
29-07-2024, 07:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,437
الدولة :
|
|
رد: مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي
المجلس الرابع
من مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي
د. خالد بن حسن المالكي
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صل وسلم وبارك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أَمَّا بعد:
مرحبًا بكم، وحيَّاكم الله في [المجلس الرَّابِع من مجالس شرح تعظيم العلم].
للشيخ/ صالح بْن عبدالله بْن حمد العصيمي وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى.
طبعًا المعقد الْأَوَّلُ تحدَّث فيه الشَّيْخ عَنْ: تطهير وعاء العلم؛ وَهُوَ القلب.
ثُمَّ تحدث في المعقد الثَّانِي عَنْ: إخلاص النِّيَّة فيه؛ يَعْنِي: إخلاص النِّيَّة في طلب العلم.
وَقَدْ ذكرنا أقاويل السَّلَف عَلَيْهم رَحْمَةُ اللهِ فِيمَا يتعلق بأهمية الإخلاص وفضله:
• ومن ذَلِكَ قول الفضيل بْن عياض رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكَ نِيَّتَكَ وَإِرَادَتَكَ.
حقيقةً كلام الفضيل هذا -أَيُّهَا الأَحِبَّة الكرام- ينبغي أن نجعله نصب أعيننا، فهل نبخل عَلَى الله جَلَّ فِي عُلَاهُ بأن نخلص النِّيَّة له؟ والله يريد ذَلِكَ، والله يأمر بِهِ، والله يحب ذلِكَ، والله لا يحبُّ أن يشرك بِهِ، والله يبغض من يشرك بِهِ، فلماذا نجد صعوبة في أمر الإخلاص مع أَنَّهُ محبوب جدًّا إلى الله؟! بل هُوَ أحبُّ الْأَشْيَاء إلى الله أن يخلص الْعَبْد لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أحب الأعمال إلى الله أن تخلص وتعمل عملًا تخلص فيه لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ما الدليل عَلَى ذَلِكَ؟
الدليل عَلَى ذَلِكَ: أن أَوَّل أركان الْإِسْلَام هُوَ شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن محمدًا رَسُول الله قبل حَتَّى الصَّلَاة وَالزَّكَاة والصيام والحج.
ومقتضى الشهادتين: الإخلاص والمتابعة، مقتضى شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الإخلاص لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وألَّا يشرك الْعَبْد بالله شيئًا، لا شركًا أصغر ولا شركًا أكبر.
ومقتضى شهادة أن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله: متابعة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نسأل الله جَلَّ فِي عُلَاهُ أن ييسر لنا الإخلاص، وأن يرزقنا القبول، إن ربي قريب مجيب، اللَّهُمَّ يسِّر لنا الإخلاص يا رب العالمين، ووفِّقنا للإخلاص في الأقوال والأعمال وَالنِّيَّات.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
المعقد الثَّالِث
جمع همة النفس عَلَيْهِ
أي: المعقد الثَّالِث من معاقد تعظيم العلم (جمع همة النفس عَلَيْهِ) دعونا نقرأ كلام الْمُصَنِّف في هذا المعقد.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
فَإِنَّ شعث النفس إذا جُمع عَلَى العلم التأم، واجتمع، وإذا شغل بِهِ وبغيره ازداد تفرقًا وشتاتًا، وَإِنَّمَا تُجمع الهمة عَلَى المطلوب بتفقد ثلاثة أمور:
أولها: الحرص عَلَى ما ينفع، فَمَتَى وُفِّق الْعَبْد إلى ما ينفعه حرص عَلَيْهِ.
ثانيها: الاستعانة بالله عَزَّ وَجَلَّ في تحصيله.
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى 
فأوَّل ما يجني عَلَيْهِ اجتهاده 
ثالثها: عدم العجز عَنْ بلوغ البغية منه.
وَقَدْ جُمعت هذه الأمور الثلاثة في الحَدِيْث الذي رواه مسلم بْن الحجاج، قَالَ: حدَّثنا أبو بكر بْن أبي شيبة وابن نمير، قالا: حدثنا عبدالله بْن إدريس عَنْ ربيعة بْن عثمان، عَنْ مُحَمَّد بْن يحيى بْن حبان، عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «احرص عَلَى ما ينفعك، واستعِن بالله ولا تعجز».
تأملوا -أَيُّهَا الأَحِبَّة الكرام- كيف جمع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أُوتي الكلم بأبي هُوَ وأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأمور الثلاثة في هذا الحَدِيْث بأقل عبارة، وأوجز عبارة، وأفصح عبارة!
وهذه قاعدة -أَيُّهَا الأَحِبَّة الكرام- ينبغي أن نعتقدها في النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أولًا: أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أعلم الناس بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهو أعلم الناس.
ثانيًا: هُوَ أفصح الناس صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثالثًا: هُوَ أنصح الناس صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذا اعتقدنا هذه الأمور الأربعة في النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمكن بحال من الأحوال أن نُقدِّم قول غيره عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فينبغي أن نُؤصِّل هذه العقيدة في أنفسنا؛ وَهِيَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أعلم الناس بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وبشرعه، وهو أفصح الناس، كان كلامه فصيحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجيزًا بليغًا، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنصح الناس ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدق الناس، عُرف حَتَّى قبل البعثة بِأَنَّهُ الأمين صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
والمراد من كلامنا حول ما يختص بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وما يتصف بِهِ هُوَ:
أن نحفظ هذا الحَدِيْث، وأن نضعه نصب أعيننا إذا ما أردنا الانشغال بطلب العلم «احرص عَلَى ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز».
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
فمن أراد جمع همته عَلَى العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عَلَيْهِ؛ لأنه ينفعه، بل كُلّ خير في الدُّنْيَا والآخرة إِنَّمَا هُوَ ثمرة من ثمرات العلم.
اللَّهُ أَكْبَرُ، إذا كان كُلُّ خير في الدُّنْيَا والآخرة هُوَ ثمرة من ثمرات العلم أفلا يستحق هذا العلم أن نشمِّر له، وأن نحرص عَلَيْهِ؟!
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
وليستعن بالله عَلَيْهِ.
بلا شَكَّ لأنه إذا لم يستعن بالله كما مَرَّ معنا في البيت الذي معنا:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى 
فأول ما يجني عَلَيْهِ اجتهاده 
إذا لم يعن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَبْد لم يتمكن من فعل أي عمل صالح ولا عِبَادَة، التوفيق لَا بُدَّ أن يكون قبل أن يعمل الْعَبْد أي عمل صالح، لَا بُدَّ أن يكون هناك توفيق من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليعمل هذا العمل، ولأهمية الاستعانة بالله، فَإِنَّ الصَّلَاة لا تصح إِلَّا بها؛ لأنها جزء من الفاتحة، قَالَ الله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].
فَهٰذَا يشعرنا -أَيُّهَا الأَحِبَّة الكرام- بأهمية الاستعانة بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى تحصيل كُلِّ ما ينفع من أمور الدُّنْيَا وَالآخرة، ومن ذَلِكَ طلب العلم، وَهُوَ الموضوع الذي نحن بصدده.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
ولا يعجز عَنْ شيء منه.
يَعْنِي بعض الْمَسَائِل قَدْ لا تتضح من أول مرة، قَدْ تقرأ كتابًا تفهم منه.. مَثَلًا كِتَابًا في التَّفْسِير، ما تفهمه بالكامل، فهمك له يكون مَثَلًا أربعين بالمائة، تقرأ كِتَابًا آخر في التَّفْسِير وإذا بك ترتفع في مستوى الفهم إلى خمسين أو ستين بالمائة، وهكذا -أَيُّهَا الأَحِبَّة الكرام- فلا يعجز الْعَبْد، ولا مَثَلًا تمر عَلَيْهِ مَسْأَلَة فيها صعوبة فيتوقف عَنْ إكمال الطريق، أو يستصعب الطريق، أو يستصعب المشوار، لا، بل يستعين بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يقرأ أكثر، يسأل، يحاول أن يجعل الْمَسْأَلَة في ذهنه مرة واثنين وثلاثة، يكررها بينه وبين نفسه ومع أخوانه ومع شيوخه، وإذا بها تنفتح بعون الله إذا استعان بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وحرص عَلَى الدُّعَاء.
قَالَ الشَّيْخ وَفَّقَهُ اللهُ: (ولا يعجز عَنْ شيء منه) وأَيْضًا حَتَّى لا يصاب طالب العلم بالإحباط ينبغي له أن يتدرج في الطلب، فلا يبدأ بالمطولات، وَإِنَّمَا كما سيمر معنا يبدأ بالمختصرات.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
فإنه حِيْنَئِذٍ يدرك بغيته ويفوز بِمَا أمله.
قَالَ الجنيد رَحِمَهُ اللهُ: ما طلب أحدٌ شيئًا بجدٍّ وصدقٍ إِلَّا ناله، فَإِنَّ لم ينله كله نال بعضه.
من أعظم أسباب انقطاع طلاب العلم عَنْ مواصلة المشوار:
هُوَ: استطالة الطريق، وسيمر معنا بعون الله في كلام الْمُصَنِّف في أحد المعاقد، فلا يستطيل الطريق، أنت سائر إلى الله، إن مت في أول الطريق، أو مت في وسط الطريق، أو مت في آخر الطريق؛ فأنت عَلَى الطريق، يكفيك شرفًا أنك مت عَلَى طريق العلم وعَلَى الطريق الموصل إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، عَلَى صراط الله المستقيم، فلا تعجل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11].
هذه العجلة الَّتِي تكون في الإِنْسَان قَدْ تؤدي بِهِ إلى أن يُحرم العلم، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الأناة من الله، والعجلة من الشيطان»، فلا يستعجل الْعَبْد، ولا ينظر إلى كتب العلم والمراجع ويجدها كبيرة ثُمَّ يستثقل قراءتها ويبتعد، بل يشغل نفسه بالمرحلة الَّتِي هُوَ فيها، بالكتب الَّتِي هِيَ في مرحلته، إن كان في أول الطريق أو في وسط الطريق أو في آخر الطريق، يشغل نفسه بالمرحلة الَّتِي هُوَ فيها، وبالزمن الذي هُوَ فيه، يجد ويجتهد ويحاول أن يُدرك الغاية في فهم ما هُوَ مشغول بِهِ من متون العلم وفنونه.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى:
الجد بالجد والحرمان بالكسل 
فانصب تصب عَنْ قريب غاية الأمل 
فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة، فَإِنَّ الْعَبْد إذا رزق همة عالية فتحت له أبواب الخيرات، وتسابقت إليه المسرَّات.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|