجأنا إلى الإعتصام بالاعتصام إلى الحديث لا التباس فيه ، وهو ما روى عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله الله عليه وسلم أنه قال : "إذا أكل فكل" فقد أباح الأكل في هذا الحديث بيقين بعد أكل الكلب منه ، وفي كل الأخبار الواردة : إذا قتل الكلب فهي ذكاة ... )
أقول : أما حذاق أهل الحديث فقد صححوه ولم يعلوه بما ذكر ، لذا أخرجه الشيخان في صحيحيهما وصححه عامة أهل العلم ، ولا يعله حاذق أصلاً ـ على فرض وجوده ـ فضلاً عن أن يتعلل بتعليله بما ذكر ، فإنه صلى الله عليه وسلم جزم بالعلة في غير رواية بأسانيد صحيحة إلى الشعبي ، وجزم بالحكم في جميع الروايات ، إلا أن يريد بحذاق أهل الحديث بعض فقهاء المالكية القائلين بجواز أكل ما أكل منه الكلب من الصيد ، إلا أن هؤلاء لم يتعللوا بما ذكره المصنف ، بل بأن النهي عن أكل ما أكل منه الكلب زيادة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام ، وهو مردود بأن الكل ثقة ، وبأن لها شاهد من حديث ابن عباس وأبي رافع مع موافقته لظاهر كتاب الله كما سيأتي.
على أن الشك في التعليل غير التعليل بالشك ، فإن الثاني غير ممتنع كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (لعله نزعه عرق) ومن جنسه قوله صلى الله عليه وسلم (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) كما أن لهذه المسألة تعلق باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن جوزه لا يشكل عليه الشك حتى لو كان في نفس الحكم أو علته ، بناءً على أن الحكم أو علته من اجتهاده صلى الله عليه وسلم ، ولم يجزم به لجواز أن ينبهه سبحانه وتعالى كما في أسارى بدر مثلاً ، فلما مات صلى الله عليه وسلم أمنا أن يكون اجتهاده خطأً ، هذا كله على فرض أنه شك في الحكم أو في علته ، وليس في الحديث شيء من ذلك.
أما ما استدل به من حديث عبدالله بن عمرو والذي فيه "إذا أكل فكل" فهو صحيح أو جيد من جهة إسناده ، وجاءت روايات بمعناه، فقد أجاب عنها المانعون بوجوه :
الأول : الكلام في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهو مشهور ، لكن الراجح أنها مقبولة كما تقدم.
الثاني : تضعيفه لمعارضة ما هو أصح منه سنداً ، وهو حديث عدي بن حاتم في الصحيحين مع ما له من شواهد.
الثالث : الجمع بأن حديث عمرو بن شعيب عام في كل ما أمسكه الكلب ، وحديث عدي بن حاتم فيما أمسكه على نفسه أو جاز أن يكون أمسكه على نفسه ، ولا تعارض بين عام وخاص. وبما سيأتي أيضاً.

وقول ابن الفخار رحمه الله ص 143: (فقد أباح الأكل في هذا الحديث بيقين بعد أكل الكلب منه)
فيه نظر من جهة أن دلالة الحديث دلالة عموم ، وهي ليست بدلالة يقينية عندنا وعندهم.

أما قوله : (فلما اختلفوا رجعنا إلى حديث عبدالله بن عمرو، وإلى ما أوجبه القرآن مع موافقة حديث عبدالله لظاهر القرآن . قال الله تبارك وتعالى : {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} )
أقول : أما كون حديث عبدالله بن عمرو موافقاً لظاهر القرآن ، فممنوع ، فإن الذي أحله الله سبحانه في هذه الآية هو ما أمسك الكلب على صاحبه ، ومفهومه أن ما لم يمسكه على صاحبه لا يؤكل ، وهو الموافق لحديث عدي ، إذ فيه التصريح بإباحة ما أمسكه الكلب على سيده اتباعاً لمنطوق الآية ، ومنع ما لم يمسكه على سيده أو خشي أنه لم يمسكه على سيده اتباعاً لمفهومها.
بل لو لم نقل بدلالة المفهوم لكان المنع هو الموافق لكتاب الله سبحانه ، كما قال الإمام ابن حجر : "َرِوَايَةُ عَدِيٍّ صَرِيحَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْلِيلِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَوْفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مُتَأَيِّدَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْلِ".
أما حديث عبدالله بن عمرو فقد ألغى الوصف رأساً مخالفة منه لمنطوق اللآية ومفهومها ، فإن ما أكل منه الكلب ليس هو ما أمسكه على سيده .

أما قوله : (وما أمسكت علينا هو ما أدركت ذكاته ، وما لم تدرك ذكاته إذا قتلته الجوارح ، فإذا صحت ذكاته بقتل الجوارح له ، فلا يضر أكله ، لا فرق بين أكله بعد الذكاة ، وبين أكله من شاة مذبوحة)
هذا كلام ينقض آخره أوله ، فإنه لو كان ما أمسكت علينا هو ما أدركنا ذكاته ، فما لم ندرك ذكاته لم تمسكه علينا لا محالة ، فهو خلاف قوله : (فإذا صحت ذكاته بقتل الجوارح له ...) فإن هذا مبني على أن ما لم ندرك ذكاته فهو مما أمسكته علينا أيضاً وهو خلاف مقتضى تفسيره أولاً.

وهذا المقدار الزائد ، وهو أن ما قتلته الجوارح صحت ذكاته ليس في كتاب الله ، فلا معنى للاشتهاد به على تقوية حديث عبدالله بن عمرو.
قال رحمه الله : (فإن قلوا : أكل الكلب ينبئ أنه أمسك فقتل لنفسه ؟

قيل لهم : قد يجوز أن يمسك يريد غيره ، فيأكل بعد تقدم إذارادته لغيره ، ويمكن أن يمسك يريد لنفسه ثم يكسل فلا يأكل ... ) إلى آخر كلامه.
وهذا لا فائدة في تتبعه أصلاً إلا قطع الشغب. فإن العبرة بالظاهر والظن الغالب ، وهو حاصل بأن يمسك الكلب فلا يأكل وبأن يمسك ويأكل ، وهو كافٍ.



والله أعلم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]